أُمّي والميتافيزيقيا ! / د. خالد السرحان




د. خالد السرحان ( الأردن ) – الإثنين 22/3/2021 م …

وجدتُ نقطة الوصلِ بين الفيزياء والميتافيزيقيا، بين الطبيعة وما وراءها، إنّها أمي!
عندما يمضغُني ماردُ الحُزنِ وتُصبح الأرض علبةً ضيّقة، تُطبِقُ الشوارع على أرصفتَها وتهبِطُ السماءُ لتلامسَ رأسي ويحاولُ الضغطُ الجويُّ خنقي، أذهبُ إلى حيثُ أمي فيتحولُ مارِدُ الحزنٍ إلى تمثالٍ سخيفٍ من الورق وترتفع السماءُ ويتحوّلُ القمرُ إلى وردة! تتجمّعُ الفُصولُ الأربعةُ على الطرقاتِ فتخلع الأشجارُ أوراقها الخريفية وترميها على الأرض وتلبسُ فساتينها الربيعية المُلوّنة وتمدُّ لي أغصانها تدعوني للرقص تحت المطر الدافئ، تتحوّلُ مصابيحُ الشارعِ إلى شموسٍ صغيرة،وتبدأ سمفونية الطُمأنينة..فكيفَ تفعلُ أمي هذا؟
عندما تُحاصرني الأفكار، وتخرُجُ النساءُ في جمهوريّة “أفلاطون” في مسيرةٍ احتجاجيةٍ على النظرة الأفلاطونية لهنّ، ويأتي “إيمانويل كانط” ليُّجرّدَ كل ما في الوجود ويكشف خفايا الماورائيات الكلاسيكية ويعطيني “برتراند رسّل” عيونَه لأرى العالم كما يراه فأمشي مع “دوستيوفسكي” في شوارع بطرسبيرغ القديمة لألحقَ ب “راسكولنيكف” وهو يصعد الدرج ويترنّحُ بين الخطيئة والأهداف النبيلة،أنظُرُ من نافِذة “ايريدينسكي” فأرى نزار قبّاني تاءهاً بين الرُكبِ الملساءِ والشفاهِ الغليظةِ والعروبةِ المنكوبة، فأستذكرُ أحزانَ الشيطان كما روتها “كوريللي” في محاولة لفهم أسباب الفجيعة، وأُحاولُ أن أتجاهل كلَّ الحقائقِ وأن أُغلِق على المنطق في صناديقِ الفِكر المتوارثة لأتعاطاها وأرتاح من الظلال الثقيلة للمعرفة في زمن الجهل ولكنني أفشلُ في كلّ محاولاتي، وأذهبُ لأمي أُحدُّثها عن كل العواصف التي تدور في رأسي تتحول الأفكار إلى حدائق أمل خلاّبة، وتبدأ سمفونية الإبداع..فكيف تفعلُ أمي هذا؟
عندما يعتريني اليأسُ من الواقع وتتملكني خيبة الأمل، أفكّرُ في أمي وهي تحاربُ في الصفوف الأولى من أجل فكرةٍ وهدف، من أجلِ قضايا المرأة في ثقافةِ الذكور والعنتريات، مُتسلّحةً بعزيمةٍ لا تنضب وشغفٍ كأنها ترى المستقبل بعيونها، تحاولُ بكلّ ما تملك من صبرٍ وجَلَد بفضولٍ كفضول العلماء ودهشةٍ كدهشةِ الأطفال نحتَ نفقٍ في جبال الجهل والتخلف بمعولٍ صغير، تتلاشى مني نزعاتُ الضعف وأُحسُّ بأنّني قادرٌ على صنع المعجزات..فكيف تفعلُ أمي هذا؟
لقد أخبرتكم!

أمي هي جسري للعبور بين المستحيل والمعقول، بين الحزن والسعادة، بين الخيبة والأمل.. أمي هي الدنيا والدنيا هي أمي.

قد يعجبك ايضا