لماذا تطلق الولايات المتحدة على نفسها صفة القوة الأعظم؟ / د. حسين عمر توقه

الدكتور حسين عمر توقه ( الأردن ) – السبت 31/10/2020 م …




إن القوة العسكرية للولايات المتحدة هي اللغة التي يستغلها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في إبتزاز الدول وفي مقدمتها الدول العربية .

هذه القوة التي  أعطته كل أشكال الرعونة التي يتعامل بها ليس مع أعدائه فحسب بل مع أصدقائه من قادة الدول لا سيما قادة الدول الأوروبية الأعضاء في حلف الأطلسي  وكل من المسؤولين في كندا والمكسيك .

الكثيرون من هؤلاء الرؤساء قد كتموا الغيظ وفضلوا عدم الإصطدام مع دونالد ترمب . لهذا فإننا لا نغالي حين نقول إن كل دول العالم تنتظر نتائج الإنتخابات للرئاسة الأمريكية بفارغ الصبر والكثير الكثير يدعون إلى الله بأن ينتهي عهد الرئيس ترمب بإستثناء شخص واحد في هذه الدنيا الواسعة هو بنيامين نتنياهو  رئيس الوزراء الإسرائيلي لأن ما حققته إسرائيل خلال السنوات الأربع الأخيرة لم تكن تحلم بتحقيقه من قبل لولا الدعم المطلق من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بدءا بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس والإعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان والإستمرار في بناء المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية بالإضافة إلى ولادة مرحلة جديدة من التطبيع العربي الإسرائيلي .

إن كل العالم يرقب بتوتر وعصبية النتائج الإقتصادية التي تأثرت بجائحة الكورونا وتأثيرها على الإقتصاد العالمي  وإن المحللين الإستراتيجيين يدركون أن الولايات المتحدة كانت تعمد إلى إثارة حرب في لحظات الإنهيار الإقتصادي أو الهزات الإقتصادية كي تعيد إلى مصانعها دواليب الإنتاج وبالذات الإنتاج الحربي  وهم يدعون إلى الله ويُصلون ألا يتم إنتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لولاية ثانية حتى لا يضطر العالم إلى المعاناة من وقوع حرب جديدة . ويظل العالم العربي والعالم الإسلامي هما الهدف الأول لمثل هذه الحروب التي تستنزف إقتصاد هذه الدول وثرواتها لتصب في الصناعة الحربية للولايات المتحدة الأمريكية .

ولا بد لنا هنا من أن نعترف أنه بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي برزت الولايات المتحدة فوق مسرح العالم بإعتبارها القوة الأعظم والقوة الأوحد عسكريا وإقتصاديا . رغم  ظهور الصين الشعبية كقوة إقتصادية عظيمة منافسة لا سيما بعد أن تمكنت من تخطي أزمة جائحة  الكورونا  بينما تستمر الولايات المتحدة تتخبط في إيجاد مخرج يقلل على الأقل هذا التزايد الذي لا يرحم في أعداد المصابين وفي أعداد الموتى.

وسوف نحاول في مقالتنا هذه إجراء مسح طولي وجرد عرضي للمقومات الإستراتيجية وللمكونات العسكرية على أرض الواقع  ونحن نحاول الإجابة على السؤال الأصعب ما الذي أعطى الولايات المتحدة الأمريكية  الحق كي تعلن على الملأ أنها القوة الأعظم ؟

تاريخ الصراعات والنزاعات الدولية التي كانت الولايات المتحدة طرفا فيها:

لقد خاضت الولايات المتحدة خلال القرنين الماضيين الحروب الدولية  التالية وهنا لا نتحدث عن الحروب والصراعات ألأمريكية  الداخلية المسلحة  مثل حروب الهنود الحمر وحرب الإستقلال والحرب الأهلية .

حرب الساحل البربري الأول . حرب 1812 . حرب الساحل البربري الثانية . حرب سومطرة . الحرب المكسيكية  الأمريكية . حرب الأفيون الثانية . الحرب الإسبانية الأمريكية . الحرب الفلبينية الأمريكية . ثورة الملاكمين . حروب الموز .  حروب الحدود . الحرب العالمية الأولى . الحرب الأهلية الروسية . الحرب العالمية الثانية  . الحرب الكورية . حرب فيتنام .  غزو جمهورية الدومينكان. غزو غرانادا . غزو بنما . حرب الخليج . الحرب الأهلية الصومالية . حرب البوسنة . حرب كوسوفو . الحرب في أفغانستان . حرب العراق .  الحرب في شمال غرب باكستان . الثورة في سوريا . الثورة الليبية

