فيحاء عبد الهادي تكتب عن جمعية الاتحاد النسائي العربي في نابلس في مئويتها: “تاريخ عريق لمستقبل واعد”

فيحاء عبد الهادي ( فلسطين ) – الأربعاء 1/12/2021 م …




  • «مع تغيير الهيئات الإدارية؛ بقيت جمعية الاتحاد النسائي العربي في نابلس من أقوى الجمعيات في الوطن العربي، قوتها بالإرادة وبالتصميم على العمل».

عصام عبد الهادي

يرتبط اسم «جمعية الاتحاد النسائي العربي» في نابلس لديّ بمرحلة الطفولة المبكرة، ويرتبط اسم الجمعية بشخصية آسرة تعرَّفت عليها، وطالما نظرت إليها بهيبة وحب واحترام شديد، هي الحاجة «عندليب العمد».
كما يرتبط باسم مؤسِّستها الرائدة «مريم هاشم»، وزميلاتها مؤسِّسات الجمعية، ورئيسات وعضوات الهيئات الإدارية خلال مائة عام.
ويرتبط اسم الجمعية تاريخياً باسم الرائدة الفلسطينية «زليخة الشهابي»، والرائدة العربية «هدى هانم شعراوي»، التي ألهم نضالها النسوي النساء الفلسطينيات، والحركة النسوية الفلسطينية؛ لتشكِّل «زليخة الشهابي» و»ميليا السكاكيني»: «جمعية الاتحاد النسائي العربي»، في القدس، و»مريم هاشم»: «لجنة الاتحاد النسائي العربي» في نابلس، عام 1921.
*****
تلوح أمامي صورة الحاجة «عندليب العمد»، وصورة الوالدة «عصام عبد الهادي»، التي بدأت عملها الاجتماعي التطوعي في الجمعية بعد سنتين من تخرّجها من «مدرسة الفرندز»، في رام الله عام 1947، وبقيت تشغل موقع أمينة سرّ الجمعية حتى بعد انتخابها رئيسة للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية عام 1965، وحتى تاريخ اعتقالها وإبعادها إلى عمان عام 1969، إلى أن أصبحت تمثل الجمعية في المجلس التنفيذي لاتحاد الجمعيات الخيرية في الأردن.
الحاجة «عندليب العمد»؛ التي كانت تؤمن بقدرات الشابات، وتحثّهن على الالتحاق بالجمعية، التي تمارس دورها الاجتماعي ودورها الوطني في آن. ولا أدلّ على ذلك من حثِّها الشابة «عصام عبد الهادي»؛ التي برعت في فن الخطابة، على إلقاء خطبة تحريضية، من على سطح «جامع الحاج نمر النابلسي»، تحثّ فيها المواطنين نساء ورجالاً على التظاهر ضدّ «حلف بغداد» بهدف إسقاطه، عام 1955.
*****
مسيرة «جمعية الاتحاد النسائي العربي» في نابلس، مسيرة كفاحية طويلة؛ من العمل باسم «لجنة المرأة العاملة» عام 1921، إلى العمل باسم «جمعية الاتحاد النسائي العربي»، بعد تسجيلها رسمياً عام 1945، وحصولها على ترخيص عام 1965، وإعادة تسجيلها عام 1997، وتوفيق أوضاعها عام 2001، إلى جمعية فاعلة ومؤثِّرة تحتفل بمرور مائة عام على تأسيسها عام 2021، وتفخر بالمؤسسات الوطنية العديدة التي أسّستها عبر مسيرتها الطويلة، منذ أول مؤسسة ثقافية أسّستها «النادي الثقافي الرياضي» عام 1952، مروراً بمركز «دار اليتيمات»، الذي تأَّسَّس في العام ذاته، ثم «مركز النور للكفيفات» عام 1962، و»مستشفى الاتحاد النسائي» عام 1971، و»روضة الاتحاد النسائي» عام 1998، و»كلية الحاجة عندليب العمد للتمريض والقبالة» عام 2000، و»مركز مريم هاشم لفنون الطهي وتقديم الطعام» 2013، و»مركز لواحظ عبد الهادي للتصنيع الغذائي» عام 2014؛ وحتى تأسيس «مركز كرامة للتدريب المهني» عام 2017.
