مدارس سورية…صمود التعليم بوجه الإضطرابات / د.خيام الزعبي

 

 

 

د.خيام الزعبي ( سورية ) الأحد 11/1/2015 م …

*صحفي وكاتب أكاديمي

قليلة هي المجالات التي حاولت الصمود في وجه الدمار بسورية، وقليلة هي القطاعات التي تنبت من جديد بعدما تمر عليها طاحونة القتال والصراع الذي ينهش البلاد منذ نحو أربعة سنوات، غير أن قطاع التعليم في هذا البلد الذي أنهكته الحروب يحاول كل مرة أن ينفض عنه غبار الصراعات المسلحة  وينبت من جديد ويتحدى الدمار والحروب ويعود إلى النشاط بأسرع وقت ممكن رغم المشاكل التي يتخبط فيها، هؤلاء يخاطرون برغم كل شيء للحفاظ على حقهم في التعليم، من دون أن يأبهوا بالدمار الذي لحق بالمدارس والتفجيرات التي طالت المراكز التعليمية وخطف الطلاب والكفاءات العلمية، هكذا، يستمر قطاع التعليم في سورية بتحقيق إنجازات يومية، بقدرته على الصمود والتكيّف مع مآسي الصراع.

منذ إندلاع الأزمة السورية نال القطاع التربوي حصته من المشاكل التي تعاني منها سورية, فناهيك عن الدمار الذي لحق بالبنية التحتية لهذا القطاع, وتوقف عدد كبير من العاملين في حقل التعليم عن متابعة وظائفهم بسبب تدمر المدارس التي يدرسون بها, وإمتناع  الكثير من الأهالي عن إرسال أبنائهم الى المدارس بسبب تردي الأوضاع الأمنية في كثير من المناطق وإستهداف المدارس  أكثر من مره مما أدى الى مقتل عدد كبير من الطلاب ليبقى عشرات الآلاف من الطلاب دون تعليم، إذ تفيد إحصائيات إن الهجمات على المدارس  أدت إلى مقتل 160 طفلاً وإصابة أكثر من 340 خلال عام 2014، وإن عدد المدارس المتضررة من الأحداث الأخيرة قد بلغ أكثر من 5156 مدرسة، موزعة على أغلب المحافظات السورية،  إضافة الى إستخدام أكثر من 608 مدرسة إيواء للأسر المهجرة، والتي كان لها آثار سلبية ومخاطر لا حدود لها من شأنها أن تؤدي الى إضطراب في نظام المؤسسة التعليمية أو جزء منه خاصة في حال ضعف القدرة على إحتواء الأزمة والسيطرة عليها، كما تتجلى مشكلة التعليم بشكل واضح في المناطق الخاضعة لسيطرة المجموعات الإسلامية المتشددة التي قامت بحذف العديد من المواد بحجج مختلفة, بين مخالفتها للشريعة الإسلامية او عدم أهميتها, بالإضافة الى إدخال ثقافة غريبة على أهالي تلك المناطق, وعملها على أدلجة التعليم, عملاُ على تهيئة بيئة حاضنه لوجودها في تلك المناطق بين جيل الشباب ليكون جاهزاُ للإنخراط مستقبلاُ في مشاريعها التي تسعى الى تطبيقها في تلك المناطق والمناطق المحيطة بها، وتزداد الصورة قتامة مع الأخذ بالحسبان الأضرار البشرية، المتمثلة بتعرض عشرات العاملين في مجال التربية للقتل والخطف والتشويه، وكذلك تعرّض عدد كبير من التلاميذ والمعلمين للإرهاب والترهيب لمنع صيرورة العملية التعليمية، في إطار ذلك يستوجب إطلاق ناقوس الخطر، فالأمية التي كانت سورية تفتخر بأنها قد قلصتها إلى الحد الأدنى، سوف تُطلّ برأسها من جديد، إما على شكل أمية حقيقية نتيجة خروج أعداد كبيرة من التلاميذ بسبب حالات العوز المتزايد الذي تعانيه أسرهم نتيجة الأوضاع الحالية، أو على شكل أمية مقنعة تتمثل في تخريج تلامذة أو ترفيعهم دون أن يكون لديهم الحد الأدنى المطلوب من المعارف، بسبب التردي الذي سيحصل في عملية التعليم، وهو تردٍّ لا بد أن يحصل نتيجة عوامل متعددة، خاصة أن الصراع المستمر في سورية وإغلاق بعض المدارس مؤخراً في مناطق الرقة ودير الزور وأجزاء من ريف حلب سيعيق نحو ستمائة وسبعين ألف طفل عن الحصول على التعليم.

