ما يحدث بالعراق اليوم ليس بريئاً ، وليس بمعزل عن مجريات الاحداث في المشرق العربي / د . عبد الحي زلوم

كتب د. عبد الحي زلوم رداً على د. طلال أبو غزالة.. اسمحلي أن اختلف ...

 د . عبد الحي زلوم* ( الأردن ) – الثلاثاء 30/6/2020 م …




● المستشار الدولي والخبير والباحث العربي الأردني

في مقال الاستاذ الدكتور سعد ناجي جواد في رأي اليوم في عدد الاحد بتاريخ 28/6/2020 كان عنوانه :” ماذا يحدث في بغداد هذه الايام؟ وهل بدأت المواجهة الحقيقية بين حكومة السيد الكاظمي والفصائل المسلحة ومنظومة الفساد؟ ” !!
بدا لي بأن الكاتب قد وضع مواجهة حكومة الكاظمي في كفة ميزان ووضع الفصائل المسلحة ومنظومة الفساد في كفة الميزان الاخرى.

واذا كان هذا الاستنتاج صحيحا فإن هذه المقاربة ينقصها الدليل ذلك لأن منظومة الفساد والفاسدين والذين اوصلوا العراق الى شبه دولة فاشلة جاؤوا جميعاً على ظهور دبابات الاحتلال الامريكي.

اتفق مع ما كتبه الدكتور سعد في مقاله :” هناك من يقول ان السيد الكاظمي لم يكن ليجرأ على اتخاذ مثل هذه القرارات الحاسمة لولا التخطيط والدعم الامريكي لها. وان الولايات المتحدة لا تفعل ذلك حبا بالعراقيين الذين دمرت بلادهم وتسببت في قتل وتشريد الملايين من ابناءها، وانما عملها هذا يدخل ضمن مخططاتها لمحاربة النفوذ الايراني في العراق الذي كانت هي السبب الاساس في امتداده فيه.” ليس في ذلك ادنى شك . بل أجاب د.سعد على صدق فرضية التآمر الامريكي مع وكلاءه في العراق حيث كتب :” ويقال ان السفارة الامريكية ابلغته ( اي الكاظمي ) بما قد يحدث، نقلاً عن صور لاقمار صناعية ورصد لمكالمات صدرت من او تلقتها هواتف في المنطقة الخضراء .” اذن لنا ان نستنتج ان هناك تنسيق بين السفارة الامريكية في بغداد وبين حكومة السيد الكاظمي في موضوع محاربة التنظيمات المسلحة اي الحشد الشعبي .في هذا الظرف الذي تمر به المنطقة هل يمكن لنا ان نسمي ما يحدث انقلاباً بتدبير امريكي يشبه تماما ذلك الانقلاب الذي قاده السادات ضد اتباع الرئيس عبد الناصر في مايو / 1971 ؟ وهل من الضروري ان نصدق ما ادعته السفارة الامريكية عن نية بعض التنظيمات اقتحام المنطقة الخضراء ونحن نعرف ان الكذب هو ملح السياسة الصهيوامريكية كما تم تزوير خرائط الاقمار الصناعية للملك فهد بادعاء دخول القوات العراقية للاراضي السعودية للسماح ب500 الف جندي امريكي بدخول الاراضي المقدسة؟

وهنا اتساءل: هل جاءت قوات الاحتلال والغزو الامريكي الى العراق بدعوة من الحكومة العراقية لاحتلال العراق ام جاءت عبر اكاذيب لنهب ثرواته واستعماله كقاعدة عدوانية وبناء 12 قاعدة عسكرية في ارجاءه؟

صحيح ان هناك صراع ايراني امريكي على ارض العراق ويبدو ان رئاستي الجمهورية والوزراء هذه الايام قد اخذت موقفاً واضحاً مع احد الطرفين . ولو أردنا ان نعرف مع اي طرف قرر رأسي الجمهورية والوزراء اخذه فلمحة بسيطة على سيرتهما الذاتية تجيبنا على ذلك.

برهم صالح رئيس الجمهورية العراقية الحالي والذي رشّح مصطفى الكاظمي لرئاسة الوزراء انضم سراً إلى صفوف الاتحاد الوطني الكردستاني (PUK) أواخر عام 1976 ومن ثم أصبح عضواً في تنظيمات أوروبا و مسؤولا عن مكتب العلاقات الخارجية للإتحاد في العاصمة البريطانية – لندن. انتخب عضواً في قيادة الاتحاد في أول مؤتمر للحزب عام 1992 وكلّف بمهمة إدارة مكتب الاتحاد الوطني الكردستاني في الولايات المتحدة الأمريكية، كما أصبح ممثلا لأول حكومة في إقليم كردستان لدى الولايات المتحدة الأمريكية. ولا يخفى على احد علاقته الوثيقة بالخارجية الامريكية ووكالات المخابرات الامريكية في واشنطن واثناء رئاسته الوزراء لاقليم كردستان . اما علاقة السيد مصطفى الكاظمي بالولايات المتحدة فقد عمل صحفيا وكاتبا لموقع المونيتور الأمريكي وثيق الصلة بالمؤسسة الامريكية الحاكمة . وتولى منصب رئيس تحرير المجلة الأسبوعية التي كان يملك امتيازها برهم صالح . اذن هناك علاقة مهنية وقواسم مشتركة قديمة بين رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي . ويستطيع كل قارئ ان يستنتج ما يريد من هذه المعلومات.

