حتى أبواب فلسطين! / ديانا فاخوري

ديانا فاخوري* ( الأردن ) – الخميس 3/9/2020 م …



* مفكرة قومية أردنية …
 
هكذا أعلن الجنرال الفرنسي هنري غورو من قصر الصنوبر في بيروت، نشوء لبنان بحدوده الحاضرة منذ مئة عام:
 

“اعلن رسميا قيام لبنان الكبير، فيما اشارككم فرحتكم وافتخاركم. واحييه، باسم حكومة الجمهورية الفرنسية، بعظمته وقوته، من النهر الكبير حتى أبواب فلسطين والى قمم السلسة الشرقية”

الى جانب قصة لبنان بحضارته آلتي تعود لآلاف السنين قبل غورو، يحضرني هنا الشاعر “طرفة بن العبد” .. هل قصد فلسطين بقوله:
 
  • أسْلَمَني قَومي، ولم يَغضَبوا//
     
  • لِسَوْءةٍ، حلّتْ بهمْ، فادحَهْ //
     
  • كلُّ خليلٍ كُنتُ خاللتُهُ//
     
  • لا تركَ اللَّهُ لـه واضِحهْ //
     
  • كُلُّهُمُ أروَغُ مِنْ ثَعْلَبٍ//
     
  • ما أشبهَ اللّيْلَةَ بالبارحَهْ//
اما عن عجز البيت الأخير، فليت الليلة  كالبارحة بفلسطينها من النهر الى البحر ومن الناقورة الى ام الرشراش!
 
