المفكر والمحلل السياسي المحامي محمد احمد الروسان يكتب : شبق عارم يكتنف ترامب للسيطرة على النفط والغاز والسيلكون السوري




 المحامي محمد احمد الروسان* ( الأردن ) – الثلاثاء 2/6/2020 م …

*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية …

* واضح أنّ الدولة العميقة في واشنطن، تعتبر ترامب طارئاً عليها ومؤقتاً

* الحروب الدائمة حياة رأس المال والأقتصاد الأمريكي متخارج

السياسة معادلات حسابية، وفي السياسة وعلمها لا غنى عن الرياضيات السياسية، وأجمل ما في الرياضيات أنّها لا تكذب ولا تنافق ولا تجامل العواطف والعقول، وأساس علم الرياضيات المنطقية هي البديهيات، والأخيرة هي القضايا الفكرية التي لا تحتاج إلى براهين.

الولايات المتحدة الامريكية، تحكمها عصابة مافيويّة، فصارت دولة بل كيان بلا أخلاق، والاخلاق تسبق القانون، والقانون وسيلة، بينما الاخلاق وسيلة وغاية.

قتل جورج فلويد بدم بارد نموذج حي في أمريكا، وينافسها الكيان الصهيوني في القتل والاجرام، وكل أفراد الشعب الفلسطيني، هم جورج فلويد ضحايا الاجرام الاسرائيلي والامريكي. 

نعم سورية في المنطقة الرمادية، والجيش الأمريكي يسيطر على ثلث الأراضي السورية مع شريكه المحلي: ما تسمّى قوّات سورية الديمقراطية – الكرد التروتسك الصهيوني العميل المعولم، بما في ذلك القوة الاقتصادية الناعمة – نفط وغاز وسيلكون في الصحراء، وحيث تكمن تموضعات الهيدروكربونات، وكذلك القوة الزراعية.

وثمة استراتيجية ساديّة، لمنع إعادة اعمار سوريا التي دمرتها الحرب، على مدار ثمانية أعوام عجاف، أكلن الأخضر واليابس والحجر والانسان، وما تزال الحرب لتغيير النظام والنسق السياسي واسقاط الحكومة في سورية قائمة بشكل واضح، رغم أمر الرئيس دونالد ترامب القاضي بسحب القوات الامريكية جزئياً من سورية.

 فالمرحلة الجديدة(الفصل الثاني)من الحرب على سورية، والتي لها الكثير من التأثيرات المحتملة التي ستترتب على المدنيين، صارت تتموضع في: مسارات الاستراتيجية المزدوجة، والتي تشمل الحصار الاقتصادي عبر قانون قيصر والذي وضع على سكة التنفيذ، والاحتلال العسكري الأمريكيّ للقوّة الاقتصادية الغنية بالموارد في سورية، والعزلة الدبلوماسية للحكومة السورية، والعقوبات الاقتصادية الاخرى ضد دمشق وحلفائها، ومنع وصول المساعدة من أجل إعادة الاعمار، ومنع عودة اللاجئين والخبرات الفنية إليها، وهذا سيقود إلى معاناة واسعه النطاق، وإلى حرمان، وحتى موت الكثير من السوريين، وثمة شهية محدودة محلياً في الداخل الامريكي لمزيد من التدخل في سورية، وأنّ حرب تغيير النظام السياسي والنسق السوري أمريكيّاً لم تنته بعد بالرغم من جائحة فوبيا كورونا المفتعلة.

وأنَّ الاحتلال العسكري يجب أن يكمله حصار سياسي للحكومة السورية، على الطراز الاستعماري الجديد، وإلى استمرار فرض العزلة السياسية والدبلوماسية على النظام السوري، وعلى مواصلة التمسك بالخط الفاصل للعزلة الدبلوماسية، ومنع السفارات من العودة إلى دمشق، مع تكثيف فرض العقوبات الاقتصادية، والاستفادة من مساعدات إعادة الإعمار كأداة ضد الحكومة السورية والنظام والنسق السياسي.

وأن المساعدات الإنسانية الأمريكية والمساعدة في تحقيق الاستقرار في سورية ذهبت إلى حليفها قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد في الشمال الشرقي، وعلى أمريكا إبقاء حالة الخراب في بقية البلاد السورية، حتى تحقق هدفها المتمثل في تغيير النظام السياسي واسقاط الحكومة السورية(هكذا تفكر وتسعى كوادر عصابة ترامب في السلطة وبالتشارك مع الديمقراطيين السفلة، بل الاسفل من الجمهوري).