لقد كانت الولايات المتحدة الدولة الأولى والوحيدة في العالم عبر التاريخ التي استخدمت السلاح النووي في حربها ضد اليابان  حيث ألقت  قنبلتها النووية الأولى على  مدينة هيروشيما بتاريخ 6/8/1945 تسببت في قتل 140 ألف شخص وبتاريخ 9/8/1945 تم إلقاء  القنبلة النووية الثانية على مدينة ناغازاكي  تسببت في قتل 80 ألف شخص . وبعد ستة أيام من تفجير القنبلة على ناغازاكي أي بتاريخ 15/8/1945  أعلنت اليابان استسلامها  لقوات الحلفاء وقامت بتوقيع  وثيقة الإستسلام بتاريخ 2/9/1945.

 

مراحل تمر بها حروب الولايات المتحدة:

من كل الحروب التي شاركت فيها الولايات المتحدة حديثا وبالذات في حربها مع العراق تبدأ المرحلة الأولى والتي قد تستغرق من أسبوع لأسبوعين بقصف صاروخي مركز على كل الأهداف الإستراتيجية العسكرية من منشآت عسكرية وقواعد جوية ومدرجاتها وقواعد بحرية بسفنها وزوارقها  وغواصاتها ومراكز القيادة والسيطرة و الدفاعات الجوية وبطاريات الصواريخ ومراكز الإتصالات ومخازن ومستودعات الذخيرة والوقود ومصادر الطاقة والكهرباء ومصافي البترول ومحطات تحلية المياه  وشبكات المواصلات .

بعدها تبدأ المرحلة الثانية باستخدام الطائرات المختلفة والإغارة على الأهداف الإستراتيجية السابقة للتأكد من تدميرها والإغارة على القواعد العسكرية والمقاومات والرادارات وبطاريات المدفعية والمدافع المقاومة للطائرات والموانىء العسكرية والسفن الحربية وتدمير البنية التحتية من طرق وجسور التي يمكن استخدامها من قبل الدبابات والدروع  والإغارة على المعسكرات وأماكن تجمع الحشود وتدمير مراكز الطاقة والكهرباء  ومخازن الوقود وقد تستغرق هذه المرحلة من أسبوع إلى أسبوعين أو ثلاثة أسابيع . وإن السبب الرئيس في إطالة مدة القصف الصاروخي والجوي يكمن في رغبة الولايات المتحدة في تقليل عدد الخسائر البشرية بين جنودها حيث تبدأ المرحلة الثالثة التي تتمثل في استخدام الدبابات والدروع وفرق الجيش ومشاة البحرية والقوات الخاصة والقوات المحمولة في تثبيت سيطرتها على الأرض . وتنتهي هذه المرحلة بالتوقيع على استسلام  النظام دونما قيد أو شرط تماما كما حدث لليابان ولألمانيا وللعراق .

مقومات الإستراتيجية القومية ومكونات القوة العسكرية الأمريكية على أرض الواقع:-

إن مقومات الإستراتيجية القومية للولايات المتحدة تعتمد إعتمادا كليا على

1: البحرية ألأمريكية

2: سلاح مشاة البحرية

3: الجيش الأمريكي

4: القوات الجوية الأمريكية

5: القوة النووية الأمريكية

6: القيادة المركزية

7: القواعد العسكرية الأمريكية في العالم

1: البحرية الأمريكية

وصلت قواتها الى 605 آلاف  فرد  وهي تملك حوالي  240 سفينة حربية عائمة على خطوط المجابهة وحوالي 130 غواصة تساندها 60 طائرة اقتحام برمائية وحوالي 150 سفينة إسناد بالإضافة الى 14  حاملة طائرات تحمل كل واحدة منها 85 طائرة بالإضافة الى 31 طرادة.

هناك مجموعة من الأساطيل المنتشرة في بحار العالم موزعة على الشكل التالي حسب مجال العمليات الحربية الخاصة بها . الأسطول الثاني  لحماية شرق الولايات المتحدة وجنوبها . الأسطول الثالث لحماية غرب الولايات المتحدة وغرب أمريكا الجنوبية . الأسطول الرابع لحماية منطقة الكاريبي وشرق أمريكا الجنوبية . الأسطول السادس لحماية غرب أوروبا وغرب أفريقيا . ألأسطول الخامس وهو ما سنتحدث عنه بالتفصيل لاحقا تمتد منطقته من المحيط الهندي و الخليج العربي وخليج عمان والبحر الأحمر والشواطىء الشرقية لإفريقيا. الأسطول السابع لحماية المحيط الهادىء شرق الصين واليابان وأستراليا

