ما هو ” العالَم المُوازي “.. ؟ و مَن يسكنُ هذا ” العالَم “؟ / د . بهجت سليمان

نتيجة بحث الصور عن بهجت سليمان

   د . بهجت سليمان* ( سورية ) الثلاثاء 1/10/2019 م …




* مفكر وباحث عربي سوري وسفير سابق في الاردن

1-  يطرح الفكر الغربي مُختلِفُ التّركيب، عادة، مسائلَ لا يمكن لتفكير الشّعوب و المجتمعات المتمركزة في حجرات مغلقة ، أن نتمكّن من الوصول إليها إلّا بعد عشرات أو مئات و ربّما آلاف السّنين.. !

طبعاً في حديثنا شيءٌ واضح و أكيد من المبالغة في تقدير فاصل الزّمن . و قد لجأنا ، بقصد ، إلى هذه المبالغة كي نقوم بالصّدمة الضّروريّة للقارئ ، ليكون مستعدّاً و متنبّهاً لما سنطرحه في الحديث.

2-  تتسّع المساحات التي تعملُ على تعميم أشكال الخطاب العالميّ ما بعد بعد الحداثيّ ، كما تتعدّد فيه الأدوات و الوسائل التي تطرح الأفكار المتعلّقة بالأهداف “التّثقيفيّة” أو “التّنويريّة” أو “التّجهيليّة” أيضاً ..

نظراً لأنّ تلك الأهداف تتفاوت تَبعاً لـ “خطّة” مُحكَمَة  ، عَمِلَ و يعمل علبها الخطاب في “الغرب” لإحكام القبض على أدمغة الملايين و المليارات هناك و في كلّ أصقاع الأرض ، لا سّيما بعد انتشار وسائل الاتّصال و التّواصل المعاصرة التي جعلت من العالم محميّة فكريّة لأصحاب الدّخول الماليّة الهائلة و الأسطوريّة و الهادفة إلى مَسخِ الجميع.

إنّ التّفاهات اليوميّة التي تعيشها الشّعوب و المجتمعات و إشغالها بسخافات كوميديّة أو مأساويّة ، لا تقتصر ، كما يظنّ الكثيرون ، على “المجتمعات المغلقة” ، و إنّما الأمر يتعدّى ، بالثّقافة و “التّثقيف” المعاصرين هذه المجتمعات ليتناول بالاستهداف “المجتمعات المفتوحة” أيضاً.

3 –  لا يوجد في حديثنا تناقض كما سيحكم المتسرّعون على ما قلناه في بداية الحديث على التّباين ما بين المجتمعات المغلقة – أو المنغلقة – و بين المجتمعات المفتوحة من حيث العنايات و الدّرايات و الاهتمامات و المسائل المطروحة في الغرب ، و بين مثيلاتها المطروحة في الحيّز الذي يُحدّد حدود “العوالم” المهمّشة أو الهامشيّة ، كما هو الأمر عندنا في مجتمعاتنا “المغلقة” ؛ بتعليلِ أنّ الذي يطرح المسائل المثيرة للجدل ، و مهما كان نوعها في “القيمة” ، إنّما هم “النّخبة” الفكريّة و “العقليّة” و ليس الشّعوب..

تكادُ تتشابه الشّعوب و المجتمعات على مختلف أنواعها في هذه الكرة الأرضيّة تشابهاً كبيراً إلى جهة كونها ، جميعها ، مستهلِكة للأفكار و الإنتاجات العقليّة المختلفة النّوع و الهدف و الغاية ، و متلقيّة على نحو سلبيّ.

يبقى الفارق الذي يبدو ، عمليّاً ، غير ذي قيمة ما بينها هو ذلك المتعلّق بكيفيّات تمثّل و هضم الإنتاجات الفكرية المتنوعّة.

الأمر يتعلّق ، إذاً ، بدرجة الانعكاس أو بقرينة الانكسار.. !

