فشل الرأسمالية العالمية وأولويات الاقتصاد الاردني بعد كورونا / د. مروان الزعبي

د. مروان الزعبي* ( الأردن ) – الإثنين 20/4/2020 م …




* أكاديمي وخبير إقتصادي ومالي

قدمت ازمة كورونا دليلا قاطعا على فشل النظام الرأسمالي في التعامل مع الازمات وخدمة الشعوب لان هذا النظام يقدم القطاع الخاص على الحكومة في ادارة الاقتصاد. معروف ان القطاع الخاص اكثر كفاءة في توزيع الموارد لكنه يقدم المال على الانسان لانه يبحث عن الربح لا عن الرفاه الاجتماعي حتى لو كان ذلك على حساب الاستغناء عن الكثير من العاملين. الانظمة الرأسمالية التي كان يضرب بها المثل في التقدم الاقتصادي هي اليوم الاكثر فشلا في احتواء الازمة وتراجعت للخلف لا حول لها ولا قوة وتركت هذا الدور للحكومات ولا تلام على ذلك لان ذلك فعليا هو من صميم مهام الحكومات. لكن ذلك يقدم دليلا واضحا على اهمية القطاع العام ويؤكد ان الحكومات هي صاحبة الولاية في ادارة الاقتصاد.

القطاع الخاص يتسم بالبخل والانانية والطمع لان هدفه هو تعظيم الثروات مهما كلف الامر وبمختلف الطرق المشروعة والغير مشروعة حيث كانت الازمة المالية العالمية عام 2008 خير دليل على فساد القطاع الخاص. وفي عملية التوظيف، يبحث عن النخبة وينسى ان فئات المجتمع بكافة اطيافها بحاجة للعمل سواء كانت هذه الفئات بتاهيل عالي اومتوسط او ضعيف، اصحاء او ذوي احتياجات خاصة، هؤلاء هم افراد في المجتمع وهم سواسية في الحقوق العامة، واذا كانت الحكومة لا توظف فما هو مصير كل هذه الفئات؟ ستصبح عالة على المجتمع وترفع من معدلات البطالة لارقام خيالية.

وفي الاردن، دخلت الحكومة في برامج تصحيح مع صندوق النقد والبنك الدوليين منذ اكثر من ثلاثين عاما، وبعد انتهاء كل برنامج يتخرج الاردن وبنجاح لكنه يعود ويدخل في برنامج جديد! والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا ندخل ببرامج جديدة طالما كنا ناجحين في البرامج السابقة؟ ولماذا يتراجع مستوى المعيشة ونحن ناجحين؟؟ والاجابة واضحة وهي ان هذه البرامج فاشلة لانها تستند الى الفكر الرأسمالي الذي يستند الى ابعاد الحكومة عن دورها وتسليم هذا الدور للقطاع الخاص وما يتبقى للحكومة سوى زيادة الضرائب والاسعار ووقف كل اشكال الدعم، باستثناءات قليلة جدا! وخلال عملي في صندوق النقد الدولي هذا ما لمسته وتاكدت من هذه المبادئ بنفسي وهي مبادئ فاشلة ليس فيها اي حيز للانسانية وان الاوان ان تتغير.

الدول النامية وخاصة الصغيرة منها ليس خيارا لها ان تطبق النظام الرأسمالي كما هو في المناهج، لا يمكن ذلك وليس مقبولا لانه نظام يختص بالنخبة والاغنياء ويستثني بقية الفئات. لقد قدمت الحكومة الاردنية خلال ازمة كورونا نموذجا جيدا في التعامل مع الازمة وتراجع القطاع الخاص للخلف، خاصة الشركات الكبيرة، باستثناء بعضها، وجاءت التبرعات لتعطي دليلا واضحا على ان هذا القطاع لا يأخذ الامور بجدية. تلك التبرعات التي كانت يجب ان تكون اضعافا واضعاف، فارباح البنوك السنوية تزيد عن 700 مليون دينار سنويا في المتوسط خلال السنوات القليلة الماضية في حين راوحت مساهماتها ال 40 مليون دينار والمساهمات الكلية 80 مليون دينار!!! هل يعقل ذلك؟ هذا هو الدور الذي يرغب به القطاع الخاص في الاقتصاد الاجتماعي وهو دور هامشي لكنه ليس مفاجئ.

ماذا نتعلم من هذه التجربة؟ من الواضح ان على الحكومة ان تقود الاقتصاد وان تتراجع عن كتير من السياسات التي تبنتها في السنوات السابقة. وفي سبيل ذلك، عليها ان تستحوذ على النصيب الاكبر من الاقتصاد لانه يجب ان يكون للاقتصاد “ملكية عامة وليس خاصة” ان جاز التعبير. عليها على سبيل المثال ان تؤسس لمشاريع كبيرة مثل ان تنشئ شركة اتصالات جديدة وبنوك تعمل وفق اسس تجارية وبادارة القطاع الخاص ويرخص  لها مثل اي بنك جديد حسب تعليمات البنك المركزي وجامعات حكومية جديدة حيثما وجد حاجة لذلك بحيث نضمن مقعد لكل طالب، مع المحافظة على المؤسسات القائمة.  كل هذه المشاريع هي مجرد امثلة على شركات تملكها الحكومة ملكية كاملة ولا يحق لاي جهة ان تعترض.

كذلك عليها تاسيس مدارس عامة جديدة برسوم رمزية وتامين صحي عام. هذا هو دور الحكومة الراعي لمواطنيها. ان انشاء مثل هذه المؤسسات والمشاريع هو حق للحكومة فهو يفتح المجال للتوظيف وتخفيض معدلات البطالة التي وصلت لمستويات فلكية ويساهم في النمو الاقتصادي. قد يقول البعض ان الحكومة بذلك تزاحم القطاع الخاص واقول انها اولى من القطاع الخاص ومسؤولياتها كبيرة وهذا دورها الحقيقي لكن هذا لا يعني باي حال تعطيل مؤسسات اقطاع الخاص فهي مؤسسات وطنية ويجب المحافظة عليها.

على الحكومة ان اعادة النظر بالسياسة الزراعية بحيت تصبح في قمة اولوياتها وتعيد المواطن الى الارض، فلقد شكلت الزراعة ما نسبته 15% من الناتج المحلي الاجمالي في المتوسط خلال الستينيات والسبعينيات ام فيما بعد عام 1990 وحتى اليوم، فلقد بلغت النسبة اقل من 3% في المتوسط  ويلاحظ التراجع الهائل والغير مقبول. كذلك على الحكومة ان تقدم الدعم والحماية للعديد من القطاعات التي تشكل منتجاتها بديلا للمستوردات خاصة السلع الاستهلاكية بما يخفض عجز الميزان التجاري ويخفض الضغط على احتياطياتنا من العملات الصعبة.

ان النظام الرأسمالي هو نظام متوحش ولا انساني لانه يستقوي على الانسان الضعيف ويمن عليه لصالح الانسان القوي والنخبة ورأس المال في حين يجب ان تخدم الانظمة الاقتصادية كافة فئات المجتمع وخاصة الفئة الضعيفة الغير مقتدرة وهذا واجب وليس منة. ان على الحكومة الاردنية ان تقود الاقتصاد وتستحوذ على الجزء الاكبر منه لان هذه هي الطريقة الوحيدة لاعادة الثقة بالحكومة والدليل ما فعلته الحكومة خلال فترة الازمة الحالية وردة فعل المواطنين على هذا الاداء.

د.مروان الزعبي

خبير مالي واقتصادي

جامعة الزيتونة الاردنية

[email protected]

قد يعجبك ايضا