طهران _ بكين اتفاقية تقلب الموازين وتتحدى العقوبات / موسى عباس

موسى عباس ( لبنان ) – الجمعة 2/4/2021 م …




الكاتب / موسى عباس

في العام 1922 تأسّس  إتّحاد الجمهوريّات السوفياتية وتفكّك بعد مضيّ سبعة عقود في العام 1992 ، وكان للولايات المتحدة الأمريكية -التي كانت تسعى إلى الهيمنة على العالم  دون أن يكون لها منازع والتي عانت طويلاً من الحرب الباردة بينها وبين الإتحاد السوفياتي – كان لها  الدور الأبرز في مجريات الأحداث التي أدّت إلى انهياره وسرعة تفكّك جمهورياته التي انقلبت بين ليلةٍ وضحاها إلى دول مستقلّة يخضع معظمها للهيمنة الأمريكية .

بعد الحرب العالمية الثانية تحوّلت الولايات المتحّدة الأمريكية إلى القوّة الدوليّة الأكبر وجعلت الهدف المركزي لإستراتيجيتها منع تشكّل فضاء “أوراسي”تتشابك وتتشارك مصالحه ومتفاعل بشكل إيجابي سياسيًاً يمنع هيمنتها على العالم القديم.
في نفس الوقت كان العملاق الصيني يبني اقتصاده بتؤدة وفي جميع المجالات دون أن يغفِل بناء قواه العسكريّة ، وما هي سوى بضعة عقود إلاّ وأصبحت الصناعات الصينية تغزو الأسواق العالمية بما فيه السوق الأمريكي فضلاً عن تمدّد الشركات الصينية نحو كثير من أنحاء العالم بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية وباتت الصين الدائن الأكبر للولايات المتحدة.
ترافق ذلك مع عودة ” شنغهاي” التي كانت بريطانيا  تسيطر عليها إلى الصين بعد انتهاء الإتفاقية مع بريطانيا .
خِطَطْ مدروسة ومتلاحقة جعلت من الصين المنافس الأوّل للإقتصاد الأمريكي وخارج الهيمنة الأمريكية.
الولايات المتحدة الامريكية كان همّها الغزو العسكري ونشر الأساطيل والقواعد العسكرية في المناطق الغنية بالنفط لتستولي على منابع تلك الثروة وبالتالي تهيمن على الأنظمة الديكتاتورية التي كان الإنكليز  أوجدوها ربيبة لهم بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية قبل أن تتعهد الولايات المتحدة بحماية عروش حكّامها مقابل الثروات والقواعد العسكرية، كما في المنطقة العربية كذلك في أمريكا الجنوبية.
في المقابل كانت الجمهورية الإسلاميّة الإيرانية عانت ولا زالت من حصار شديد منذ إنشائها بسبب مواقفها المعلنة والمعادية للغرب والكيان الصهيوني والمناصرة للمقاومة ، وتحت الحصار  عمل الإيرانيون على تحقيق شبه اكتفاء ذاتي في غالبية المجالات المتعلّقة بالاحتياجات الشعبية والدفاعية.
منذ العام 2016 أعلنت الصين عن تفاهم إستراتيجي مع إيران لكن لم يتم توقيعه ، ومن المعلوم أنّ الشركات الصينية التي كانت قد وقّعت عقوداً مع إيران تخلّت عنها عام 2017 بمجرّد إعلان الرئيس الأمريكي حينها “ترامب”الإنسحاب من الإتفاق النووي مع إيران وذلك خضوعاً للشروط الأمريكية خوفاً من العقوبات.
فما الذي حدث حتى تعود الصين وبهذه القوّة إلى الإتفاق الإستراتيجي مع طهران؟!!
من المؤكّد أنّ الصين التي تعاني منذ سنوات من العداء الأمريكي لها بسبب تصاعد قوتّها الإقتصادية ونجاحها في المنافسة ، قد قرّرت أنّه لا بدّ من المواجهة لكي تقلّل من خسائرها بسبب الصراع مع واشنطن خاصّةً بعد ما حدث من إهانة للوفد الصيني في الإجتماع الأخير في “ألاسكا”من قبل الأمريكيين وبعد السعي الأمريكي لتطويقها بالمشاكل مع الدول المجاورة لها  مع ميانمار وڤيتنام والهند والتيبت وإثارة المشاكل مع المسلمين في الداخل وفرض حصار على العديد من شركاتها والهدف منعها من التمدّد الإقتصادي على الساحة الدوليّة ، التمدُّد الذي اذا ما استمرّ على نفس الوتيرة التصاعديّة سيجعل من الصين اللاعب الإقتصادي الأوّل في العالم، وبما أنّ الولايات المتّحدة تهيمن على غالبية مصادر تدفق النفط والصين لا ترضى أن تُرتهَن لها فلا بدّ من ضمان تدفّق النفط الغير خاضع لتنمُرْ الأمريكيين فكان النفط الإيراني هو البديل، وتأتي الفوائد الأخرى من الإتفاقية مع طهران على أهميّتها في الدرجة الثانية بعد الإتفاق النفطي، وها هي الصين تعلن ردّاً على التهديدات الأمريكية :” سنحمي عمليّات تدفُق النفط الإيراني إلى بلادنا بكلّ قوانا “.