4 – البعضُ اليسير ممّا هو مطروح “ثقافيّاً” ، اليوم ، في “الغرب” يتعلّق بالتّوجيه المباشر للمزاج الشّعبيّ العام نحو الاعتقاد بأنّ السّلوكَ اليوميّ للأفراد في تلك المجتمعات ، هو سلوك عبثيّ و فارغ و غير ذي أيّة جدوى.

و هذا تفريغٌ شخصيّ و ذاتيّ للأفراد و تشكيكٌ بالغاية من الحياة .. و هذا أوّلاً.

و يُطرح ، ثانياً ، موضوع التّشكيك في التّاريخ “القوميّ” للمجتمعات ، بحيث يُعاد معايشته ثقافيّاً أو “فنّيّاً” بأسلوبٍ تهكّميّ ساخر و مؤذٍ للحصيلة الشّخصيّة للأفراد ، على أنّه لا يحتوي إلّا على الأوهام و الأكاذيب التّاريخيّة.

و هذا اعتداءٌ بأسلوبٍ ناعمٍ و “فكاهيّ” على الذّاكرة “المكتوبة” و التي تعتبر ،  لأسبابٍ كثيرة ، صحيحة باعتبارها تروي “أشياء” وقعت و تمّتْ و انتهتْ و لا يمكن استعادتها ، مطلقاً ، لتقويمها مجدّداً أو “دراستها” من حيث “الوثوقيّة” و “الموثوقيّة” أو من حيث “المصداقيّة”..

و هو الأمر الذي يجعل “المكتوب” شيئاً موضوعيّاً يتفوّق بموضوعيّته على أي شكل من أشكال الوعي الشّفهي المندرج في “الفولوكلور” الخاص أو العام لشعب من الشّعوب أو لمجتمع من المجتمعات.

هذا أمرٌ تلقائيّ في النّتيجة!

5 –  إذاً فإنّ ما يرمي إليه هذا الأمر الثّاني ، هو تفريغ جامع و شامل للمجتمعات من أسباب تماسكها “القِيَمِيّ” و الأخلاقيّ ، كما أنّه شكل من أشكال إظهار “العبثيّة” العامّة التي تحكم الجميع.

و أمّا ثالثاً فإنّ ما يُطرح ، على “جانب” هذا و ذاك.. ، هو موضوع “العالم الموازي”.. !!؟

هذه “المعطيات” منتشرة بوَفرة ، اليوم ، كما هو الأمر في البرنامج الدّراميّ الإنكليزيّ العالميّ الشّهير( The Ricky Gervais ) كمثال.

6 –  و يقتضي الأمر هنا أنّ أنبّه إلى أنّ “المواضيع” الثّلاثة ، سابقة العرض ، إنّما تطرح جنباً إلى جنبٍ ، على الأغلب ، في مناسبة واحدة تقريباً و أحياناً تُطرحُ في مناسبات عدّة و مختلفة.

▪    و لكن ما هو “العالم الموازي”.. ؟

و ما العلاقة أو مناسبة الجمع بين المواضيع الثلاثة المعروضة أعلاه؟

7 –  يتعلّق “الموضوعان” الأوّل و الثّاني بمسألة هتك الثّوابت الأخلاقيّة “الكلّيّة” للبشريّة ، إذاً ، و خلخلتها في الذّاكرة الجمعيّة و التّاريخيّة إعداداً لإزاحتها من الذّاكرة ، تمهيداً لإقحام “الموضوع” الثّالث بطريقة عضويّة تبدو أكثر من نتيجة مقبولة بسلاسةٍ و انسيابية ، على أساس “المقدّمات” السّابقة لموضوع “العالم الموازي”.

8 –  في تاريخ البشريّة.. تشهد المعلومات على أنّ ثمّة تناقضات موضوعيّة و قدَرَيّة ، و أخرى ذاتيّة و مقصودة ما بين أطراف و “أعضاء” الصّراعات و التّفاعلات و التّفاهمات و المواضعات ، على مّرِّ المراحل الإنسانيّة ، في استصناع ، أو من أجل ، تكوّن و “إنتاج” ما يُسمّى ، اتّفاقاً و تواضعاً ، “الحضارة الإنسانيّة”.

