رائحة الديزل وأشياء أخرى / احمد حسن الزعبي

أنتصر الى جيل الآباء الطيبين ،عندما كانت أحلامهم بسيطة ، ومزاجهم هادىء كليل تشرين ، ملامحهم واضحة كواجهة جبل ، وملابسهم ذات ألوان محايدة كأبطال مسلسل ريفي… أحنّ الى السرفيس عندما كان “مرسيدس 190” ، وعندما كانت “الهريسة” توضع في “زروفة” ورق ، و”الببور” الثرثار صديق القهوة الصامتة ، أحن الى زمن كان الكاز يُملأ في “جراكن الجيش” والأولاد يتسابقون عند الغروب بعربايات الدزّ ، أحن الى رائحة قشر الكلمنيتنا في “أوضة بكم الديانا” ، والى الشماغ الملقى على الكرسي الجانبي المعتّق برائحة العرق ودخان “الجولد ستار”.
قبل فذلكات البيئة والأوزون كانت رائحة الديزل الخارج من أدخنة البكمات في حسبة اربد يعطي طعماً للحياة ، كنت أحب الشتاء كي يغطي الطين أسماء القرى المكتوبة على واجهة الباص ،وأحب عبارة “مشان الله اغسلني” التي يحاول الكنترول أن يحرج بها معلّمه السائق ، احن الى زمن يعرف الركّاب حافلتهم من مشية الباص او شكل الشوفير..والى حديث العجايز في الكرسي الأخير، ودفاتر المحاضرات في أيدي الطلاب العائدين بعد الغروب ، أحن الى مداخن البواري التي تنتشر في البلدة كمفاعلات نووية صغيرة ، والى طوابين البيوت العتيقة ، وحبل الغسيل المدلّى بين سروتين… أحن الى أمهات يتفقّدن مخزون الطحين كل مساء ، يحضرن العجين ، ويزيتن “الصوبة” ويخيّطن البناطيل الممزوعة جهة الركبة ..حتى الموت كان مهيباً ، قصص لا تنتهي ورجال طاعنون في الخبرة يتكلمون بعبارات تقطر رجولة ، دخان وقهوة وسعال وحديث مقتضب ، أحن الى زمن كانت الأمهات يخمّرن الحكايا في عيون الأطفال حتى يسيل عسل النعاس…أحن الى ضوء اللمبة الأصفر المعلقة بحبل طويل ..أحن الى فراش متلاصق وأحلام متشابكة وآباء يشبهون الوطن العتيق.

احمد حسن الزعبي
[email protected]

قد يعجبك ايضا