أوراق ناقصة في وثائق الأمير بندر بن سلطان / سامي ابو سالم

بندر بن سلطان" يوجز مقابلاته: الغشاشون وغير الأوفياء "حدونا على أقصانا"
سامي ابو سالم ( فلسطين ) – الجمعة 9/10/2020 م …
أوراق ناقصة في وثائق الأمير بندر



في “جردة حساب” غير مسبوقة خرج الأمير السعودي بندر بن سلطان في ثلاث حلقات متلفزة، يشرح -على حد قوله- للمواطن السعودي حقيقة مواقف المملكة تجاه دعم القضية الفلسطينية، وكانت جردته لمواقف كان هو طرفا فيها أو قرأها في وثائق رسمية على حد قوله.

في سلسة اللوم التي سردها الأمير بندر، قال إنه إطلع على وثائق  مؤرشفة  كشفت أن الفلسطينيين دائما يراهنون على الطرف الخاسر، وبلكنة لا تخلو من شماتة واستهتار-عززها لغة الجسد- أشار إلى وقوف مفتي القدس أمين الحسيني إلى جانب ألمانيا بزعامة هتلر في الحرب العالمية الثانية!
هل رغب الأمير بوقوف المفتي بجانب بريطانيا صاحبة “تصريح بلفور”؟! فالحسيني إبن مدينة القدس لم يقرأ تاريخ بلاده من كتب كتبها المنتصرون، بل رأى بعينه رعاية بريطانية لتدفق المهاجرين اليهود لفلسطين وشحنات الأسلحة الثقيلة والمتطورة للعصابات الصهيونية، ورأى سطوة بريطانيا على الأراضي وتسليمها للمهاجرين اليهود، فكيف سيصطف بجانب بريطانيا آنذاك؟ أضف إلى ذلك، ماذا لو انتصرت ألمانيا؟ ألم يكن وارداً سيما وأنها احتلت أوروبا وأرعبت العالم؟ يا سمو الأمير، إن القيمة الحقيقية لأي قرار تكون وقت صدوره!

وفي إطار رهان الفلسطينيين “على الطرف الخاسر” كان بامكان الأمير أن يضيف أن أحد ابرز القيادات الفلسطينية الشهيد عبد القادر الحسيني، كان قائدا عسكريا راهن على العرب في معركته للدفاع عن القدس، فاستشهد ورفاقه بعد أن أرسل رسالة لهم في أبريل 1948 يقول فيها: “إني أحملكم المسؤولية بعد أن تركتم جنودي في أوج انتصاراتهم بدون عون أو سلاح”، استشهد الحسيني وبعده بيومين ارتكب الصهاينة مجزرة دير ياسين المتاخمة لمدينة القدس، والأمر “تكرر وتكرر وتكرر”، لكن يبدو أن رسالة الشهيد الحسيني ليست ضمن الأرشيف الذي اطلع عليه الأمير.

وزعم الأمير بندر أن قرار التقسيم “181” صدر عن مجلس الأمن بمصادقة الدول دائمة العضوية، ما يعني -كما قال- إذا وافق الطرفان فالقرار سينفذ لا محالة، لكن رفضه العرب والفلسطينيون، وهذا مخالف للحقيقة، فقرار “181” صدر عن الجمعية العامة وقراراتها غير ملزمة، لا نعلم هل هو جهل بالقانون الدولي أم أن وثائق الأمير لم تتضمن ذلك أم لَيّ لعنق الحقيقة.

ونضيف ورقة جديدة لوثائق الأمير بندر يبدو أنه لم يطلع عليها؛ أوفدت الأمم المتحدة المبعوث الكونت برنادوت لتطبيق قرار 181، بيد أن العصابات الصهيونية اغتالته في أيلول 1948 لأن رؤيته كانت تمس هجرة اليهود لفلسطين بجانب أن تطبيق القرار سيؤسس لكيان سياسي فلسطيني، وهل هذا خطأ من الفلسطينيين أيضا!

استعرض الأمير مسلسل “الفشل” الذي مر به القادة الفلسطينيون منذ 1939 [مؤتمر الدائرة المستديرة الذي رفضه الفلسطينيون آنذاك]، أي قبل إنشاء دولة الاحتلال، ولم يشر إلى أن الفلسطينيين طالبوا آنذاك بوقف هجرة اليهود لفلسطين وتغيير التشريعات البريطانية التي تسهّل لليهود السيطرة على الأراضي الفلسطينية، الأمر الذي لم يتحقق ففشل المؤتمر، يبدوا أنهم أخطأوا حتى قبل قيام الدولة العبرية!  ويبدو أن مطالب الفلسطينيين واسباب فشل المؤتمر ليست ضمن وثائق الأمير.
وأشار إلى إن قضية فلسطين قضية عادلة بمحامين فاشلين و”القضية الإسرائيلية” قضية غير عادلة بمحامين ناجحين، وهذا اختصار ل 70- 75 عاما قضت، كما قال، وهذا يعني أن موقف الأمير ليس منوطا بموقف الرئيس عباس من تطبيع الإمارات والبحرين المجاني مع الاحتلال وليس بسبب مواقف منظمة التحرير الفلسطينية الآنية أو السابقة، بل تكشف موقفاً أقرب إلى الشخصي قبل إنطلاق مهرجان التطبيع وقبل غزو صدام حسين للكويت الذي اعتذر عنه الرئيس عباس علانية.

