موقع سوريا في مخططات الولايات المتحدة / الطاهر المعزّ 

نتيجة بحث الصور عن ترامب وخريطة سورية

الطاهر المعزّ ( تونس ) الثلاثاء 12/11/2019 م …

أعلن الرئيس الأمريكي (يوم الإربعاء 18 كانون الأول/ديسمبر 2018) أن القوات الأمريكية سوف تنسحب من سوريا، وبقطع النّظر عن حقيقة الإنسحاب، لم يَطرح الصحافيون والسياسيون الأمريكيون التساؤلات المشروعة التالية “ماذا تفعل القوات الأمريكية في سوريا؟ ومن سمح لها باحتلال سوريا؟”، وبعد سنة كاملة، ظهر جليًّا أن إعلان الإنسحاب، يتمثَّلُ في إعادة انتشار، دون المس بجوهر الإحتلال، وترتكز إعادة الإنتشار على السيطرة على المناطق الإستراتيجية، والتي تحتوي على الثروة الزراعية (محافظة الحسكة) والنفط والغاز (بين دير الزور والقامشلي)، بالإضافة إلى مَنْع أي تواصل وتبادل تجاري سوري مع الجارَيْن العربييْن، الأردن والعراق، وأثار الإعلان (الذي لم يتحول إلى فعل)، بعض ردود الفعل المتناقضة، بين مؤسسة الرئاسة من جهة ومؤسسات الأمن والجيش، بالتحالف مع أعضاء نافذين في مجلس النواب الأمريكي، من جهة أخرى، كما الحال في معظم مواضيع السياسات الخارجية، ولا تستطيع الولايات المتحدة التّعلّل بأي قرار دولي أو أي دعوة حكومية سورية، لاستدامة احتلال سوريا، لكنها تحافظ على عدد من القواعد العسكرية، على جانبَيْ الحدود بين سوريا والعراق، وتُحافظ على احتلال حقول النفط والغاز، التي كانت تنتج نحو 387 ألف برميل يوميا، قبل العدوان وكانت الحكومة السورية تُصدّر منها حوالي 140 ألف برميل يوميا، وهي خاضعة حاليا ليسطرة المليشيات الكُرْدية، بحماية عسكرية ودبلوماسية أمريكية، وأعلن الرئيس الأمريكي بوضوح، يوم 23 تشرين الأول/اكتوبر 2019: “لقد أمّننا النفط، وبالتالي سيبقى عددٌ صغيرٌ من القوات الأمريكية لحماية المناطق المحيطة بحقول النفط والغاز، وسوف ندرس الأمر ونقرر ما سنفعله  في المستقبل”، وظهر في نهاية الأمر، أن إعلان الإنسحاب لا يُمثّل سوى فَصْل من فُصُول تبادل الأدوار بين الولايات المتحدة وتركيا، وهما عضوان في حلف شمال الأطلسي، مع اختلاف في المصالح، حيث تستهدف تركيا احتلال وضَمَّ الأرض السورية (كما حصل في لواء اسكندرون)، متعللة بإبعاد مليشيات الأكراد عن الحدود، ولكن الزعماء الأكراد جعلوا من هذه المليشيات قوات برية في خدمة أمريكا، التي تُسلحها وتدربها وتحرس حقول النفط التي تُشكل موردًا هامّا لتمويل نشاطهم، بالإضافة إلى خدمة أهدافهم الإنفصالية، أما الولايات المتحدة فلا ترغب في موت جندي واحد من جنودها، خصوصًا قُبيْل الحملة الإنتخابية الأمريكية، لذلك تتعاقد مع الأكراد لتنفيذ “المُهمّات القَذِرَة”…  




لم يكن إعلان انسحاب الجيش الأمريكي سوى تطبيق مرحلة ثانية في سياسة الغَزْو، وتتمثل في خيار التعاقد من الباطن مع الحُلفاء، ليحتلوا سوريا، نيابة عن الجيش الأمريكي، مع بقاء ما لا يقل عن 12 قاعدة عسكرية ثابتة، يوجد بها رسميا أكثر من أَلْفَيْ جندي أمريكي، وأعلنت بعض وسائل الإعلام الأمريكية أن الأُسْرَة المالكة للسعودية تُمَوِّلُ العمليات والقواعد العسكرية الأمريكية في سوريا، في إطار الإنبطاح السعودي، والتطبيع مع الكيان الصهيوني…

