الرجولة المفقودة ( قصة ) / أسعد العزوني

أسعد العزوني ( الأردن ) – الثلاثاء 16/3/2021 م …




انقضت الأيام وبرزت مفاتنها معلنة حاجتها لرجل يحميها وينقذها من حالة الضياع التي تعيشها بعد أن غادرها أهلها إلى الدار الآخرة بدون إرادة منهم، وأخذت تسير في الشوارع لا تغطي من جسمها إلا بعض ما يجب أن يغطى ،كي تلفت أنظار الرجال في محيطها وتغريهم بالتقدم إليها ولكن لا حياة لمن تنادي، وترجع إلى الزاوية التي خلفها لها القصف لتنام تحتها وتندب حظها التعس لبرودة الشباب المحيطين بها والذين لم تستطع إغراء واحد منهم بالزواج منها.

لقد أرادها الكل (سلعة) يشترونها بكأس من الويسكي أو علبة سجاير أمريكية ،ولكنها كانت ترفض التجارة بشرفها وجسدها، وقد التموا يوماً حولها عندما نهرتهم بكلمات يندى لها الصخر ولكن بلا نتيجة ،وأوضحت لهم أنها بحاجة إلى رجل واحد يضمهما تحت سقف واحد على (سنة الله ورسوله) ،وتكون له زوجة مخلصة ولا تريد منه مهراً كباقي بنات جيلها ،ولا دفتر شيكات أو سيارة فارهة أو غرفة نوم تزخر بالأضواء الخافتة وتعج بالموسيقى الهادئة ولا تريد شهر عسل في ربوع أوروبا.

وقد أصرت إن وجدت من يتقدم إليها ان يكون فرحها على انقاض بيتها المتهدم، وأنها سوف تقوم بترتيب الزاوية المتبقية لتجعل منها مأوى تضاهي به قصور السلاطين ،ووعدت من سيتقدم لها كذلك بأن تبحث في الأنقاض أيضاً عن (صيغة) أمها الراحلة كي تساعد زوجها في تدبير شؤونه.

ظل هذا الإعلان شهوراً وشهوراً ولم يتغير شيء ،وبقي الرجال على حالهم يقنعون أنفسهم بأنهم رجال والرجولة منهم براء كبراءة الذئب من دم يوسف واشتدت أنوثتها ضغطا عليها، ولم تعد تحتمل العذاب وصار الشيطان يطاردها أينما حلت ويوسوس لها ،ولكنها أصرت على البقاء هكذا محافظة على عذريتها وشرفها من أن يدنسه رجل ليس له من الرجال إلا المظهر فقط!!

تقدمت لأبناء عمومتها وأوضحت لهم حالتها ،وأنها كباقي البنات لا تستطيع البقاء بدون رجل يحميها فوعدوها بحل قريب وعسى الله أن يفرجها عليهم وعليها بعد أن وضعتهم في حالة حرجة لا يستطيعون الخروج منها لضعفهم.

طالت الأيام وأبناء عمومتها تزداد عضلاتهم قوة وشواربهم تزداد ثخانة، ويتخيل الواحد فيهم نفسه (دونجوانا) في الوقت الذي تزداد فيه ابنة عمهم حرجاً من ضيق شبه ملابسها على جسمها النامي كالحشائش على ضفاف النهر.

وأصبحت لا تطيق النوم تحت الأنقاض وكانت تتخيل كل حجر رجلاً يتقدم إليها ليسرق منها  عذريتها ويتركها في الشارع، كأية مومس غدر بها الزمن أو هي وهنت أمام مغريات الرجال.

جلست ذات يوم تندب حظها لكونها خلقت بنتاً فلو أنها خلقت رجلاً لاكتفت اليوم ببنطلون (جينز) وقميص فقط ،واصبح بمقدورها النوم في الشوارع دونما خوف أو وجل، ولكنها اليوم ولسوء حظها فتاة بصدر شبه عار وجسم مكتنز، وقد تخلى عنها ابناء عمومتها الذين رحلوا إلى مكان لا تعرفه دونما علم منها إمعاناً في جبنهم ورجولتهم الزائفة، وضعفهم لكونهم لم يستطيعوا حمايتها من غدر الأيام.

