القضية المركزية المستجدة: تحرير سوراقيا من «إسرائيل الكبرى» / د. عصام نعمان




عصام نعمان ( لبنان ) الثلاثاء 13/3/2018 م …

ما زالت فلسطين، نظرياً، قضية العرب المركزية، إنها كذلك في نظر الفلسطينيين والعروبيين في شتى أرجاء الوطن العربي، لكن مركزيتها انحسرت في الواقع بعد اتفاق أوسلو 1993 وامتناع «إسرائيل» عن تنفيذ بنوده، وتفريغ المشروع الوطني الفلسطيني تالياً من مضمونه الكفاحي التحريري، وإلهاء أصحابه بمفاوضات متطاولة لامجدية، مع عدوٍ صهيوني رافضٍ لقيام دولة غي إسرائيل بين نهر الأردن والبحر المتوسط، وانهيار النظام العربي الإقليمي بعد اندلاع انتفاضات «الربيع العربي» المزعوم، ونجاح الإرهاب التكفيري، بدعمٍ من دول كبرى وأخرى إقليمية، في السيطرة على مناطق كثيفة السكان وغنية الموارد في العراق وسوريا وليبيا واليمن ، ما أدى إلى إغراق هذه الاقطار في دوامة أزماتها الداخلية.
في غمرة هذه الازمات والاضطرابات المتناسلة، نشأ تحدٍّ جديد بالغ الخطورة. انه قيام الولايات المتحدة بدعوى مواجهة الارهاب بتطوير تدخلها العسكري في سوريا والعراق، من عمليات قصف وتدمير بطائرات «التحالف الدولي» إلى إنزال قوات برية ومدّرعة في مواقع متعددة داخل سوريا والعراق.
ففي شماليّ شرق سوريا اليوم نحو 20 قاعدة برية ومهابط جوية لأمريكا، ناهيك عن قاعدتها وقواتها في منطقة التنف في جنوبي شرق سوريا، على مقربة من حدودها الشرقية مع العراق، وغير بعيدة من حدودها الجنوبية مع الأردن.
مسؤولون سياسيون وعسكريون امريكيون كبار أعلنوا مرات عدّة أن أمريكا لن تسحب قواتها من سوريا والعراق، إلاّ بعد القضاء نهائياً على تنظيمات الإرهاب. والحال أن «الدولة الإسلامية» الداعشية سقطت في الموصل، كما في عاصمتها الرقة، ولم يبقَ لها في العراق وسوريا سوى بضعة جيوب محدودة ومطوقة ولا فعالية لها. مع ذلك يلمّح المسؤولون إياهم إلى أن انسحاب القوات الأمريكية قد يستغرق سنوات. لماذا؟
لأن مهام اخرى، على ما يبدو، ستُسند إليها في الحاضر والمستقبل المنظور، فالرئيس الأمريكي ترامب ما زال مصمماً على تعديل بعض بنود الاتفاق النووي مع إيران، ونائبه بنس أعلن في مؤتمر اللوبي اليهودي الأمريكي «أيباك» الاخير أن واشنطن ستنسحب خلال أشهر من الاتفاق النووي إذا لم يتمّ تعديله. إلى ذلك، يؤكد نتنياهو انه اتفق مع ترامب، خلال اجتماعهما الاخير، على منع إيران من تصنيع أسلحة نووية أو إقامة قواعد عسكرية في سوريا.
تصعيد لهجة المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين ضد إيران وقوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية، رافقتها مناورات واسعة أجراها الجيشان الأمريكي والإسرائيلي وستستمر أسابيع لمحاكاة تعرّض الكيان الصهيوني لهجوم صاروخي شامل على أكثر من جبهة، بينها الحدود الشمالية مع لبنان والحدود الجنوبية مع قطاع غزة.
قائد سلاح الدفاع الجوي الإسرائيلي الجنرال تسفي حايموفيتش كشف أمراً بالغ الخطورة: بحسب ما يجري في المناورات، فإنه عند إصدار الأوامر ستنتشر القوات الأمريكية في الكيان إلى جانب القوات الإسرائيلية، سعياً لحمايته من إطلاق الصواريخ والقذائف، وبالتوازي مع هذه المناورات، ستُجري قيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية يوم غد الثلاثاء مناورة لاختبار جهوزية الكيان والرد على قصف صاروخي مكثف يستهدف المناطق الحيوية فيه. اللافت أن إعلان الجنرال حايموفيتش هذا اقترن للتوّ بتأكيدٍ من قائد القوات الأمريكية في المناورات الجنرال ريتشارد كلارك، مفاده «أن كبار قادتنا سيلتزمون طلب الحكومة الإسرائيلية وسنكون جاهزين للتنفيذ». ومن تراهم يكونون «كبار قادتنا» غير ترامب ووزير دفاعه الجنرال ماتيس وسائر جنرالات هيئة الأركان المشتركة للجيوش الأمريكية؟
بات واضحاً أن ثمة مخططاً لأمريكا ذا أبعاد متعددة يوجّه سياستها وتحركاتها في غرب آسيا، ولاسيما في سوراقيا (سوريا والعراق) وأنه ينطوي على الآتي:
تثبيت القواعد العسكرية الأمريكية في كلا القطرين ورفدهما بقوات برية ومدرعات وطائرات وصواريخ بالستية بعيدة المدى.
قطع جسر التواصل البري بين سوريا والعراق الذي تحقق بعد تحرير البلدتين الحدوديتين: البوكمال السورية والقائم العراقية غير البعيدتين عن منطقة التنف السورية حيث تنتشر القوات الأمريكية.
قيام أمريكا باستعمال استعمال قوات سوريا الديمقراطية «قسد» الكردية، التي سلحتها في شماليّ شرق سوريا في تنفيذ مهمات يتطلبها مخطط تقسيم سوريا والعراق أو إضعافهما، في الأقل، بترسيخ مناطق حكم ذاتي للكرد المتعاونين معها وتوظيفهم بوضع يدها على منابع النفط والغاز في محافظات دير الزور والرقة والحسكة.
نحن في بلاد الشام وبلاد الرافدين، أضحينا أمام تحدًّ بازغ وخطر داهم: انعقاد شراكة استراتيجية بين «إسرائيل الكبرى» التي اسمها أمريكا و»إسرائيل الصغرى» التي اسمها الكيان الصهيوني، موضوعها إرساء حضور عسكري فاعل للأولى في سوراقيا يكون منطلقاً لتحقيق ثلاثة أغراض استراتيجية:
تفكيك سوراقيا، شعباً ومؤسسات، والحؤول دون نهوضها بكل الوسائل الممكنة.
تحويل سوراقيا، في ظل الهيمنة الصهيوامريكية، جداراً فاصلاً وقاصماً ظهر الوجود العربي الممتد بين الهلال الخصيب (الكئيب) من جهة ووادي النيل والجزيرة العربية من جهة أخرى.
اعتماد سوراقيا المكبّلة بقيود الهيمنة الصهيوامريكية قاعدةً لمواجهة إيران وعزلها عن بيئتها الاقليمية، سياسياً واقتصادياً واستراتيجياً، وصولاً إلى محاولة ضربها وتقزيمها.
أجل، لا غلوّ في توصيف الولايات المتحدة بأنها «إسرائيل الكبرى»، فقد باتت، أو كادت، في قبضة شبكة من الساسة وأهل القرار والتفكير والتدبير تعتنق افكارَ واوهام المسيحية الصهيونية العنصرية المعادية للعرب والمسلمين وللإسلام الذي تسمّيه «الإسلام الإرهابي». هذه الشبكة شديدة التعصب والعصبية ولن تتورع عن اللجوء إلى أعلى درجات العنف والتدمير لتنفيذ اغراضها وحماية مصالحها.
في ضوء هذا التحدي والخطر الداهم يرتقي هدف تحرير سوراقيا من هيمنة «اسرائيل الكبرى»، كما «اسرائيل الصغرى»، إلى مرتبة القضية المركزية الاولى في حاضر الوجود العربي ومستقبله المنظور، الأمر الذي يجعل أي مقاربة و معالجة للقضايا والازمات التي تعصف بسائر الاقطار العربية، ولاسيما المشرقية منها، محكومةً ومتواقفة على واقع الصراع ومستقبله من أجل تحرير سوراقيا وتوحيدها إعادة إعمارها وتنميتها.
الصراع معقد ومتوقد وطويل.

قد يعجبك ايضا