و طبيعيّ أنّه لم يكن لهذا “النّزاع” إيقاعٌ واحدٌ أو خطّيّ.. كان الأمر دوماً يتفاوتُ ما بين الضّعف و القوّة بحيث أنّ من كان قويّاً في لحظة تاريخيّة ، ربّما سيصبح في اللحظة الأخرى مجرّداً من قوّته ليتفوّق عليه آخرون..

و لكنّ أمراً واحداً بقي صحيحاً دوماً من جهة أنّ ثَمَّة من كان يعمل ، بواسطة “القوى” المختلفة ، باستمرار في “الخفاء” بتراكم و سرّيّة و هدوء و بلا ضجيج ، على احتلال هذا العالم!

9 –  و لكن من هو هذا الخفيّ و ما هو هذا “الخفيّ”.. ؟

من هم هؤلاء “الأقوياء” الذين تجاوزت قوّتهم و سلطتهم و سطوتهم خطاب العِلم و السّياسة و الفلسفة و الثقافة و الأدب و الاقتصاد و الحدود.. ؟

يبدو العالم في التّاريخيّة الفاعلةِ منتوجَها الحضاريّ ، يبدو أنّه كان دوماً في أيادٍ تحتكر فيه “طاقته” التي اكتشفتها ، هي ، فيه مبكّراً بما هي عقل و مال و ما قد نَصَبْته الطّبيعة من “ألغاز” و “أحاجٍ” و “أفخاخ” مضافة إلى هذا و ذاك..

هذا كما كانت توجَّه فيه هذه “الطّاقة” في اتّجاهاتٍ تخزينيّة و تكديسيّة إلى درجة أصبح في هذا المخزون من فائض القوّة ، ما هو لازمٌ و كافٍ ليتحول إلى شهوةٍ عارمةٍ يحفّها “عنف” .. عنف مسلّح و عنف ناعم في وقت واحد.

10 –  ما يهمّنا، هنا ، هو ذلك “العنف النّاعم” الذي احتاج إلى أن يكونَ، مكاناً متوارياً عن السّطوع اليوميّ..

هنا بدأ “العالمُ الموازي” بالتّشكّل و النّموّ و الاتّساع و الاستقلال.

يعتقد “البعض” أنّ ثمّة أياديَ و قوى خفيّة فوقيّةً و عُلويّة تمارسُ على البشَر أوامرها و حاجاتها و رغباتها و تُسيِّرُ الإنسانيّة عن بُعدٍ إلى أهدافٍ و غايات لها ،؛غير مفهومة “عقليّاً” من قبل الإنسان.

و يُضيفون إلى هذا الاعتقاد أنّ هنالك من البَشَر مَن هم على اتّصالٍ، على نحو ما ، بأولئك المَخفيينَ أو الخَفيين ، برابطة خاصّة و تفاهمات بينيّةٍ مُرَمَّزِةٍ ، عَبرَ قنواتٍ سرّيّة في سعي مشترك في ما بين الفاعلين العُلْوِيِّين و وكلائهم في الأرض ، إلى أهداف و غايات يعرفها “الوكلاء” أو يعرفون بعضها الضّروريّ ، بما يسمح لهم من التّمكّن من تنفيذ الأوامر فحسب ، إضافةَ إلى القليل الآخر من “المعلومات” ، الذي يمنح هؤلاء “الوكلاء” شيئاً من “الحرّيّة” ، المحدودة ، التي يملكها على أسرها ، أو أغلبها ، أولئك “العُلويّون” أو “المختلفون”.. !

11 –  على هذا النّحو تكون “الإنسانيّة” مقيّدةً بقيد مزدوَج .. واحد خفيّ ، و آخر أرضيّ..