وتقبع سورية في خراب، وما يريده الروس والأسد هو إعادة البناء الاقتصادي – هكذا تقول أمريكا، ويمكن للولايات المتحدة اللعب بهذه الورقة، عن طريق المؤسسات المالية الدولية وتعاونها مع الأوروبيين.

 وهدف واشنطن هو عرقلة دمشق ومنعها من إعادة الإعمار: ينبغي لنا كأمريكا، أن نشكل سداً لمنع إعادة الإعمار وعودة الخبرة التقنية إلى سورية، حيث الصراعُ مستمر، ولم ينتهي ولن ينتهي، ونعمل على وجوده وادامته باستمرار وادارته، وتعكس سياسة ترامب تجاه سورية إلى حدٍّ كبير الاستراتيجية الساديّة.

وبدأ الفصل الثاني من المؤامرة على سورية عبر حروب الغاز والنفط في شرق نهر الفرات شمال شرق سورية، والتغيير الديمغرافي للشمال السوري، وجلّ المؤامرة على سورية بدأت عندما وافقت الدولة السورية الوطنية على مد خط أنابيب نفط وغاز ايراني يصل الى المتوسط، وهذا يعني عدم حصر الصادرات النفطية والغازية الايرانية عبر مضيق هرمز.

 وكما أوضحت في قراءة سابقة لي: ظهر التدخل الأمريكي فجّاً طامعاً متحديّاً، باعلان الرئيس دونالد ترامب، في توسيع مهمه بهائمه العسكرية في شرق دير الزور(أرسل 800 جندي وهناك 200 جندي في التنف السوري المحتل)لحماية النفط والغاز السوري من داعش، كما يزعم هذا الصفق والوقح الامريكي، وتساوق معه مؤيداً السيناتور ليندسي غراهام صديق ترامب، والذي أعلن بكل وقاحة أيضاً(وقاحته فاقت وقاحة رئيسه)أنّه يعمل وآخرون معه، مع شركات نفط أمريكية عملاقة كأكسون موبيل وغيرها، عبر عرّاب الطاقة وزير الخارجية مايك بومبيو المحامي وخبير الطاقة، لدفعها للذهاب الى شمال شرق سورية، لأقامة بنى تحتية نفطية ومصافي تكرير، وللسماح للكرد(تروتسك صهيوني عميل معولم الجميع يستثمر بهم وفيهم)بتصدير نفطهم وغازهم وكسب المزيد من المال، والهدف من فوق الطاولة: النفط والغاز، ومن تحت الطاولة: دعم كيان كردي انفصالي عميل في شرق الفرات، كيان قاطع شبه دولة، اسرائيل ثالثة هناك، لقطع التواصل بين مكونات محور المقاومة من ايران الى العراق الى سورية فلبنان فغزّة المحتلة، والضفة الغربية المحتلة، حيث بذور انتفاضة جديدة نوعية وكمية على الابواب عند لحظة الضم للضفة الغربية المحتلة وغور الاردن من الجهة الغربية للنهر ذاته.

الامريكي والتركي، سيخرجان خروجاً كارثيّاً من سورية، وعبر مقاومتهما عسكريّاً، ان بصورة مباشرة عبر الجيش السوري وحلفائه، وان بصورة غير مباشرة عبر حرب العصابات، حيث هناك قرار في محور المقاومة متخذ ومعلوم وتوقيته مجهول، لضرب الامريكي والتركي معاً، وليس في سورية فقط، وهذا موقف سياسي ومخابراتي وعسكري، حيث التركي في الشمال السوري يسعى الى تغيير ديمغرافي عبر احلال سكّاني للأرهابيين من ادلب، مكان العرب والكرد في الشمال السوري، عبر عنوان انساني مخادع وكاذب: اعادة وعودة ثلاثة ملايين من اللاجئين السوريين، وهم في الحقيقة ارهابيين من مكب النفايات الارهابية في ادلب، لانشاء مجتمعاً راديكالياً متطرفاً، يتسق ورؤية حزب العدالة والتنمية التركي بزعامة الرئيس أردوغان.