بالرغم من كل ذلك أطلقت وزارة التربية في منتصف أيلول الماضي، صافرة البداية للعام الدراسي 2014- 2015 متحدية المعارك التي فرضت نزوحاً في العديد من المحافظات، إذ عملت على محورين أساسيين، الأول تقديم الخدمات المساندة للتعليم من خلال توفير مختلف التجهيزات التي تحتاجها كل مدارسها لإتمام سير العملية التعليمية إلى جانب تأهيل المعلمين والمعلمات، والمحور الثاني يتعلق بخدمة التعليم نفسه، من خلال خطط تصدرها للمعلمين والمشرفين لتقديم التعليم داخل الفصول الدراسية، والمتابعة، والعمل على تأهيل المدارس المتضررة، وإضافة غرف مسبقة الصنع للمدارس ذات الكثافة الصفية المرتفعة، وافتتاح عدد من النوادي المدرسية لتقديم الدعم النفسي للطلاب نتيجة لما يعانيه التلاميذ نتيجة الأعمال الإرهابية والخوف من الذهاب إلى المدرسة، وإعداد البرامج اللازمة لتعويض الدروس الفائتة في المدارس التي توقف فيها الدوام كلياً أو جزئياً وإقامة دورات تقوية للطلاب المنقطعين عن المدارس مع افتتاح شعب إضافية داعمة لاستيعاب الطلاب المتسربين هذا عدا عن التعديلات التي أجريت على الأنظمة الناظمة للسياسات التعليمية والمتمثلة بتسهيلات التسجيل للطلاب الوافدين من دون شروط ووضع أنموذج سبر المعلومات يخضع له الطلاب الذين لا يملكون أوراقاً ثبوتية كما تم التساهل بالنسبة للباس المدرسي وتخفيض الحصة الدرسية دقيقتين مع جعل كثير من المدارس ذات دوام نصفي وإصدار تسهيلات بإجراء تحديد مركز العمل للعاملين والمعلمين في جميع المحافظات، كما تجدر الإشارة إلى أن وزارة التربية أطلقت ولأول مرة في تاريخ العملية التربوية حقيبة مدرسية إلكترونية للكتب المدرسية، تمكّن الطالب من تصفحها أو تنزيلها على أقراص وذلك بغية سهولة تداول هذه الكتب، وظهورها بصيغة الكترونية، ولم يغب عن بالها هذا العام ضرورة وصول التعليم إلى المناطق المتضررة جراء الأعمال الإرهابية للمجموعات المسلحة وذلك عبر تعاونها مع منظمة اليونيسيف والأمانة السورية للتنمية لتلبية حاجة المناطق الأكثر تضرراً وإحتياجاً،هذا فضلا عن توزيع أكثر من مليون حقيبة مدرسية على جميع المحافظات دون إستثناء،  كل هذا مما جعل التعليم يصمد في وجه الدمار والصراع ويعود لينتعش بعد كل مواجهات مسلحة، كونه يجسد الوحدة الوطنية، ويحقق للشعب السوري من عوامل التوحيد ما عجز عنه الآخرين.

منذ بداية الأزمة طغت ظاهرة غريبة على المجتمع السوري كغيرها من الظواهر الوافدة علينا من خلال سياسة العنف تتلخص بالإغتيال المنظم والمبرمج للعقول العلمية السورية، حتى باتت حالة خطيرة تهدد مستقبل سورية وأجياله المقبلة ونحن على يقين أن هذه السياسة يشترك فيها أكثر من طرف إقليمي ومحلي ممن إرتبطت مصالحهم مع مصالح بعض دول الجوار، ومن هنا فكل ما يجري في سورية من تدمير وتخريب لمدارسنا ولمعالمنا الثقافية هو مخططاً رهيباً وحاقداً لإزالة شواخص سورية، يريدون من خلاله القضاء على ذاكرتنا …وحضارتنا… وثقافتنا… وإستبدال العلم بهمجية التخلف والوفاء والمحبة بالبغض والكراهية، كما فعل الكيان الصهيوني الذي دمر وما زال يدمر حضارة فلسطين وآثارها وكذلك أمريكا ومن ورائها الغرب الذين سرقوا حضارة العراق ونهبوا متاحفه.

وأخيراً أختم مقالتي بالقول رغم كل ما تعرض له قطاع التربية من تخريب وسرقة وإستهداف للمدارس والمؤسسات التربوية والتعليمية إلا أن إرادة الحياة لدى التلاميذ والمعلمين أقوى من أي إرهاب، فالهمم وإرادة هؤلاء الأطفال وذويهم تأبى اليأس أمام التحديات التي تواجه وطنهم، في اللحظة ذاتها أن العلم زاد السوريين قوة وعزيمة فهم  لا يستغنون عنه مهما كانت الظروف، بل هو ثروتهم التي يحرص عليها الآباء والأمهات على حساب قوتهم، هؤلاء الطلبة يباشرون فصلاً جديداً من مسيرة التعليم  في ظل ظروف بالغة التعقيد بسبب الأوضاع السياسية والإجتماعية والأمنية التي تعيشها البلاد ومع ذلك فإنهم يتوجهون إلى مدارسهم حاملين مشاعل الأمل ويحدوهم الكثير من التفاؤل والإستبشار بقادم أفضل يحمل الخير والبشرى للوطن وأبنائه، بإختصار شديد، نريد وطناً آمن ومستقر كي ننعم ونعيش فيه .. فهل يسمح العملاء لنا بهذا ! بعد أن أصبحت رصاصات الموت والغدر والإغتيال تترصدنا بعناية، وفزاعات الموت كالإغتيال والعنف والخوف والرعب لا تفارقنا أبداً .

[email protected]

 

قد يعجبك ايضا