تجّار السياسة في لبنان كرّسوا الوطن وأعناق المواطنين لهم كرسيّاً / موسى عباس

موسى عبّاس  ( لبنان ) – الجمعة 19/2/2021 م …




اعتقد الكثير من اللبنانيين أنّ الكارثة التي وقعت في مرفأ بيروت في الرابع من شهر آب 2020  والتي تسبّب بها إهمال مسؤولين كانوا يُدركون خطورة المواد الموجودة في العنبر رقم 12 والتي انفجرت وأحدثت زلزالاً كاد أن يطيح بكامل المدينة ، اعتقدنا أنّها قد تُحدث تغييراَ في الواقع السياسي اللبناني بعد  استقالة حكومة حسّان دياب .
لكن النُخَب الحاكمة التي هي عبارة عن قبائل متآلفة ومتحالفة والتي تتوزّع بين الطوائف المسيحية والمسلمة ، والتي تختلف فيما بينها فقط على توزيع الحصص والمغانم ، والذين هم غالبيتهم من أمراء الحرب الأهليّة الذين انتصروا فقط على ابناء طوائفهم أولئك الذين توافقت مصالحهم مع مصالح الأثرياء المتنفذين في إدارة البلاد  اقتصاديّاً ومصرفيّاً وسياسياً وحتى دينيّاً، توافقوا على نهب مقدرات الدولة منذ ثلاثة عقود.  هذه العشائر نفسها من سماسرة السلطة التي تختار الحكومات بعد أن كان الأوصياء الإقليميون هم الذين يفرضون عليهم شكّل وأعضاء الحكومة كما المجلس النيابي ، فتأت التشكيلة مجرّد أدوات تنفيذ بناءً لرغبات الأسياد.
هؤلاء وبعد أن سارعوا إلى إسقاط حكومة سعد الحريري علّهم يستطيعون تحميل مسؤولية الإنهيار  لطرف واحد (حزب الله) بحجّة أنّه السبب في العقوبات التي فرضها الأمريكيون وأذنابهم على لبنان ،بعد أن هيمنوا على الانتفاضة الشعبية  التي اندلعت ضدّهم .
عادوا ليفرضوا أنفسهم على الناس الذين اختبروهم وعرفوهم دون أن يعلموا سبب عودتهم ولا حتى سبب هروبهم من المواجهة في السابق.
سماسرة العصر وتجّار الدّم والمتمترسون خلف مرجعيّاتهم الدينية التي ترفض مساءلتهم ومحاسبتهم على لصوصيتهم تحت حجّة الحفاظ على مصالح الطائفة والمذهب.
-دولة السماسرة تتاجر بالدماء والمؤتمنون على حماية وتطبيق القانون يتواطؤون.
اعتُبِر انفجار مرفأ بيروت  في المستوى الرابع بين 19 من الإنفجارات  التي هزّت العالم على مرّ العصور ، وأُجريت التحقيقات التي شارك فيها خبراء أمريكيون وفرنسيّون إلى جانب اللبنانيين ، وانتظر  الجميع معرفة النتائج  لا سيّما ذووا الضحايا والمتضررون، لكن وعلى الرغم من مناشدة السلطات المعنية بوجوب الإفراج عن النتائج ، إلاّ أنّها لا تلقى سوى آذان صمّاء فقد باتت التحقيقات في دُرجِ القضاء المسؤول عن متابعتها لا يُفرَج عنها بعد مرور أكثر من عشرة أشهر على الحادث.
ويتم التداول بين المعنيين الفعليين أنّ هناك تواطؤ بين شركات التأمين المعنيّة بدفع التعويضات ومسؤولين كبار لتأخير إعلان نتائج التحقيق ريثما يتم الإتفاق مع المتضررين بحيث يتم إرضاؤهم بمبالغ لا تتجاوز ال30 بالمئة من ما يستحقونه، وبالطبع يحصل الوسطاء بين الطرفين على حصصهم (محامون ومسؤولون ).
ولسماسرة العقارات نصيبهم فقد دخلوا على خط بيع العقارات التي دمّرَت أو تضرّرت بفعل الإنفجار ، فقد سارعوا إلى تشجيع أصحاب تلك الأملاك على بيعها  لمشترين لم تُعرَف هوياتهم  ولا زالوا مجهولين ،ويستغل أولئك السماسرة عدم كشف نتائج التحقيقات وبالتالي تأخير دفع التعويضات من قبل شركات التأمين أو من قبل الدولة .
وكما  تواطأ السياسيون وأصحاب المصارف لمنع التحقيقات الجنائية في المصرف المركزي ومالية الدولة وسارعوا لمنع إقالة حاكم المصرف المركزي المتهم مع أصحاب المصارف وتجّار السياسة بتهريب الأموال المودعة من قبل المواطنين وتحويلها إلى حساباتهم الشخصية في الخارج  ، كذلك يفعلون في منع كشف حقيقة من تسبّب وساهم في ما جرى في مرفأ بيروت ، وليس من المستبعد أن يكونوا هم أنفسهم من يسعون لإحباط أصحاب الأملاك ليشتروا منهم أملاكهم بأبخس الأسعار وقد ينشئون (سوليدير جديدة).
وما يؤكّد تلك الوقائع ما ذكره “وليد موسى” رئيس نقابة سماسرة العقارات في لبنان، من أن حجم عمليات البيع والشراء منذ الانفجار غير واضح، كما أن هويات المشترين المحتملين غير واضحة، وقال أصحاب المنازل إنّ بعضهم اتصل من أرقام مجهولة وأغلق الهاتف عند سؤاله عن هويته.
هم أنفسُهم وحاشيتهم منذ ثلاثين سنة يتقاسمون الفساد كما يتقاسمون المراكز والحصص ، كلٌّ له مغارتُه التي يحرسُها زبانيتُه ، جميعهم يبتزّ المواطنين جميع المواطنين بما فيهم أتباعهم الذين ينعقون تحت رايتهم . كلٌ له مجلسُه الخاص وشركاته الخاصّة فمن مجلس الإنماء والإعمار إلى مجلس الجنوب إلى وزارة المهجّرين إلى وزارة الكهرباء  وبواخر الكهرباء إلى وزارة الأشغال إلى وزارة الإنعاش الإجتماعي وجمعياتها الوهمية ومؤخراً وزارة النازحين إلى العقود بالتراضي لا سيّما عقود النفايات مع سوكلين وسوكومي والعشرات غيرهم.
منذ حوالي الخمسين عاماً  وبالتحديد في العام 1975 خاطب السيّد موسى الصدر السياسيين اللبنانيين بقوله:
“تجار السياسة عندنا،
الوطن لهم كرسي وشهرة ومجد وتجارة وعلوّ في الأرض وفساد..
أيها المتعطشون الى الدماء يا مصاصي اموال الناس..
يا من ابتلى بكم لبنان..
أنتم ايها السياسيون آفة لبنان وبلاؤه ومرضه وكل مصيبة،
إنكم الازمة”..
 تبدّلت بعض الوجوه منذ ذلك التاريخ ، ولكنْ :
تجّار السياسة كرّسوا الوطن وأعناق المواطنين لهم كرسيّاً وازدادوا جشعاً وتعطُشاً لتكديس الثروات ، وباتوا لا يخشون حساباً في الدنيا ويستبدون  على أساس أنّهم باقون في السلطة إلى الأبد ، فمن يُفترض بهم محاسبتهم في الدنيا مُخدّرًون بعقار المذهبية والطائفية .

قد يعجبك ايضا