تيماء محمد مي … باحثة فلسطينية مبدعة من عكا … منحتها جامعة تورنتو درجة الأستاذية الكاملة

الناصرة ـ«القدس العربي»: حازت طبيبة فلسطينية شابة على درجة الأستاذية الكاملة في مجال الطب من جامعة تورنتو الكندية، سائرة على طريق والدتها الأٍستاذة الجامعية البروفيسور خولة أبو بكري، ومكملة طريق والدها الطبيب الراحل ابن مدينة عكا داخل أراضي 48 والمعروف بـ” طبيب الفقراء” .
في حديث لـ” القدس العربي” باركت البروفيسورة خولة أبو بكر لكريمتها تيماء محمد مي ( 46 عاما) نيلها الترقية لتدريج بروفيسورة في الطب، معربة عن فخرها بها.
وتوضح الأم وهي بروفيسورة في علم الاجتماع مختصة بمعالجة مشاكل الأفراد، والأزواج والأسرة، أن الدكتورة تيماء جراحة ومعالجة سرطان، أنهت دراسة الطب في جامعة ماك جيل في مونتريال، كندا، قبل حيازتها على ماجستير في البحث الطبي من جامعة تورنتو. وتضيف ” ثم أنهت تخصص نساء ثم تخصص جراحة في مستشفى مونت سايناي في تورنتو وبعدها أنهت تخصص علاج وجراحة السرطان في المستشفى التابع لجامعة هارفرد”.
كما توضح أن كريمتها تيماء خبيرة دولية في الجراحة بواسطة الروبوت، تتركز أبحاثها في سرطان المبيض لدى النساء ولها 62 بحثا بعضها لم ينشر بعد. وتابعت ” قبل ثلاثة أشهر حصلت تيماء على وظيفة مندوبة أقسام السرطان في منطقة أونتريو التي تضم تسعة مستشفيات فيها أقسام سرطان. الحمد لله على عطاياه” .

بين الفن المعماري والطب

وولدت تيماء في مدينة عكا عام 1974 وأنهت تعليمها الابتدائي في مدرسة الأمل في مدينتها ثم انتقلت للمدرسة الإعدادية الشاملة في عكا، وفي المرحلة الثانوية انتقلت للمدرسة الأرثوذوكسية في حيفا.
وردا على سؤال تضيف الوالدة الأستاذة خولة أبو بكر ” منذ أن كانت في صف خامس ابتدائي شاركت في مخيمات صيفية رائدة خارج البلاد وتربت على أن العلم واسع ولا حدود في الطريق لتحقيق الذا””.كما تستذكر أنها حرصت على توفير جميع قصص الأطفال العربية والأجنبية المناسبة للتطور العاطفي والاجتماعي والذهني وجميع الألعاب الإبداعية التي تشجع التجارب العلمية المناسبة لكل مرحلة عمرية لها ولشقيقتها. بعد المدرسة الثانوية انتقلت تيماء لمونتريال وبدأت مسيرتها الأكاديمية هناك بنجاح وعملت معيدة في موضوع التشريح وهي ما زالت طالبة. وتقول والدتها إن تيماء المقيمة الآن في كندا قد أحبت منذ طفولتها الرسم والفنون وخاصة النحت في الخشب والنجارة. وتتابع ” كانت ميولها فنية وعلمية في نفس المقدار وقد قبلت في الجامعات في موضوعي الطب والهندسة المعمارية وفي البداية درست الفن المعماري لمدة أسبوع لكنها ما لبثت أن استقرت في كلية الطب والعلوم الطبية” .

