م. هيلانه صالح النجار تكتب : الصخر الزيتي في الأردن .. الخيار الإستراتيجي وجدوى الاستثمار بالأرقام

مخزون الصخر الزيتي الأردني "الرابع عالميا"




م. هيلانه صالح النجار ( الأردن ) – الجمعة 17/7/2020 م …

تداولت بعض المواقع الإلكترونية معلومات مغلوطة عن الصخر الزيتي الأردني، وهو الخيار الإستراتيجي لنا، وتشكك معلوماتها في جدوى الاستثمار في مشروعاته، ومعلومات كهذه أضرت وما زالت تلحق الأذى بالجهود الخيرة المبذولة للاستفادة من هذه الثروة الوطنية الهائلة. ويزداد الضرر إن أصبحت المعلومات المتداولة هذه مصدراً للمعنيين والرسميين ويدفع بعضهم إلى وضع استغلال هذه الثروة في مرتبة الأولويات المتأخرة.
وأرى لزاماً علي، وقد خبرت شؤون الصخر الزيتي في بلدنا وواكبت تطورات إدارته، أن ألقي الضوء على أهميته وعلى ضرورة بذل الجهود لاجتذاب المستثمرين إلى الاستثمار فيه. إذ أن بلدنا المفتدى بالمهج والأرواح يواجه تحدياً جدياً في قدرته على توفير الطاقة المحرك الرئيس للصناعة واستغلال المياه في كافة أغراضها. وأبدأ بالإشارة إلى أن المياه والطاقة توأمان ولهما شقيقة ثالثة هي البيئة. فمن تساقط المياه يمكن توليد الطاقة وتحويلها إلى الأشكال المرغوبة، ومن الطاقة يمكن استخلاص المياه العذبة من المياه المالحة وإرسالها للاستعمال. وفي هذه الحالة المتعاكسة تأثيرات بيئية عديدة. كما أن خدمة البيئة المدنية في إدارة النفايات البلدية يمكن من بعض طرائقها استخلاص الوقود السائل، والغاز، والهيدروجين وهو مصدر طاقة وكذلك استخلاص المياه. وبالعكس يمكن خدمة البلديات باستخدام المياه والطاقة.
وأود أن أنوه هنا بأن بلدنا يستورد ما لا يزيد على 93% من حاجاته الكلية للطاقة.ولنا أن نتصور حجم فاتورة الاستيراد المتذبذب سعرها عالمياً، أو حتى أسعار ما هو متفق عليه مع المصدرين وتجار الاستيراد. ومثل ذلك حالنا في كفاية الموارد المائية إذ يتضح عجزها عن تلبية الحاجات في الخدمة غير المستمرة للمياه من البلدية من جهة، وفي العجز في ميزان التجارة الخارجية للمواد الغذائية (305 دولار للفرد عام 2019) من جهة أخرى، فنحن نستورد 80% من غذائنا بقيمة حوالي 4 مليارات دولار ونصدر من منتوجاتنا الزراعية ما قيمته 620 مليون دولار لنفس العام.
وللتقليل من عجز التزويد بأشكال الطاقة (وهو يماثل عجز الغذاء قيمة) ليس لنا سوى استغلال الصخر الزيتي لاستخراج النفط والغاز والماء أيضاً من موجوداته، واحتياطياته في ما تمت دراسته من مناطق المملكة تناهز المائة مليار طن.
وتفيد الطرائق المحدثة لاستخراج النفط من الصخر الزيتي أنه يمكن استخراج برميل من كل طن من صخرنا الزيتي ناهيك عن الماء والغاز الذي يمكن استعماله في تشغيل العملية التكنولوجية ذاتها. ولنا أن نتوقع احتياطياً حالياً يبلغ إنتاجه النفطي مائة مليار برميل في حده الأعلى، ونصف هذا الكم في حده الأدنى مما يعني أن هذه الكمية كفيلة بتحقيق الاكتفاء الذاتي للأردن 806 من السنوات في حده الأدنى.

وفي مجال تقليل العجز في التجارة الخارجية للمواد الغذائية تقف وفرة المياه حاجزاً قوياً. إلا أننا في حديثنا عن المياه نتجاهل جزءاً مهماً من مواردنا المائية وهو الجزء الخاص بالمياه الخضراء، ويعنى بها الرطوبة التي تختزنها التربة خلال الموسم المطري وتستعملها النباتات للنمو وإعطاء الثمر، أي أن الزراعة البعلية تعتمد على المياه الخضراء. ويتجاهل المسؤولون في تصريحاتهم هذا الجزء المهم، وقد احتسبه أحد خبراء المياه لدينا ونشر عمله في مجلة Water Policy العالمية المرموقة، وفيها يقول إن تأثير المياه الخضراء يعادل تأثير 860 مليون متر مكعب من مياه الري في المعدل. وعليه نستطيع تحسين كفاءة استعمالنا للمياه الخضراء لإنتاج الحبوب شتاءً والبقول والخضار صيفاً.

