هندوراس – نموذج لعلاقات التّبَعِيّة / الطاهر المُعز




نتيجة بحث الصور عن هندوراس

** الرئيس الهندوراسي مع نتنياهو .. نقل سفارتهم إلى القدس …

الطاهر المُعز ( تونس ) الخميس 14/2/2019 م …

تُمثل “هندوراس” نموذجًا للبلدان الواقعة تحت الهيمنة، والتي يُعاني سُكّانُها من الفقر والبطالة، وارتفاع جرائم القتل واغتصاب النساء، كما يُعاني السكان من حكم فئة من البرجوازية “الكُمْبرَادُورِيّة” (فئة السماسرة المُمثِلَة لمصالح الدول والشركات الأجنبية) غارقة في العمالة للإمبريالية، وتمثل هذه الفئة مصالح الإمبريالية في البلاد، ضد مصالح أغلبية الشعب، وتُعادِي الجيران والشعوب الأخرى، لإرضاء الإمبريالية الأمريكية…

تتعرّض هذه الورقة إلى بعض المحطات في تاريخ البلاد، خلال العُقُود الأخيرة، وإلى تحالف البرجوازية الحاكمة، المَدْعُومة أمريكيا، ضد فَقراء وعُمّال البلاد، وكذلك ضد الحكومات التقدمية في منطقة أمريكا الوسطى ومنطقة بحر الكاريبي، وضد الشُّعُوب المُضْطَهَدَة، وفي مقدّمتها الشعب الفلسطيني، وما “هندوراس” سوى نموذج صارخ لعلاقات التّبَعِيّة والعَمالة، ولكنه ليس النموذج الوحيد، سواء في وسط وجنوب القارة الأمريكية أو في مناطق أخرى من العالم…

هندوراس في خارطة النفوذ الأمريكي:

هندوراس دولة صغيرة في أمريكا الوسطى، على حدود نيكاراغوا وغواتيمالا وسلفادور، والمحيط الهادئ وبحر الكاريبي، يسكنها حوالي ثمانية ملايين نسمة. استقلت عن إسبانيا وأصبحت جمهورية سنة 1821، وهي أحد أَفْقر بلدان أمريكا الجنوبية والعالم، وإحدى أكثر البلدان المُثْقَلَة بالدّيُون الخارجية، مع عُمْق الفَجْوَة الطبقية والفوارق الإجتماعية، وتتميّز بارتفاع معدّل الجريمة، رغم ثراء باطن الأرض بالمعادن والمياه، والغابات والثروة الحيوانية، وتنتج بعض المواد الزراعية (السكر والبُن والفواكه) وتُصدّر المنسوجات، وتتميز البلاد بتركيز الثروات بين أيدي فئة قليلة جدًّا، وتتميز كذلك بانخفاض معدّل الأُجُور، وارتفاع معدلات الفقر، حيث يعيش أكثر من 50% من السّكان تحت خط الفقر، وفق بيانات البنك العالمي (سنة 2017)، وتقدر نسبة البطالة بحوالي 30% من إجمالي قوة العمل (أو حوالي 1,35 مليون عاطل)، وفق البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، وتُهيمن الولايات المتحدة على البلاد اقتصاديًّا، عبر اتفاقية التجارة الحرة المُوَقَّعَة في كانون الأول/ديسمبر 2005، وعبر استغلال الشركات الأمريكية للميناء الرئيسي للبلاد (بويرتو كورتيس) بالكامل منذ 2007، وتستخدمه للتخزين، وإعادة التصدير، فيما تتحكم الولايات المتحدة سياسيا في الحياة السياسية للبلاد، فتعزل الحاكم الذي لا يتفق مع سياساتها وتُنَصِّبُ (بالقوة) حاكمًا غيره، ليخدم مصالحها، على حساب كادحي البلاد وفُقرائها، بدون احتراز، وذلك منذ القرن التاسع عشر، وخصوصًا بعد الحرب العالمية الثانية، خلال فترة “الحرب الباردة”…

