ضمن المشروع الصهيوأمريكي لتفتيت اليمن.. فصل جديد من الفوضى والتعقيد / د. مبادة ابراهيم رزوق

د.ميادة رزوق

د. ميادة إبراهيم رزوق* ( سورية ) – السبت 16 / أيار ( مايو ) / 2020 م … 
*أكاديمية وكاتبة سورية /




اليمن هو الدولة الوحيدة في شبه الجزيرة العربية التي يمكن أن تشكل خط الدفاع الأهم عن مصالح الأمة العربية.
بين حرب الممرات المائية والموانئ البحرية، وحرب أنابيب النفط والغاز، والسيطرة على الثروات الطبيعية، وأمن الكيان الصهيوني، وقع اليمن ضحية المطامع الإقليمية والدولية ضمن مشاريع التقسيم والتفتيت الصهيوأمريكية، وبالتوافق مع المصالح السعودية والإماراتية.
بدءاً من ستينيات القرن الماضي، عاش اليمن دوامة حروب بين الشمال والجنوب، وعلى الحدود، بالإضافة للحروب الداخلية، فلم تتح له فرصة الاستثمار الحقيقي لثرواته الطبيعية.
يتمتع اليمن بأهمية جيوسياسية تتجلى بالموقع الجغرافي، وما يختزنه هذا النطاق من ثروات وموارد طبيعية هامة، إضافة إلى الإرث الحضاري والثقافي للشعب اليمني الأكثر تميزاً في شبه الجزيرة العربية، وينطوي الموقع الجغرافي لليمن على أهمية استراتيجية تتجلى بإشرافه على مضيق باب المندب، الذي يحتل المرتبة الثالثة عالمياً بالأهمية بعد مضيقي ملقا وهرمز، حيث يتحكم بالطرق التجارية عبر البحر الأحمر بين الشرق والغرب، َويمر عبره يومياً 4% من الطلب العالمي على النفط و21 ألف سفينة تجارية سنوياً، أي نحو 10% من الشحنات التجارية العالمية.
ولليمن على ضفاف ساحله أكثر من 20 ميناء، 6 منها تجارية تتوزع من ساحل الحديدة إلى المكلا، وهي ذات أهمية استراتيجية كبيرة كمركز ربط أساسي للحركة التجارية حول العالم، وما يضاعف أهمية موقع اليمن انتشار جزره في مياهه الإقليمية على امتداد بحر العرب والبحر الأحمر وخليج عدن، وعددها 216 جزيرة تضمن أفضلية استراتيجية للمسيطر عليها، وأبرزها جزيرة ميّون الواقعة في مضيق باب المندب، وتشرف عليه إشرافاً كاملاً، بل تقسمه إلى ممرين ملاحيين، الذي يعطيها قيمة اقتصادية كبيرة لصلتها بالأمن الغذائي ومصادر الثروة المعدنية، وقيمة عسكرية لكونها الحارس الأهم للأمن القومي اليمني والعربي تجاه المخاطر الغربية والصهيونية، ففي حرب تشرين التحريرية عام 1973 تمت محاصرة العدو الصهيوني من خلال منع الملاحة الصهيونية من العبور في باب المندب بفعل التمركز العسكري العربي من قوات البحرية العربية في جزيرة ميّون، والتنسيق اليمني المصري، بالإضافة إلى درّة التاج جزيرة سقطرى التي مساحتها 3650 كم2، وفيها ثروات اقتصادية مهمة كالنفط والغاز والمعادن الفلزية، وتشرف على طرق الملاحة، وهي الآن تحت الاحتلال الإماراتي الأمريكي.
وبنظرة موازية إلى أهمية اليمن بغناه بثرواته الباطنية، يعتبر النفط المحرك الرئيسي للاقتصاد اليمني، ويمثل 70% من موارد الموازنة، وَ63% من الصادرات، وَ30% من الناتج المحلي، ويتركز الإنتاج النفطي في 3 محافظات (شبوة ومأرب وحضرموت)، والتي شكلت إلى حد كبير خريطة التحركات العسكرية لتحالف العدوان على اليمن، علماً أنه وفق دراسة شركة “هنت أويل” الأمريكية عام 1984، يوجد في محافظتي الجوف ومأرب خزانات نفطية باحتياطات ضخمة، ووفقاً للتقرير السري الذي أعدته الاستخبارات الأمريكية CIA بعد مسح جيولوجي عام 2002، أظهرت النتائج احتياطاً نفطياً غير مستخرج في اليمن يصل مبدئياً إلى 9.8 مليار برميل، وهو ثلاثة أضعاف احتياط نفط اليمن المسجل رسمياً، والتقرير نفسه يؤكد أن الأرقام الحقيقية أكبر بكثير، وأن الجنوب اليمني فقط يحتوي إمكانات نفطية تقدر بـ5 مليارات برميل.
ولما سبق أعلاه كانت المطامع السعودية والإماراتية تتوافق مع الأجندة الصهيوأمريكية في اليمن، فحين دخلت السعودية إلى اليمن في آذار/مارس عام 2015 بمزاعم إعادة الشرعية اليمنية، تراجع إنتاج اليمن من النفط الخام من (100 ـ 150) ألف برميل في اليوم، إلى نحو 16 ألف برميل يومياً، نتيجة مغادرة الشركات النفطية وعلى رأسها “توتال الفرنسية” أكبر مستثمر للغاز، التي اعترفت أن مواقعها لم تتأثر بالعمليات العسكرية، لتدخل بعدها شركات إماراتية وسعودية. كما أن محافظة حضرموت النفطية، شرق اليمن، التي تحتل المركز الأول بين القطاعات النفطية الأكثر