و تمثّلُ اتّجاهات جميع أعمال البشر ، و مختلف أنشطتهم و أهوائهم و شهواتهم و رغباتهم و ميولهم المزعومة..

و بخاصّة منها المقصودة سياسيّاً ، بما هي السّياسة حُكم النّاسِ و تسييرهم في أوضاعٍ و أحوالٍ هادفةً في ظاهرها ؛ تمثّلُ ترجمة عمليّة مباشرة ، أو تنفيذٍ بسيط ، لمضمون و توجيهات و أوامر أصحاب ذلك القيد الخفيّ ، عن طريق أو بواسطة ما يبسطه القيد الأرضيّ – بالوكالة – من نفوذ و سيطره شاملة على أقدار النّاس ، بشكل مُحكَمٍ و متقنٍ و مؤلمٍ و مؤسِفٍ غالباً ، في دورٍ مأجور الأثمان الطّائلة الذي يأتي كتفويضٍ من السّلطة العُلويّة للسّلطة الأرضيّة “العميلة” (!) و مكافَأة لها في الوقت نفسه.

12 –  طبعاً هذه ليست أسطورة ، و لكنّها اعتقاد يوميّ عند “البعض” ، له قيمته المعرفيّة و ميزانه الأخلاقيّ في النّظر إلى السّياسة في ميزان المغزى.. !!؟

و يُعْتَقَدُ من قبل البعض الآخر أن ذلك “الواقع” قد يكون له وجاهته من “المفهوميّة” و “المعقوليّة” في دائرة الـ “رّبّما” إلى حدّ معيّن ، يجعلُ من “الأمر” في مجمله أمراً واقعاً في دائرة التّفكير العمليّ أو “العقل العمليّ”.

و هذا هو الاعتقادُ الأوّل ..

13 –  و أمّا الاعتقاد الثّاني فيأتي مختلفاً في “جوهره” مع الاعتقاد الأوّل، و لكنّه منسجماً معه في ظاهره.

تقضي طبيعة الحياة في “الأرض” و تطورها “الحضاريّ” و “صروف” هذا التّطوّر ، تقضي أن يكون لها “انضباط” محدّد في “ضبطٍ” تمارسه “سلطةٌ أرضيّة” صِرفة ، إلّا أنها، و لشدّة تنظيمها و دقّتها ، تبدو كسلطةٍ “غريبة” و “معقولة” في وقت واحد ، و قادرة على تسيير تصرّفات و أفعال النّاس في مختلف مظاهر هذه الأفعال ، و “التّحكّم” بها ، كنتيجة مباشرة لممارستها كحكومة عالميّة ، وظيفتها هي توزيع الأدوار في السّياسة و الاقتصاد و التّفكير و غير ذلك ، لتحقيق أهدافها في السّلطة و السّيادة.

14 –  إنّ العمل الإنسانيّ المشتّت و الموزّع و الخاضع لأهواء و رغبات و أهداف الأفراد و الجماعات و الشّعوب و المجتمعات ، لا يمكن له أن ينتظم في أفعالٍ غائيّة منسجمة مع تعدّد القوى و تعدّد حاجاتها و أهدافها و تضاربها في كثير من الأحيان ، إلّا بواسطة توجيه متحكّم و متسلّط، مباشرة أو غير مباشرة ، يبدو في المحصّلة على شكل “حكومة عالميّة” تَحْتِيَّةٍ تنظّم الأدوار و توزّع العمل و الأدوات و الوسائل و سائر المُدخلات و تَستثمر ، في النّهاية ، غالبيّة المخرجات!

15 –  و تَبعاً لغرابة الدّور الذي تمارسه هذه “الحكومة” ، و نوعيّته المتخصّصة بشدّة غير مألوفة أو غير مفهومة..

فإنّها تحتلّ مكانتها المستقلّة في فضاءٍ سياسيّ هو نتيجة لإحكام القبض و الحكم على مختلف “حقول” العمل العالميّة.