 سنحاول في هذه العجالة، أن نفكّك ما يمكن تفكيكه من المركّب، ونركّب ما يمكن تركيبه من المفكّك، في سياقات ومنحنيات وتضاريس وكواليس، مشروع الغاز الأيراني العراقي السوري، والذي جمّد لجهة شقه العراقي السوري فقط، ما قبل الحدث الأحتجاجي السياسي الدمشقي بمناخاته المتعددة، والتصعيد في الساحة السياسية السورية كساحة خصم، من قبل الطرف الثالث الأخر المعلوم للجميع عبر ذيول أدواته، بفترة من الزمن(بعبارة أخرى ما قبل المؤامرة على الدولة الوطنية السورية ودورها، حيث بدأ الفصل الثاني من هذه الحرب على سورية التاريخ والدولة والشعب والمؤسسات والدور والقيادة والجغرافيا والديمغرافيا)، وقّع فيما مضى وزراء النفط في ايران والعراق وسوريا، اتفاقية بقيمة تزيد عن عشر مليارات من الدولارات، لنقل الغاز الإيراني إلى القارة الأوروبية، عن طريق العراق وسوريا ولبنان، ليصار الى نقله عن طريق البحر الأبيض المتوسط، إلى الغرب وتحديداً القارة الأوروبية العجوز والتي تتصابى من جديد، وكل ذلك عبر مشروع خط عملاق، يربط ايران والعراق وسورية ولبنان لتصدير الغاز الى وجهته وحسب اتفاق الأطراف، مما يجسّد الربط الأستراتيجي في تكتل سياسي اقتصادي فريد وعظيم من نوعه.

لكن وبسبب ما جرى ويجري في المنطقة الشرق الأوسطية، من أحداث بفعل عوامل داخلية، وخارجية أكثر من الداخلي، وخاصة عبر انعكاسات المؤامرة على سورية عبر الحدث الأحتجاجي السياسي السوري، فانّ هذا الخط الأستراتيجي العملاق بات يعاني من تحولات طارئة، ذات بعد حربي استعماري، مع تحديات في محطات انشائه وأهميته لدول وشعوب محطات خط أنابيب الغاز هذا.

وهذا الخط حظي خلال فترة ما قبل الربيع العربي وما زال باهتمام طهران وبغداد ودمشق وبعض الدول الأخرى مثل لبنان، والغريب أنّه وحتّى اللحظة لا يثير اهتمام الأردن الدولة والساحة، كما أثار أيضاً اهتمام مسؤولي السياسة والطاقة في أوروبا قاطبةً، لكن خلال ثمانية أعوام وأكثر وما زال، اصطدم هذا المشروع بتحديات جديدة بعد التغيرات الحاصلة في المنطقة خاصة في سوريا وعبر حدثها، حالياً هناك ثلاث دول لها رأي أخر في هذا الموضوع واستمرت بإجراء محادثات في سياق تنفيذ هذا المشروع خطوة بخطوة رغم التحديات، وبعيداً عن التنسيق الموحد بين الدول الثلاث، يبذل العراق وإيران مساعي كبيرة في سبيل تنفيذ هذا المشروع الأستراتيجي رغم التآمر القطري – السعودي – الغربي – الصهيوني، وفي المضمون دور اماراتي غير بريء بالمطلق.

مؤخراً أعلن العراق عن موافقته لنقل الغاز الطبيعي الإيراني عن طريق أراضيه إلى سورية، لكن بالرغم من وجود مسافة طويلة تفصل عن تنفيذ هذا المشروع بشكل واقعي، يتوجب القول أن خط أنابيب الصداقة يمنح كل الدول المشاركة فيه ميزات وقدرات متعددة، الأمر الذي سيجعل هذه الدول لا تغمض عينيها عن النفع الذي ستحققه من وراء هذا المشروع.

*طهران وأهدافها:-

بلا شك أنّ لطهران أهداف عميقة واستراتيجية من وراء اتمام ما تم الأتفاق عليه في انفاذ واتمام خط الآنابيب الغازي الأستراتيجي هذا، حيث تعتبر ايران بعد روسيا الفدرالية ثاني أكبر دولة في العالم من حيث امتلاك منابع الغاز، ولديها قدرة على تأمين جزء كبير من احتياجات القارة الأوروبية من الطاقة عن طريق خط أنابيب غاز يصل إلى أوروبا مثل خط “ناباكو”، لكن معارضة الولايات المتحدة الأمريكية (وعبر المؤسسة الأمنية والرئاسية العميقة فيها وعبر مفهوم الدولة العميقة – البلدربيرغ الامريكي جنين الحكومة الدولية) وإلى حد ما أوروبا الغربية، حرمت الجمهورية الأسلامية الأيرانية من التحول إلى قوة من نوع مختلف، من خلال تصدير الغاز، فتم التصعيد في الساحة السورية وعبر حرب كونية بالوكالة عبر بعض العرب وخاصة الساحة القطرية ودور كوادرها، والساحة السعودية وأدوار لمن يتحكم بها، وبعض الساحات والدول الاخرى تجاوزاً وكرهاً، وتسعى طهران التي تستحوذ على حصة صغيرة من تجارة الغاز العالمية، من خلال خطة استراتيجية، تعنى بالتنمية الداخلية في الداخل الأيراني، وان لجهة بعض ساحات مجالها الحيوي لرفع حصتها من هذه التجارة رغم العقوبات الامريكية الاحادية على ايران والتي من شأنها أن تعجّل وتعمّق أزمة اقتصادية عالمية عام 2020 م.