إنتاجية في اليمن، واحتياطي الذهب الذي يقدر بـ4 مليارات دولار، لم تتأثر بالعمليات العسكرية في اليمن، وبقيت ضمن المدن القليلة التي لم تتعرض للقصف الجوي، رغم أن تنظيم القاعدة كان يسيطر على ميناء المكلا أهم الموانئ في بحر العرب، وهو المنفذ البحري الوحيد للمحافظة، وتعتبر أحد أهم الأطماع السعودية في اليمن، بالمشروع القديم المتمثل ببناء خط أنابيب نفطية يمر من الأراضي السعودية إلى خليج عدن والمحيط الهندي عبر حضرموت، وهو ما يسمح لها بتجاوز مضيق هرمز الذي تخشى إغلاقه وفق التهديدات الإيرانية، ولو بشكل مؤقت، أو في حال وقوع أي صراع مستقبلي مع إيران، ولذلك دخلت السعودية في تحالفات مباشرة مع “تنظيم القاعدة” وأبرمت اتفاقيات سرية مع التنظيم للانسحاب من بعض المناطق في وسط وجنوب البلاد، لتحييد المنشآت الاستراتيجية وعلى رأسها الموانئ، مقابل الحصول على ملايين الدولارات في صفقة عقدت تحت رعاية أمريكية كاملة.
أما الإمارات فكانت جزءاً رئيسياً من عدوان قوات التحالف لأطماعها الاقتصادية، فركزت منذ البداية على تواجدها في الجنوب اليمني من خلال عملية “السهم الذهبي”، واحتلت كلاً من عدن وشبوة الغنية بالنفط والغاز، وسيطرت على مضيق باب المندب الاستراتيجي، وكان ضمن أجندتها وقف استيراد الغاز القطري الذي يسد ثلث حاجتها من الطاقة عبر الاستثمار في الموارد النفطية اليمنية من خلال شركة غاز نمساوية تستحوذ أبوظبي على 24.9% من رأسمالها.
وبعدما حرر الجيش اليمني واللجان الشعبية محافظة الجوف التي تطفو صحاراها على بحار ضخمة من نفط اليمن والغاز، وتستمر المعارك بضراوة لتحرير محافظة مأرب التي تعد ثالثة المحافظات اليمنية النفطية، والبوابة الشرقية للعاصمة صنعاء، والمقر الأساسي للحكومة الشرعية المزعومة، حيث تحتضن مقر وزارة الدفاع والكليات الحربية، وتتركز فيها أكبر الألوية العسكرية منذ اندلاع الحرب، كما يوجد فيها أهم شركة نفطية في اليمن، وهي “صافر”، التي سعت السعودية لتحييدها لصالحها، وفي ظل ما يعانيه النظام السعودي من أزمات وصراعات داخلية، وبدايات عجز اقتصادي جرّاء جائحة كورونا وانخفاض سعر برميل النفط، ومعادلات الردع الجديدة التي كرسها محور المقاومة في المنطقة، وقبل الوصول إلى الفصل الأخير بتحرير مأرب من قبل قوات الجيش واللجان الشعبية، كان سيناريو تبادل الأدوار بين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد بفصل جديد من الفوضى والتعقيد بإعلان “المجلس الانتقالي” الجنوبي المدعوم إماراتياً حالة الطوارئ والإدارة الذاتية للمحافظات اليمنية الجنوبية بمسعى مشترك لفصل الجنوب كدولة مستقلة لتفتيت اليمن والسيطرة على ثرواته الطبيعية والجيوسياسية كحلفاء في الاستفادة مما سبق ذكره في الأجندة الصهيوأمريكية للمنطقة.
وبالتالي كل ما جرى التسويق له بأن التحالف السعودي الإماراتي – الوكيل الصهيوأمريكي ـ يحاصر اليمن ويدمره، وما نتج عن ذلك من تجويع وأوبئة، لدعم “الشرعية” ضد “الانقلابيين”، هو ما ينبغي أن ينقشع لصالح الإدراك واليقين أن ثورة الجيش واللجان الشعبية انطلقت ضد أقلمة وتقسيم وتفتيت اليمن.
وفي الختام لا بد أن نسوق بعض التصريحات التي تدعم ما قلناه أعلاه:
ـ من وصايا الملك عبدالعزيز بن سعود: إن الحكم في العرش في السعودية لأولادي ومن بعدهم أحفادي، واضربوا واطعنوا، ولا تتركوا يد مصر تصل إلى سورية، ولا تدعوا يد سورية تصل إلى العراق، ولسبب هنا… لكل جسد رأس وقلب، ورأس الأمة العربية هي مصر وقلبها سورية، وما عليكم سوى أن تضربوا الرأس وتطعنوا القلب حتى تستمر مملكة بني سعود ولا تنتهي، واذكروا جيداً أن عزكم في ذل اليمن، وذلكم في عزها.
ـ شن دونالد ترامب هجوماً على السعودية والإمارات قبل انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية عبر خطاب ألقاه أمام أنصاره خلال الحملة الانتخابية: “إنهم يلهثون وراء اليمن، وإذا كنتم لا تعرفون السبب الحقيقي لذلك أرجو منكم مغادرة القاعة في الحال، لأنكم لستم أذكياء بما يكفي، هل رأيتم حدودهم المشتركة مع اليمن، هل تعلمون ماذا يوجد على الضفة الأخرى؟ النفط، إنهم يسعون خلف ثروة اليمن النفطية، وليس شيئاً آخر”.
– نتنياهو: “باب المندب شريان حياة مركزي لـ(إسرائيل)”.

قد يعجبك ايضا