منظمة التحرير الفلسطينية: من مشروع ثورة الى انتفاضة الى ميليشيا الى سلطة الى مرتزقة لحراسة المستوطنيين والاحتلال.. صفقة التهدئة هي لتحويل حماس الى “سلطة” اخرى! / د. عبد الحيّ زلوم

في ذكرى رحيل عرفات.. تراشق اتهامات بين عباس ودحلان حول اغتياله ...
د. عبد الحيّ زلوم ( الأردن ) – السبت 8/8/2020 م …



في البداية يجب أن أبين الحقائق بلا رتوش ولا مكياج فهي اساس اي دراسة هادفة لاي موضوع خصوصاً عندما يتعلق بمصير امة . وكذلك أبدأ بالقول أن عناصر المقاومة الفلسطينية منذ نشأتها ومن البداية كانوا من افضل ابناء الامة الذين وضعوا ارواحهم على اكفهم وحملوا نعوشهم على اكتافهم ولا يستطيع أحد أن يزاود عليهم. وكذلك ابين أني لا انتمي الى اي فصيل أو اي حزب واحاول أن اتناول هذا الموضوع الصعب بموضوعية . ولكن مشكلة المقاومة كانت وما زالت  في قيادتها.
وضع القائد الشيوعي فلاديمير لينين LENIN)) (وليس كل ما قاله كفراً) ثلاثة شروط لانجاح أي ثورة : أولها، حزب سياسي منظم ومتين ، وقيادة قوية الشكيمة والعزيمة، وبرنامج واضح.
فهل كانت منظمة ياسر عرفات ثورة بهذه المقاييس أو حتى بأي مقاييس اخرى ؟
فلنبدأ بالشرط الاول وهو:  حزب سياسي منظم ومتين. ولنبادر بالقول ان الامر لم يكن كذلك . حدثني أحد المؤسسين لحركة ياسر عرفات في دول النفط اسباب انسحابه منها اذ قال ان ياسر عرفات كان يسافر كثيراً الى السعودية أو قبرص أوسوريا وانه كان يرفض ايضاح اسباب السفر او نتائجه. كان الكثير من منتسبي  منظمته من المخلصين الوطنيين لكنهم كانوا من خليط ايدويولوجي مختلف بل ومتناقض في كثير من الاحيان . زاد في ذلك اعتماده على انظمة عربية قامت بدورها بإنشاء جماعات منافسة مدعومة وممولة منها وكثيرٌ منها انظمة مشبوهة بارتباطاتها بالخارج فأصبحت منظمة التحرير الفلسطينية كوكتيل عجيب من هذه الجماعات الاصيلة والوطنية والمشبوهة على حدٍ سواء .
واما العنصر الثاني من متطلبات الثورة  فهو   قيادة قوية الشكيمة والعزيمة. وهنا نقول انه لم يكن هناك اصلاً قيادة وإنما كان هناك حكماً شمولياً يتمثل في شخص ياسر عرفات شأنه شأن كافة الانظمة الشمولية . حدثني صديقي مثلاً ان عرفات جاء بشخص اسمه محمود عباس كان يعمل موظفاً (اعتقد مدرساً) في امارة قطر وجاء به بالبرشوت دون ان يتحقق منه ومن خلفيته أحد. يفتخر محمود عباس انه لم يحمل مسدساً في حياته ولم يطلق رصاصة واحدة . وبقدرة قادر اصبح نائباً للرئيس.
ليس هناك مثالٌ اكثر وضوحاً من شمولية ياسر عرفات اكثر من اختياره دون الرجوع الى أحد لمحمود عباس للذهاب الى اوسلو مع موظف بنك كان يعمل في السعودية وليس لديهما اي خبرة في المفاوضات ليتفاوضوا مع وفد اسرائيلي نتج عنه اتفاقية اوسلو في الوقت الذي كان مفاوضون وطنيون يتفاوضون في مدريد وكانوا ممن  عليهم اجماع وطني فلسطيني ومشهود لهم بالوطنية والنزاهة برئاسة الدكتور حيدر عبد الشافي. فوجئ هؤلاء كما فوجئ كل من يهمه الامر بإتفاقية اوسلو والتي نرى نتائجها جليةً اليوم.  وكان اختيار عباس لرئاسة مفاوضات اوسلو من عرفات دون الرجوع الى أحد.
ومن المؤسف حقاً ان الثورة الحقيقية التي قامت بالاراضي المحتلة كانت ما اسموها بالانتفاضة الاولى هروباً من اسمها الحقيقي وهو الثورة التي لم تستطع كافة اجهزة المخابرات والجيش في الكيان المحتل من اخمادها لاكثر من 5 سنوات حتى جاء ابطال اوسلو برئاسة عرفات ونائبه عباس وارسلوا اول ما ارسلوا محمد دحلان الى تل ابيب لانشاء ما اسموه بالامن الوقائي من 15 الف رجل بالتنسيق والتوجيه من المخابرات الامريكية  CIA والمخابرات الاسرائيلية. وكان اول ما قامت به هذه القوة هو اعتقال ابطال الثورة الانتفاضة وزجوا ابطالها في السجون. ومن المؤسف أن وسائل التعذيب في هذه السجون فاقت نظيرها في سجون دولة الاحتلال، هذه الحقيقة بدون رتوش ولا مكياج.
اما النقطة الثالثة من متطلبات الثورة فهو وجود برنامج واضح. كانت مسيرة منظمة التحرير الفلسطينية يشوبها الغموض والاحادية والشمولية وكانت تتنازل عن الثوابت الوطنية الفلسطينية خطوة خطوة . كان منها اصرارها على ان تكون الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين داخل الاحتلال وخارجه وهو مطلب من كسينجر الى السادات وآخرين من الدول اياها . وبذلك فقدت الاردن صاحبة الحق الدولي في استرجاع الضفة الغربية بإعتبارها جزء محتل كان تحت سيادتها لتصبح الضفة الغربية ارضاً متنازعاً عنها .
واذا كان هدف منظمة التحرير هو تحرير فلسطين فقد ابتعدت المنظمة عنه خطوةً خطوة اولاً بإعترافها بدولة الاحتلال على 78% من الاراضي الفلسطينية وبحث موضوع الـ22% المتبقية في مفاوضات عبثية حسب اتفاقية اوسلو مقابل اعتراف دولة الاحتلال بان منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني . وخلال 25 سنة من المفاوضات العبثية وقبول قادة المنظمة بان يصبحوا حراساً للاحتلال زاد عدد المستوطنين في الضفة الغربية الى 750000 مستوطن وتم زرع مستوطنات ابتلعت الضفة الغربية وما زال (اشاوس السلطة ) يقولون بلا حياء أن التعاون الامني بين المخابرات الاسرائيلية ومخابراتهم ضد شعبهم هو امرٌ مقدس . اي كتاب مقدس يقرأونه يجعل  لحراسة الاحتلال قدسية؟
اذن علينا ان نتفق ان حركة ياسر عرفات وما يسمى بمنظمة التحرير الفلسطينية وسلطتها هي ليست ثورة ولا حركة تحرير حيث أصبحت مقاولاً للاحتلال لا مقاوماً له . في رحلة لي من نيودلهي الى عمان جلس الى جانبي بتاريخ 15/1/2004 الجنرال الاسرائيلي المتقاعد فريدي زاك الذي اعلمني انه كان الحاكم العسكري للضفة الغربية . خلال 4 ساعات اثناء الرحلة و الحديث سألته ان كان صحيحاً ما قراته في مجلة تايم الامريكية ان احد القناصة الاسرائيلين  كان منظاره مصوباً على عرفات اثناء غزو بيروت وانه استفسر من القيادة ليطلقوا النار عليه ولكن القيادة الاسرائيلية طلبوا منه ان لا يفعل ذلك  . فهل هذا صحيح ؟ أجاب نعم. سألته ولماذا: قال لا اعرف السبب . وأنا ما زلت لا اعرفه ! فنبئوني يا أهل العلم إن كنتم تعلمون!
نأتي الان الى ما يسمى بصفقة التهدئة بين حماس و الكيان المحتل . اولاً أقول أن اهل مكة ادرى بشعابها وان غزة تعاني من ظلم القريب قبل البعيد ولكن لدي بعض النقاط والاسئلة الهامة اتمنى على حماس ان تجيب عليها قبل ان تتورط في ما لا تحمد عقباه:
هل التزم الكيان المحتل بشروط التهدئة التي أعقبت العدوان الاخير على غزة بوساطة مصرية؟
هل نفذ الكيان المحتل اي من شروط اتفاقية اوسلو ؟
هل ممكن المصالحة مع مقاول الاحتلال في رام الله الذي يسلم المقاومين الفلسطينين الى جيش الاحتلال مع من يريد ان يقاوم هذا الاحتلال ؟
ما هو السر في أن دولتين وهما مصر وقطر اللتين لا يتفقان على ان الشمس تشرق من الشرق ولا أن واحد زائد واحد يساوي اثنان، كيف صدف أن اتفقتا على صفقة التهدئة مما يثير السؤال هل كان تدخلهما بناء على مبادرة ذاتية ام بطلب من (حلفائهما)؟  وما أدراك من هم حلفائهما ؟
لو كان النظام في مصر وهو من إعتبر الاتصال مع حماس تخابراً مع العدو يريد فك الحصار فمن يمنعه من فتح معبر رفح؟
هل المطلوب من صفقة التهدئة مساعدة غزة أم الهدف هو تحويل حركة حماس الى سلطة أخرى  كتلك التي في رام الله .
إن تقاطع  خطان متوازيان أو رسم خط مستقيم على دائرة اقرب للتحقيق من المصالحة مع نظام عباس اللهم الا اذا ارادت حماس ان تغير ثوابتها .
والخلاصة :
الخطأ والخطيئة بالنسبة لموضوع منظمة التحرير الفلسطينية هي انها ليست منظمة تحرير ولم تكن كذلك يوماً ورحم الله اولئك الشهداء الطيبين الذين قضوا في سبيل قضيتهم وتاجر بهم حراس الاحتلال اليوم . ولعل حماس قد دُفعت دفعاً الى كرادورات السلطة والحكم ولعل الجواب هو الخروج منه  وتسليم امرها الى مقاوميها في الميدان الذين اظهروا ابداعاً عسكرياً ووطنياً وان يتركوا قادتهم من سكان فنادق الخمس نجوم حيث هم خارج غزة. وكذلك على سلطة رام الله أن تختفي الى غير رجعة لتصبح غزة والضفة الغربية اراضي محتلة حسب القانون الدولي ولتشتعل ثورة اخرى يقودها جيلٌ صاعد يقاتل اليوم بالسكاكين لان سلطة حراسة الاحتلال تمنع عنه السلاح وعندها يتعين على الاحتلال ان يدفع رواتب الموظفين وأن يقدم الخدمات الاساسية حسب قوانين جنيف الى ان تتحرر البلاد من الاحتلال ووكلاءه .
لاحظوا أن حزب الله انه وبالرغم من مقدرته على الاستيلاء على السلطة بطريقة أو باخرى الا انه ابتعد عنها الا بأقل قدر ممكن وكرس نفسه للمقاومة ..
     مستشار ومؤلف وباحث

قد يعجبك ايضا