 وحيث كل دول العالم مديونة بأكثر من 320 تريليون دولار أمريكي، أي حجم الانتاج العالمي تقريباً ثلاث مرات، والبنوك والمصارف قد تفقد السيولة في العام 2020 م، لذا صار الناس في المجتمعات الواعية والحريصة، يحتفظون ويتحصّلون على سيولة نقدية في منازلهم تحوطاً للقادم من الكوارث بسبب العصابات التي تحكم الولايات المتحدة الامريكية وخاصةً عصابات الطاقة التي تتقاسم الأرباح فصارت واشنطن دي سي تنطلق من منطق القوّة لا قوّة المنطق.

بالرغم من الظروف السياسية والاقتصادية والعقوبات المفروضة على طهران، من قبل المجتمع الدولي(أعني به: بريطانيا وفرنسا وأمريكا والكيان الصهيوني)التي أدّت إلى عدم تمكن طهران من لعب دور بارز وخلّاق في سوق الغاز العالمي، إلا أن خط غاز الصداقة الذي سيصل إلى القارة الأوروبية العجوز، يمكن أن يضاعف من حصة ايران في التصدير، ونظراً لوجود تحديات وعقبات أمام “خط ناباكو” تأمل طهران أن يصل خط الغاز الإيراني العراقي السوري في المستقبل إلى اليونان وايطاليا. 

الخشية والخوف من الدور التركي المتعاظم:-

في سياق أخر بالرغم من أن لتركيا دور هام في ترانزيت الغاز إلى القارة الأوروبية، إلا أن الدول المنتجة(إيران)والمستهلكة للغاز(دول الاتحاد الأوربي)تخشى من الدور المتعاظم لتركيا في الأسواق العالمية(نلحظ أنّ العلاقات التركية الايرانية من فوق السرير، تعاون عميق بوضعيات الكاماسوترا بالمعنى العامودي والعرضي، ومن تحت السرير، صراع عميق وضرب من تحت الحزام)، في ضوء هذا تستطيع ايران التواجد بقوة في الأسواق الإقليمية والأوروبية، من خلال مد خط الأنابيب هذا، وبصرف النظر عن فائدته الاقتصادية، يحاول الإيرانيون زيادة نفوذهم السياسي. 

 تعي طهران جيداً الظروف الأمنية في الغرب وسوريا، وتداعيات ذلك على العراق ولبنان والأردن والمنطقة ككل، لكن كخطوة أولى تفكر بتنفيذ سريع لخط الأنابيب ليصل إلى العراق، وعلاوةً على اتفاقية الغاز الأخيرة التي وقعت بين بغداد وطهران، فإن صادرات الطاقة الإيرانية إلى جانب التطورات الحاصلة في خط أنابيب غاز ايراني آخر مع الباكستان، تزيد نوعاً ما من قوة وقدرة دبلوماسية الغاز الإيراني، مقابل المنافسين الإقليميين، كما تساهم في تحسين موقع ايران في كسب أسواق غاز جديدة في المنطقة والعالم.  

*العراق وأهدافه من هذا الخط الغازي:-               

وللجمهورية العراقية أهداف استراتيجية جمّة عبر هذا الخط الأستراتيجي، وكونه يحتل العراق المرتبة الثالثة عشر بين الدول التي تعتبر منبع لاحتياطي الغاز في العالم، إلا أن هذه المنابع ما زالت إلى حد كبير دون استثمار، وخلال السنوات الأخيرة خطت الحكومة العراقية خطوات في مجال انتاج وتصدير الغاز، عبر إجراء مناقصات لتسليم حقول الغاز إلى شركات دولية، ومع ذلك ما تزال تواجه أزمة مع تصاعد الطلب الداخلي على الغاز، كما تتطلع بغداد إلى قضايا أخرى كحقها في عبور الغاز الإيراني من خلال أراضيها إلى غرب آسيا حتى أوروبا، كما تتطلع في المستقبل للمنافسة مع تركيا للعب دور في ترانزيت الغاز وتصديره عن طريق هذا الخط إلى غرب آسيا ومنها إلى أوروبا أيضاً، هذا وقد طبق برنامج حُدد مسبقاً، من المقرر في المرحلة الأولى، أن يتم تعميق وتشغيل خط أنابيب الصداقة، ليصل إلى العاصمة بغداد، وسيتحصل العراق على 30 الى 35 مليون متر مكعب من الغاز، وهي كمية   يمكن أن تؤمن جزء من احتياجات العراق وخاصة احتياجات المحطات في هذا البلد.