إلا أن المخزون الذي يمكننا من تقليل العجز الغذائي فيكمن في المياه الجوفية غير المتجددة وهي تنتشر تحت أراضي المملكة باستثناء ما تحت الجبال البركانية الأصل الواقعة في الشراة. وتفيد أعمال الاستقصاء عن تلك المياه أن أعماقها تحت سطح الأرض متباينة، وأنها تحت ضغط إرتوازي مختلف أيضاً فبعضها متدفق كما هو الحال في بئر وادي عربه القريب من وادي طلاح، ومعظمها إرتوازي ترتفع مياهه إلى مناسيب مختلفة بمجرد الوصول إلى الطبقة، والمخزون من المياه فيها هائل جداً ونوعيتها تنتظر الاستكشاف المكلف إلا أن ما اكتشف منها نوعيته عذبة في الغالب كالبئر الذي بجوار جسر الدبة في حوض اللجون، وآبار شركة مناجم الفوسفات الأردنية في الحسا وفي الشيدية، وغيرها من الآبار المحدودة العدد التي حفرتها وزارة المياه والري.

ومما يشجع على الإقدام على استعمال هذا المخزون غير المتجدد (وهو مخزون استراتيجي في العادة) هي البحوث التي تجريها مختبرات الغرب في أوروبا (بريطانيا) وفي الولايات المتحدة (لوس ألموس) ومختبرات الشرق في اليابان على استخلاص الطاقة من الاندماج النووي إذ تفيد النشرات من هذه المراكز البحثية أن الوصول إلى المبتغى موعده ليس بالبعيد. عندها تتوفر الطاقة الرخيصة الرفيقة بالبيئة التي يمكن بالاعتماد عليها تحلية مياه البحر ونقلها بالضح إلى حيث الاستعمال بطرق تضمن الجدوى الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ويصبح البحر مخزوننا الاستراتيجي من المياه.

ثم نأتي إلى العامل الأهم من أجل الاستغلال وهو عامل الموارد البشرية المدربة. فالموجود لدينا ما زال يتغنى بالتكنولوجيا التي أثبتت عدم جدواها، وهم لا يكلفون أنفسهم بالبحث والمثابرة فيه. إذ تم اختراع طرائق على درجة عالية من التقدم يتوجب علينا الإنفاق كي تتطور معلومات المسؤولين عندنا عن طرائق استغلال الصخر الزيتي سيما أن جودة المخزون في بلادنا مرتفعة إذ يمكن إنتاج برميل نفط من كل طن صخر خام يشابه بالخصائص مواصفات نفط برنت.

وهناك طرق تنتج المشتقات النفطية النهائية من الصخر الزيتي دون المرور بأية مصفاة للنفط الخام. والعيب عندنا أن مرجعية القائمين على الأمر ما زالت تكنولوجيا عفى عليها الزمن ولم تقم خلاله لها قائمة،  إذ أن كلفة انتاج النفط بواسطتها عالية تجعلها غير مجدية إقتصادياً ولا هي منافسة لسعر السوق العالمي.

كما أن هناك تكنولوجيا جديدة تعالج النفايات وتستخلص منها المشتقات النفطية والغاز (بما في ذلك غاز الهيدروجين) والماء، والأمل كبير في أن يتعرف عليها القائمون على الخدمات البلدية إذ باستعمالها تخدم البيئة بالتخلص من النفايات بطريقة رفيقة بالبيئة وتأتي بمنافع اقتصادية بما في ذلك استخراج الوقود والغاز والماء والكربون منها، كل ذلك بأكلاف معقولة تؤكد جدوى استقدام هذه التكنولوجيا وتوطينها.
وفي اعتقادي أن ما نشهده في بلدنا في مضمار الصخر الزيتي مقلوب، ففي الوقت الذي نتمتع فيه بهذا الاحتياطي المريح نجد أن اهتمام الحكومة في الترويج للاستثمار فيه محدود للغاية، بل إن بعض المستثمرين فقدوا شهيتهم للاستثمار عندما سمعوا من مسؤولين في الحكومة أن مشروع استغلال الصخر الزيتي لاستخراج النفط سيستغرق دهوراً، وذلك لأن معلوماتهم عن التطور التكنولوجي حبيسة ما سمعوه ولم يخبروه. ونجد أن لجنة الطاقة في مجلس النواب، رغم ما نشكوه في مجلس النواب من تراخي، هي المبادرة إلى تشجيع المستثمرين للاستثمار في الصخر الزيتي، ولا ننكر بالطبع جهود هيئة الاستثمار ونشاطها الجديد المشكور. وجدير بالحكومة أن تضاعف أولوياتها لجذب الاستثمار لاستغلال الصخر الزيتي ففي ذلك استغناء عن استيراد النفط الخام وتوفير العملة الأجنبية التي قد تتناقص بعودة أبنائنا العاملين في الخارج، وفي استغلال الصخر الزيتي لاستخراج النفط عوائد للحكومة دون استثمار أية مبالغ، وفيه أيضاً عوائد للمستثمر وتقليل لسعر المنتوجات النفطية اللازمة للاستهلاك، علاوة على عوائد أخرى من مواد ناتجة من عملية الاستخراج.
ومن جهتي وجهة أمثالي من الحريصين على تنمية ثروات البلد الحبيب، لا يسعني إلا أن أردد قول المتنبي:
لا خيلَ عندكَ تهديها ولا مالُ
فليسعدِ النطقُ إن لم تسعد الحالُ
واجزِ الأميرَ الذي نعماه فاجئةٌ
بغيرِ قولٍ ونعمى الناس أقوالُ
لولا المشقة ساد الناسُ كلهمُ
الجود يفقرُ والإقدامُ قتّالُ
وفق الله حكومتنا وأخذ بيدها لما فيه الخير والصلاح، وحفظ الله وطننا الحبيب وقائد الوطن المفدى وولي عهده الأمين أنه نعم المولى ونعم النصير.

قد يعجبك ايضا