تونس، بعد عقد من اختطاف ثمار الإنتفاضة / الطاهر المعز

 الطاهر المعز ( تونس ) – الجمعة 20/11/2020 م …  

ازدادت حِدّة الأزمة الإقتصادية والاجتماعيّة بتونس، بعد انتفاضة 17 كانون الأول/ديسمبر 2010، لأن الحكومات المتعاقبة لم تُشَكِّلْ بديلاً لمنظومة الحكم التي جثمت على رقاب الشعب التونسي، منذ 1956، بل يبدو أن التحالف الجديد أكثر فسادًا من سابقه، وأَقَرّتْ حكومات الإخوان المسلمين وحلفائهم نفس الخيارات الاقتصاديّة والاجتماعيّة، لتتواصَلَ هيمنة الإمبريالية، عبر الشركات العابرة للقارات، أو عبر صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي، أو عبر الإتفاقيات التي تُكرِّسُ العلاقات غير المتكافئة، كما الحال مع الإتحاد الأوروبي (أليكا نموذَجًا)، فازداد حِمْلُ الكادحين والفُقراء ثِقَلاً، وتعمّقت الفجوة بين الطّبقات، وتقهْقَر دور الإتحاد العام التونسي للشغل، فَضعفت بذلك وسائل وأساليب دفاع العاملين بالأجر عن مصالحهم،  كما باعت الدّولة ممتلكات الشعب للشركات الأجنبية، بما في ذلك الأراضي الزراعية التي لم يجرؤ بورقيبة وبن علي على التفريط بها بالبيع للأجانب، وتضاعف حجم الدّيون الخارجية، ونسبتها من الناتج المَحَلِّي الإجمالي، وازداد عدد المُعَطّلِين والفُقراء والمُهَمّشين…  




في جبهة التقدّميِّين، كرّست مُكَونات ائتلاف “الجبهة الشعبية” وَهْمَ “التغيير” عبر صناديق الإقتراع، وعبر انتخاب بضعة نُوّاب، تختلف أهدافهم ونواياهم، ليكونوا ذريعة “ديمقراطية” و”دليلا” على ديمقراطية التحالف الرجعي للإخوان المسلمين مع الدّساترة، وساهم زعماء ائتلاف “الجبهة الشعبية” في تراجع الزّخم الثوري والشعبي الذي ظَهَر في اعتصامات القصبة، وفي جنازة الشهيد شُكْرِي بالعيد، وفي مختلف مناطق البلاد، على امتداد عشر سنوات، من سليانة إلى تطاوين، رغم بعض فترات الجَزْر والإحباط.

أما على مستوى الإتحاد العام التونسي للشغل، فقد كرّست القيادة “التقدمية” السابقة جزءًا كبيرًا من جُهودها لإقرار وفاق بين القوى الرجعية (الإخوان والدساترة)، بالتعاون مع منظمة أرباب العمل (أي العَدُوّ الطّبقي للشغيلة)، بذريعة “تجنيب البلاد عدم الإستقرار”، فيما كَرّست القيادة الحالية (الطَّبُّوبِي وجماعته) جهودها لإلغاء محتوى “الفصل 20” من قانونها الأساسي، الذي فَرَضَهُ النقابيون التّقدّمِيّون (من القواعد)، منذ سنة 2002، للحد من الممارسات البيروقراطية، عبر تحديد فترة القيادة بدَوْرَتَيْن، ومنع ترشّح أعضاء المكتب التنفيذي لدورة ثالثة، وهو مكسب ديمقراطي، تريد القيادة الحالية إلغاءه، عبر انقلاب “دُستوري”، أي خلال “مؤتمر استثنائي غير انتخابي”…

 

ما هي الإستنتاجات والآفاق؟

إن التعبير عن الرأي والتظاهر في الشوارع والسّاحات، خلال فترة حُكْم بورقيبة وبن علي يتطلّب شجاعةً وكان يُعْتَبَرُ مُجازَفَة كبيرة، ومع ذلك حدثت “انتفاضة الخُبْز” (نهاية سنة 1983 و بداية 1984 )، وعمّت البلاد، بعد بقائها محصورة، لمدة أُسبوع في الجنوب، وتَمَرّد المواطنون، بمختلف أعمارهم، بالحوض المنجمي، سنة 2008، ولكن بقيت الإحتجاجات محصورة، طوال أكثر من ستة أشهر، في ولاية (محافظة) “قَفْصَة”، وبالأساس في منطقة مناجم الفوسفات، وبقيت انتفاضة صائفة 2010، محصورة في “بِنْقَرْدَان”، بأقصى الجنوب الشرقي.

أما الشرارة التي انطلقت من “سيدي بوزيد” فانتشرت شيئًا فشيئًا إلى الولايات المُجاورة (قفصة والقصرين) ثم إلى بعض الولايات المحرومة الأخرى، لكن لم تصل تونس (العاصمة) سوى بعد عشرة أيام، حيث بدأت الشرائح الوُسْطى والعُلْيا من البرجوازية الصّغيرة تلتحق بصفوف الفُقراء، ورفع الشّعارات التي تناسبها، واختزال النّظام في رأسه، والمطالبة برحيل بن علي…

شكّلت الإنتفاضة فُرْصَةً ثورية، لكن القُوى التي يمكن أن تحول الإنتفاضة إلى ثورة، لم تكن قوية، ولم تكن حاضرة كمنظمات أو أحزاب، وإنما من خلال مناضلين أفرد، أو مجموعات صغيرة، على مستوى منطقة محدودة، ولم يكن لها برنامج بديل، وربما لم تكن هذه المنظمات تؤمن أصْلاً بالتغيير، ويبدو أنها لا تزال غير مؤمنة بإمكانية حُدُوث تغيير ثوري، اشتراكي.

كانت القواعد أو “الجُمهور” أكثر ثورية من قيادات الأحزاب التي ترفع شعارات ثورية، وظهر ذلك من خلال  التّجمُّعات والإحتجاجات التي تَلت الإنتفاضة، سواء في القصرين أو سليانة أو تطاوين أو قرقنة، وفي مظاهرات عيد الشهداء التي قمعتها شرطة حكومة الإخوان المسلمين بعنف استثنائي يوم 09 نيسان/ابريل 2012، وغيرها من المناسبات، أي إن ما يفتقده المناضلون بتونس هو برنامج وقيادة ثورية لتنظيم ثوري، يطرح مسألة السّلطة بحدة، ومسألة البديل الثوري والجبهة التقدمية لتحالف طبقي يُقِرُّ سياسة اقتصادية واجتماعية منحازة للعاملين والكادحين والفُقراء…  

من الضّرُوري دراسة أسباب ومجرى ونتائج أي حركة، سواء تمثلت في إضراب أو مُظاهرة أو انتفاضة، واستخلاص الدُّرُوس لتجنُّبِ تكرار الأخطاء، وتطوير الجوانب الإيجابية، لكي لا تُشكل القوى الثورية وقودًا لثورات يستفيد من نتائجها الرجعيون، مثلما حَدَثَ في تونس وفي مصر وكذلك في المغرب واليمن.

ما أعدَدْنا للإنتفاضة القادمة التي سوف تنطلق حتمًا، دون أن يستطيع أحدٌ تحديد توقيتها، لأن الإنتفاضات لا تُعْلِنُ عن موعد انطلاقها، والمطلوب من الثوريين أن يَبْنُوا أداة ثورية، وأن يكونوا جاهزين في أي وقت، لنقل الإحتجاجات من حالة الإنتفاضة العفوية إلى حالةٍ ثوريةٍ واعيةٍ…

قد يعجبك ايضا