القيادة الفلسطينية علنت، بعد حرب أكتوبر- تشرين 1973، نيتها اعتماد الحل “المرحلي”، رغم ما جابهته من صراعات دامية و”تخوين” من يساريين وقوميين عرب وفلسطينيين مدعومين من دول عربية يعرفها الأمير، بحجة ان القايدة “مفرطة”. كما جابهت “تكفير” من التيار الوهابي سعودي الصناعة، الأمر الذي استنزفها بشريا وسياسيا واعلاميا في معركة وحدة الصف السياسي وإنتزاع شرعية دولية، (وهذا ما يفصله صلاح خلف في كتابه فلسطيني بلا هوية).

إن نشر السعودية للتيار الوهابي في العالم العربي كان له نصيب الأسد في الحد من الدعم الجماهيري للقيادة وتكبيلها للوصول للحد الممكن من الحل، ورغم ذلك إستمرت القيادة بالتمسك بالحل “الوسط” المتمثل بدولة على أراض 1967 بدلا من فلسطين التاريخية. وليس بآخرها مبادرة ولي العهد السعودي- في حينه- الأمير عبد الله (2002) التي تبنتها القيادة الفلسطينية وجامعة الدول العربية، بيد أن رئيس وزراء الاحتلال الأسبق “شارون” صفع 22 دولة عربية وقال إنها لا تساوي الحبر الذي كتبت به. شارون يصفع العرب برفضه المبادرة والأمير بندر يلقي اللوم على الفلسطينيين “لتضييعهم الفرص”، لماذا لا يلوم إسرائيل؟ّ!

نحن كفلسطينيين ما زلنا بانتظار أن تمارس الدول العربية نفوذها لتطبيقها، سيما أن  “العقبة الرئيسة” المتمثلة بالقيادة الفلسطينية موافقة عليها، والفرصة قائمة بوجود ترمب، فمئات المليارات من الدولارات التي تسلمها من السعودية ربما يكون لها أثر إيجابي مثل الأثر الايجابي على رونالد ريغان في قضية الكونترا كما ذكر الأمير.

وذكر بن سلطان أن الفلسطينيين (بقيادة عرفات) رفضوا كامب ديفيد (2000) برعاية الرئيس كلينتون، موضحا أن من عرقل الاتفاق هو الرئيس عرفات، نعم عرفات رفض، لكن لماذا؟ لماذا لم يفصح الأمير عن سبب رفض عرفات؟ كان سبب الرفض هو المساس بالمسجد الأقصى والقدس (كما قال من شاركوا في المفاوضات منهم حسن عصفور ومروان كنفاني وغيرهم). ربما الوثيقة التي تكشف سبب رفض عرفات غير مدرجة في أرشيفه.

واستمر مسلسل القبول/ التنازل الفلسطيني مرورا بحلقات “النقاط العشر” ومبادرة الملك فهد وقبول 242 إلى إتفاق “أوسلو”. حتى “أوسلو” بكل ما يحمل أيضا ترفض إسرائيل تطبيقه، ما يعني أن العقبة الكأداء هو الاحتلال وليس- كما يقول قادة الاحتلال- القيادة الفلسطينية، وإلا، من يعرقل تنفيذ “أوسلو”؟

إن أكثر من تعرضوا للانتقاد والتجريح والتخوين الرسمي والجماهيري العربي والإسلامي هو الرئيس عباس لأنه “أحد مهندسي أوسلو”، ووافق/ رضخ، خلال العقود المنصرمة، لكل ما تطلبه الإدارة الأمريكية من أجل التوصل للحد الأدنى من الحل، ورغم ذلك لم ينل شيئا ملموسا يمكن التعويل عليه، ثم يتهم باضاعة الفرص، لماذا؟ هل لرفضه صفقة القرن والتطبيع المجاني؟!

وفي تطاول غير أميري يصف السفير المخضرم القيادة الفلسطينية بالقول: “هذول الناس صعب إنك تثق فيهم أو إنك تعتقد تقدر تعمل شئ لخدمة فلسطين بوجودهم”، وهنا تناغم غير مسبوق مع الرؤية الاسرائيلية الأمريكية المتطرفة التي رددها نتنياهو وترمب ووزرائهم ومستشاريهم في أكثر من محفل،  أبرزها تصريحات جاريد كوشنر التي تمحورت حول الشعب الفلسطيني رهينة لقيادة سيئة… وضاعت فرص كثيرة ويجب استغلال هذه الفرصة [صفقة القرن]، وكذلك تصريحات أفيغدور ليبرمان  الذي عندما كان وزير خارجية إسرائيلي) وصف الرئيس عباس أنه “كذاب لا يريد السلام”. وما انفك سفير إسرائيل في الأمم المتحدة، داني دانون، يصرح بأنه لا يمكن التوصل إلى سلام بوجود عباس.

نعم المملكة دعمت القضية الفلسطينية ماليا ومعنويا ولا ينكر ذلك إلا جاحد، ولها الحق في الحفاظ على علاقاتها وأمنها فهذه نقطة لا جدال فيها، ونَعم القيادة الفلسطينية لها أخطاء في أكثر من محفل، لكن هل هذا مبرر لتبنى الرواية الإسرائيلية؟ هل مبرر لإلقاء اللوم على الفلسطينيين بدل الإحتلال؟ صحيح أن الأمير بندر خارج النظام الرسمي، لكن خروجه كأحد سدنة الحكم المؤثرين وعلى شاشة قناة ممولة سعوديا يعني أنه لم يخرج للحديث عبثا. فهل حديثه تهيئة أجواء”لإزاحة” الرئيس عباس لرفضه صفقة القرن كما أزيح أبو عمار لرفضه كامب ديفيد 2000؟ أم تهيئة لما هو قادم؟

قد يعجبك ايضا