ويلاحظ من مسيرة عمل هذه المؤسسات انسجام الجمعية، ومنذ التأسيس، مع رؤيتها ورسالتها وقيمها؛ رؤيتها للجمعية كمؤسسة وطنية اجتماعية متطوّرة، ورسالتها كمؤسسة أهلية خيرية تعمل في مجال التنمية الاجتماعية، وتقدِّم خدمات متنوعة في مجال الصحة والطفولة والتعليم، وقيمها التي تنبذ التمييز على أساس ﺍﻟﺩﻴﻥ ﺃﻭ ﺍﻟﻌﺭﻕ ﺃﻭ ﺍﻟﻠﻭﻥ ﺃﻭ ﺍﻟﺠﻨﺱ، وتعزِّز روح العمل الجماعي والتطوعي، وتؤمن بالتنسيق والتشبيك مع المؤسسات المختلفة، وتعتمد في عملها على مبادئ الأمانة والمساءلة والمحاسبة والشفافية.
*****
منذ البدايات وحتى يومنا هذا تلعب الجمعية دوراً وطنياً؛ لكن هناك محطات بارزة تجلّى فيها هذا الدور بأنصع صوره؛ عام 1929، وعام 1936، وعام 1947، ومنتصف الخمسينيات، وعبر الانتفاضتين الأولى عام 1987 والثانية عام 2000.
أصدرت الجمعية بيانات ونداءات وبرقيات ومذكرات سياسية، منذ ثورة البراق عام 1929، وشاركت في المؤتمرات السياسية منذ عام 1936، وتظاهرات ضد الانتداب البريطاني عام 1929، ورفضاً لقرار التقسيم عام 1947، وضد حلف بغداد عام 1955 وضد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، بالإضافة إلى العديد من التظاهرات في مناسبات سياسية كثيرة.
فتحت الجمعية عام 1947 أبوابها لتنظيم دورات للتدريب على الإسعاف الميداني، والتمريض، والخياطة، وأنشأت مركزاً للإسعاف، بإشراف رئيس الجمعية الطبية: د. «أحمد السروري»، وسَّعته لاحقاً إلى مستشفى مجهّز بثلاثة وثلاثين سريراً، ألحق بعدها بمستشفى الشهباء، الذي كان يشرف عليه د. «أمين رويحة»؛ رئيس الهيئة الطبية في جيش الإنقاذ، وفتحت أمام فتيات الجمعية باب التطوّع الميداني مع «جيش الإنقاذ» عام 1948؛ فتطوَّع عدد كبير من فتيات ونساء نابلس، منهن فتيات تميَّزن بالشجاعة والمهارة في حقل التمريض؛ «عدلة فطاير»، و»فاطمة أبو الهدى»، و»يسرى طوقان». سافرت المتطوِّعات الثلاث مع جيش الإنقاذ إلى سورية، وبالإضافة إلى الإسعاف في الميدان وإعداد الطعام؛ ساهمن في حمل الجرحى، ومساعدة الطبيب الجرّاح في العمليات الجراحية.
أما مساهمة الجمعية في الانتفاضة الأولى والثانية؛ فقد كان عمادها «مستشفى الاتحاد النسائي» الذي تأسَّس عام 1971، والذي عولج فيه آلاف الجرحى من المناضلين/ات. ولم تكفّ الجمعية عن أداء دورها الوطني الاجتماعي حتى يومنا هذا.
*****
احتفلت الجمعية بمئويتها بفعاليات عديدة، تنوّعت بين تنظيم مؤتمر علمي، بعنوان «أقلام تؤرِّخ مستقبلنا»، جمع أبحاثاً تحت إشراف لجنة علمية خُصِّصت لتحكيم الأبحاث، ونتج عنه كتاب بعنوان «جمعية الاتحاد النسائي العربي/ نابلس: التاريخ – الواقع – المستقبل»، وتنظيم معرض صور «لوحات تحاكي تاريخنا»، وثَّق  للهيئات الإدارية التي حملت مسؤولية إدارة الجمعية، وللرائدات المؤسِّسات، ورئيسات الجمعية على مدار مائة عام، بالإضافة إلى توثيق بعض نشاطات الجمعية. ولم تنس الجمعية أن تكرِّم كل من عمل ضمن مؤسَّساتها أو دعمها، وكل من عمل ضمن فعاليات المئوية المتعددة.
*****
نظَّمت الجمعية حفلاً توَّج ختام فعاليات المئوية، تحت عنوان: «تاريخ عريق لمستقبل واعد»، تضمَّن كلمات وثَّقت وثمَّنت نشاط الجمعية خلال مائة عام، وتخلَّله تكريم للهيئة الإدارية للجمعية، وفعاليات ثقافية وفنية.
هو تاريخ عريق حقاً، يدعو لاستلهام الماضي الذي كرَّس قيم العطاء اللامحدود، وروح العمل التطوّعي، والارتباط بين الاجتماعي والسياسي والثقافي، ويدعو لقراءة الواقع بعمق للاستمرار في حمل الرسالة، وتطوير العمل باستمرار؛ لصناعة مستقبل واعد.

قد يعجبك ايضا