استغلّت الولايات المتحدة موقع هندوراس واستغلت ثرواتها وموانئها، مما تسبب في نشر الفقر، وترفض تحمل جزء من نتائج هيمنتها على البلاد، إذ يضطر الفُقراء والعاطلون إلى الهجرة بحثًا عن عمل، وترفض الولايات المتحدة دخول مهاجري البلدان التي تهيمن عليها، ومن بينها “هندوراس”، إلى الأراضي الأمريكية، وقررت الحكومة الإتحادية الأمريكية، في الخامس من أيار/مايو 2018، طَرد حوالي ستين ألف مهاجر من هندوراس يقيمون في أمريكا منذ عدة عقود، ويُهدّدُ هذا القرار مجموعات كبيرة من المهاجرين المُقيمين، الذين احتاجهم اقتصاد الولايات المتحدة، خلال فترة العقدَيْن الأخيريْن من القرن العشرين، من بينهم حوالي 100 ألف من هندوراس، ونحو 200 ألف من سلفادور، و50 ألفا من هايتي وتسعة آلاف من نيبال، وتريد الإدارة الأمريكية طَرْدَهُم، بذريعة إنها استقبلتهم على إثر حصول كوارث طبيعية في بلدانهم، وأمهلتهم ما بين 12 إلى 18 شهرا لمغادرة الولايات المتحدة، في نطاق خطة “تقليص نسبة المهاجرين من البلدان الفقيرة، ومحاولة اجتذاب مهاجرين من البلدان الغنية، من ذوي الخبرات والكفاءات العالية، بحسب منشورات الدّعاية الإنتخابية ل”دونالد ترامب”، لكن الفَقْرَ الذي كانت الحكومة والشركات الأمريكية سببًا في تفاقمه، لم يردع الفُقراء والعاطلين، عن محاولة البحث عن عمل، وعن حياة أَفْضَل، في أي مكان، بما في ذلك الولايات المتحدة

ركّزت وسائل الإعلام اهتمامها في تشرين الأول/اكتوبر 2018 على “آلاف المهاجرين الذين انطلقوا من هندوراس في طريقهم إلى الولايات المتحدة (عبر الحدود بين غواتيمالا والمكسيك)، في ظل توتر شديد بين حكومتَيْ الولايات المتحدة والمكسيك، منذ انتخاب الرئيس “دونالد ترامب”، الذي أمر ببناء جدار فاصل على الحدود، وتشهد “هندوراس” (في عهد الرئيس “خوان أورلاندو هرنانديز”) ارتفاعًا مُخيفًا في عدد جرائم القتل والخطف (مثل دول أخرى تحكمها حكومات عميلة للولايات المتحدة)، وعدم الاستقرار السياسي، والفَقْر، مما يَدْفَعُ الفُقراء والشباب نحو الهجرة إلى الولايات المتحدة، رغم المخاطر الناتجة عن إعلان الرئيس الأمريكي نشر الجيش على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك (عن برقية أ.ف.ب 25/10/2018)، وادّعى نائب الرئيس الاميركي “مايك بنس” “إن منظمات يسارية من هندوراس ممولة من قبل فنزويلا، تقف وراء قافلة المهاجرين” (عن رويترز- الإربعاء 24/10/2018) وتضُم هذه القافلة حوالي 1800 طفلا (من إجمالي حوالي سبعة آلاف شخص)، مع أمهاتهم، وتتخوف النساء في “هندوراس” من قَتْلِ أبنائِهِنّ على أيدي العصابات أو تجنيدهم أو تَعَرُّضِ بناتهن للاغتصاب والخطف على أيدي تلك العصابات المسلحة، التي يعتمد عليها النظام الحاكم لإرهاب المواطنين والنقابيين والمعارضين، ويرتبط زعماء عصابات الإجرام والإرهاب اليميني، بأعلى هرم السّلطة (المدعومة بدورها من الإمبريالية الأمريكية)، وكانت السلطات قد أعلنت (يوم الجمعة 23/11/2018)، خلال الحملة الإنتخابية توقيف “أنطونيو هيرنانديز” شقيق رئيس جمهورية هندوراس “خوان أورلندو هيرنانديز”، في مدينة “ميامي” الأمريكية، بسبب ارتباطه بعصابات الاتجار بالمخدرات، بحسب برقية وكالة الصحافة الفرنسية أ.ف.ب 24/11/2018، مما يُؤكّد الإندماج الكامل بين القادة السياسيين المدعومين أمريكيا وعصابات الجريمة المُنظّمة، والمُسَلّحة…  