ولكي نشير الى قوة كل من حاملات الطائرات و الغواصات سوف نستعرض  خصائص إحدى حاملات الطائرات وإحدى الغواصات

حاملة الطائرات:

تمتلك الولايات المتحدة  مجموعة  من حاملات الطائرات  الضخمة التي تجوب بحار العالم  وتبلغ في مجموعها 12 حاملة وأسماؤها هي : كيتي هوك. جون كينيدي . انتر برايز .  نيمتز . دوايت آيزنهاور  . تيودور روزفلت . أبراهام  لينكولن . جورج واشنطن . جون ستينس . هاري ترومان . رونالد ريجان . كان آخرها  حاملة الطائرات جورج بوش والتي بلغت تكلفتها 4.5 مليار دولار  واستغرق بناؤها  خمس سنوات . ويسيرها  مفاعلان نوويان لأكثر من 20 عاما دون التزود بوقود إضافي  وهي مزودة  بمجموعة كبيرة من الأسلحة مثل صواريخ سبارو  البحرية وصواريخ  رولينج إيرفرام ومجموعة كبيرة من المدافع المتنوعة والمتعددة الأغراض بالإضافة الى 90 طائرة من أحدث الطائرات الحربية  تشمل مقاتلات إف 18  وهي مزودة بنظام  القتال المتكامل  وراداراً  متعدد المهام  وأنظمة بحث راداري متقدم  وأنظمة للقيادة والسيطرة  والأتصالات  وأنظمة الذكاء والتجسس  ويبلغ إرتفاعها 20 طابقا فوق سطح البحر  وطولها يساوي 334 متراً  . وإن حاملة الطائرات هي عبارة عن أسطول مصغر حيث يرافق الطائرة  العديد من القطع الحربية للحماية بالإضافة الى قطع بحرية خاصة بالتموين والتزويد بالذخائر  والأطعمة ووقود الطائرات

 

الغواصة ( إينجلز ) :

تعتبر هذه الغواصة من أخطر الغواصات في العالم وأسرعها قاطبة فهي مخصصة في إصطياد الغواصات  وإصطياد المدمرات وحاملات الطائرات  بما لديها من  أجهزة استشعار  حساسة  وكومبيوتر مركزي معقد للتحكم بمجموعة الأسلحة والصواريخ والطوربيدات الرهيبة وهي مصممة للعمل ضمن مجموعة  عمل أخرى موجودة على السطح تتكون من عدة سفن. وهي غواصة استراتيجية قاذفة للصواريخ الباليستكية مزودة بصواريخ كروز . وصواريخ  توماهوك لضرب الأهداف الأرضية البعيدة وصواريخ دوجلاس هاربون لضرب أهداف أرضية بالإضافة الى ضرب السفن  وصواريخ ترايدنت بحيث يمكنها إطلاق 24 صاروخ في أقل من دقيقة. وهي قادرة على زرع الألغام في أعمق البحار وإطلاق  طوربيدات رهيبة  مثل ( إم كي 48 وإي دي كاب) المضادة للغواصات والسفن.

 

الأسطول الخامس:

هو ذراع  البحرية الأمريكية  في منطقة الخليج العربي وبحر العرب وبحر عمان والساحل الشرقي لإفريقيا  والى كينيا جنوبا بالإضافة الى بعض أجزاء من المحيط الهندي وقيادتها موجودة في المنامة بالبحرين . وتعتبر البحرين من اولى الدول الخليجية التي أقامت تعاونا  عسكريا مع الولايات المتحدة تعود في تاريخها الى عقود مضت . وبتاريخ  27/10/1991  وقعت البحرين والولايات المتحدة اتفاق ” التعاون الدفاعي ”  ومنذ عام 1995 استضافت البحرين الأسطول  الخامس ومنذ عام 2008  بدأ الأسطول  بتوسيع قاعدته في البحرين  وتحديداً في ميناء سلمان  شرق العاصمة المنامة .    وتتمثل المهام والواجبات الموكولة اليه  والمعلن عنها بتأمين الحماية  لإمدادات النفط  من الخليج العربي الى الأسواق العالمية   بالإضافة الى المشاركة المباشرة في العمليات العسكرية في كل من العراق وأفغانستان ومراقبة التحركات العسكرية لإيران ومكافحة الإرهاب والقرصنة في المياه الدولية.  وتتألف القوة البحرية عادة من حاملتي طائرات  بالإضافة الى السفن  المرافقة لها وتؤمن هذه الحاملات القوة الضاربة من طائرات إف 18 كما وتوجد  وحدات برمائية من قوات مشاة البحرية الجاهزة للتدخل السريع مزودة بسفن هجومية  بجانب الفرقاطات والمدمرات الرئيسية المزودة بطائرات الهيلوكوبتر المضادة للغواصات وعدد من سفن الإنزال المحملة بالعربات البرمائية بالإضافة الى عدد من الغواصات  وسفن للدوريات البحرية وسفن مضادة للغواصات  وسفن للنقل والإمداد والتجهيز  وحاملتي طائرات مروحية ولقد انضمت اليها عام 2003 بعد شن الحرب على العراق  30 سفينة بريطانية وتم وضعها تحت قيادة القوات الأمريكية. ولكي نقدر حجم القوات التابعة للأسطول الخامس فإن هناك الفرقة 54 وهي فرقة قوة الغواصات وفرقة 55 التي كانت مخصصة للحرب على العراق والفرقة 56 للإستطلاع الحربي  والفرقة 57 خاصة بطائرات الدورية البحرية  والفرقة 58 لمراقبة شمال الخليج العربي والفرقة 59 وهي عبارة عن فرقة للمشاة للتدخل السريع وإدارة الأزمات . وقوة المهام المشتركة  158 لحماية منشآت  تصدير النفط العراقي  وقوة المهام المشتركة 150 لتسيير دوريات من مضيق هرمز الى مضيق باب المندب وحول القرن الإفريقي وقوة المهام المشتركة  152  لتسيير  دوريات جنوب الخليج الى السواحل العمانية والإيرانية وقوة المهام المشتركة 151 لمكافحة القرصنة وحماية السفن التجارية وهناك عشرات من الوحدات المختلفة مثل وحدة التخلص من الذخائر المتفجرة ووحدة البناء الخاصة بالأمور الهندسية والإعمار  ووحدة للدعم اللوجستي ووحدة لمكافحة تهريب السلاح والمخدرات ووحدة للإستطلاع والأمن  ووحدة للإستطلاع والإدارة والدعم

 

2:  سلاح مشاة البحرية الأمريكية

سلاح مشاة البحرية الأمريكية   هو فرع  منفصل عن القوات المسلحة الأمريكية  داخل إدارة سلاح البحرية. وتصل قوة سلاح مشاة البحرية  الحديثة الى 159 ألف فرد ويملك سلاح مشاة البحرية  الأمريكية المدرعات والمدفعية  وحاملات الجنود المدرعة البرمائية  بالإضافة الى قوة جوية دفاعية وهجومية. تساند سلاح مشاة البحرية  القوات في البحر  لحماية المصالح الخارجية للولايات المتحدة  كما يستطيع القيام بالإنزال البرمائي  ويوفر الحماية للقواعد  والقنصليات والسفارات والمفوضيات الأمريكية في الخارج.

 

3: الجيش الأمريكي

تأسس الجيش الأمريكي بتاريخ  14/6/1775  ويبلغ تعداده 770 ألف فرد وهو أكبر فروع القوات المسلحة الأمريكية عدداً  وتنضوي تحت قيادته فرقتان محمولتان ومنقولتان جوا ومجموعات القوات الخاصة الأربع وفوج الصاعقة  وتقوم بمساندة الجيش 12 فرقة  من قوات الإحتياط بالإضافة الى الحرس الوطني  ويستطيع في حالات الطوارىء تعبئة 10 فرق . ويملك الجيش  الأمريكي 15 ألف دبابة  وأكثر من 9 آلاف مروحية  وحوالي 3 آلاف ناقلة جنود.