وبمناسبة زيارة الرئيس الفرنسي للبنان أعود لبعض مما كتبته حول “كما المسيحيون العرب كذلك العروبة!”
بشموخ المقاومين وقفت “ام عطا” تحمي المنزل القدسي ولم تنحني لعروض البيع .. طردت السمسار من هيكل البيت الصغير واهدت مفتاحه لذاك المقاوم، الطالب الكهنوتي من حلب، تعبيرا عن امتنانها وليذكّر أن في القدس له بيتا يحرسه!
اما نحت الزمن اليهودي وتزييف الحقائق وفقا للمصالح والأهداف السياسية والأغراض الاستراتيجية فحرفة مزوري التاريخ المعتمدين من الحركة الصهيونية الذين دأبوا على اختراع وعي جديد لليهود، بكل ما يتطلبه ذلك من رموز قومية مثل: العلم، النشيد القومي، لباس، وأبطال، ولغة والطوابع البريدية باعتبارها أدوات مهمة “لاختراع الشعب” .. وفي استجابة للهواجس التوراتية التلمودية تراهم مغالون في تشكيل الشخصية اليهودية لاهوتيا لتبلغ أرض الميعاد وتغطي الكرة الأرضية بكافة زواياها متجاوزة “كلاسيكية الفرات والنيل” تمثلا بيهوة ونفيا للآخر .. وهكذا برز مفهوم جديد هو “الشعب الإسرائيلي” ليصبح “شعب يهودي” في سياق التحولات التي تحرص الصهيونية على استكمالها نحو “دولة يهودية” تجسد إلغاء الأغيار والاستيلاء والاستعباد خرقا للمعاهدات وتوسلا لضغوطات مالية واعلامية وعسكرية!
اما “حارس القدس _ المطران هيلاريون كبوجي” فيعيدني لبعضٍ من كتاباتي: “المسيحيون العرب في صفقة القرن.. وتوطين مقابل توطين”، مثلا!
قلتها مرارآ: “كما المسيحيون العرب كذلك العروبة! يرى البعض في غياب المسيحيين العرب عن المشهد العربي غيابآ لفكرة الدولة العصرية والتنوع الثقافي والتعددية والديمقراطية .. أما أنا فما زلت أكرر أن غياب المسيحيين العرب عن المشهد العربي يعني غياب المشهد العربي برمته .. فلا تفرغوا الشرق من مسيحييه, وبالتالي من عروبته, تبريرآ ليهودية الدولة!”
أما اليوم فأدعوكم لمراجعة مراسلات ديفيد بنغوريون (David Ben-Gurion) / موشية شاريت (Moshe Sharett) حيث يبدو التخوف من النموذج اللبناني بصناعته العربية المسيحية .. و حيث تتمثل لعنة المسيحيين العرب في دورهم البناء نحو الدولة الحديثة و تكريسآ لعبقرية التنوع .. فلا بد اذن من اقتلاع هذا النموذج (التنوع في الوحدة) ولا باس باقامة دولة مسيحية صرفة تحرس حدود اسرائيل الى جانب دويلات مذهبية سنية و شيعية و ربما درزية صافية!
المسيحيون هم أبناء المنطقة ولدوا وعاشوا فيها منذ أكثر من ألفي سنة وعروبتهم لا جدال فيها ..في القدس بدأت المسيحية, والسيد المسيح هو ابن مدينة الناصرة .. وفي حلب و حوران وانطاكية بنيت أول الكنائس .. المسيحيون هم العرب الغساسنة في حوران والمناذرة في العراق .. منهم جاءت قبائل تنوخ وبكر وربيعة وبنو تميم وطي وبنو كلب .. ساهموا باقامة الدولة العربية الأولى (الدولة الأموية) كما كان لهم دورهم في عصور النهضة العربية .. نبغوا في الشعر والحكمة والخطابة, ونقلوا علوم اليونان وحكمتهم الى العربية .. وكان لهم شأن كبير في العصر الحديث ولا سيما في الصحافة والأدب والفكر والشعر ..أصدروا اوائل الصحف باللغة العربية في الأستانة ومصر وبلاد الاغتراب .. وهم من أسس حركات التحرر الوطني في سوريا و لبنان و فلسطين, وساهموا في بلورة الفكر القومي العربي و نشره ..
وفيهم قال شاعر الرسول, حسان بن ثابت:
لله در عصابة نادمتهم يومآ // بجلق في الزمان الأول
والخالطون فقيرهم بغنيهم // والمنعمون على الضعيف المرمل
أولاد جفنة حول قبر أبيهم // قبر بن مارية الكريم المفضل
بيض الوجوه كريمة أحسابهم // شم الأنوف من الطراز الأول
فلا تفرغوا الشرق من مسيحييه, وبالتالي من عروبته, تبريرآ ليهودية الدولة!
واذكروا ما قاله أمنون كابيليوك (Amnon Kapeliouk): “في ضوء ما حدث عام 2000، لم يعد هاجس الأنبياء باسرائيل ازالة حزب الله فقط وانما ازالة لبنان بكليته”! واستكمالآ للصورة كان لابد من استكمال تفريغ المنطقة من مسيحييها سواء من خلال صيغة Islam Light أو بالعودة لصيغة القاعدة و مشتقاتها .. و ها هم يستميتون تسويقا لصفقة او طبخة او صفعة القرن عارضين – مقابل إلغاء حق العودة بتوطين الأخوة الفلسطينيين – مئات المليارات من “دولاراتنا” و استعداد أوروبي ـ أميركي لاستقبال مسيحيي المشرق العربي .. فهل هو توطين مقابل توطين؟!
و بالعودة الى تراثنا أقول: “ألا ان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين, بين السلة أو” اغواء الهجرة .. هيهات منا الهجرة, هيهات منا الهجرة .. ولعلي بهذا أرد على التساؤل الذي يطرحه البعض بخصوص مصير المسيحية والمسيحيين في الشرق .. فلسنا بالمارين بين الكلمات العابرة .. هنا, على صدوركم (أعني الحلف الصهيواعروبيكي بتغطية اسلاموية) باقون كالجدار .. وفي حلوقكم كقطعة الزجاج, كالصبار .. انا هنا باقون, فلتشربوا البحرا .. هنا, لنا ماض. وحاضر, ومستقبل .. يا جذرنا الحي تشبث, واضربي في القاع يا أصول .. فنحن نعرف كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء.
أما فقه المقاومة والتحرير فبالضرورة ينصر المسيحيين العرب في معركتهم الوجودية, وهو بالضرورة يكمل مكارم المقاومة الشيوعية/القومية/الوطنية بكل معانيها و أبعادها .. بالفقه و بالفعل .. بفقه المقاومة والتحرير, وبفعل المقاومة والتحرير ينتعش ويزدهر الوجود المسيحي الذي يعطي العروبة معناها وماهية وجودها و يشكل بذلك مصدر القلق الوجودي لاسرائيل مسقطا صفقة القرن!
نعم، نحن محكومون بالنصر – نحن امام احد خيارين لا ثالث لهما: فأما النصر وأما النصر .. و”إصبع مظفر النواب الوسطى” بحيثيتها ورمزيتها لهم بالمرصاد ليلاً، ونهاراً ايضاً .. فلا هجمة الركود الحالي، ولا تحالف كوفيد التاسع عشر مع المحور الصهيواعروبيكي ومفرزاته وانعكاساتها في وعلى الداخل اللبناني اقتصاداً وسياسة، مثلاً .. ولا المهام النضالية في الخارج بقادرة على ازاحة البوصلة عن فلسطين من النهر الى البحر ومن الناقورة الى ام الرشراش سيما وان “طائر الصدى” مازال يصرخ في صحراء العرب ويستصرخ ان اسقوني يا قوم، بربكم اسقوني!
 

الدائم هو الله، ودائمة هي فلسطين!

نصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون ..

كاتبة عربية اردنية

قد يعجبك ايضا