أعلنت السلطات الانتخابية في هندوراس يوم الاحد 16/12/2017 فوز الرئيس المنتهية ولايته خوان اورلاندو ايرنانديز، الذي ارتبط برجال الأعمال وبعصابات الجريمة المُنَظّمَة، ولكنه انتُخِبَ بفضل الدّعم الأمريكي (وهو في السلطة منذ 2013) خلال الحملة الإنتخابية، التي واجَهَ خلالها ممثل اليسار “المُعْتَدِل”، سلفادور نصر الله، (صحافي في التلفزيون) مرشح “تحالف المعارضة ضد الديكتاتورية” والذي يضم أحزابا يسارية، مع أنصار الرئيس السابق “مانويل زيلايا” (راجع الفقرة اللاحقة بعنوان “بعض محطّات التّدخّل الإمبريالي الأمريكي في هندوراس”)، واتهم المعارضون ومنظمات حقوق الإنسان، الرئيس المُنْتَخَب بشراء أصوات الفُقراء عبر تقديم بعض المال والغذاء، بدعم من منظمات أمريكية “غير حكومية”، تحت غطاء “العمل الإنساني”، فيما مارست مليشيات مناصرة للرئيس “أورلاندو إيرنانديز” العنف ضد المعارضين، واغتالت (خلال الحملة الإنتخابية) أربعة عشر شخصا بحسب تقرير “منظمة العفو الدولية”، فيما اعترفت سلطات هندوراس بقتل ثلاثة فقط، وأعلنت المعارضة إن عدد القتلى (خلال الحملة الإنتخابية) فاق العشرين…   

بخصُوص قضايانا الأساسية كعرب وتقدّمِيِّين، أوردت وكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) يوم الثاني من كانون الثاني/يناير 2018، خبرًا عن مباحثات بين حكومة هندوراس والولايات المتحدة والكيان الصهيوني، بشأن نقل سفارة هندوراس، من تل أبيب إلى القدس، تنفيذًا لأوامر واشنطن، وأوردت الوكالة نَصّ البيان المشترك بين الحكومات الثلاثة، حيث التقى رئيس هندوراس خوان أورلاندو ايرنانديز ورئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتن ياهو ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في برازيليا على هامش حفل تنصيب الرئيس البرازيلي (اليميني المتطرف) “جاير بولسونارو”، وكانت حكومة “غواتيمالا” قد أعلنت نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، كما أعلن “بولسونارو”، خلال حملته الانتخابية، اعتزامه نقل سفارة البرازيل إلى القدس…  

بعض محطّات التّدخّل الإمبريالي الأمريكي فيهندوراس“:  

أطاحت الولايات المتحدة (بدعم من الجيش ورجال الأعمال) برئيس هندوراس المُنتَخب “مانويل زيلايا” يوم الثامن والعشرين من حزيران/يونيو سنة 2009، “بتهمة” تعامله مع كوبا وفنزويلا (وهو ليس يساريا، ولا يَدّعي الإنتماء إلى الإشتراكية)، ونصّبت الولايات المتحدة حكومةً انقلابيةً، بزعامة رئيس البرلمان (روبرتو ميشيلاتي)، كرئيس بالنيابة، إلى حين تنظيم انتخابات مشبوهة، بإشراف الولايات المتحدة، في تشرين الثاني/نوفمبر 2009، ونصبت أمريكا “بورفريو لوبو” رئيسًا جديدًا، في محاولة لفرض “شرعية الأمر الواقع”، وضغطت أمريكا على دول العالم، للإعتراف بحكومة الانقلاب، بهدف مَنْحِها شرعية لم تكتسبها سوى بفضل القوة الأمريكية، وأَسْرَعَ النظام الجديد في إطلاق حملة لقمع الحركات الاجتماعية التقدمية وتَدْمِير المؤسسات الديمقراطية في البلاد.   

