بمناسبة الأول من أيار/مايو / الطاهر المعز

 الطاهر المعز ( تونس ) – الجمعة 30/4/2021 م …

حوادث العمل والأمراض المهنية:




أصدرت منظمة العمل الدّولية، إحدى منظمات الأمم المتحدة التي تضُمّ أرباب العمل والحكومات ونقابات الأُجَراء، بيانًا في الثامن والعشرين من نيسان/ابريل 2019، بشأن السلامة والصحة، ومستقبل العمل، وأوْرَد البيان أرقامًا تقريبية عن نتائج ظروف العمل السيّئة، لا تَضُمُّ قطاع العمل الموازي، أو غير المُرخّص، ومنها وفاة 2,78 مليون عامل وعاملة، سنة 2017، أثناء عملهم، فيما يتعرّض نحو 375 مليون عامل للإصابة أو المرض من خلال الحوادث المرتبطة بالعمل، وتشير التقديرات أن أيام العمل الضائعة لأسباب متعلقة بالصحة والسلامة المهنية تُمثل حوالي 4% من الإقتصاد العالمي (الناتج  الإجمالي العالمي)، وقد تفوق 6% في بعض البلدان، ثم أقرّت منظمة العمل الدّولية يوم الثامن والعشرين من شهر نيسان/ابريل، يومًا لإحياء ذكرى ضحايا حوادث العمل، والأمراض المهنية، ولدَعْمِ أُسَرِهِمْ، استجابةً لطلَب قدّمته كتلة النقابات داخل المنظمة (ثُلُث مقاعد مجلس الإدارة) التي عقدت مُؤتمرًا يوم 21 حزيران/يونيو 2019، بمناسبة الذّكرى المائوية لتأسيسها، وكان موضوع السلامة والصحة المهنية للعمال والعاملات في أماكن عملهم، من أهم البُنود التي تضمّنتها وثائق وقرارات المؤتمر…

بعد عام واحد قدّر الإتحاد النقابي العالمي، الذي كان مناهضًا للإمبريالية قبل انهيار الإتحاد السوفييتي، عدد حالات الوفيات العالمية، سنة 2020، نتيجة الحوادث المهنية والأمراض المرتبطة بالعمل بنحو ثلاثة ملايين، وتُشير البيانات الحكومية الرسمية إلى حوالي 300 مليون حادث مِهَني (مرتبط بالعمل) وتتسبب ظروف العمل بنحو 200 مليون إصابة إضافية مباشرة، بالإضافة إلى حوالي أربعمائة مليون إصابة غير مُباشرة (بسبب الإرهاق والتّحَرُّش والمُضايقات الأخرى) بأمراض مهنية سنويًّا، بسبب غياب البيئة الآمنة والصّحّية في مكان العمل، وتُطالب النقابات (ثُلُث أعضاء مجلس إدارة منظمة العمل الدّولية) باستثمار أرباب العمل في أدوات السلامة والصحة، وتأهيل العاملين، وتدريبهم على أساليب الوقاية، وعلى مقاومة الحرائق والكوارث، كما تُطالب بتشديد الرقابة على ظروف العمل، خصوصًا في قطاعات المناجم والزراعة والبناء والصيد البحري، والصناعات الأشد خطرًا (مواد كيماوية ونسيج… )، دون إهمال مخلفات مناخ العمل، من إجهاد وأمراض غير مُعدية كالسرطان وأمراض القلب والشرايين والجهاز التنفُّسِي، وأضْرار نفسية أخرى…

أُضيفت منذ سنة 2020 عوامل جديدة مُرتبطة بانتشار وباء الفيروس التَّاجِي “كوفيد 19″، لم يتم حَصْرُها بعْدُ، ولكن ارتفع عدد الوفيات في بعض القطاعات المهنية، لدى العاملين بقطاع الرعاية الصحية أو قطاع التّعليم والنّقل والمذابح، ولدى العاملين بمخازن البيع عن بُعد، وغيرهم، ما جعل من مكان العمل بُؤرَة عدْوى للأوبئة القاتلة، فيما يرفض أرباب العمل والحكومات تحسين أنظمة الصحة والسلامة المهنية، وقدّرت منظمة العمل الدّولية الأضرار، سنة 2017، أي قبل انتشار وباء “كوفيد – 19″، كالتالي: يموت شخص واحد في العالم، كل 15 ثانية، بسبب حادث عمل أو بسبب مرضٍ مُرتبط بالعمل، أو حوالي 7600 شخص، كل يوم، إثر حادث عمل، أو بسبب مَرَضٍ متعلق بظروف العمل، ويموت خمسة آلاف شخص، كل أسبوع، من العاملين الذين يتعرضون لمادة “أسبستوس” التي تُسبّب أمراض الرئة والسّرطان، وهي مُستخدمة في البناء، وقدّرت منظمة العمل الدّولية أن نحو 40% من حوادث العمل، ناتجة عن طول فترة العمل اليومي، وعدم كفاية وقت الرّاحة، وعدم احترام القوانين التي تُحدّد عدد ساعات العمل، إذ ينتهك أرباب العمل القوانين المحلّيّة (إن وُجِدَت) ولا يهتمّون بصحة العاملين، في ظل ارتفاع عدد العاطلين عن العمل، وتهاون الحُكُومات (التي تُمثّل طبقة الأثرياء والرأسماليين)، بذريعة ارتفاع تكاليف أشغال التّهْوِئة واحترام شروط صحة العاملين والعاملات (وهي حقّ من حُقوق العاملين)، وبذلك تتحمل الشعوب، والخزينة العامة، التكاليف الإقتصادية والإجتماعية التي تنجَرُّ عن ظروف العمل السّيّئة.

يعتقد الباحثون بمنظمة العمل الدّولية أن عدد ضحايا العمل يفوق ثلاثة ملايين عامل وعاملة، خلال سنة 2020، لأن الإحصاءات التي تُقدّمها الحكومات غير دقيقة، سواء بعدد حالات الوفاة أو الإصابة بأمراض متعلقة بالمهنة، وتُشكل حالات الوفاة هذه نحو 5,7% من العدد الإجمالي للوفيات على صعيد عالمي (قبل انتشار “كوفيد- 19” )، ولم تتمكّن البُحُوث والدّراسات من رصْد التأثيرات السّلبية لتقنيات الإتصالات والمعلومات والعمل عن بُعْد…

تُطارد الشركات العابرة للقارات النّقابيين وتتخلص بعض الشركات، أمريكية المَنْشأ، من أي عامل يُحاول الإنتساب أو تأسيس فرع نقابي (وولمارت للبيع بالتجزئة وماكدونالدز وكوكاكولا وآمازون، وغيرها)، كما تمكّنت العديد من الشركات العابرة للقارات، بدعم من حُكومات بلد المَنْشَأ، من نَقْل الصناعات الخطيرة والمُلَوِّثَة، والتي تتطلب عددا كبيرا من العاملين، إلى البلدان الفقيرة، مع الحُصُول على امتيازات وتحفيزات مالية وضريبية، وبذلك ألقَت بالمسؤولية على الشركات المحلّية المُتعاقدة من الباطن، والتي تُحاول تحقيق الأهداف المطلوبة (من قِبَل الشركات الأُمّ) بسرعة وبتكاليف منخفضة، ما يُساهم في ارتفاع عدد الحوادث، في ظل غياب الرقابة، وفي ظل انتشار الفساد والرّشوة، وانعدام صيانة الآلات والتجهيزات والمباني، والتضييق على العمل النّقابي، وعدم تدريب العمال، وعدم توفير المعلومات الضرورية بشأن بعض التجهيزات، وعدم توفير وسائل الوقاية والسّلامة… 

قد يعجبك ايضا