*سورية وأهدافها من هذا الخط:-

السوريون قياساً بالعراقيين، ليس لديهم كميات غاز مكتشفة مثيرة للاهتمام(ما يوجد في باطن الجغرافيا السورية من غاز ونفط وسيلكون يثير العالم كله)، لكنهم بالإضافة إلى تأمين احتياجاتهم من الغاز من خلال مشروع خط الآنابيب ذاك، يفكرون بنقل الغاز لاحقاً، وبعد أن تترسّم مسارات الحرب عليها، بالعبور إلى الأردن ولبنان وكذلك يفكرون بتصديره عبر موانئهم إلى جنوب أوروبا. لكن مع ظهور تحديات أمنية تركز دمشق على حضورها في هذا المشروع، لأنه في حال إحلال الاستقرار وتأمين الأمن في سوريا، سيكون لدمشق مشاكل حادة و متصاعدة مع تركيا، مما سيصعب أي شكل من أشكال تبادل الطاقة بين البلدين، لذا تنظر دمشق بجدية كبيرة لخط الغاز الإيراني العراقي السوري.

 وعلى الرغم من أن العلاقات السياسية المتميزة بين ايران والعراق وسوريا تستطيع أن تسّرع من إنهاء خط أنابيب الصداقة، لكن ما تزال هناك تحديات كبيرة متعددة تلقي بظلالها على هذا المشروع الأستراتيجي، وفي سياق أخر يجب بحث الشروط القانونية، ودراسة كيفية التنفيذ، وتأمين رأس المال اللازم للتمويل وقضايا أخرى، مثل الأمور المالية، وقيمة الترانزيت، وضمان تصدير النفط والغاز، وبالرغم من المسافة البعيدة التي تفصل عن تنفيذ خط أنابيب غاز الـعشرين مليار دولار الإيراني العراقي السوري، إلا أن أهم تحدي يواجه هذا المشروع هو التعقيدات الأمنية في العراق والمحافظات الغربية المضطربة، والمشكلات الأمنية على الحدود العراقية السورية وعدم توضّح صورة الحرب الاممية على وفي سوريا ومستقبل النظام والنسق السياسي فيها، بعبارة أخرى سيكون أهم تحدي أمام إنشاء خط أنابيب الصداقة هو كيفية تأمين أمن هذا الخط، لذلك تسعى الأطراف الثالثة في صلب المؤامرة على سورية، وانعكاساتها في الحدث الأحتجاجي السياسي السوري، وكعنوان وهدف فرعي، لكنه على مستوى عالي من البعد الأقتصادي الأستراتيجي، الى التصعيد تلو التصعيد وعبر سورية كساحة خصوم، الى افشال هذا المشروع الأستراتيجي.

*لرؤية ايران الغازية أفاق واسعة شاسعة:-

انّ لهذه الرؤية الفوق استراتيجية لأيران، أفاق واسعة وشاسعة ومفيدة حول مشروع هذا الخط، حيث يبدأ مشروع هذا الخط الغازي الأستراتيجي، من مدينة “عسلوية” في ايران ويعبر الأراضي العراقية، ليصل إلى سوريا، وهناك إمكانية ليصل إلى لبنان والبحر المتوسط، لينتهي في القارة الأوروبية، ويبلغ طوله وحسب ما نشر في وسائل الميديا الدولية تقريباً: أكثر من ستة وخمسين ألف كيلو متر، لكن بوجود التحديات الحالية وخاصة الأمنية، سيكون من الصعب التنبؤ بتنفيذ هذا المشروع بشكل كامل في مدة زمنية قصيرة، حالياً في المرحلة الأولى نظراً لنوع التعاون الإيراني العراقي في مجال الغاز سيجري مد خط الأنابيب ليصل إلى العراق، وليصل لاحقاً إلى سوريا، بعد توضّح مجرى الظروف الأمنية في سوريا وتحديد المستقبل السياسي فيها، لكن يجب الانتباه إلى أنه نظراً لقدرة استيعاب خط الآنابيب هذا(ينقل يومياً 110 مليون متر مكعب من الغاز)سيكون هناك إمكانية لزيادة الاستيعاب لتصدير الغاز إلى الدول الأخرى مثل: الأردن(مشكلته انّه مشلول بسبب اتفاقية وادري عربة، وعدم لعبه بالهوامش الممنوحة له من قبل الامريكي، وبالتالي عدم قدرته على تنويع خياراته)ومثل لبنان، المراد تفجيره من جديد، عبر مشاريع الأنجزه من خلال كهننتها وأدواتها، لنزع سلاح المقاومة، وسينخرط العراق أيضاً في تصدير غازه باستخدام هذا الخط(يعملون على تفجيره ومن جديد أيضاً عبر احياء داعش وغيره، لشطب فوائد هذا الخط وغيره)، وفي حال إشاعة الاستقرار في سوريا يستطيع مشروع خط الأنابيب هذا أن يزيد من قدرة دبلوماسية الغاز الإيراني، في مواجهة المنافسين الإقليميين ومجارات الدوليين، بحيث ستكون الخطوة اللاحقة، جعل الأماني الإيرانية في تصدير الغاز إلى دول الاتحاد الأوربي حقيقة واقعية. 