وهكذا قامت “بكين ” بهجوم استراتيجي مباشر ضد ملعب واشنطن الرئيسي في منطقة الخليج العربي  مسجّلةً عدّة أهداف في مرمى الأمريكيين الذين فوجئوا كحلفائهم الغربيين والصهاينة والخليجيين بما جرى ، ولن  يستطيعوا جميعاً تغيير الواقع الجديد بعد ان اجتازت بكين جميع مخاطر العقوبات التي كانت واشنطن تهدّد بها وتفرضها على من يحاول فتح ثغرة في جدار حصار طهران.
 – ما هي مصلحة إيران من الإتفاق مع الصين؟
مع بداية الثورة وتحويل إيران إلى جمهورية إسلامية رُفِعَ شعار “لا شرقية ولا غربية ، جمهوريّة إسلامية”، ومع تقدّم وتطوّر وتسارع الأحداث واشتداد الصراع في المنطقة  وفي العالم خلال أربعة عقود من الثورة ومع اشتداد الحصار  ومحاولات ضرب الثورة  لا سيّما في العقدين الأخيرين  من الداخل ومن الخارج لمصلحة الكيان الصهيوني ، لذا كان لا بدّ من  الإنفتاح على القوى والدول التي هي على استعداد لمجابهة دول الإستكبار العالمي واتّباع استراتيجية جديدة تخرق الحصار فكانت الإتفاقية مع روسيا التي بلغت حدود ثلاثمائة مليار  دولار في مجالات عدّة.
الإتّفاقية مع الصين التي تصل قيمتها إلى أكثر من أربعمائة مليار دولار  على مدى ربع قرن .
وبذلك أصبح موقف طهران التفاوضي مع الغرب بعد الإتفاقية في ما يخصّ الملف النووي أقوى بكثير، فإذا كانت في السابق متشدّدة بنسبة معيّنة أثناء التفاوض فهي ستصبح أكثر تشدُداً وتمسكاً بما يخدم مصالحها الإستراتيجية ومصالح حلفائها في محور المقاومة، وها هي إيران تُعلن بكل وضوح:” إنّ اتفاقية الشراكة المعلن بين بكّين وطهران هو جزء من إستراتيجيّة إيران في المقاومة.
وإذا كان رهان واشنطن والكيان الصهيوني وعرب التطبيع على تدمير الإقتصاد الإيراني من خلال العقوبات  رهاناً فاشلاً قبل الإتّفاقية فقد أصبح  معدوماً بعدها.
-مكاسب الصين :
ستضمن الإتّفاقية  للصين التي تسعى إلى ربط القارات عبر طرق وموانئ متعدّدة تشكّل إيران عقدة المواصلات الرئيسية فيها نقل صادراتها ووارداتها بشكل أفضل وأسرع من السابق، الأمر الذي سيمنحها نفوذاً
جيواستراتيجياً على حساب الولايات المتّحدالأمريكية، كما ستؤمن احتياجاتها من الطاقة دون الخضوع للإبتزاز الأمريكي.
ستقدّم الصين لإيران استثمارات وتقنيّات وخبرات في مجالات متعدّدة ستشمل مختلف نواحي الإقتصاد الإيراني، فضلاً عن التعاون في المجالات العلمية والعسكريًة .
إذاً هي تحوّلات استراتيجية فائقة الأهميّة في سياسة الصين تجاه النظام  العالمي القائم ونحو السياسات الإقليمية مترافقاً مع التوتّر المتزايد في العلاقات مع واشنطن.
وفي الوقت الذي تقيم فيه الصين مشاريع ضخمة في السعودية والإمارات العربية المتّحدة وفي الكيان الصهيوني (تلك الدول التي تسعى لتشكيل تحالف ضد إيران، ها هي تعقد اتفاقية تاريخية مع طهران ممّا سيقوي من نفوذها ونفوذ إيران في المنطقة.
  أن التحالف بين الصين و روسيا و إيران في مواجهة الولايات المتحدة “يزداد متانةً على إيقاع  ربّما “حرب باردة” جديدة بين الغرب والصين.
في الوقت الذي يبدو فيه أنّ”القوّة الوحيدة والأقوى عسكريا وجغرافيا القادرة على مساعدة الصين في إيجاد توزان مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط هي “إيران”. بما أنّها الأقدر  على القيام بدور الضامن الأمني لمصالح الصين الاقتصادية والحيوية.وفي المقابل قد يشكل منح الصين لطهران التكنولوجيا  المدنية والعسكرية المتطوّرة فرصة لجعل إيران قوة إقليمية متفوقة يصعب تجاوزها  فضلاً عن إخضاعها.
-اسباب التخوّف في الكيان الصهيوني:
صحيح أن الأمريكيين متخوفين من الإتفاقية بين طهران والصين لكن التخوّف
بالنسبة لـ “للكيان الصهيوني”أكبر وأوسع بكثير تقول احدى الصحف الصهيونيّة : “أي دولار يدخل إلى النظام الإيراني هو دولار يمكن إنفاقه على الأرجح ضدّ إسرائيل”بشكلٍ خاص لا سيّما عندما يتعلّق الأمر بتعزيز الجيش الإيراني من خلال التعاون مع الصين، حيث أنّ  تحويل أي من الموارد الجديدة إلى جيش إيران من المحتمل – وعلى الأرجح – سيوجّه ضد (اسرئيل)” .

قد يعجبك ايضا