قطعت دول عديدة (خصوصًا من أمريكا الجنوبية والإتحاد الأوروبي) علاقاتها مع النظام الجديد الذي جاء به الإنقلاب، وجمّدت دول أمريكا الجنوبية نحو 450 مليون دولارا، من “المساعدات” التي كانت مُقرّرة لحكومة هندوراس، فيما جَنّدَت الولايات المتحدة عُملاءها (خلال فترة حكم الحزب الديمقراطي والرئيس “باراك أوباما”) لإقامة علاقات “طبيعية” مع حكومة الإنقلاب، وحثت وزيرة الخارجية الامريكية “هيلاري كلينتون”، في بداية شهر آذار/مارس 2010، خلال جولة في بعض دول أمريكا الجنوبية، هذه الدول على تطبيع العلاقات مع هندوراس، وادّعت، خلال مؤتمر صحفي في “كوستاريكا” (04/03/2010) “اتخذت حكومة هندوراس خطوات هامة وضرورية تستحق التقدير وتطبيع العلاقات”، وكان الكونغرس الأمريكي قد أقَرّ دعم حكومة الإنقلاب ب”مساعدات خارج إطار المساعدات الإنسانية” بقيمة ثلاثين مليون دولارا…  

تُراث امبريالي أمريكي:

يعود تاريخ الإعتداءات الأمريكية على بلدان أمريكا الوسطى والجنوبية إلى منتصف القرن التاسع عشر، عندما احتلت الولايات المتحدة (ولا تزال) 55% من أراضي المكسيك، وتتضمّن “التقاليد” الأمريكية (تقاليد الأوروبيين البيض البروتستنت) ارتكاب المجازر ضد السكان الأصليين لأمريكا (الشمالية والجنوبية)، والإستيلاء على أراضيهم وبلادهم، ونَصّبت الولايات المتحدة سنة 1855 عسكريا مُرْتزقًا يعمل لصالحها (ويليام والكر)، رئيسًا بالقُوة في “نيكاراغوا”، وكان تَقْنِين العبودية، وجعلها “شرعية” من أولى قراراته، بالإضافة إلى فرْض الإنغليزية لغة رسْمِيّة، وحاول فرْضَ نظام العبُودية والسّخرة (العمل الإجباري، والمَجانِي)، وشن الحُروب العدوانية على الجيران، لتوسِيع رقعة البلاد، ولكن خطّتَهُ فشلت عسكريا سنة 1857، وأُعْدِم سنة 1860…  

بعد بضعة عقود، تأسست شركة ( Chiquita Brands International) سنة 1889، قبل أن يُصْبِح اسمها سنة 1899 شركة “الفواكه المتحدة” ( United Fruit Company)، ومقرها مدينة “بوسطن” الأمريكية، وهي شركة تُتاجر بالموز وفواكه أمريكا الوسطى والمناطق الإستوائية، ولكنها وتمكنت، بفضل الرشوة والفساد والدّعم الحكومي الأمريكي، من السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الخصبة في عدد من بلدان أمريكا الوسطى، وسيْطرت على عدد من الموانئ وعلى شبكات النقل بأنواعه، في كولومبيا وإكوادور وغواتيمالا وهندوراس وسلفادور، وعدد من الجُزر، وتمتلك نسبة هامة من أسْهُم قناة بَنَما، التي تسببت