وتتحدث المعطيات والوقائع الجارية على الأرض العربية السورية، أنّه هناك ثمة مخطط يتموضع في تكدیس الإرھابیین في الشمال السوري الساخن، وهو مخطط أمریكي تركي جدید أشبه بحقل الألغام یرید، الامریكي والتركي استمراره في الشمال السوري، عبر تكدیس المجموعات المسلحة، وافتعال مھام جدیدة لھا، والتلویح بصاعق التفجیر، كلما اقتربت سیطرة الدولة السوریة على تلك المناطق، او لاحت بالافق بشائر الحل السیاسي للازمة والحرب المفروضة على البلاد.

 وعن عمق التحدیات التي تواجه المنطقة، والعمل على انھاء غیتو ادلب والنصرة، یستمر التركي بالخطط لاطالة فترة الحرب، والجدید التجھز لإنشاء تشكیل عسكري مسلح جدید من إرھابیي الفصائل المدعومة منھا بالشمال السوري، یضم ضباطا ومقاتلین فارین من الجیش السوري، وذلك للعمل في محافظة إدلب. التشكیل الجدید سیكون مشابھا لما تسمى بالشرطة العسكریة المتواجدة بمناطق سیطرة الجیش التركي والفصائل الإرھابیة الموالیة لھا شمال شرق الفرات في ریفي الحسكة والرقة، حیث سیتكون من مسلحین وأبناء المنطقة من أجل تسھیل استلام إدارتھا، وستبدأ داخل الأراضي التركیة بعد عید الفطر مباشرة. وبالتزامن مع تلویح تركیا بذلك الفصیل الجدید، كانت الاشارات الصادرة من القوات الامریكیة تؤكد فتح باب التطوع أمام الشباب في مدینة الشدادي جنوب الحسكة، لتشكیل مجموعات مسلحة تابعة للامریكي تحت مسمى ” حراس النفط ” مھمتھا حمایة حقول النفط والغاز عبر استمالة ابناء المنطقة للعمل مبدأیا على حراسة حقول “الجبسة”، البالغ عددھا 1600 بئر، إلى جانب معمل الغاز الذي ینتج 3 ملیون متر مكعب “غاز حریومیاً، براتب شھري یصل الى 300 دولار امریكي.

