تحليل خطاب السيد حسن نصر الله , عن اليمن / بلال الحكيم

 

بلال الحكيم ( الإثنين ) 30/3/2015 م …

قادة التاريخ , اي قادة التحولات , يعرفون جيدا متى يكون عليهم الاعلاء من نبرة خطابهم او التفصيل في اطروحاتهم بما يتناسب وحجم الحدث او تفاوت المجريات الميدانية بحسب درجة الخطورة او السلامة .

في خطاب السيد حسن نصر الله الاخير ما يمكن التأكيد على كونه خطاب تاريخي , ولكن ليس فقط لان سماحته قد خصصه للحديث عن أمر جلل وكبير واستثنائي , تمثل بتآمر عشر دول عربية على دولة عربية وحيدة اخرى بشكل مفاجئ وعنيف وغريب وو. بل لان السيد حسن قد حرص ايضا على نبش بعض القضايا الاخرى المرتبطة من بعيد او قريب باغلب مشاكل المنطقة والتي من أسباب الاشكالية والجدل حولها انها بقيت عالقة بل ولم توضع حتى موضع النقاش الجدي والصريح , والتي بدى ان السيد قد قرر اخيرا ان يوضعها دفعة واحدة وبكل شجاعة واقتدار ووضوح رغم حساسيتها ورغم الخشية الطويلة من كونها قد تثير حفيظة بعض الاصدقاء قبل الاعداء .

في هذا التحليل ننوي الاجابة عن بعض الاسئلة التي طرحها السيد في خطابه الاخير عن الاحداث الطارئة في اليمن و الهجوم السافر والوقح الذي قامت به عشر دول عربية متآمرة بدافع وتحفيز وتمويل سعودي خبيث . وكذلك ننوي طرح بعض التعقيبات عن اطروحات اخرى يبدوا ان حسمها سيتطلب المزيد من النقاشات الجدية والتفصيلية .

حرص السيد حسن نصر الله ابتداءا في خطابه بالامس على تفنيد ادعاءات الدول الغازية على اليمن ووضعها كلها موضع التحليل والمناقشه والتي قسمها الى ثلاثة حجج رئيسية هي:

اولا : في كون الرئيس ( الشرعي ) عبد ربه منصور هادي قد استنجد بالدول الصديقة من اجل استعادة سلطته المزعومة , وان تلك الدول سارعت بالاستجابة خشية على سقوط الشرعية والدستور والقانون في اليمن بفعل عمل ( انقلابي تخريبي ) قادته حركة انصار الله .

ثانيا : في كون الوضع الجديد في اليمن سيهدد أمن المنطقة وأمن الخليج وأمن البحر الاحمر .

ثالثا : في كون اليمن قد اصبحت محتلة ايرانيا وقد اصبحت مسلمة بالكامل للقرار الايراني .

ثم تحدث لاحقا عن السبب والدافع الرئيسي والفعلي من هذا الهجوم والتحالف العربي ضد اليمن , والذي اكد على انه لا يتمثل الا في كون السعودية بعد ان شعرت في بخسارة سلطتها التاريخية على اليمن وخسرت حلفاءها والذي استمرت لعشرات السنيين ثم سقطت مؤخرا في ايام او اسابيع معدودة بعد ان اصبحت اليمن ملكا للارادة الشعبية الصادقة والوطنية , اذن فان هذه الضربات وهذا الهجوم ما هو الا محاولة لاستعادة السيطة على اليمن وعلى قرارها السياسي واعادة فرض حلفاءها في السلطة .

ولكن سماحة السيد كان قد فصل اكثر فيما يخص الحجة الثالثة بالذات , لخصوصيتها ولكونها اقوى ما يطرح واقوى ما يتحجج به الطرف المعتدي رغم ان الخطاب الرسمي لديهم يورد حجج اخرى قد تبدوا اكثر اقناعا للرأي العام المنتظر حجة مقبولة منطقيا وان بحده الادنى .

ايران لاتزال توضع كخطر مستمر ودائم منذ انطلاقة ثورتها بقيادة الراحل روح الله الخميني , ايران اليوم او ايران الامس ليست بالنسبة لكثير من الحكام العرب والادارة الامريكية واسرائيل , ليست سوى الامام الخميني وافكار الامام الخميني , ولذلك هم لن يستطيعوا معرفتها الا على هذا الاساس حتى وان حاولت ايران في يوم من الايام ابداء حسن نية تجاه اي طرف منهم .

وبالتالي كذلك اليمن اليوم , لن يستطيع العالم كله معرفة اليمن الا بكونها افكار السيد المؤسس الشهيد حسين بدر الدين الحوثي , لن يهتموا بما سوى ذلك الا بكونه خصم او حليف قد يساهم في تقليص النفوذ الثورية التي جذرها السيد حسين بدر الدين الحوثي , على رغم حجم وكبر النخبه اليمنيه المناضلة والمتحملة لاعباء النضال والقضية الا ان تنظيم وقدر وضروف حركة انصار الله جعلها تتصدر المشهد العالمي وسيجعلها تبقى متصدرة على الاقل ابتداءا من بعد الغزو العربي عليها , وصاعدا .

كيف يمكن التأكد من حسن النوايا الايرانية ؟

يمكن ذلك عندما يتأكد لشعب من الشعوب او للنخبة السياسية في هذا البلد او ذاك , ان ايران تحترم فعلا طبيعة الشراكة مع الدول الاخرى وانها لا تسعى الا لفتح علاقة قائمة على اساس الندية والتبادلية والاخوية وخالية من اي مظاهر الاستعلاء او الفرض او الوصاية , وهذا ما اراد السيد حسن نصر الله التأكيد عليه واثباته من خلال الحجج والوقائع والبراهين , والتي ضرب في سبيل ذلك علاقة ايران مع كل من لبنان وسوريا والعراق وفلسطين .

وبالتالي ايضا اسقاط الحجج الاخرى و الخشية الاكبر التي لا يمكن التغافل عن كونها احدى مرتكزات هذا التخوف ( العربي ) , والتي هي في كون ايران شيعية وانها تسعى كما يروجه العرب الى نشر المذهب الاثنى العشري وانها تمتلك مؤسسات منفصلة على الدولة وانها من تقوم بهذا العمل حتى وبشكل يعارض سياسة الدولة او الحكومة الايرانية نفسها , .

ماذا لو لوحظ ان هناك نشاط ميداني حقيقي يؤكد هذا التخوف , ولكن ماذا لو أكدت ايران مرارا وتكرارا على احترامها لكل معتقدات المسلمين وانها لا تسعى بأي شكل من الاشكال في تغير مذهب احد او ممارسة نشاط قد يؤدي الى هذا العمل , وهذا ما فعله او يفعله قائد الثوره اليوم سماحة الامام علي خامنئي , حسب علمي .

اليس هذا موضع استهجان ؟ وهذا بالذات ما المح أليه سماحة السيد حسن نصر الله في الحديث عن كون السعودية هي فعلا من قد مارست وطيلة عشرات السنيين لنشر مذهبها على الاراضي اليمنية وبذلت في سبيل ذاك اموال وجهود ضخمه وكان ذلك بالطبع على حساب المذهبيين الرئيسيين في اليمن وهما المذهب الزيدي والمذهب الشافعي .

مع العلم وهنا موضع الغرابة بل والفرادة في طبيعة اليمنيين وطبيعة تدينهم , وهي ان كلا المذهبين مع الاضافة لهما المذهب اليمني الثالث وهو المذهب الاسماعيلي , ان هذه المذاهب الثلاثة لم تسعى يوما من الايام وطيلة تاريخها في اليمن ان تنشر مذهبها على حساب المذاهب او المناطق الاخرى , بل لا يكاد يسمع احد بأي نشاط من هذا النوع على الاطلاق وان الاحترام بقي متبادلا على الدوام , باستثناء طبعا الحركة الوهابية والتي هي دخيلة ومتطفلة وعابثة بهذه القاعده اليمنية الفريدة !

اذن فان وضع الاطراف الاخرى انفسهم بنفس هذا الموضع سيجعلهم يلاحظون انه فعلا موضع استهجان ويولد حساسية كبيره , تماما كما سيحصل لو قرر ابناء المذهب الزيدي الذهاب لنشر مذهبهم في اوساط السعوديين , مثلا , او اي مكان اخر له مذهب مختلف وابناءه يعتزون به مكتفين في الالتزام بطرحه والاقتداء برموزه .

اذن هل كانت ايران تستغل الفراغ الذي يحدثه العرب بسبب غيابهم وكسلهم ؟

السيد حسن نصر الله قالها صراحة ايران موجودة فعلا , ولكن بمواقفها ومن منطلق اخلاقي ومبدئي وانها لا يمكن ان تسكت عن امور فيها اعتداء على اي طرف اسلامي .

وهو قال صراحة ايضا بأن ايران ربما تأخرت فيما يخص اليمن وانها لم تكن قد اقامت اي علاقة مع حركة انصار الله الا بعد الحرب السادسة , وكذلك حزب الله , ولكن هل يعني ذلك ان ايران لا تزال بعيده عن اليمنيين او انها لن تصبح حليف استراتيجي بالنسبة لهم ( اقتصادي وسياسي ) هذا ما ستثبته الايام , بل وايران بالذات مطالبه فعلا بازالة كافة المخاوف واقعيا وليس فقط اعلاميا .

نعود للغزو العربي على اليمن

لاشك ان اليمن اراد ابناءها او لم يريدوا , فقد اصبحوا فعلا موضع حديث واهتمام عالمي واسع النطاق , وبالتالي فان اليمن سيكون عليها وعلى هذا الاساس ان تتحضر جيدا للعب عدة ادوار وفي عدة مواضع , سياسية وعسكرية ايضا , وانها في المجال العسكري تخوض معاركها كما يبدوا باقتدار وتحدي كبيرين , اما في المجال السياسي فربما يلاحظ اي شخص بانها لاتزال تحتاج الى مراحل طويلة حتى تبني كوادر كفؤة لتحمل اعباء وصعوبة المرحلة والقضية عموما , ولا سيما على المستوى العالمي وفي المقدرة على طرح قضيتهم على كافة المحافل الدولية السياسية منها والحقوقية .

هنا بالذات يمكن الحديث عن التحالفات وعن الدور الذي بالامكان ان تقوم به , وعن الحدود التي يجب ان توضع للسير وفق هذين الخطين – العسكري والسياسي – وفق توافق ومناقشه وتواصل مستمر بين الاطراف .

 

 

قد يعجبك ايضا