الخراب المُتدرّج على الطريقة الأمريكية،”استراتيجية الإنهاك والتآكل البطيء” / موسى عباس




موسى عبّاس* ( لبنان ) – الجمعة 16/7/2021 م …
* باحث وكاتب لبناني …

استراتيجية “الإنهاك والتآكل البطيء”التي كان قد أفصحَ عنها الجنرال الأمريكي والخبير الإستراتيجي في ادارة الصراعات “Max.G.Manwaring”ضابط الإستخبارات السابق ، في محاضرة شهيرة ألقاها في مؤتمر انعقد في الكيان الصهيوني حضره جنرالات حلف الناتو بمشاركة جنرالات من الجيش الصهيوني بتاريخ 1/12/2018، كانت الغاية من المؤتمر وضع استراتيجية جديدة لمواجهة من تعتبرهم الولايات المُتّحدة وحلفاؤها الصهاينة ودول الغرب أعداءً لها ولسياساتها في العالم ولا سيّما في جنوب شرق آسيا ، على اعتبار أن زمن الحروب التقليدية لم يعُد مُجدِياً بما فيه الكفاية لتحطيم الدول المعادية وإجبارها على الإستسلام، وأنّ هناك ضرورة لبدأ نمط جديد من الحروب تحت مُسمى “حروب الجيل الرّابع”.
عَلماً أنّ تلك الإستراتيجية مارسها الاُمريكيون فعليّاً في أكثر من مكان في العالم قبل ذلك التاريخ لا سيّما في (ڤنزويلا والعراق وإيران وسوريا وليبيا وحتى في الصين
هل نجحت تلك الإستراتيجية في أن تؤتي أُكُلَها وتحقِق ما تمّ ابتغاؤه منها ، أم أنّ نسبة نجاحها كانت نسبية في بعض الدول وفشلت في بعضها الآخر ؟!..
أهدافها:
أوضح الجنرال “ماكس” أنّ تحطيم القدرة العسكريّة للجيش المُعادي لا ينهي الدولة التي يُدافع عنها بل يُبقي على المؤسسات الإدارية للدولة والمجتمع فيها،بينما المطلوب عبر خطوات مدروسة ومنظّمة بدقّة :
-إنهاء جميع المقوّمات التي تُثَبِت وتحافظ على وحدة الدولة ، الأمر الذي سيؤدي إلى عدم إمكانية الإدارة العامّة التحكُم بحركة القطاعات التي تُشرف على إدارة شؤون البلاد.
-شلْ قدرة الدولة العدو عن تأمين الإحتياجات الأساسية لمواطنيها، الأمر الذي سيؤدي إلى نقمة المواطنين وثورتهم وتحويلهم إلى “قُطعان هائجة”تنزل إلى الساحات والشوارع تنادي بإسقاط الحكم  أو شخصيّات  محدّدة باعتبارها مسؤولة عن تردّي الأوضاع وذلك حسب ما يُطلب منهم من قبل المسؤولين عن إدارة تحركاتهم.
– شلّ قدرة المؤسسات الدستورية الأمر الذي يعني فقدانها القدرة على التحكّم بالسلطات التنفيذية (الإدارات العامّة)، الأمر الذي يعني انهيار الدولة .
-تفكيك الدول المتعدّدة القوميّات والإثنيّات والطوائف والمذاهب إن أمكن، وتحويلها إلى دويلات متصارعة فيما بينها ومتنازعة في داخلها  .
الأسلوب :
-فرض حصار اقتصادي على الدولة المعنية.
-التلاعب بأسعار العملة المحلية والعمل على انهيارها بحيث لا يعد بإمكان المواطنين تأمين احتياجاتهم الأساسية.
-وضع شخصيّات تُعنى بالشأن السياسي العام في مواقع المسؤولية الحكومية  (وزراء نوّاب موظّفون كبار) أو المدنيّة (أصحاب شركات) ومسؤولون في أحزاب على لوائح العقوبات الأمريكية.
-إنشاء تنظيمات وعصابات إرهابية وتمويلها وتسليحها ترفع شعارات جذّابة لفئات معيّنة من الشعب الذي ينْجرْ وراءها لسببين:
– الظُلم الذي يعاني منه من ممارسات السلطات الحاكمة .
-الجهل وعدم وعي وإدراك للغاية الحقيقية ولخطورتها .
-إحداث ثغرات أمنيّة محدودة أحياناً وكارثيّة أحياناً أخرى  وإختلاق أحداث في بيئات مُعينة لإحداث إرباك للسلطات السياسية والأمنية وإتّهام القوى المناهضة بأنّها تقف خلف وقوعها كما حدث في تفجير مرفأ بيروت.
-بث الشائعات في البيئة المعادية بهدف زعزعة الثقة في مصداقية بعض القيادات السياسية.
التنفيذ:
 – تدير السفارات الأمريكية وسفارات دول تابعة لها مباشرةً  وعبر أجهزة استخباراتها وبمشاركة أحزاب موالية لدول تلك السفارات ومُمَوّلة منها عمليات تحريض من خلال الوسائل الإعلاميّة المرئية والمسموعة والمكتوبة كما عبر وسائل التواصل الإجتماعي عبر أشخاص تم اختيارهم مّسبقاً بعناية فائقة (إعلاميّون ،فنانون،أساتذة وطلّاب جامعات، رجال دين،عاملون في قطاعات مهنيّة، ضبّاط متقاعدون ،عملاء استخبارات محليّون تمّ تدريبهم مّسبقاً  ليقوموا بأدوارهم التحريضيّة  بحرفيّة عالية ضد الجهّات والأشخاص الذين يرفضون الإنصياع للسياسات الأمريكية والصهيونية.
-ما مدى نجاح تلك السياسة ؟
-نجحت تلك السياسة بشكل كبير في تحويل العراق إلى كونفدراليات قوميّة ومذهبية متنازعة يحكم غالبيتها مجموعة من الموالين للأمريكيين الذين غرقوا وأغرقوا البلاد في بحرٍ من الفساد الذي دمّر  مقوّمات وثروات العراق الذي كان من بين أغنى وأرقى الدول.
-في سوريّا فشلت بعد استعادة الحكم في سوريا بمساعدة حلفائه بسْط سلطته على مساحة كبيرة من المناطق التي كان الإرهاب قد سيطر عليها ، في الوقت التي لازالت مناطق تحوي ثروات هامّة تحت سيطرة الأمريكيين وحلفائهم.
– أمّا في لبنان حيث يجهد الأمريكيون والكيان الصهيوني وحلفاؤهم من بعض محميًات دول الخليج منذ سنوات لجعل اللبنانيين  يثورون على المقاومة ويحاصرونها ، حيث لم يتركوا وسيلةً إلّا واتبعوها بما في ذلك تحريض بيئة مجتمع المقاومة ضدها من خلال تشديد الحصار المالي والإقتصادي ، وها هي سياسة الفراغ التي يتّبعها السياسيون في لبنان هي السائدة، فهم لا يهتمون فعليّاً بأيٍّ من المشكلات التي يعاني منها المواطنون بل  يتفرّجون على التآكل المتسارع للمقوّمات الحياتية الرئيسية للبلاد، بل يساهمون في ذلك من خلال فسادهم ونهبهم وسلبهم أموال الخزينة العامّة فضلاً عن الأموال الخاصًة بالمواطنين التي كانت مودعة في المصارف التي يمتلكها أولئك المسؤولون ومن يوالونهم .
كلّ شيءٍ في لبنان سقط ،فلا حكومة مسؤولة فعليّاً وإنّما مجموعة أشخاص يمثّلون مصالح طوائفهم ومصالحهم الشخصيّة وندر أن نجد وزيراً يمثّل فعليّاً مصالح الشعب اللبناني بأجمعه، كما أنّ مجلس النوّاب في غالبيته هو عبارة عن مجموعة من رجال الأعمال وأصحاب المؤسسات
الذين انتخبوا مذهبيّاً ،همّهم الحفاظ على ثرواتهم، والمجلس الحالي ساهم بشكل فعلي بتعميق الأزمات في السنتين الأخيرتين إلى حدَّ أصبح معه وجوده عائقاً أمام أي محاولة فعلية للإصلاح الذي حاولت الحكومة المستقيلة القيام به قبل إجبار رئيسها على إعلان الإستقالة بسبب الضغط عليه من قبل من يهيمن على المجلس النيابي.
من يُمارس ويُنفِذ سياسة “الإنهاك والتآكل البطيء ” هم  عملاء محليّون وعرب حاقدون ممن أدمنوا الخضوع وتنفيذ أوامر  أسيادهم الأمريكيين ، فقط لمجرّد الإنتقام من المقاومة التي جعلت الصهاينة أذلّاء منذ إجبارهم على الإندحار عن لبنان في أيّار 2000.
لكنّ وعلى الرغم من كل ماحدث ويحدث من مآسي منذ سنوات في جميع الدول التي طُبّقت عليها سياسة ” الإنهاك والتآكل البطيء”  إلّا أنّ الحقائق والشواهد على الأرض تثبت وتؤكد أنّ تلك السياسة الهدّامة وتلك المشاريع الإجراميّة ستفشل في إخضاع الشعوب المناهِضة والمقاوِمة لمشاريع التركيع والهيمنة فكما هُزِموا  في حروبهم العسكرية ولا زالت هزائمهم ماثلة للعيان في لبنان وسوريا واليمن وفلسطين ومع هزيمتهم ستفنى “ضباعهُم الشاردة” وتتآكل معهم وستتحرّر فلسطين كامل فلسطين  ، فهذا أمرٌ محتوم كرّسه قانون الطبيعة والدستور الإلهي حيث لا يضيع حقٌّ وراءه من يدافع عنه بقوّة الإيمان المدعوم بقوّة السّلاح الذي يحمله رجالٌ يعرفون متى وأين وكيف يستعملونه يرفعون شعار :
“إن تنصروا الله ينصركم ويُثبِّتْ أقدامكم”.
وقد “ولّى زمن الهزائم وجاء زمن الإنتصارات”.

قد يعجبك ايضا