إنّها حكومة ، إذاً ، خفيّة و غير منخرطة ، حتّى، في عناصر و مكوّنات المِخيال التّاريخي ، المدرسيّ أو الأكاديميّ ، للبشر على السّلطة و الحكم.

إنّ أصحاب هذا الرّأي ، يُعنَونَ بممارسات نظريّة و عمليّة و نقديّة من طبيعةفلسفيّة و تحليليّة و تركيبيّة ، لتفسير طبيعة هذه “الحكومة العالميّة” و تحليل مجالاتها و أدواتها المنتشرة بين الأفراد و المجتمعات ، في هيئات غاصبة ، مختلفة و متعدّدة ، و ذلك في نظريّات سياسيّة بجذور فكريّة و فلسفيّة جديرة .. أو قمينة بالتّأمّل!

و هذا هو ، كما قلنا أوّلاً ، الاعتقادُ الثّاني.

16 –  و بالعودة إلى بدايات حديثنا ، فإنّه يبدأ يتشكّل في الذهن ، “مفهومٌ محدّد” على “العالم الموازي” الذي يقوم و يستمرّ في “مكانٍ” محايث للعالم الظّاهريّ أو اليوميّ المتاح للفهم البشريّ ، الذي يَصوغه في الثّقافة و السّياسات اليوميّة و تصوّرات الأيديولوجيّات العصبيّة و الإعلاميّة في وضعيّتها “المنطقيّة” ، فيما يكمن وراء كلّ ذلك تحكّم و توجيه من قبل “العالم الموازي”.

يسير “العالمان”، كلّ منهما في اتّجاه مغاير و مخالف ، على رغم ما يمكن أن يُهيَّأ للبعض أنّهما يسيران على “التّوازي” ، ما جعل تسمية “العالم الموازي” مُعلّلة تعليلاً نقديّاً محدوداً إلى درجة تُقاس في مقياس التّأمّل و الإحساس و الشّعور ..

فيما يسقط مفهوم “التّوازي” عند أوّل إخضاعٍ للصّورة إلى النّقد الفلسفيّ و الفكريّ المعمّق.

17 –  و بما أنّ التّعبير المألوف عن الحالة مستقرّ في مفهوم “العالم الموازي” ، فإنّه من الأفضل ، هنا ، أن نألف ، نحن أيضاً ، هذا “المفهوم” ، هنا ، أُلفة عمليّة ، لنستطيعَ العودة إلى بداية حديثنا الأولى في الرّبط بين “المواضيع الثّلاثة” المتعلّقة :

•  أوّلاً ، بالتّوجيه المباشر للمزاج الشّعبيّ العام نحو الاعتقاد بأنّ السّلوكَ اليوميّ للأفراد في  المجتمعات المختلفة ، هو سلوك عبثيّ و فارغ و غير ذي أيّة جدوى..

•  بينما تتعلّق العودة ، ثانياً ، بموضوع التّشكيك في التّاريخ “القوميّ” للمجتمعات ، بحيث يُعاد معايشته ثقافيّاً أو “فنّيّاً” بأسلوبٍ تهكّميّ ساخر و مؤذٍ للحصيلة الشّخصيّة للأفراد ، على أنّه لا يحتوي إلّا على  الأوهام و الأكاذيب التّاريخيّة..

•    على أنّ الموضوع الثالث هو ، على الحصر ، موضوع “العالم الموازي” الذي صار يمكن الآن تصوّر ربطه أو ارتباطه بالموضوعين الأوّلين.

18 –  في مكان مُحايث لـ “المكان العالميّ” ، و لسبب ما تطرقنا إلى “احتمالين” من احتمالات خلفيّاته و غايته ( باعتبار الغاية تتوضّع في جميع مراحل “المشروع”، قبله و في مسايرته في سيرورته ، و كذلك في نهايته ! ) ، يقوم “مكان” فعليّ تمكّن فيه “أسياده” من السّيطرة على أغراض العمل الإنسانيّ و توجيهه في الاتّجاه الذي يخدم تصوّرات و أهداف هؤلاء “الأسياد” كنخبةٍ حاكمة للعالَم.

19 –  و تتمحور الأهداف “الأرضيّة” ، العالميّة ، لهؤلاء حول تكريس “واقعٍ” آخر ( و ذلك في التّوسّع الذي ندعو إليه دوماً في فهم مصطلح “الواقع”! ) فيه من عناصر و مكوّنات “الحياة” على الأرض ما لا يمكن أن يخطرَ في بالٍ “ثقافيّ” أو “واقعيّ”  أو “منطقيّ”   أو “علميّ”.. !!؟

نحن هنا ، ربّما في “كوكبٍ” آخر ، يعيش سكّانه حياةً بالقوّة الإراديّة الاختياريّة المنتقاة بعنايةٍ “جماليّة” و “سحريّة” ، تتفوّق على مختلف محمولات هذه “المصطلحات” و “التّسميات” ، نفسها ، التي تصفها.

في هذا “المكان” تبدو الحياةُ، لِشدَّةِ عذوبتها و سهولتها..  “خالدة”.

20 –  اقتصادٌ عالٍ في التّوتّر و القلق و الأمل ، و محدوديّة غير معقولة!

إمكانيّة بلا حدود على التّقرير أو “القرار” .. نقاء صحّيّ و تعقيمٌ مُعطّر من كلّ “الأمراض الإنسانيّة” ، على مختلف طبيعتها و أسبابها و نعوتها ، العضويّة منها و الفيزيولوجيّة كما النّفسيّة و الدّافعيّة و الحافزّيّة ، و كذلك ما هو ينضاف إلى هذه و تلك من أمراض اجتماعيّة و اقتصاديّة و سياسيّة و أيديولوجيّة.

21 –  و على العكس , ففي هذا “المكان” الأرضيّ النّموذجيّ يجري تقرير جميع أشكال و أسباب “الحياة الأرضيّة” الأخرى للمجتمعات و الشّعوب و الأفراد و الأمم و الدّول.. إلخ ؛ إضافة إلى “الحرب و السّلام” ؛ لتُعطى إلى “أدواتها”بما هي أدواتها “الإنسانيّة”، كمعطياتٍ للتاريخ البشريّ و الحضارة البشريّة و “ثقافاتها” الغزيرة المتنوّعة ، و كأدوارٍ للانخراط في “المسرحيّة” العالميّة التي تشكّل، أخيراً، “المادّة” الأساسيّة (الهَيُولَى) للصّراعات التّاريخيّة و العنف المُنتِجَين لـ “التّاريخ” الشريّ المعروف!

إنّه “مكان” مُطلقُ الأداءِ في “الصّورة” البشريّة ، لا يحدّه سوى “الموت”..

طبعاً الموت الشّخصيّ للأفراد و الشّخصّيات القائمين عليه و أولئك السّاكنين فيه.

22 –  من المفهوم كيف أنّ تعزيز مقوّمات هذا “المكان” و “عناصره” ، و تحسينها باستمرار ، إنّما يخضع إلى “كمّيّة” القدرة و “نوعيّتها” ، تلك التي تجعلُ من “القبض” على “الحياة الإنسانيّة” في أعلى درجات “الشّحن الطّاقيّ السّلبيّ” و “التّوتّر” في “تواترٍ” يتقدّم و يتضخّم و يتنامى و يتسارع و يشتدّ من جديدٍ في “التّوتّر” باستمرار.. على أن يجري كلّ ذلك بهدوء.. و أيضاً بلا ضجيج.. !

هنا يُصبح، تَبْعَاً للتأثير المُحكم في “الآخرين” ، من الممكن و  من الأكيد ، أمرُ صناعة “التّاريخ العالميّ” أمراً ثانوياً.. في مُحكم “الغاية” ، و ذلك عندما يكون إحداث “أسباب” ذلك التّاريخ ، جميعها، من “ثقافة” و “سياسة” و “أدوات” و “وسائل” و “أسلحة” و “وسائل” حروب و عنف و دمارٍ و “ثورات”.. و منظومات “أخلاق” و “أديانٍ” ، و عوامل “انقسامات” ، و اقتصاد “إنتاج” و “توزيع” و “تبادل”..

