الديمقراطية والأحزاب- ضرورات متبادلة / مهدي أبو النواعير

مهدي أبو النواعير ( العراق ) – الإثنين 27/7/2020 م …

   ظهرت الأحزاب السياسية بأشكالها البدائية البسيطة في أوربا في المنتصف القرن السابع عشر، وصولا إلى منتصف القرن التاسع عشر، حيث كانت تمثل بنية أحزاب ممثلة للطبقة الأرستقراطية من نبلاء وأثرياء أوربا، وكانت تمثل النمطية الحزبية البسيطة التي تقوم على تبادل نفعي بين النبلاء، ورجال الأحزاب الذين غالبا ما يخرج منهم قادة لمجالس إدارية عمومية، ويتم دعمهم ماليا من قبل تلك الطبقة الأرستقراطية، فكانت تمثل بحق أحزاب الأغنياء فقط.




   بعد انهيار الإمبراطوريات وأشكال الحكم الطبقي، وظهور الأحزاب الجماهيرية، ومن ثم تطورها في القرن العشرين إلى أحزاب تمثل إرادة شعوبها، حتى أصبحت سمة عامة من سمات أي مجتمع متحضر وواعي، يقيم حضارته السياسية من خلال الاعتماد على منهجيات وضوابط العمل بالأحزاب السياسية والديمقراطية، حيث يعتمد عمل الأحزاب السياسية في أي نظام ديمقراطي مستقر ومتزن، على مساحة من الديمقراطية المتاحة في الدولة.

   تختلف الأحزاب وتختلف تشكيلاتها وأنماط إدارتها، بطبيعة متبنياتها وأهدافها وأيديولوجياتها، وفلسفتها للحكم، حيث تتعدد رؤى الأحزاب من قومية ودينية واشتراكية إلى أحزاب رأسمالية إمبريالية، مع وجود عدد من الأحزاب اليمينية والعنصرية ذات النكهة الراديكالية الأحادية، وغيرها الكثير من الأصناف والأنواع.

     تختلف الأحزاب السياسية أيضا، باختلاف برامجها ووجهات نظرها تجاه العديد من القضايا المطروحة حيث غالباً تتكون الأحزاب نتيجة لرغبات الأفراد في تحقيق أهداف ورؤى مشتركة منبثقة من معاناة معينة، يسعى الجميع إلى الوصول لحل لهذه المعاناة، سواء أكانت اقتصادية أو دينية أو فكرية.

   في العراق، تنوعت أنماط وأشكال الأحزاب السياسية، بحسب توجهات الأفراد المكونين لها، وبحسب توجه الجهات الداعمة لها، ولكن على العموم، نجد أن هناك الكثير من الحالات التي تلجأ فيها بعض الأحزاب إلى استخدام القوة للوصل إلى الحكم لتطبيق برامجهم سواء كانت سيئة أم جيدة.

   الطابع الفردي والسلطوي للشخص الواحد (الحاكم للحزب)، والذي يكون عادة هو الآمر والناهي الوحيد، والذي يستمد نفوذه من قدراته القيادية أو مكانته الاجتماعية القائمة على العائلة أو القبيلة أو الثروة،غالباً ما يبني مثل هذا النوع مشاريعهم على نمط من الأحزاب التي تهتم وتقدس الجانب ألمصلحي، حيث يسعى الأفراد في الحزب إلى تحقيق رغبات فردية مصلحيه وأنانية، معتمدين في ذلك على صاحب الحزب المؤسس، نظراً لمكانته الاجتماعية أو قدراته المادية.

    مثل هذا النوع من الأحزاب، غالبا ما يكون صعودها ونزولها بشكل سريع، معتمدا على ضربات الحظ أحيانا، وعلى منهج التعمية الاجتماعية (القائمة على نوع من الزبائنية) في أحيانا أخرى. وفي الغالب تؤول هذه الأحزاب إلى الاضمحلال، بعد أن يصل قادتها الكبار إلى مراحل القمة في الانتفاع والسرقات من قوت الشعب، بعدها يبدأ الخط النفعي البياني للمنتمين والمحيطين بقادة هذه الأحزاب، بالنزول والانحدار السريع، نجد حينها انفكاك أغلب الموالين لهذه القيادة أو لهذا الحزب، وتضائل حجمه التمثيلي، بعد أن يفتقد المنتمون لهذا النوع من الأحزاب، لعوامل بقائهم وجذبهم، حتى يجد مؤسس الحزب نفسه وحيداً، أو محاطاً بعدد قليل من الأفراد وغير قادر على تشكيل الهيكلية الإدارية للحزب.

     الحالة المعاكسة، هي في حالة الأحزاب العقدية من جهة، وفي حالة الأحزاب ذات الأهداف البنائية الإستراتيجية بعيدة المدى من جهة اخرى، حيث نجد أن التفاف الأعضاء والمنتمين لهذا النوع من الأحزاب، لا يمكن له أن يقوم على مبدأ الانتفاع (وإن حصل ففي حالات نادرة يسهل كشفها)، لأن تحقق الأهداف في الحالة الأولى (الأحزاب العقدية)، قائم على وجود عقيدة دينية أو فكرة أيديولوجية، تشد الأعضاء حولها، وتخلق بينهم التماسك والاستمرار.

    وفي الحالة الثانية، يكون المعيار النجاح فيما يقدمه المنتمي، لخدمة أهداف المشروع البنائي للدولة، وهنا سيكون مبدأ الانتفاع، غير قابلا للتطفل في ثنايا العمل السياسي الحزبي، إلا في حالات نادرة يمكن كشفها والسيطرة عليها.

    ما نحن بحاجة له اليوم في العراق، هو نمط من الأحزاب التي تحمل مشروعا واضحا جليا لبناء دولة، يساندها وجود أحزاب عقدية متنوعة، تساعد على خلق حالة ديمومة للحالة السياسية الحزبية، وسط القطاع الجماهيري الواسع.

قد يعجبك ايضا