مجددا وتكرارا وبلا ملل، یعود الامریكي والتركي لخلط الاوراق في الشمال السوري، ویوحي المشھد بالمزید من التعقیدات، اثر تنوع سلوكیات العدوان من جانب واشنطن وأنقرة، ولكن السؤال الابرز على ماذا یعتمد ھؤلاء في سلوكھم، وعملھم على اعادة رسم خریطة النفوذ في الشمال السوري، حیث لا یتعدى ذلك السعي الى ادخال المنطقة في نفق مظلم، یصب في مصلحة التوجھات الامریكية والتركية، المتمثل في استنزاف الدولة السوریة، والعزف على الوتر الانفصالي ان كان في ادلب أو الجزیرة السوریة، بالتزامن مع ھدم كل ما یمكن ان یحققهه الحراك السیاسي لانھا الازمات في مناطق تواجد قسد أو الارھابیین في ادلب، وفق استراتیجیة تقوم على تعمیم الشلل على مخرجات محادثات استانا، ودفع الامور للعودة الى صیغة جنیف، وزج الامم المتحدة بالمسألة للاستفادة من قدرة الامریكي على التأثیر بقرارتھا، وذلك ضمن تكتیك مرحلي، وھو ایقاف تقدم الجیش السوري نحو ما تبقى من ادلب، وعودة سلطات الدولة السوریة على مناطق الجزیرة وشرق الفرات، ومنع اي منصة حوار بین قسد والدولة السوریة، ریثما یستكمل الامریكي انتشار قواتھ، وبناء قواعد جدیدة في المنطقة، ترفع من قدراتھا على سرقة النفط السوري، وھذا ما یفسر حاجتها لمجموعات مسلحة تحمي قواعدها وأبار النفط للتفرغ لاھداف أوسع وأھم. كل تلك الظروف المفروضة على المنطقة، وما تقوم به واشنطن وأنقرة، لیس بریئا ولا عفویا ولا ھو رد فعل طبیعي على وضع استثنائي، بل ھو توطئة لاستمرار توظیف تنظیم داعش مجدداً في العراق وسوریة وصولاً للجغرافیة الإیرانیة، وكل ذلك یعمل علیھا منذ اعلان ترامب سحب قواتھه من سوریا في نھایة عام 2018 ،حیث تتواصل فصول التخبط الامریكي، بین زیادة عدد القوات وانشاء قواعد جدیدة، وتھریب مسلحي داعش الى الصحراء السوریة والعراقیة، ودعم المجموعات الارھابیة المنتشرة في بادیة تدمر عبر قاعدة التنف، الى العمل على تأسیس وحدات عسكریة خاصة، منھا من المكون العربي، ومنھا من المكون الكردي، وأخرھا بھدف حراسة حقول النفط في سوریا، ضمن أھداف عصابة المارینز الامریكي، وحتى الجیش التركي، نحو شرعنة بعض المجموعات المسلحة تحت مسمى جدید، كي یجنبوا ھؤلاء الارھابیین تھمة الارھاب. في واقع الأمر، جمیعنا یعلم أن شبقاً عارماً یكتنف ترامب منذ فترة طویلة للاستیلاء على النفط السوري، لكنه في نفس الوقت یحاول أن لا یفقد معظم أدواته للتأثیر في الملف السوري بشكل عام، وما یعزز ھذا الامر، ھو اعادة احیاء داعش في المنطقة، والتسویق عبر مخابراتھا ان داعش لم یتأثر بمقتل متزعمه البغدادي، لتعود لزراعة الفوضى والخراب في المنطقة، وبمساعدة دولة تتناغم معھا سیاسیاً وعدوانیا في المنطقة.

الیوم مع تفكك وتفكيك كل الذرائع والمبررات الامریكیة والتركیة للبقاء في المنطقة، والتي بنیت أساسا على الوھم والتضلیل وفي مقدمتھا القضاء على داعش ومحاربة الإرھاب، جعلت كل ما تقوم بھ الادارة الامریكیة أو التركیة، مدان وأكثر ضعفاً، منذ فرض الحرب على سوریا، بعد كسر العكاز الاساسي الذي تستند علیه واشنطن في تنقلھا، لتبریر تدخلھا في الشؤون السوریة، لن تفیدھا محاولات اعادة تدویر المجموعات المسلحة لحمایة مصالحھا وقواعدھا، وان اتساع رقعة اطماعھا جعلھا تحاول اعادة تدویر ودحرجة داعش من بقعة لبقعة على خریطة المنطقة، في تعویم للارھابیین بطریقة بھلوانیة، واقامة طقوس تستوجب كما اسمتھم متطوعین لحمایة قواعدھا التي عادت لبنائھا، في وقاحة وفجاجة امریكیة بلغت الذروة.

*الاقتصاد الأمريكي اقتصاد حروب ومتخارج:

نخب منظومات كارتلات الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، تشعر أنّه ثمة سلال مخاطر تحدق وتحيط بها من كل جانب، بسبب هندسة متغيرات دولية واقليمية ومحلية قادها ويقودها الرئيس دونالد ترامب، لذلك تم تفعيل بعض الرؤى الفوق الأستراتيجية عبر مجتمع أدواتها في الكونغرس الأمريكي لوضع الرئيس تحديداً ثم الدائرة المحيطة به تحت وصايته(أي الكونغرس)، واستطاعت عبر مسارات تم خلقها وتخليقها تشريعيّاً في فرض عقوبات على كل من كوريا الشمالية والجمهورية الأسلامية الأيرانية والفدرالية الروسية عبر قانون خاص قيّد الرئيس ترامب وادارته والدائرة الضيقة المحيطة به.

