محمد السعد يكتب: الأردن ما بعد انقضاء فترة “الصبر الاستراتيجي”




الأردن العربي – الثلاثاء 26/1/2021 م …
كتب محمد السعد …

* ملفات الحل النهائي ومسار “الانتخابات الفلسطينية” وتقاطعات المصالح الوطنية الأردنية العليا …

انتظمت المنطقة مؤخرا في حراك دبلوماسي عميق أفضى إلى سلسلة لتطورات تعكس تموضع عربي في استجابة لتداعيات نهاية (الترامبية) في العالم، حيث كانت القضية الفلسطينية أحد أكثر المتضررين من تلك الحقبة إلى جوار الأردن الذي بقي تحت ضغط متواصل طوال تلك السنوات.

فيما أعاد الأردن ترتيب أوراقه انسجاما مع لحظة الانفراج الأميركية، ما بعد ترامب، أعلنت السلطة الوطنية الفلسطينية عن إجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني هي الأولى منذ عام 2005 والتي أسست إلى الانقسام الفلسطيني صيف 2007.

الأردن اليوم يستعد لتوظيف نتائج (الصبر الاستراتيجي) الذي حكم السياسة الخارجية الأردنية طوال السنوات الأربع الماضية، والتي وقع الأردن فيها تحت ضغوط هائلة عبر عن مضامينها مسؤولون أردنيون في العديد من المناسبات ومختلف المستويات كان هدفها دفع الأردن للرضوخ.

لعل مبلغ الضغوط كانت في محاولة لدفع الأردن للاستجابة لمتطلبات المشروع الأميركي لتسوية القضية الفلسطينية تحت عنوان صفقة القرن، بالإضافة إلى تخلي الولايات المتحدة الأمريكية عن دعم وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وهو المسار الذي دفع الملك عبد الله الثاني للقول بشكل واضح (كلا للوطن البديل كلا للتوطين وكلا للقدس عاصمة لإسرائيل) وأردف الملك في إشارة بالغة الدلالة نحن الجيش العربي وهم يعرفون معنى ذلك في إشارة للإسرائيليين للدور الذي لعبه (الفيلق العربي) الجيش العربي الأردني طوال سنوات الصراع العسكري مع الاحتلال.

لعل الخلاف الأردني الأبرز كان مع الحلفاء في الخليج، حيث اعتبرت دول الخليج أن الخطر الإيراني وتطويق إيران هو التحدي الأبرز عربيا بالإضافة إلى التدخلات التركية بوصفها تهديدا استراتيجيا للأمن القومي العربي، بينما حافظ الأردن على أولوية القضية الفلسطينية وحل الصراع العربي الإسرائيلي كمحطة مركزية.

اليوم مع التحول العميق في المقاربات الأمريكية على المستوى الدولي وهي مقاربة عبر عنها مدير السي آي إيه الجديد وليام بيرنز، والذي حذر من نهاية الرجل الأميركي القوي لصالح أطراف دولية أخرى أهمها الصين وروسيا.
هذه المخاوف تدفع الولايات المتحدة لصياغة مقاربات جديدة أهمها إعادة التموضع الأميركي في منطقة الشرق الأوسط، وهذا التموضع لن يتم دون إنجاز ضمانات كافية (لأمن إسرائيل)، حيث لن يغفل التفاهم الأمريكي مع إيران في ملف الاتفاق النووي القادم، أمن الخليج الموحد ما بعد قمة العلا، ليشمل ملفات دور إيران الإقليمي وملف الصواريخ البالستية وهي ملفات ذات صلة عميقة بالأمن الإسرائيلي لجهة الحضور الإيراني في سوريا ولبنان عبر حزب الله.

في التلاقي مع التحول العميق أمريكيا ما بعد ترامب بعد أن أعلنت الإدارة الأمريكية الجديدة عزمها إعادة فتح مقر السلطة الوطنية الفلسطينية في واشنطن بعد إغلاقها في عهد ترامب وعودة دعم الولايات المتحدة للسلطة والأونروا تذهب السلطة الوطنية الفلسطينية لعقد انتخابات تشريعية صيف هذا العام كما هو معلن.

الانتخابات الفلسطينية تأتي لترتيب البيت الفلسطيني المنقسم منذ نتائج انتخابات 2005 التي أتت بحماس على رأس السلطة في الضفة وغزة، وهو ما أدى إلى تسرب القلق إلى كل من الأردن ومصر حينها كون حماس فرعا من جماعة الإخوان المسلمين المنتشرة في العالم.

الأردن في أعقاب ذلك أجرى انتخابات تشريعية للبرلمان الأردني عام 2007 شهدت تراجع الإخوان المنقسمين حينها بين الصقور (حماس) والحمائم التيار الوطني داخل الإخوان على خلفية قرار مكتب الإرشاد العالمي بفك العلاقة بين تنظيم الأردن وحماس.

منذ ذلك التاريخ مرت مياه كثيرة تحت الجسر، الربيع العربي وصعود الإخوان، وتاليا سقوطهم في مواجهة مفتوحة مع النظام الرسمي العربي القديم الذي استعاد المبادرة بعد نكسة 2011، كما خسرت حماس موطئ قدمها المركزي في دمشق على خلفية الأزمة السورية، ووصم الجماعة الأم بالإرهاب في مصر والعديد من دول الخليج.

اليوم مع انطلاق قطار التسويات الإقليمية على وقع تسويات دولية كبرى تعيد رسم ملامح العالم ما بعد حقبتي الحرب الباردة والقطب الواحد، وتداعيات جائحة كوفيد 19، يستعد الأردن للإمساك باللحظة التاريخية تلك عبر التأكيد على أصالة موقفه من مركزية القضية الفلسطينية، وهو ما يتم التأسيس له عبر تشاور أردني إماراتي، والتنسيق مع مصر التي تتحكم اليوم بمصير قطاع غزة بوصفها البوابة العربية للقطاع المحاصر، بينما كانت الإشارة الأميركية عبر تغيير اسم السفارة في إسرائيل عبر إضافة الضفة الغربية وغزة والتي تم التراجع عنها لتكشف عن عمق التوجهات الدولية والتي سيكون في صميمها منح الفلسطينيين دولة على ترابهم الوطني بكل تأكيد.

لعل التأسيس الأردني لنخبة أردنية في الحكومة والأعيان والنواب، كان تحت عنوان تجديد النخبة الأردنية، كانت أبرز ملامحها تراجع حضور الإخوان المسلمين وفي معاقلهم التاريخية في مراكز المدن، بالإضافة إلى أن الأردن يذهب عميقا في محاصرة الإخوان، بالتوازي مع ذلك تأتي انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني المقبلة وسط تضييق إقليمي ودولي على جماعة الإخوان وهو ما يفتح الأفق لسؤال مستقبل حضور الإخوان في الضفة الغربية وغزة عبر ذراعهم هناك (حماس).

السؤال الأبرز اليوم هل سيتم خلق مجلس تشريعي فلسطيني يمتلك التفويض اللازم لإنجاز تسوية فلسطينية إسرائيلية تتناول مجمل قضايا الحل النهائي (الحدود والأمن والمياه والاستيطان واللاجئين والقدس)، وهي ملفات تقع في صميم الأمن الوطني الأردني، أيفتح السؤال الأبرز عن تمثيل اللاجئين الفلسطينيين في الشتات في المجلس التشريعي حيث يوجد في الأردن نحو 13 مخيما تضم نحو مليون و 200 ألف لاجئ.

المنطقة تدخل اليوم بقوة في مسار إعادة الصياغة التاريخية، بعد أن يتم الإجابة على هاجس إسرائيل الأمني، وإعادة إدماج إيران في المنطقة بعد عزلتها التاريخية منذ انطلاق الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، ليكون حل القضية الفلسطينية هو الفصل الأخير في ملف أزمات الشرق الأوسط المتعاقبة منذ قرن من الزمان.

قد يعجبك ايضا