4: القوات الجوية الأمريكية

القوات الجوية الأمريكية هي أحدث الفروع في القوات المسلحة  . حيث كانت حتى عام 1947  فرعا من الجيش .  يبلغ عدد أفراد سلاح الجو الأمريكي  550 ألف فرد   ولديها ما يقرب من 400 قاذفة  قنابل استراتيجية  تتضمن القاذفات بي -2  بالإضافة الى 3500 مقاتلة تكتيكية  تستخدم المقاتلة الشبح 117  ويوجد 41 سربا مجهزا بمقاتلات التفوق الجوي و38 سربا من مقاتلات الهجوم الأرضي   بالإضافة الى سبعة أسراب  للإستطلاع  وسبعة أسراب للعمليات الخاصة  مجهزة بالطائرات المروحية وطائرات النقل العملاقة هيركوليز  بالإضافة الى 33 سربا  للنقل   ولقد تم استخدام الطائرات في سلاح الجو عام 1909 وبعد دخول أمريكا الحرب العالمية الأولى  تم استخدام المقاتلات وقاذفات القنابل  في الحملات الأوروبية وفي عمليات المحيط الهادىء كما قامت القاذفات الأمريكية عام 1945 بإلقاء القنبلة النووية الأولى على هيروشيما والقنبلة النووية الثانية على ناغازاكي . كما عززت  طائرات الإمداد الأمريكية  عام 1948 – 1949 في مساعدة أكثر من مليوني شخص أثناء جسر برلين الجوي .  ولقد شاركت المقاتلات الأمريكية النفاثة في الحرب الكورية عام 1954 ومنذ ذلك التاريخ  شاركت القوات الجوية الأمريكية في كل المعارك التي خاضتها الولايات المتحدة ولكي نوضح مدى التقدم التكنولوجي والقدرة العملياتية  فإننا سنشرح خصائص القاذفة بي – 2 فبعد أن تم تطوير القاذفة ( بي -52 ) وهي الطائرة الأولى القادرة على  حمل القنابل النووية  بالإضافة الى حمل صواريخ كروز  وهي مزودة بأحدث تكنولوجيا (سي آي إن سي ) القادرة على ضرب أهداف بعيدة المدى وتعادل سرعتها سرعة الصوت وقادرة على الطيران بإرتفاع 15 ألف متر وتبلغ حمولتها  من المعدات والصواريخ 488 ألف باوند فهي قادرة على حمل  51 قنبلة وزن كل منها 500 رطل  إضافة الى 30 قنبلة عنقودية أو20 صاروخ كروز وتمتلك القوات الجوية الأمريكية 44 طائرة  بي 52  وهي على استعداد دائم لتنفيذ مهام قتالية طوال ال 24 ساعة.

اما القاذفة بي -2 وهي الأحدث   فهي أيضا قادرة على حمل  الأسلحة النووية والتقليدية  وتمتلك هذه القاذفة قوة نيران هائلة  ويمكنها الوصول الى أي هدف في العالم  في زمن قصير  وهي أول قاذفة استراتيجية تستعمل تكنولوجيا التسلل (الشبح ) وقد تم حتى الآن إلحاق 20 طائرة بالخدمة من أصل 100 طائرة وهي تعتبر من أغلى القاذفات حيث تبلغ تكلفة إنتاج الطائرة الواحدة 2.1 مليار دولار . واستخدامها حتى هذه اللحظة مقصور على سلاح الجو الأمريكي فقط.

5: القوة النووية للولايات المتحدة:

إن العمود الفقري للقوة الأمريكية هو ترسانتها النووية لا سيما وأن الولايات المتحدة أثبتت مرتين أنها لن تتوانى عن استخدام هذا السلاح المرعب ورغم الإتفاقات في تخفيض الترسانة النووية وتخفيض أعداد الصواريخ العابرة للقارات إلا أن ما تبقى من الرؤوس النووية يكفي لتدمير العالم  عشرات المرات فبعد أن كان عدد الرؤوس النووية الأمريكية عام 1967 يفوق ال 31 ألف رأس نووي (31225)  وآلاف الصواريخ العابرة للقارات وبالرغم من تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية  هيلاري كلينتون بأن عدد الرؤوس النووية الأمريكية قد تقلصت وبلغ تعدادها  5113 نووي أي أن نسبة التخفيض قد بلغت  84%  إلا أن نوعية الرؤوس النووية وقوة تدميرها قد تضاعفت وتقدر التقارير الإستخبارية أن عدد الرؤوس النوية الأمريكية الآن تبلغ  7700 رأس نووي . ولو حاولنا إحصاء عدد الصواريخ القادرة على حمل الرؤوس النووية وعدد القاذفات وعدد الغواصات والسفن والقواعد البرية القادرة على إطلاق الرؤوس النووية لأصبنا بحالة من الهلع والفزع . كما أننا لوحاولنا تعداد أنواع هذه الصواريخ ومحاولة حصرها لما استطعنا لأن هناك بعض المعلومات لا زالت طي المكتوم ولا يمكن لأحد التوصل اليها وعلى سبيل المثال كانت الترسانة النووية في عام 1985  تتلخص كالتالي

1:  الصواريخ العابرة للقارات  يبلغ عددها 1045 صاروخ تحمل 2145 رأسا نوويا

2: الصواريخ النووية والتي يتم إطلاقها  من قواعد الإطلاق البحرية بما فيها الغواصات  تبلغ 641 صاروخا تحمل ما مجموعه 6656 رأسا نوويا.