بالإطاحة بالجنرال الوطني “عُمر توريخوس” واغتياله، وتنصيب الجنرال “نوريغا” مكانه (وأُطِيح به فيما بعد)، كما نظّم وزير الخارجية الأمريكية “جون فوستر دالاس” وشقيقه رئيس المخابرات المركزية “آلن دالاس”، وعَمل كلاهما محاميًا لصالح الفوكه المتحدة، وكانا يملكان أسهماً فيها، انقلابًا عسكريًّا سنة 1954، أطاح برئيس “غواتيمالا” (جاكوبو آربينز)، دفاعًا عن مصالح شركة “الفواكه المتحدة” التي كانت تتهددها مشاريع الإصلاح الزراعي، وتنصيب مكانه عَقيدًا يأتمر بأوامرها، فأعلن الرئيس الجديد (المُنَصَّب) إلغاء برنامج الإصلاح الزراعي وإعفاء الشركات الأجنبية، وعلى رأسها “شركة الفواكه المتحدة”، من الضرائب والرسوم وطغى الحكم العسكري طيلة ثلاثة عُقُود، ونَفّذ مجازر ضد السكان الأصليين للبلاد، إلى أن أُطِيح به في بداية ثمانينيات القرن العشرين، بسبب الفساد والضّلوع في مجازر ضد السّكّان الأصليين والفُقراء والنقابيين ومناضلي وقادة اليسار، كما كانت مصالح الشركة وراء الإنقلاب واغتيال الرئيس التقدمي “خايمي (أو جيمي) رولدس أغليرا”، أول رئيس مُنتخب ديمقراطيا في إكوادور (1979 – 1981)، وغير ذلك من نماذج التحكم في ثروات الشعوب، واغتيال رؤساء انتُخِبُوا ديمقراطيا، وتعيين حكام موالين للولايات المتحدة، ولمصالح شركاتها، وكانت تُمثل رَمْزًا للإمبريالية الأمريكية، وكان الكاتب الأمريكي السّاخر (O. Henry)، وهو إسم مُستعار ل”وليام سيدني بورتر”، قد استوحى من مُمارسة شركة الفواكه المتحدة عبارة “جمهوريات الموز” (الجمهوريات التي تتحكم بسياساتها شركات متعددة الجنسية)، وتتميز سياسات هذه الشركات الأمريكية بالهيمنة على عدة قطاعات، وعلى إزاحة المنتجين المحليين من السوق المحلية والخارجية، واغتيال النقابيين، ورشوة “النُخَب السياسية” المَحَلِّيّة، وتوظيف جهاز الدّولة المَحلية لقمع أي تجمع أو تحرك نقابي، والعمل على خفض الأسعار للمستهلكين في الولايات المتحدة، في حين تزداد نسبة الفقر في بلدان أمريكا الوسطى، والدول الأخرى التي تستغل هذه الشركات ثرواتها… اندمجت شركة الفواكه المتحدة، سنة 1970، مع شركة أخرى، وتغير إسمها، وأصبحت تسمى “العلامات التجارية المتحدة”، ولكن ممارساتها لم تتغير، بل زادت مع زيادة الإيرادات والأرباح، فقد نشرت الصحف الأمريكية تحقيقات عن تسديد الشركة (نهاية عقد سبعينات القرن العشرين) رشوة بمقدار 1,5 مليون دولارًا لرئيس هندوراس في مقابل تخفيض الضرائب على الصادرات…