الإصغاء للصوت الداخلي

وردا على سؤال حول تأثير مسيرة والديها على خياراتها العلمية تنوه الأستاذة خولة أبو بكر أنه خلال تربيتها كانت تؤكد لها أن عليها الإصغاء لصوتها الداخلي، وأن تكون أمينة لميولها ولقدراتها، وليس مطلوبا منها أن تنفّذ أو تحقق أحلام أي شخص، بمن فيهم والدها المرحوم الدكتور محمد ميّ أو كوالدتها، لأننا نحبها ونقبل اختياراتها ونحترم مهنتها أيا كانت، طالما تفيدها وتفيد مجتمعها من خلالها . وتضيف ” في فترة التدريب العملي تم قبولها لجميع الأقسام التي عملت بها نتيجة تفوقها المهني والتطبيقي ولتعاملها الإنساني المتميز مع المرضى والطاقم. عندما بلغت مرحلة التخصص احتارت بين تخصص جراحة الدماغ والأعصاب (وهذا تحت تأثير مرض المرحوم والدها) أو جراحة السرطان ، ومرة أخرى شجعتها أن تصغي لمشاعرها لأنها ستعيش مع اختياراتها كل يوم في عملها وعليها أن تكون سعيدة وراضية، واختارت ما تحبه أكثر” .
وردا على سؤال حول سمات كريمتها تيماء، تشير الى أنها فائقة الذكاء وتمتاز بذكاء عاطفي واجتماعي متطور، تدرس المواضيع الصعبة بسهولة وتنهي قراءة رواية من مئات الصفحات خلال بضع ساعات. منوهة أن هذه المهارات ساعدتها على التطور وعلى أن يرى جميع رؤسائها قدراتها الخاصة وعلى ضمها لمشاريع بحثية رائدة عندما كانت لا تزال في مراحل مبكرة من تخصصها .
وفي هذه المرحلة تقود تيماء هذه الأبحاث، تدرّسها وتعرض نتائجها في مؤتمرات دولية كثيرة، وقد فعلت كل هذا بقدراتها وبتشجيع الطاقم الرائد الذي عملت معه. وتستذكر خولة أبو بكر أنه قبل سنتين تم اختيار تيماء لتكون رئيسة مؤتمر خاص بالسرطان في كل كندا لفترة ثلاث سنوات، وهذه مكانة متميزة جدا على صعيد التطور المهني، واليوم يتم التشاور معها عالميا في قضايا علاجية مستعصية في مرض السرطان. وتتابع ” الآن، وضمن وظيفتها الجديدة تشترك في وضع السياسات الطبية في كندا وهي جزء من اللجان التي تتخذ قرارات لمواجهة فيروس كورونا في منطقة تورنتو ومستشفياتها” . تؤكد الأم أن كريمتها اختارت أن تبقى في كندا حيث أن المستشفى الذي تعمل فيه تم تصنيفه الثالث في العالم من حيث علاج وجراحة السرطان، كما أنها متداخلة جدا في تطوير الحقل وتطبيب السرطان في كندا، مما يؤثر على هذا المجال في سائر العالم. وتخلص للقول “تقدمت تيماء في مسيرتها المهنية بسبب كفاءاتها. لم تشعر هناك بتاتا أن أحدا يضع لها حواجز قومية أو جندرية أو طبقية أو أي نوع حاجز آخر يعيشه المهنيون الفلسطينيون المتميزون هنا في إسرائيل، على العكس، منذ بداية طريقها المهني حصلت على جوائز مهنية كثيرة ومتميزة بسبب كفاءتها وسلوكها الإنساني، وهي اليوم تحوز على درجة الأستاذية بسبب كفاءاتها الشخص “.  ويعرب عدد من سكان عكا عن فرحتهم بهذا الإنجاز لكون تيماء  ” بنت البلد ” ومن مدينتهم ولأنها كريمة دكتور اتسم بإنسانية كبيرة كانت خلف نعت العامة له ” طبيب الفقراء “. ويوضح علي زيبق صحافي من عكا لـ ” القدس العربي” أن والد تيماء الدكتور الراحل محمد ميّ كان يمتلك عيادة في مدخل السوق العمومي داخل عكا القديمة، وكان يملك بيتا واسعا في المنطقة الغربية قبالة ساحل البحر الأبيض المتوسط. وردا على سؤال تابع زيبق ” أشعر بالفخر والاعتزاز بما تحققه بنت البلد تيماء من نجاحات ونحن كعائلة فقيرة كان والدها يعالجنا جميعا مجانا، بل كان يوفر الدواء للفقراء والمسحوقين دون مقابل، علما أن هؤلاء الغالبية العظمى من سكان عكا العرب. طبعا ولي الفخر أن استذكر تجربتنا الشخصية معه فهذا أقل واجب لإنسان قدم الكثير من أجل مجتمعه”. ويوضح محمد نوباني( أبو أحمد ) من بلدة المكر وهو حلاق يعرف الراحل الدكتور محمد ميّ جيدا خاصة أنه اعتاد على زيارته في صالونه في آخر سنواته، ويقول إنه فعلا يستحق هذا اللقب الوسام الكبير “طبيب الفقراء”. ويوضح أبو أحمد لـ ” القدس العربي” أن الراحل محمد ميّ كان الطبيب الوحيد قبل عدة عقود في المنطقة وكان مرضى من قرى المكر والجديدة ومجد الكروم وكفر ياسيف  ودير الأسد وغيرها يتعالجون في عيادته مقدما الخدمات الطبية للمحتجين بلا مقابل.
ويتابع ” كان والدي يتدبر أمورنا بصعوبة فقد عمل سمكريا وكان يصلح ” البوابير” وكنا نشعر أن الدكتور محمد مي سند لنا ولطالما عالجنا مجانا وأحيانا يمنحنا الدواء بلا ثمن وما زلت أذكر كيف كان يستخرج الدواء من خزانته في عيادته ويقدمه لنا”.
ويخلص أبو أحمد للقول” نعم كان الدكتور محمد نصير الفقراء وما أكثرهم وقتها وقد عالجني مرات عديدة وكان الوالد كما قلت كالكثيرين يكابد حالة اقتصادية صعبة فيربي الحمام بحثا عن مصدر رزق داعم لنا وعندما ينهي الدكتور محمد ميّ الفحص والعلاج يسأله الوالد ” كم تريد ” مقابل العلاج فينظر اليه بابتسامة ويقول له إن توفر لديك زوج حمام كان به، وذلك كي يشعر والدي أنه تقاضى أجره. حقا إنه إنسان عظيم رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، وها هو اليوم يجزى بابنته خير الجزاء” .

قد يعجبك ايضا