ماذا ستفعل بعد أن أصبحت وحيدة؟ لقد تكرر هذا السؤال على نفسها ورددته عدة مرات ،وكان الجواب أن إرادتها أقوى من كل المغريات وأرادت أن تبطل مقولة ضعف الأنثى ،وقررت أن تمشي في العراء عارية لا يغطي جسمها شيء وأخذت تجوب الشوارع أمام الناس، وكل شبر من جسدها ينادي بأعلى صوته ولكن لا أحد يجيب، في الوقت الذي يسمع الكل هذا الصراخ، وقد كسر الناس عادتهم حيث يجتمع الكل على اللحم المكشوف والأنوثة المكتنزة ،بينما هم هربوا وابتعدوا عنها ليس تعففاً بل جبناً وأي جبن!!

تركت بقايا بيتها وثيابها التي لا تشبه الثياب وغادرت البلدة إلى مكان آخر علها تجد ضالتها وتحل مشكلتها ،وأخذت تشرح حالتها لكل من يصادفها وأنها ليست بحاجة إلى مال لانها تحمل صيغة أمها الراحلة بل هي بحاجة إلى رجل يحميها وتنجب منه بنتاً أو ولداً ،تخبره بما حل بأهلها عله يأخذ بالثأر بعد أن تكتمل رجولته ويثبت للأعداء أن سلالتها ما تزال فيها رجولة وأناس لا يفرطون بحقهم.

طالت أيامها وطال عذابها واشمأزت من نفسها لأن أنوثتها أصبحت ضدها وأصبحت كالجمل الهائج على صاحبه لنفاذ صبره، وأخذت تصرخ كالمجنونة في الشوارع وأهل القرية يسدون نوافذهم بعد آذانهم، وإزاء هذه الحالة قررت أن تخطف رجلاً وتجبره على الزواج منها ،وكان لها ما أرادت حيث كان في البلدة المجاورة شيخ له ولد يبدو (متعنتراً) متبجحاً برجولته، استطاعت أن تقنعه بما تريد وأنها سوف تتزوجه (على سنة الله ورسوله) ولا تريد منه مهراً لأنها تمتلك جل ما تتطلبه أمور الزواج، ولا تطمع فقط إلا برجل يحميها.

وافق ابن الشيخ في البداية وتواعدا على الزواج وذهبت إلى بلدتها القديمة كي تحضر بعض ملابسها ،واشترت كذلك ثوباً جديداً فضفاضاً وأخذت تصرخ في الشوارع معلنة النبأ ،وأنها وجدت رجلاً وأنه سيصبح زوجها وسيحميها من غدر الأيام ويحقق لها مطالبها، لم يصدق أحد ما تقوله لأنها ليست ككل البنات وأنها لا تزال  تحتفظ بعذريتها وشرفها حيث لم يدنسها أحد وانها لا تريد أي زوج يتقدم إليها.

 ضحك الناس منها في البداية وسخروا مما قالته ولم يصدقوها وظنوها مجنونة، ولم يدر ببالهم ماذا عنت بارتداء ثوبها الفضفاض الجديد الذي غطى جسمها بعد أن كانت عارية تكشف كل أنوثتها لهم وهم مختبئون في بيوتهم.

شاع الخبر ووصل الأمر إلى الشيخ نفسه بعد أن ذهب أهل البلدة إليه وأقنعوه أن ذلك الزواج سوف يجلب عليهم المصائب ،لأن تلك الفتاة لا تريد ولده زوجا لها في الفراش فقط، بل تريده أن يعمل على ترميم بيتها المتردم والثأر لأهلها وهذا سيكلفهم الشيء الكثير وسيجلب المتاعب لهم.

انتفض الشيخ في مجلسه وأقسم بالله ثلاثاً أن ذلك الزواج لن يتم، لأنه يريد لابنه زوجة ترضى به في الفراش فقط، وليس للعمل على ترميم البيوت المتردمة والأخذ بالثأر!!

جاء يوم الفرح وبدت الفرحة على وجهها حيث أعدت مكاناً للنوم تحت الأنقاض وزينته بأواني الفخار المكسورة وذهبت إلى البلدة المجاورة كي ترجع ومعها زوجها المنتظر، وما  أن وصلت إلى هناك حتى وجدت أهالي البلدة وعلى رأسهم الشيخ وولده ينتظرون قدومها ليشبعونها شتائم ومسبات لا تخرج من فم امرأة لإمرأة مثلها، ووجدت نفسها مضطرة لخلع ملابسها الجديدة مرة أخرى، وتكشف عن أنوثتها من جديد وترجع إلى الأنقاض وكل شبر من جسدها يصرخ ويصرخ ولكن لا أحد يسمع!!

قد يعجبك ايضا