3: الصواريخ التي يتم إطلاقها من الطائرات القاذفة فتبلغ 260 صاروخا تحمل ما مجموعه 4080 رأسا نوويا. والسبب في اختيارنا لعام 1985 لأن الولايات المتحدة  قد قفزت خطوات واسعة في تطوير قواتها النووية  منذ استلام ريغان رئاسته الثانية  ففي عام 1985 تم إلحاق 40 صاروخ من نوع  (إم إكس) العابر للقارات  بالإضافة  الى إلحاق 740 صاروخ من نوع (ترايدنت 2) تم الحاقها بالعمل عام 1986 كما تم إقرار  تصنيع 100 قاذفة استراتيجية  من نوع (بي -1) بدأت العمل عام 1986  كما تمت الموافقة على البدء بتصنيع 132 قاذفة استراتيجية  من نوع ستيلث لتبدأ العمل بتايخ 1990 كما تمت الموافقة على تصنيع 2600 صاروخ من نوع (كروز) المتقدم في عام 1987 بالإضافة الى ألف صاروخ من نوع (ميدجت مان) في أوائل عام 1992 ولقد اشتهرت فترة ريغان بالبدء في برنامج حرب النجوم ومحاولة وضع قواعد متنقلة في الفضاء ومحاولة استخدام أسلحة اللايزر.

لقد مرت صناعة الصواريخ منذ بداية اكتشافها وتصنيعها في خمسة مراحل ولو استعرضنا اليوم خصائص أحد الصواريخ الأمريكية الحديثة وهو صاروخ ( بيس كيبر حافظ السلام إل جي إم 118 )  فهو يحمل عشرة رؤوس نووية وتبلغ سرعته 24100 كلم بالساعة ويصل مداه 11 ألف كيلو متر .

 

6: القيادة المركزية للولايات المتحدة الأمريكية:

بتاريخ 1/1/1983 وتحت شعار تأمين الحماية والأمن للدول الصديقة بالإضافة الى تأمين حماية المصالح الأمريكية في منطقة جنوب آسيا  وشبه الجزيرة العربية  وشمال شرق إفريقيا . تم الإعلان عن تشكيل  القيادة المركزية للولايات المتحدة  بحيث تمتد مسؤوليتها العسكرية لتشمل كلا من الهند والباكستان وسيريلانكا وأفغانستان وإيران والعراق والسعودية والبحرين  والإمارات العربية وقطر  وعمان واليمن والأردن وتركيا وإسرائيل ومصر والسودان وإثيوبيا والصومال وكينيا  وأوغندا وتنزانيا ورواندي وزائير وجمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد وليبيا.

وتستمد هذه المنطقة أهميتها الإستراتيجية  لأنها تحيط بالجهة الجنوبية للإتحاد السوفياتي سابقا وثانيا لأنها تشكل أكبر  مخزون نفطي في العالم وثالثا لأنها تضم أعظم مناجم الذهب والألماس واليورانيوم  بالإضافة إلى أنها تشرف على مضيق هرمز ومضيق باب المندب وقناة السويس.

وإن القيادة المركزية تضم  تحت قيادتها فرقا ذات تاريخ عسكري طويل في الحروب . فمنها من شارك في الحرب العالمية الثانية  مثل الفرقة 82 والفرقة 101 بالإضافة الى  فرقة وفوج من مشاة البحرية  وثلاث فرق من الجيش بالإَضافة الى ألف طائرة مقاتلة وطائرات هيلوكبتر ونقل بالإضافة الى ثلاث حاملات للطائرات وفرقاطات ومدمرات وطرادات و الآن وقد تم التنسيق العملياتي بينها وبين الأسطول الخامس وبعد نقل قيادة ميدانية في قاعدة العيديد في قطر أصبحت هي القوة الأعظم في منطقة الخليج العربي.

 

7: القواعد العسكرية الأمريكية في العالم:

منذ اللحظات الأولى لإستسلام اليابان واستسلام ألمانيا بانتهاء الحرب العالمية الثانية ومنذ اللحظات الأولى للتوقيع على إنشاء حلف الأطلسي وبداية الحرب الكورية فقد عمدت الولايات المتحدة الى البقاء في اراضي الدول التي كانت مسرحا للحروب السابقة ونظرا لقرب المسرح الأوروبي للإتحاد السوفياتي فلقد لجأت الولايات المتحدة الى توقيع اتفاقات لإستخدام الكثير من أراضي هذه الدول كقواعد برية وجوية وبحرية . وقد يتفاجأ الكثيرون إذا علموا بأن هناك ما يزيد على 1500 قاعدة عسكرية أمريكية منتشرة في العالم وأن 375 قاعدة عسكرية هامة متواجدة في مواقع استراتيجية بحيث تغطي في انتشارها كل أرجاء العالم وبالذات النقاط الإستراتيجية الحساسة والهامة والتي تضمن حماية المصالح الأمريكية . ولما كانت منطقة الشرق الأوسط وبالذات الخليج العربي ضمن هذه الأولويات فلقد عمدت الولايات المتحدة الى إنشاء الكثير من القواعد البحرية والجوية والبرية بل لقد عمدت الى إنشاء قيادات مؤقتة لأساطيلها مثل الأسطول الخامس والى جيوشها مثل القيادة المؤقتة للقيادة المركزية والى قواعدها الجوية. بالإضافة الى قيامها بغزو واحتلال بعض الدول الإسلامية والعربية كما حدث في أفغانستان والعراق وفي تقرير عسكري  من إدارة الأمن الإتحادية الروسية أنه كان هناك ما يقارب  من 2000 دبابة من نوع    ( إم 1 أبرامز) في العراق بالإضافة الى  2000 دبابة من نفس النوع في أفغانستان كما أن هناك أكثر من سبعة آلاف من الدبابات والدروع المختلفة المنتشرة في دول الشرق الأوسط ودول آسيا . وبالرغم من أهمية الأسلحة التقليدية إلا أن الكثير من القواعد الجوية والقواعد البرية والقواعد البحرية تكتسب خطورتها من كونها تضم في جنباتها الأسلحة النووية  . ولو تابعنا تحركات حاملة الطائرات جورج بوش والسفن المرافقة لها وانتقالها من منطقة الخليج العربي الى البحر الأبيض المتوسط قبالة السواحل السورية كرد على ما يحدث في سوريا وكرد على توجه ثلاث بارجات روسية الى ميناء طرطوس السوري. ولو علمنا أن حاملة الطائرات هذه وهي أحدث حاملة طائرات أمريكية تضم في جنباتها ترسانة من الصواريخ النووية و 90 طائرة من أحدث الطائرات القادرة على حمل الرؤوس النووية والصواريخ المتعددة فهي بحد ذاتها تشكل قاعدة جوية وبحرية متنقلة تبث الرعب والهلع أينما انتقلت. كما أننا كنا قد راقبنا  تحرك  حاملة الطائرات أبراهام لنكولن بالإضافة إلى القاذفات من نوع بي 52 وتواجدها بالقرب من الخليج العربي تدلل على إستراتيجية الردع الموجهة ضد إيران . هذه التحركات هي بمثابة رسائل تؤكد أنه لا مكان  في العالم لا تصل إليه هذه الحاملات أو الطائرات .

ولو عدنا الى الفترة الزمنية لرئاسة رونالد ريجان وراقبنا أعداد الصواريخ النووية والتي يمثل كل من الصاروخ ( كروز ) والصاروخ ( بيرشنج 2 ) أفضلها في تلك الحقبة  فلقد تم نصب 96 صاروخ في منطقة ( جرينهام كومون ) في بريطانيا كما تم نصب 112 صاروخ في منطقة ( كومينرو ) في إيطاليا  وتم نصب 96 صاروخ  في منطقة ( هازل باخ ) في ألمانيا وتم نصب  48 صاروخ في منطقة (فندرخت) في هولندا  كما تم نصب 64 صاروخ في منطقة ( مولز وورث ) في بريطانيا . ولا زالت الولايات المتحدة مستمرة في سياستها في نشر صواريخها على الحدود الروسية  لا سيما وأنه قد تم انضمام 14 عضوا جديداً “معظمهم من دول حلف وارسو سابقا ”  لحلف الأطلسي حيث أصبح عدد أعضاء الحلف 28 دولة .