الهيمنة الأمريكية، باسم الديمقراطية:

اعتمدت الولايات المتحدة سياسة خارجية عُرِفَتْ تحت إسم “مبدأ مونرو”، منذ 1823، ويتلخّص في “ضمان استقلال دول النصف الغربي من الكرة الأرضية، ضد التدخل الأوروبي”، مما يعني احتكار الولايات المتحدة “حقوقاً خاصة” في القارة الأمريكية التي تعتبرها “حديقتها الخَلْفِيّة”، أي تعتبرها دِرْعًا يقيها من منافسة الرأسمالية الأوروبية، وبالتالي يمكن لأمريكا التصرف وفق ما تُمْلِيه مصالحها ومصالح شركاتها في أمريكا الوسطى والجنوبية، وغلّفت الولايات المتحدة هيمَنَتَها بشعارات ديمقراطية، مثل حق تقرير المصير، والدفاع عن الديمقراطية، وغير ذلك من الشعارات الخادعة، ثم تطورت العلاقات بين أوروبا وأمريكا بعد الحرب العالمية الثانية، وأصبح الطرفان حُلفاء في حلف شمال الأطلسي، أثناء فترة “الحرب الباردة”، واعتبرت الولايات المتحدة (إدارات الحزب الجمهوري أو الديمقراطي) خلال تلك الفترة، الإصلاحيين الذين يمكن تصنيفهم ب”يسار الوسط” راديكاليين خطرين، ودَعمت، على هذا الأساس، الحكومات العسكرية واليمينيّة في سلفادور ونيكارغوا وهندوراس وغواتيمالا، وأشرفت على الإنقلابات، وقمع المنظمات النقابية والحركات السياسية، ودعمت الولايات المتحدة تزوير نتائج الإنتخابات، وبقيت الدول التي دعمت الولايات المتحدة حكوماتها، مَرْتَعًا للشركات الأمريكية (متعددة الجنسية)، وأصبحت دُولاً فقيرة، وتعمقت فيها الفجوة الطبقية بين الأثرياء والفُقراء، وتركزت الثروة في أيدي قلة قليلة من الأغنياء، في غواتيمالا ونيكارغوا وسلفادور، ودعمت إدارة كينيدي (الحزب الديمقراطي) سنة 1963 انقلابًا يمينيًّا في غواتيمالا من أجل منع انتخاب المصلح الليبرالي المناهض للشيوعية “خوان خوسيه أريفالو”، مما أَكّد استحالة التغيير السلمي، في ظل الهيمنة الأمريكية، وساعد هذا الإستنتاج تحوّل اليسار في عدد من بلدان أمريكا الوسطى والجنوبية إلى ممارسة “العُنْف الثّوري”، وتحويل الإحتجاجات، من التمرد إلى الثورة المسلحة، وتدَخّلت الولايات المتحدة بشكل سافر في أمريكا الوسطى، خلال فترة رئاسة “رونالد ريغان”، لدعم الحكم العسكري في سلفادور (وفي غواتيمالا وغيرها)، سياسيا واقتصاديا، ودعم المليشيات اليمينية “كونترا”، في نيكاراغوا، ضد حكومة الحركة السندينية، وأكّد الرئيس الأمريكي “رونالد ريغان” في مؤتمر صحفيّ في هندوراس، سنة 1983، دعمه للدكتاتورية في “هندوراس”، بزعامة “ريوس مونت”، التي قتل خلالها الجيش ما لا يقل عن 86 ألف شخص مَدَنِي، من السّكّان الأصليِّين، خلال فترة حكم هذا الدكتاتور التي دامت 17 سنة، بحسب لجنة تقصي الحقائق والمصالحة، وكانت الولايات المتحدة تدعم الدكتاتورية في “سلفادور”، سياسيا، وكذلك ماليا (وهو في الحقيقة مال مَنْهُوب من البلاد، بواسطة الشركات الأمريكية، مثل شركة الفواكه المتحدة)، وفي سنة 1990، أي قبل سنَتَيْن من نهاية الحرب الأهلية، قدمت الولايات المتحدة دعما بقيمة 300 مليون دولار لحكومة “سلفادور” الموالية لها، وبعد سنة 1992، بعد انتهاء الحرب الأهلية، انخفضت قيمة “المُساعدات” الأمريكية، وضغطت الولايات المتحدة وشركاتها على الحكومات المتعاقبة، لكي تُقِرَّ تسهيلات للشركات الأجنبية (وهو ما يفرضه صندوق النقد الدولي)، وإعفائها من الضرائب، وإنشاء مناطق التجارة الحرّة، وعسكرة قوات الأمن الداخلي، لقمع الملايين من الفُقراء والجائعين والعاطلين عن العمل، الذين قد يلجَأُون إلى الكفاح المُسلّح مُجدّدًا، وأدّى هذا الوضع إلى ارتفاع عدد المهاجرين، طلبًا للرزق في الولايات المتحدة…  

خاتمة:

في هندوراس، يذكر التاريخ دعم الولايات المتحدة للإنقلاب على الرئيس المُنْتَخَب “مانويل زيلايا”، سنة 2009، بل ضغطت الولايات المتحدة على حلفائها وعملائها لكي تعترف بحكومة الانقلاب وتتعامل معها كحكومة شَرْعِية، وخلقت حكومة الإنقلاب مناخًا من القمع الرهيب والعُنْف، في غياب القانون والمؤسسات والعدالة والشرعية، لا يزال متواصلا، بالإضافة إلى نهب ثروات البلاد، مما دفع عشرات الآلاف إلى الهجرة سنويًّا، نحو الولايات المتحدة، طلبًا للرزق وللأمن أيضًا، واستقبلتهم سلطات الولايات المتحدة بالأسلاك الشائكة والآلاف من الرجال المُسلّحين على حدودها، منذ 2014 (إدارة الرئيس باراك أوباما)، واعتقلت عشرات الآلاف داخل محتشدات مُكْتظّة، وأطْردت آلاف المهاجرين، ووَصَف دونالد ترامب المهاجرين من “سلفادور” ب”الحيوانات”، بعد أن نهبت شركات أمريكا ثروات البلاد، ودعمت عصابات الإجرام وعزلت رؤساء يعارضون مصالح شركاتها، ونصبت دكتاتوريين مكانهم، ويعتبر دونالد ترامب إن لا دخل للولايات المتحدة في ما وصل إليه الوضع في أمريكا الوسطى والجنوبية، رغم تحويل غواتيمالا سلفادور ونيكاراغوا وغيرها مُخْتَبَرًا لتنفيذ مخططات وبرامج المخابرات الأمريكية وساحة تجارب للأسلحة الأمريكية… 

قد يعجبك ايضا