بريطانيا بين الإستغلال الطبقي في الدّاخل واضطهاد الشعوب في الخارج / الطاهر المعز

الطاهر المعز ( تونس ) – الثلاثاء 21/6/2022 م …

بلغت نسبة تضخم أسعار المستهلك في بريطانيا 9% في نيسان/أبريل 2022 ومن المتوقع أن تتجاوز 10% خلال العام الحالي (8% في منطقة اليورو، على سبيل المُقارنة) ، في سياق التباطؤ الاقتصادي، لذلك أضرب عُمّال النقل (السكك الحديدية وقطار الأنفاق والنّقل الجوي ( بعد تسريح آلاف الموظّفين ) يوم السادس من حزيران 2022، بالتزامن مع الإحتفال بمرور سبعين سنة من حكم إليزابيث الثانية، حيث تَمَّ إلغاء المئات من الرحلات الجوية وآلاف الرحلات بالقطار، فضلاً عن التّخير الكبير للرحلات الأخرى، وفقاً لوسائل الإعلام البريطانية.




بعد فترة قصيرة، قرر ما يقرب من خمسين ألف عامل في السكك الحديدية ومترو الأنفاق في لندن الإضراب عن العمل، أيام 21 و 23 و 25 حزيران/يونيو 2022، للمطالبة بزيادة الأجور في مواجهة التضخم، وهو أحد أهم الإضرابات منذ ما يقرب من خمسة وأربعين عامًا، وفقًا لنقابة عمل النقل RMT، كما يُضرب عمال قطاعات أخرى عديدة ( أطباء وممرضات الصحة العمومية وجامعي القمامة وعمال البريد وغيرهم) من أجل زيادة الرّواتب لتعويض التضخم المرتفع، ودعت نقابة متحدون ( Unite ) في لندن يوم السبت 18 حزيران/يونيو 2022 إلى مقاومة سياسات تجميد الرواتب وخفض أعداد الموظفين، وللمطالبة بتحسين ظروف العمل وبزيادة الأجور بنسبة 22% للتعامل مع الأزمة وتكاليف المعيشة، وللتعويض عن الانخفاض (أكثر من 2,5%) في القيمة الحقيقية للدخل منذ العام 2008، ورفض الممرضون وموظّفو البريد والاتصالات والنقل بأنواعه مقترح زيادة الرواتب بنسبة 3% في المتوسط، واعتبروها غير كافية.

ركّزت وسائل الإعلام، وخاصة التابعة للمجموعات الرأسمالية على ما ستُسبِّبُهُ الإضرابات من عرقلة لعدة نشاطات رياضية وثقافية، مثل مهرجان الموسيقى في غلاستونبوري، فيما أعلنت النقابات أن احتجاج 21 و23 و25 حزيران/يونيو 2022 مرتبط بـ”عجز أرباب العمل عن التوصل إلى حل وسط يتم التفاوض عليه مع النقابات”، وأكدت نقابة السكك الحديدية على ضرورة تراجع شركات النقل بالسكك الحديدية عن مخططات تجميد الأجور لعدة سنوات، وإلغاء آلاف الوظائف، ما يُهدّد أمن المُسافرين والعاملين، وفق الأمين العام للنقابة…

بخصوص قضية فلسطين، كان للنقابات البريطانية دور للتذكير بدور بريطانيا في نكبة شعب فلسطين وبضرورة مقاطعة الكيان الصهيوني، فقد كانت بريطانيا تحتل فلسطين من نهاية الحرب العالمية الأولى إلى أيار 1948، وكانت قد وعدت الحركة الصهيونية، منذ سنة 1917 بمَنْحِهم فلسطين (وكأن فلسطين مِلْكٌ لبريطانيا) وسلّمتها إلى العصابات الصهيونية لتُؤسّس دولة تُلْغِي وُجُود الشعب الفلسطيني، وبذلك تُعتَبَرُ بريطانيا مسؤولةً مُباشرة عن احتلال فلسطين وتشريد شعبها، ولكن حكوماتها رفضت الإعتراف بمسؤوليتها لكن النقابات البريطانية ( خلافًا للعديد من النقابات الأوروبية، الفرنسية والألمانية، على وجه الخُصُوص) تضامنت ولا تزال تتضامن مع الشعب الفلسطيني، من ذلك قرار اتحاد النقابات العمالية البريطانية، باقتراح من نقابة عُمّال المَطافئ، خلال المؤتمر السنوي العام، منتصف أيلول/سبتمبر 2009، بعد عُدْوان سنة 2008 على الفلسطينيين بقطاع غزة، دعم مقاطعة بعض البضائع الصهيونية، وحظر تجارة السلاح مع الكيان الصهيوني وتوقف بعض الشركات عن الاستثمار بفلسطين المحتلّة، ويضُمُّ الإتحاد ثماني وخمسين نقابة تُمثل نحو 6,5 ملايين عامل، وسبق للدولة البريطانية عرقلة قرار مُدَرِّسي وباحثي الجامعات، سنة 2007، فرض المقاطعة الأكاديمية للجامعات الصهيونية، وفرضت الحكومة البريطانية، سنة 2016، لوائح تمنع صناديق التقاعد للجماعات المَحلّية (البلديات) من إقرار المقاطعة المالية وسحب الإستثمار في فلسطين المحتلة، لكن وبعد أربع سنوات من التّقاضي والإرهاق، قررت المحكمة البريطانية العُليا في الخامس من أيار/مايو 2020، أن اللوائح التي فرضتها الحكومة البريطانية غير قانونيةٍ، ومُنافية لقواعد الدّيمقراطية، وبالتالي لاَغِيَةً ولا يُمكن الإستئناف عليها…

لم تكن لوائح الحكومة البريطانية استثناءً، بل تندرج ضمن الجهود القمعية في أوروبا والولايات المتحدة لعرقلة حركة المقاطعة (BDS) وتقييد عملها، فقد أقَرَّ البرلمان الألماني “البوندستاغ” قراراً غير ملزمٍ يُدين حركة المقاطعة (BDS)، رغم قرار المحاكم الألمانية ببطلان حرمان مجموعات التضامن مع فلسطين من حقها في استخدام المرافق العامة وتضييق الخناق عليها، واعتبر أن ذلك يُعَدُّ انتهاكاً للحق في حرية التعبير والتجمّع، وفي الولايات المتحدة، أقرّت 28 ولاية قوانين ضدّ المقاطعة، وفي كانون الأول/ديسمبر 2019 عمل الكيان الصهيوني، عبر سفارته بإسبانيا على تعزيز الدّعاية، عبر الأشرطة السينمائية التي تَبُثُّ الدّعاية الصهيونية، بشكل “ناعم”، وألغى مجلس بلدة “كاديز” العروض السينمائية الصهيونية.

في أيار 2022، أعلن ولي العهد البريطاني، الأمير تشارلز، الذي ألقى خطاب أُمِّهِ الملكة في افتتاح البرلمان، اعتزام الحكومة تقديم تشريعات تمنع مُقاطعة الكيان الصهيوني، مع تلافي الثّغرات التي أثارها القضاء والتي تسببت بإلغاء قرارات حكومية مماثلة في السابق…

تُشارك بريطانيا، بكثافة، في كافة الحُرُوب العدوانية الأمريكية والأطلسية ضد شُعُوب العالم، وتسببت في تقسيم الوطن العربي، بالتّواطؤ مع فرنسا (اتفاقية سايكس- بيكو) وفي منح فلسطين للحركة الصهيونية، ولذلك لا غرابة في دفاعها (كقوة استعمارية امبريالية) عن الكيان الصهيوني…

تُطبِّق أنظمة الدّول الإمبريالية في الولايات المتحدة وأوروبا، الحصار الإقتصادي والسياسي والحَظْر والعُقوبات والمُقاطعة الثقافية والرياضية ضد حكومات وشُعوب العديد من بُلدان العالم، في أمريكا الجنوبية وفي إفريقيا وآسيا، وتُطبّق عقوبات ضد الشركات الروسية والصينية، ولكنها تمنع المواطنين من دَعْمِ حُقوق الشعب الفلسطيني، عبر المُقاطعة الإقتصادية والثقافية للكيان الصهيوني، أي عبر عمل جمعيات مَدَنِية مُسالمة…

يتمثل دَوْر القضاء في الإشارة إلى مواطن الخلل القانوني (التّشريعي) فتعمل الحكومات على تعديل الثّغرات، وهو ما حصل في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، حيث منعت المحاكم الإتحادية ثلاث ولايات من تطبيق قوانينها ضدّ المقاطعة، ممّا اضطرّ المشرّعين في ولايات “كانساس” و “أريزونا” و “تكساس” إلى تعديل هذه القوانين الزّجْرِية، وكذا الأمر في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها، لذلك يبقى كفاح الشعب الفلسطيني والشّعوب العربية والتّقدُّمِيِّين في العالم مُحَدِّدًا لتوسيع رُقْعَة التّضامن والدّعم من أجل تحرير فلسطين… 

قد يعجبك ايضا