تُشير دلائل كثيرة إلى عدم تغيير الإستراتيجية الأمريكية، وإلى حُصُول تغييرات في التكتيك، حيث صرّح وزير الحرب الأمريكي “مارك اسبير”، في مناسبَتَيْن،  في بروكسل على هامش لقاء وزراء الحرب في حلف شمال الاطلسي، يوم 25 تشرين الأول /أكتوبر 2019، وفى مؤتمر صحفى في مبنى وزارة الحرب الأمريكية (بنتاغون) ا يوم 28 تشرين الأول/أكتوبر 2019، “لقد تحدثت مع حلفائنا (الناتو) حول الوضع في سوريا، ودَعَوْتُ الدول الأخرى إلى تقديم مزيد من الدعم لمساعدتنا في سوريا، وتأمين منطقة آمنة على طول الحدود السورية التركية”، في إشارة إلى اتفاق حكومات أمريكا وتركيا على احتلال جزء من سوريا، وأوْضَح وزير الحرب الأمريكي قرار الاستيلاء على حقول النفط في محافظة “دير الزور” بالقرب من الحدود السورية مع العراق وعلى طول نهر الفرات، بقوله “لن نترك النفط للحكومة السورية”، لأن النفط يُشكل مصدرًا مهمًا لتمويل قوات الدفاع الذاتي” (أي المليشيات الكُردية)، وأضاف “سنحبط، بواسطة قوة عسكرية ساحقة، أي تهديد سلامة قواتنا هناك”، وأعلن استضافة واشنطن اجتماعًا للدول المُشاركة في العدوان على سوريا، يوم 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، فيما قدّمت ألمانيا التي تشارك في أي عدوان عسكري أمريكي في العالم (التي أرسلت منذ نهاية 2011 جنودًا ومهندسين عسكريين إلى سوريا والعراق والأردن) “خطة عسكرية وسياسية بشأن شمال سوريا”، ومهما بلغت درجة الخلافات بين حكومتَيْ تركيا والولايات المتحدة، فإن تركيا (إضافة إلى الكيان الصهيوني) تُشكل أحد ركائز الخطط الأمريكية، والأطلسية، في المنطقة التي تُسمّيها أمريكا “الشرق الأوسط”، كما في المنطقة الممتدة من البحر الأسود إلى البلقان، مرورًا بشرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط، ومهما بلغت حدة الخلافات، واختلاف المصالح الخاصة، فإن الولايات المتحدة لن تستطيع المخاطرة بفقدان حليف أطلسي هام بِوَزْنِ تركيا، خصوصًا بعد اقتراب أوان استعادة سوريا (بدعم روسي وإيراني) لأراضيها وثرواتها، وهي مسألة قد تطول أو تقصر، لكنها حتمية، رغم العراقيل التي تخلقها الولايات المتحدة وتركيا والسعودية والكيان الصهيوني…  

يمكن القول أن المرحلة الحالية من العدوان على سوريا (الدولة والوطن والشعب) تُجسم الصراع بشأن تركيز وتنفيذ البرامج والخطط الإستراتيجية الأمريكية، وهي بطبيعتها امبريالية عُدْوانية، في منطقة المشرق العربي، عمومًا، بل في منطقة تمتد إلى أفغانستان وروسيا، وإلى أبعد مما اعتبرته أمريكا “الشرق الأوسط الكبير” (أو الجديد)، ولا علاقة للإحتلال الأمريكي والأطلسي (الأوروبي والتركي) بمكافحة الإرهاب، وما السيطرة على حوالي ثُلُث مساحة سوريا، والمناطق التي تَضُمُّ مصادر الطاقة والغذاء، سوى نموذج لتفتيت الدول، وإخضاعها، عبر الحصار وتهديد الأمن الغذائي للمواطنين، وعرقلة تطور الدول والمجتمعات، ويمكن اعتبار ما يحصل حاليا في سوريا، مواصلة لاحتلال العراق، التي لا يزال شعبها يعاني من أثار الإحتلال الذي بدأ سنة 2003، بعد 12 سنة من الحصار والحَظْر…

من جهة أخرى، خطّطت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، لاستخدام الأقليات في خدمة مشاريعها العدوانية والتّوسّعية (ضد مصالح هذه الأقليات)، وجعلت الولايات المتحدة من أكراد العراق حليفًا ثابتًا، يُهيمن على جزء هام من نفط ومياه العراق، ونجحت في ضم زعماء مليشيات أكراد سوريا (الذين كانوا يَدّعُون التّقدّمية، أو أكثر من ذلك) إلى مشاريعها العدوانية، كما جعلت منهم أصدقاء وحلفاء للكيان الصهيوني الذي يحتل جزءًا من سوريا (الجولان)، فانحرفت القيادات الكُردية عن أهدافها التي أعلنتها قبل سنوات، وفي حال تأسيس دولة كُردية في سوريا، فإنها لن تكون سوى قاعدة في خدمة الاستراتيجيات العدوانية الأمريكية والصهيونية…

قد يعجبك ايضا