أقول عندما يكون كلّ ذلك في متناول “الفكرة” التي يرجع تأليفها و إعدادها و إنتاجها و إخراجها إلى “المؤلّفين” ، الذين يسكنون في ذلك “العالم” المُتواري خلف المُعطى من مظاهر و أفعال و أعمال و تنظيم و قوانين و مؤسّسات عالميّة و دينيّة و سياسيّة و حكوميّة معروفة للجميع.

23 –  و “العالم الموازي” هو ما يُصطلح من إسم على هذا “العالم” القابع في ذلك “المكان”!

فالعالم الموازي ليس عالماً افتراضيّاً ، كما يظنّ الكثيرون ، و إنّما هو يُفترض كأساس لنتائج واقعيّة يُضطّر معها “الفكر” إلى عكسها انعكاساً توليدياً في فرْضٍ تأويليّ وحيدٍ للظاهرة العالميّة ، يجري التّحقّق من هذا الفَرْضِ على مقاطعَ و مراحلَ و أجزاءٍ و أقسامٍ ، إلى “الاستنتاج” الوحيد أو الأقوى الذي يصلح ليكون الدّال الوحيد  الخالص الصّالح من أجل تماسكِ طرائق و مناهج التّفكير الرّامية إلى “تعليل” هذا العالم.

نحن مع “العالم الموازي” لسنا أمام “عالَمَين” في الأرض ، و إنّما نحن أمام مستويين في “قراءة” الحدث العالميّ الذي يصنع و ينظّم طرائق عيشنا ، “جميعاً”.. ( مع الاستثناء المفهوم ، طبعاً ، الخاصّ بالخلفيّة المستقلّة للعيشين.. ) و يجعل منّا صنّاع “أقدارٍ” للآخرين.

24 –  في النّهاية ، فإنّنا مُضطرّون لاستعمال مقولة “القدر”، هنا، بتحفّظٍ..

ذلك أنّه حتّى في الاستجابة الخالصة إلى أقدارنا، المفهومة منها و غير المفهومة، إنّما نحن كبشرٍ نساهم في صنع هذه “الأقدار” على نحو أو آخر ، سواءٌ أدركنا هذه الحقيقة أم لا.. !

25 –  و إذا كنّا متّفقين على هذه “الموضوعة” ، فإنّ ما يلزم لهذا الاتّفاق هو أن نضيف ، أنّ ما تقدّم كلّه من وقائع و ظواهر و حقائق ، و ربّما “أوهام” (!) ، لا يعدو أن يكون هو عالمنا الذي حكم علينا فيه “القدر” الأعلى و الحاجة المباشرة ، بالنّضال “الأبديّ” فيه ( طبعاً هو ليس أبديّاً مع محدوديّة التّاريخ و الحياة و الكون! ) لتقرير مصائرنا المفهومة منها و المُدركة ، و كذلك منها المجهولة و لكنْ المحدوسة حدْسَاً يجري فينا ما يجعلنا نختبر حقيقته باستمرار.

أخيراً سنحيل القراءة ، مرّة أخرى و أخيرة ، إلى تداخل “المواضيع” الثّلاثة التي كانت محور هذه “النّبذة”..

لنقول إنّ ما نمارسة و ننتجه ، نحن كبَشَر ، على العموم، محكوم ، فعلاً ، بتداخل “الواقع” الملوس و الواقع “غير الملموس” أيضاً.. !

و لكنْ حبّذا أن نفهم كيف يتكوّن و يتشكّل “الواقع” ، “واقعنا” ، بجميع ما فيه و ما يحصُلُ فيه ، كجزء من “الواقع” العالميّ ، بكثير من التّعقيد و التّركيب و “الحقيقة” و “الخيال”.. !!؟

قد يعجبك ايضا