اذن مما تقدم يمكننا ان نفترض ان ما يحدث في العراق اليوم هو خطة متفق عليها مع الولايات المتحدة . والسؤال اين مصلحة العراق في ذلك ؟

انا لا ادافع عن ايران فلها من يدافع عنها وهي تستطيع الدفاع عن نفسها وانا مع عراق عربي حر كامل السيادة يتحالف اينما تتقاطع مصالحه. لكني اتساءل:

من الذي ردم التراب فوق رؤوس الجيش العراقي وهم في خنادقهم في حرب الخليج الاولى مع انه كان يمكن ان يأخذهم اسرى؟

من الذي استعمل اليورانيوم المنضب والمحرم دولياً والذي نشر السرطان في اكثر محافظات جنوب العراق؟

من الذي تسبب في وفاة نصف مليون طفل عراقي اثناء الحصار؟

من الذي دمّر البنية التحتية للعراق مع انه كان يمكن احتلال البلد دون هذا التدمير ؟

من الذي جاء من اقصى الارض لاحتلال شعب اخر ونهب ثرواته واحضر الفاسدين على ظهر دباباته؟

من الذي احضر داعش ومن الذي ساعد في دحرها؟

من الذي قسم العراق وكرس نظام المحاصصة والطوائف والذي هو احد عناصر الفساد الرئيسية؟

ومَن كما كتب د.سعد الذي قتّل الملايين من العراقيين وشردهم ؟ بل وكما كتب د.سعد من الذي جاء بإيران الى العراق؟

هل يعتقد فلاسفة السياسيين التابعيين للولايات المتحدة ان للولايات المتحدة الحق بإعلان ايران كدولة شر يجب القضاء عليها وغزوها في ما اسموه محور الشر الذي كانت سوريا والعراق وايران هي مركزه؟ وهل كان يظن فطاحلة وكلاء امريكا بأن ايران ستقف مكتوفة الايدي ضد من جاؤوا الى حدودها من اقصى الارض؟

هل جاء الامريكيون للعراق محتلين وما زالت جنودهم في الاراضي العراقية وهل يحق للدولة المحتلة ان يكون لها تنظيمات مسلحة لمقاومة الاحتلال ؟ ان اكذوبة وحدة السلاح ونزعه من المقاومين قد سبق وان فعلها الامريكيون مع وكلائهم في الضفة الغربية حيث نزعوا سلاح المقاومين تحت حجة وحدة السلاح بحيث احتكر وكلاء الامريكيين في السلطة اللاوطنية مقاولة حراسة الاحتلال . والاكذوبة تكرر نفسها في العراق.

ومن المفيد على وكلاء الولايات المتحدة ان يتذكروا ان واشنطن تبعد عن بغداد 9974 كم وأن المسافة بين بغداد والحدود الايرانية هي عشرات الكيلومترات فقط وان طول الحدود بين ايران والعراق هي 1458كم.

ان ما يجري في العراق ليس بمعزل عن خطة يائسة للصهيوامريكيين لتجويع وتركيع محور المقاومة في ايران والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن .كما ان التوقيت ليس صدفة في وقت يحاول فيه الكيان الصهيوني بضم اراضي الضفة الغربية. كما ان الادعاء بمراقبة المنافذ البرية هي لمحاربة الفساد فالفاسدون القادمون مع قوات الغزو الامريكي لا يستطيعون محاربة الفساد ففاقد الشيء لا يعطيه . هناك محاولة لاعادة اغلاق معبر ابو كمال الذي يصل بين ايران والعراق وسوريا ولبنان والذي فتحه عادل عبد المهدي وكان احد اسباب نقمة الولايات المتحدة عليه .

الايام القادمة ستكون حبلى بالاحداث فالصهيوامريكيون يطلقون اخر رصاصة في جعبتهم ويستعملون اقصى العقوبات لتجويع الشعوب لتركيعها ، ولربما نسي الصهيوامريكيون وصية اخو نابليون لاخيه : ” حذاري حذاري من الشعوب اذا جاعت .”

واخيرا لا أرى يا عزيزي د. سعد اي شيء فيما يحدث من اشتباك بين الحكومة والتنظيمات الشعبية مفرحاً الا الى اعداء العراق والامة العربية والاسلامية . راجياً ان تقبل تحياتي واحترامي .

* مستشار ومؤلف وباحث

قد يعجبك ايضا