واضح أنّ الدولة العميقة في واشنطن، تعتبر ترامب طارئاً عليها ومؤقتاً، وبأنّها من القوّة بمكان بحيث تحجّمه، ومشكلة الرئيس ترامب أنّ جمهوره الأنتخابي من الطبقة ذات الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى وجزء كبير من الريف، ومن أصحاب الوظائف المتوسطة وهذا نفس جمهور أودلف هتلر، مع فارق عن أودلف هتلر أنّ الرأسمالية كانت مع هتلر انتخابياً، وفي حالة ترامب المجمّع الصناعي الحربي الأمريكي هو مع البنتاغون والكونغرس، أي أنّ نسبة الشارع مع ترامب كل نسبة رأس المال مع خصومه، وخصوم الرئيس ترامب يعتبرون أنّ العداء لروسيا هو ماكينة تشغيل الجيش عالمياً، كون الأقتصاد الأمريكي اقتصاد حروب قائم على الحروب، قطعاً وفصلاً الرئيس ترامب ليس ضد هذا، ولكنه مع محاولة توريط روسيّا لتقاسم العالم وابعادها عن الصين لمنافسة أو ضرب او اضعاف الصين، عبر حروب الوكالة القادمة في بحر الصين الجنوبي، لذا قد تكون دعوته لروسيا في قمة الدول الصناعية السبع في أيلول القادم خطوة أولى لعزل الصين.

الرئيس ترامب تواجهه مشكلة أوروبا التي ضاقت ذرعاً بالضغط الأمريكي، وان كانت أوروبا هي مؤسسة العداء لروسيّا، لكنها غير قادرة على فك الهدنة مع موسكو لأسباب منها ملف الطاقة وتشعباته ومسارات انابيبه عبر الفالقة السورية وغيرها، وفي نفس الوقت وذاته غير قادرة على الخروج من طاعة شريكها التجاري المالي الأمريكي، وما نتيجة حاصل السنوات الخمس الماضية تحديداً، أنّ الخاسر من مقاطعة روسيّا هي أوروبا، لا بل أن تجربة العقوبات السابقة على روسيّا، دفعت موسكو الى شكل ما من الأنسحاب نحو دواخلها الجغرافية والمناخية، أي تحريك وتطوير الصناعة والزراعة والتجارة والأستثمارات في الداخل، مما أفقد أوروبا سوقاً هائلة جداً، قادت بشكل أو بآخر الى خروج بريطاني من الأتحاد الأوروبي، بعد أنّ أدّت لندن دورها كحصان طروادة في داخل الأتحاد الأوروبي للسيّد الأمريكي والسيّد الصهيوني.

من ناحية أخرى، الولايات المتحدة الأمريكية وان كان اقتصادها قائم على الحروب، الاّ أنّ جلّ اقتصادها متخارجاً، وخاصةً أنّ الشركات الأمريكية التي خرجت الى الصين والهند وغيرها ليس سهلاً كان الحال عليها، لأنّ تخفيض الضرائب عليها كما يزعم الرئيس ترامب لا يوازي أو يغطي أرباحها من تدني الأجور العاملة في الخارج الأمريكي، بالمقارنة نجد رأس المال ليس متحمساً للمقاطعة، وان كان رأس المال الأمريكي دفع ترامب الى فرض ضرائب على منتجات الشركات الأمريكية التي غادرت الى الخارج لدفعها الى العودة ولكنه فشل في ذلك، فلجأ الى التهديد بقانون جاستا الأمريكي بحق الرياض وقطر وغيرهما من مملكات القلق العربي على الخليج، فنال ما نال من الرياض وقطر، في حين أبو ظبي تدفع بصمت وأكثر مما يتصور البعض، وعلى جلّ دول الخليج أن تساهم في تنفيذ برنامج الرئيس ترامب في الداخل الأمريكي مقابل حمايتها.

والرئيس ترامب يا سادة ليس أصيلاً في الحزب الجمهوري وهو حزب عدواني بامتياز، أكثر من الحزب الديمقراطي وكارتلات كوادره، وقياداته من المحافظين الجدد والتروتسك الذين يؤمنون بالحروب الدائمة كماكينة حياة رأس المال، والملفت أنّ سلّة العقوبات الأمريكية، هذه والتي تم تشريعها بقانون صادق عليه الرئيس الأمريكي، لا تستهدف في الواقع فقط تلك الدول، وانما تمتد لتشمل كل سلال الأستثمارات الأوروبية والأستثمارات الصينية وتدميرها، وليقود ذلك الى حالة من القطع والفصل بين هذه العواصم وعواصم الدول المستهدفة، لوقف سياسات التعاون والتنمية التي يقودها ترامب مع الفدرالية الروسية والصين وأوروبا، والعودة حبّاً لا كرهاً الى نظرية وولفويتز في هندسة المشاهد في(المواجهة والسيطرة)والتي تم البدء بتنفيذها مطلع تسعينيات القرن الماضي.

*عنوان قناتي على اليوتيوب حيث البث أسبوعياً عبرها:

https://www.youtube.com/channel/UCq_0WD18Y5SH-HZywLfAy-A

[email protected]

هاتف منزل – عمّان : 5674111      خلوي : 0795615721

سما الروسان في 3 حزيران 2020 م.

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا