أهم وأخطر مقال لنارام سرجون … متى تحاكم فلسطين شعبها … الهنود الحمر بين الجريمة والعقاب

 

نارام سرجون ( الأربعاء ) 22/4/2015 م …

في الحقيقة لانعرف أين تكمن نكبة الشعب الفلسطيني .. هل هي في عام 48 أم أن نكبة الشعب الفلسطيني هي أنه لم يقدر منذ نشوء قضيته على القيام بعملية مراجعة ومعاقبة من أخطأ من القيادات الفلسطينية ولو عقابا سياسيا .. وتطهير النسق القيادي الذي دخل مرحلة اعادة انتاج الفشل تلو الفشل .. لأنه لم توجد قيادة فلسطينية قامت برهان سياسي ومقامرة غير محسوبة وتمت محاسبتها .. فلسطين لم تعد تحتاج الى مقاتلين على مايبدو ولم تعد وطنا للفدائيين الذين كنا نقرأ عنهم .. ليس لأنها خلت من الفدائيين بل لأن فلسطين تحتاج الى جيش كبير من العقلاء والفلاسفة والنبلاء الذين يقودون الفدائيين والذين يعقلنون الطيش اللامبالي الذي تمارسه القيادات الفلسطينية في ادارة شؤون الهم الفلسطيني ويخففون من مقامرات القياديين ويعلمونهم الحكمة والمنطق السياسي والفروسية .. وربما يعلّم هؤلاء العقلاء سياسيي فلسطين بعض الأخلاق .. ففلسطين محتلة من قبل احتلالين .. الاحتلال الاسرائيلي للأرض واحتلال السفهاء لاسم فلسطين من قبل بعض أبناء فلسطين والتنكيل بكرامتها ومكانتها في نفوس الناس ..

الشعب الفلسطيني خسر أرضه في معركة غير متكافئة مع عدو مدجج بكل دعم الاستعمار والخيانات العربية .. ولكنه لايجب أن يخسر معركة المحبة والاحترام العظيمين ولايجب أن يزاحمه أحد على الجلوس على عرش القضايا وفي أعلى ذروة من ذرى التقدير لتاريخه .. ولايجب ان يزيحه أحد عن نقطة المركز التي يدور حولها الفكر السياسي والعقائدي والقلق الشرق أوسطي .. نحن نعرف أن كل المنطقة العربية تدفع ثمنا باهظا من أجل هذا الكيان المسمى اسرائيل الذي لن يرضى حتى تتفكك مصر وسورية والعراق .. ولن يهدأ حتى يتفكك الاسلام من السعودية الى تركيا وايران وبذلك يسقط الشعور القومي والديني الذي لايزال يمسك بفلسطين .. وكل مايجري من دم في خمس جمهوريات عربية فهو من أجل مستقبل هذا الكيان العنكبوتي المسمى اسرائيل ..

ولكن صار متفقا على ان القائمين على الشأن الفلسطيني آذوا القضية الفلسطينية أكثر مما فعلته الحركة الصهيونية ليس بسبب تخبطاتهم في مشروع أوسلو ومغامرة السلام الكارثية .. بل بسبب أنها بدل أن تجعل الفلسطينيين لفلسطين فقط فانها فشلت في منع استدراج الفلسطيني الى ميادين خارج فلسطين .. وجعلت القيادات الفلسطينية الفلسطيني يخرج بسبب قراراتها من همّ فلسطينيته الى هموم ليست فلسطينية ولاناقة له فيها ولاجمل .. وهنا لاأعني التشرد او اللجوء الى البلدان العربية بل التدخل في النزاعات العربية واتباع سياسة الزج بالنفس .. ولايزال بعض الفلسطينيين لايدركون كم تسببوا بسياسة الزج بالنفس في الشؤون العربية في نفور العربي من الشأن الفلسطيني حتى صار مهرج وصعلوك مثل فيصل القاسم لايجد غضاضة من قول (هلكتونا بفلسطين) .. عبارة انتظرت اسرائيل ستين عاما كي تقال علنا وتصبح أيقونة العمل السياسي للثورجيين العرب .. عبارة لم يجرؤ على قولها أحد الا بعد أن ميّع القادة الفلسطينيون اسم فلسطين وخلطوا ماءها بكل مياه النزاعات العربية القذرة .. واختلط دم فلسطين بدم الحروب الاهلية العربية وحروب الأحزاب والطوائف .. فالفلسطينيون تورطوا في لبنان ونزاعاته .. وتورطوا في حرب الخليج بين العراق والكويت .. وتورطوا في الربيع العربي حتى آذانهم .. فمحمود عباس كما نعلم باع مقعد فلسطين الى قطر لطرد سورية من الجامعة العربية .. والسافل خالد مشعل اراد احتلال دمشق من مخيم اليرموك دعما لمشروع تركيا والسعودية .. واسماعيل هنية اراد أن يصبح في مصر مثلما كان عرفات في لبنان .. أي حماس تتحكم بشؤون مصر ..

سلطة رام الله تثير الشفقة والقيء في نفس الوقت وكأن وصف “حلوم الأطفال وعقول ربات الحجال” هو وصف حالة القيادة الفلسطينية في رام الله .. فكل مايصدر عن محمود عباس من تصريحات ومواقف لاتعيش أكثر من ساعات كما قرارات الأطفال حتى أنه زحزح وليد بيك جنبلاط عن عرش التقلب والتشقلب السياسي .. وأحيانا لاتكاد الأخبار تتلو بيانا لمحمود عباس حتى يكون البيان التالي يتبرأ مما تعهد به .. ففي المساء يرسل مبعوثا الى سورية يوصيه ليقول بأنه يعطي الدولة السورية الغطاء الكامل لتحرير مخيم اليرموك من داعش .. وفي الصباح يعطي داعش غطاء يحميها من الجيش السوري ويجعل تحرير اليرموك من داعش تهديدا للشعب الفلسطيني من النظام السوري ..

وفيما هو يمثل شعبا تحت الاحتلال الذي يحظى برضى السعودية وسكوتها عنه فانه يقف مع السعودية واسرائيل في عدوان على شعب اليمن .. تماما كما وقف نفس العرب والسعوديون أنفسهم مع اسرائيل ضد شعبه في غزة وهو يقصف .. بل ويريد من طائرات العرب أن تقصف غزة لااسرائيل وسمعت أنه قد يرسل مقاتلين للمعركة البرية في اليمن .. وتحولت كل قضية الشعب الفلسطيني بقيادة عباس الى قضية شعب من تجار الشنطة يبيعون مواقفهم بالدولار ويفاوضون على الرواتب وليس على الجليل وصفد وحيفا واللد والكرمل ..

أما قيادة حماس فانها تلعب مع داعش والنصرة لعبة تقاسم الحارات والشوارع والأزقة في مخيم اليرموك ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سورية في حلب بعد أن كانت سيدة اليرموك وغيره في زمن مضى .. وعندما كان من المفترض ان تدين حماس كحركة ثورية تحررية الحرب على اليمن (وليس ادانة طرف من أطراف اليمن في النزاع) فانها ذهبت تتسكع كالسكارى في عواصم العالم صامتة وصارت مثل كلب السلطان المربوط أمام بيته ينتظر وجبة العظام بصمت دون أن يجرؤ على النباح على اللصوص زوار السلطان ..

وكما قلت فان السفهاء هم الذين ينطقون باسم فلسطين ..فهناك جيش من الكتاب السفهاء والاعلاميين وفقهاء حماس وفقهاء أوسلو لايتركون شاردة عربية الا ويتبولون في لبنها .. وهم الذين يجعلون مهرجا مثل فيصل القاسم يتطاول على اسم فلسطين .. ولايزال سفهاء الفلسطينيين يورطون الشعب الفلسطيني في مواقف بلا فائدة ترتجى ومليئة بالتناقضات الفجة .. فمثلا قام الاعلامي ناصر اللحام مراسل الميادين في فلسطين ودون مبرر باعلان الحداد على عزت الدوري وتوجيه التحية له من باب أنه لن ينافق ولاينكر الجميل .. ورغم أن هذا الموقف بحد ذاته شخصي وهو حر فيه لكنه استهتار بالخلافات العراقية الداخلية وبآلام العراقيين الذين ذبحهم الدواعش والوهابيون الذين يتعاون معهم الدوري كما انه ينطلق من اعلامي فلسطيني يتحدث دوما باسم فلسطين الشعبية وليست الرسمية .. ولكن المثير للسخرية أن ناصر الحريص على ابراز الوفاء لعزت الدوري (رجل السعودية) لايقول للفلسطينين في قيادة حماس (رجال قطر وتركيا) كلمة لوم واحتقار وتوبيخ على غدرهم بالشعب السوري الذي فتح لهم بيوته وفرش لهم المطارف والحشايا .. ناصر يحيي عزت الدوري في موقف رخيص لايخدم فلسطين بل يزيد من النفور منها لأن عزت الدوري يعتقد أنه أحد امراء الدواعش وهو بلا ريب رجل السعودية (التي دمرت قضية فلسطين) الذي صار يدير لها مشروعها المذهبي المدمر في العراق .. كما أننا لانزال لانعرف ان كان هو الذي خان الرئيس صدام حسين فهو الوحيد الذي لم يفكر الاميريكون باعتقاله وتركوه طليقا دون غيره من القياديين العراقيين وكأنهم عجزوا عنه رغم الادعاء أنه كان يدير التمرد في الأنبار ..

أنا لاأعرف ماهو موقف ناصر اللحام كاعلامي فلسطيني من الربيع العربي ومن الأحداث في سورية .. لكنني سأكون صريحا جدا ولاأبالي بالمجاملات مع هؤلاء الذين يتحدثون باسم الشعب الفلسطيني ان قلت بأن هذا الشكر للدوري تقرب من السعودية وأنا لاأحس انني أثق به ولابالارتياح لطلة صاحبه وثرثراته الجوفاء .. وكلما ظهر ناصر على شاشة الميادين أقلبها لأنني اقول في نفسي: “والله لاأدري لم يذكرني هذا دوما بعزمي بشارة رغم انه ليست له شنباته .. والله اني لاأحب المنافقين” .. فهو متلون يعطيك ماتريد ثم يلدغك .. و رسائله الفلسطينية تبث رائحة الجاسوس عزمي بشارة ذاتها ..

فهو رغم كل المناورات التي يقدمها في دعم خط المقاومة الا أن رسائل ناصر اللحام تقول دوما أنه يبرر لمحمود عباس سياسات “حلوم الأطفال وعقول ربات الحجال” والميوعة الثورية .. ويبرر للسافل خالد مشعل سفالته وكأنها براغماتية سياسية وضيق خيارات لمناضل سيء الطالع والحظ .. حتى أن ناصر أفتى ان على الجيش السوري أن يتجنب دخول مخيم اليرموك لأن هذا -برأيه – سيفتح الباب على تبرير اقتحام خمس مخيمات فلسطينية في الشتات بسبب سابقة اليرموك اذا فعلها السوريون .. ولكن (ناصر تلميذ عزمي بشارة) لم يقل لنا ماهو نفع خمسة مخيمات فلسطينية اذا امتلأت بالدواعش وسباياهم وعقيدتهم وجهاد نكاحهم وكل الوهابية وغابت فيها فلسطين والقدس .. يعني دخول داعش الى اي مخيم يعني نهاية فلسطين ونهاية حق العودة في هذا المخيم .. لأن هذا الحق سيتحول الى حق في السبايا والنكاح والتكفير .. ولاداعي لاسرائيل أن تقلق بشأن حق العودة اذا احتلت داعش المخيمات .. ولذلك فان على جميع القيادات الفلسطينية أن تعلن أن تحرير حق العودة يبدأ من تحرير المخيمات من الدواعش وبأنها يجب أن تبارك تطهير المخيمات ..قبل أن تتطهر المخيمات من حق العودة ..

كل ماتفرزه الساحة السياسية الفلسطينية للأسف ملوث ورث الا من بعض الاستثناءات .. ليس لأن فلسطين ملوثة بل لأن كل من يسمح له بالحديث باسم فلسطين ملوث .. وكل الأنقياء مغيبون .. وبسبب أن المحاكمات الثورية والمراجعات الثورية بحق من قامروا غائبة تماما .. فلا يمكن ان يفهم احد كيف يمكن ان يستمر رئيس (حلوم الاطفال وعقول ربات الحجال) على ذروة القرار الفلسطيني بعد كل الفشل الذي اصاب فلسطين وقضيتها في عهده الطويل الذي يبدو بلا نهاية وهو الذي ببرودته وميوعته الثورية تسبب في نهوض التيارات الاسلامية وسطوع نجم حماس وغيرها بعد فقدان الامل من نهوض فتح من كبوتها .. وكذلك لايمكن ان يتصور ثائر ان يقامر مشعل وهنية بكل مشروع فلسطين لحساب تركيا وقطر ولايقوم الشعب الفلسطيني وحماس يمحاكمتهما واقصائهما لاعطاء دفعة جديدة من الاخلاق في العمل الثوري الفلسطيني لاستراداد شرفه ومصداقيته وعافيته ..ولاسترداد مرونته في ظروف انهيار المشروع الاسلامي ..

فلسطين بحاجة الى جيل جديد منقطع تماما عن جيل فشل في القيادة والادارة للصراع لأن هذا الجيل الفلسطيني الذي يقود النضال الفلسطيني الآن تسبب في سقوط مشروع فلسطين من الأولويات العربية كما قال الاستاذ محمد حسنين هيكل لبعض القياديين الفلسطينيين حيث قال: (فلسطين للاسف لم تعد أولوية في الساحة العربية) .. وللأسف هذه كلمة فيها بعض الحقيقة ليس لأن فلسطين تحركت وتزحزحت من ضمائر الناس بل لأن كل القيادات الفلسطينية لعبت بالقضية وتصرفت بأنانية وطيش وأحيانا بلامبالاة مفرطة .. وأحيانا بقدر هائل من الانحطاط الاخلاقي والقيمي .. دون ان تحاسب .. ودون أن تدفع الثمن .. ودون أن يقوم الشعب الفلسطيني بالضغط عليها للقيام بنقد ذاتي ومراجعات أو للانسحاب من المشهد لصالح قيادات أخرى ليست متورطة في سياسة الزج بالنفس ..

ولايمكن اعادة الأولوية لفلسطين من قبل أحد – مهما حاول حزب الله أو ايران أو سورية الدفع نحو فلسطين – الا من قبل ابنائها الذين يجب عليهم ان يقوموا بعملية نقد ذاتي تكون منصة لهم لاطلاق جيل قيادي جديد يقوم بنقلة نوعية في الصراع يحدد أعداءه وأصدقاءه ويفرض على الشرق بوصلته نحو فلسطين من جديد ويحدد سياساته من خلال التعاليم الأخلاقية للمحنة والمأساة الفلسطينية والتجربة الانسانسة الغنية للشعب الفلسطيني .. لأن المحن هي التي تصقل الأخلاق والاخلاق تصقل السياسة والسياسة الأخلاقية تصقل العمل الفدائي وتمنع انزلاقه كما يحدث الآن بشكل مروع .. وبانتظار ذلك لاتزال فلسطين النبيلة الأخلاقية تلتزم الصمت .. فيما يملأ السفهاء كل النواصي والزوايا ..وتبتعد فلسطين ..

القيادات الفلسطينية الرئيسية الحالية يمكن وصفها بأنها قيادات الهنود الحمر الطائشة التي استولت على قرار الهنود الحمر الذين أرادوا الدفاع عن أرضهم ولم يقبلوا بالثقة بالغزاة ولاسلامهم .. ولاينقص القيادات الفلسطينية الا الريش الذي يميز زعماء الهنود الحمر الذين لحقوا وعود الرجل الأبيض الى مهالكهم والذين وصلوا بشعوبهم الى الانقراض بسبب سوء تقديراتهم وسوء ادارتهم للصراع مع نفس العدو الاستيطاني الاستئصالي ذي العقل التلمودي الذي وصل يوما الى أميريكا وعاملها كأنها أرض الميعاد وأفرغها من سكانها .. واليوم يصل نفس العقل الى فلسطين ارض الميعاد الثانية .. لتواجهه قيادات الهنود الحمر الطائشة المائعة ثوريا ووطنيا التي تستولي على قرار الشعب الفلسطيني .. الشعب الفلسطيني الذي صار يشبه شعبا في سفينة يقودها بحارة أميون لايعرفون حتى ركوب القوارب وهم لايعرفون قراءة البوصلة ولايعرفون علاقة الريح بالشراع .. ولن تصل السفينة الى ميناء الا الى قاع البحر ..

فلسطين ستحاكم شعبها يوما ليس لأنه لم يضحّ .. وليس لأنه لم يبذل .. وليس لانه كان دوما أشجع الشعوب وأعندها .. بل هو الشعب الفدائي المعطاء الذي لم يبخل عليها .. والشعب الذي لايضاهيه شعب في الشجاعة من أجلها .. لكنها قد تحاكمه يوما لانه تركها بيد قادة فلسطينيين مقامرين ولصوص بلا أخلاق .. وبيد حلوم الأطفال وعقول ربات الحجال .. وبيد لصوص الدين وتجار البنادق الذين باعوا شعرها وعيونها وشفتيها في استانبول وفستان عرسها وبكارتها في قطر .. وأهدوا جسدها لابن آل سعود يتسرّى بها .. ويضاجعها في الفراش ويدغدغ لحمها البض بلحيته كما لو كانت ملك يمينه وجاريته ..

فلسطين لاتحتاج شعبا جديدا .. بل تحتاج محاكمات لقادتها يقوم بها شعبها .. وتحتاج قادة جددا .. وثورة جديدة .. وجيشا من النبلاء وابعادا للسفهاء .. فالجريمة تستحق العقاب .. لتعود الأولوية في الشرق .. لفلسطين .. وليس الى جهاد النكاح .. وحرب السنة والشيعة ..

 

 

قد يعجبك ايضا