 إن الولايات لديها كما قلنا أكثر من 1500 قاعدة ولديها 375 قاعدة رئيسة في كل بلدان العالم وقاراته وهناك 45 قاعدة عسكرية أمريكية تحيط بإيران من جميع الإتجاهات . فلو أخذنا على سبيل المثال دولة قطر فلدى الولايات المتحدة قاعدتان رئيسيتان فيها  الأولى هي قاعدة السيلية التي اكتسبت شهرتها إبان الحرب الإسرائيلية على حزب الله عام 2006  والثانية هي قاعدة العيديد الجوية . ففي بداية عام 1995 أخذت قطر تستضيف  بعضا من القوات ألأمريكية العاملة  في الخليج وبالأخص القوات الجوية المشرفة  على منطقة حظر الطيران  في جنوب العراق  حيت تم نصب واحدة من أكبر شبكات الرادارات لرصد أية تحركات  عراقية أو إيرانية  وخلال مرحلة التسعينات تحولت قطر  الى واحدة من أكبر  مخازن السلاح والعتاد الأمريكي  وقبل أحداث 11/9/2001 كانت القيادة المركزية للولايات المتحدة قد أنشأت  أربعة مراكز خاصة بها  في قطر  تتمتع بحرية العمل العسكري والإستخباراتي  بالإضافة الى الحق في استخدام  24 موقعا عسكريا كانت هذه المواقع في الأصل  تابعة للقوات المسلحة القطرية . في ذلك الوقت  كانت المعدات العسكرية المتقدمة ألأمريكية  قد خزنت في موقعين  منفصلين حماية لها . الموقع الأول في السيلية  والثاني في مكان جنوب غرب الدوحة. وبين عامي 2002-2003 ولأسباب وصفت وقتها بأسباب أمنية  انتقلت القيادة الجوية العسكرية من مقرها القديم في السعودية  الى مقرها الجديد  في قاعدة العيديد الجوية  في قطر  والتي تميزت  بأطول وأفضل المدرجات  في كل المنطقة ونظرا للتعاون الممتاز بين كل من قطر والولايات المتحدة فقد تم الإتفاق على جعل قاعدة العيديد مركزا للقيادة المركزية الأمريكية بحيث تظل على اتصال وتنسيق استراتيجي عملياتي دائم مع القيادة المركزية الأم في تامبا فلوريدا ومع وزارة الدفاع  في واشنطن. وفي 14/10/2009 قامت القيادة المركزية الأمريكية بنقل 750 فردا من مقرها في تامبا فلوريدا الى مقرها الأمامي الجديد في قاعدة العيديد الجوية  في قطر  كجزء من مناورة تدريبية  الغرض منها ممارسة قدرة منتسبي القيادة المركزية  الأمريكية على الإنتقال الإنسيابي للقيادة والسيطرة على العمليات  من مقرها الجديد في قطر.

المواصفات الفنية لقاعدة العيديد الجوية في قطر :

تقع  في الجنوب الغربي من مدينة الدوحة وتبعد مسافة 35 كيلو متر تقريباً . ويبلغ  طول مدرج الإقلاع 12300 قدم كما يوجد في القاعدة  84 خزان من الوقود تخزن ما مجموعه 4200000 جالون وهي تضم ملاجىء محصنة للطائرات تمتد لعدة طوابق تحت الأرض وتنقسم هذه الملاجىء الى قسمين الملاجىء الرئيسية بعدد 2 وتبلغ القدرة الإستيعابية لكل ملجأ  40 طيارة حيث تبلغ المساحة التقديرية لكل ملجأ 76 ألف قدم مربع أما الملاجىء الثانوية  فهي أربعة ملاجىء  تلجأ اليها الطائرات التي تكون جاهزة للإنطلاق  بحيث يتسع الملجأ الواحد الى 6 طائرات .

كما توجد منطقة لتخزين الذخائر  وهي المخازن الأضخم على الإطلاق للجيش الأمريكي خارج أراضي الولايات المتحدة  وهي شديدة التحصين  ضد الهجوم الجوي وتمتد تحت الأرض في عمق يتجاوز عدة طوابق. كما أن هذه القاعدة مزودة بأنظمة دفاع ( باتريوت باك 3 ) توفر الغطاء الجوي  لدولة قطر بالكامل بالإضافة لمياهها الإقليمية  وأراضي مملكة البحرين وجزء من أراضي المملكة العربية السعودية. أي مساحة الحماية التي توفرها أنظمة الدفاع تبلغ  809 ألف كيلو متر مربع. كما أن القاعدة تضم قيادة للإستخبارات  ومركزاً للقيادة والسيطرة  ومنامات تتسع لثلاثة آلاف جندي قد تصل الى خمسة آلاف ومنشآت للصيانة و منشآت رياضية وخدمات طبية .

هذا عرض موجز للقدرات والإمكانات العسكرية للولايات المتحدة . في السابق كان شعار فرسان المائدة المستديرة القوة في سبيل الحق أما اليوم فلقد قلبت الولايات المتحدة كل الشعارات الإنسانية وعادت لتتحكم بالعالم تحت شعار أن القوة وحدها هي الحق  .

باحث في الدراسات الإستراتيجية والأمن القومي

قد يعجبك ايضا