أبو رغال.. والحرب الكونية على سوريـــــــــــة والمنطقـــــــــــــة / النائب المحامي عبد الكريم الدغمي

 

 

عبد الكريم الدغمي ( الأردن ) الثلاثاء 17/3/2015 م …

في الحرب الكونية على سورية الشقيقة، وقبلها على العراق الشقيق، يتنطع الرغاليون (نسبة لأبي رغال) الذي قام بدلالة جيش أبرهة الأشرم على الكعبة المشرفة عندما غزاها عام 570 م (عام الفيل)، ويقدمون أفضل اقتراحاتهم (مدفوعة الثمن) من أسيادهم، لدلالة الأعداء، وتحريضهم على هذه الدول، وعلى شعوب هذه الدول، لأنهم يقبضون ثمن ذلك من خصومها من أعراب وصهاينة، وأمريكان من جهة، ولأن هذه الدول ترفض التعامل مع الرغاليين أو الدفع لهم، لعلمها بعمالتهم ورخصهم، من جهة أخرى.

عندما كانت الثورة الفلسطينية في أوج قوتها، كان الرغاليون، يحملون البنادق على أكتافهم، في أفخم الفنادق لا في الخنادق، وعندما يتحدثون إليك، أو يكتبون في صحف الثورة أو إذاعاتها، تعتقد أن الواحد منهم هو تشي غيفارا أو هوشي منه.. لكنهم كانوا أيضا يقبضون. !

وعندما حوصرت الثورة الفلسطينية في لبنان، وهُجّرت مضطرةً إلى تونس وغيرها، كشف الرغاليون عن عوراتهم، فبدت تظهر عليهم علامات المخابرات الأمريكية أو البريطانية أو الصهيونية وأقلها مخابرات بعض الدول النفطية.. فكلها تدفع، فالحياة عند الرغاليون:

المال إيقاعها ومذهبها وفصل ختامها.!

قبيل العدوان الصهيو – أمريكي على العراق الشقيق، أبدع هؤلاء في التحريض على العراق، ووصل الأمر بأحدهم أن يطالب بجيش عربي مؤتلف ليساند القوات الأمريكية عام 2003 – المقال موجود لدي – فقد كان خائفا من أن تفشل القوات الأمريكية في احتلال بغداد!!

ياللهول! هل وصل الأمر ببعضنا الى هذا الحد؟ لا غرابة، فالخائن لا وطن له.!

واليوم، وبعد أربع سنوات من الحرب الكونية المفروضة على جارتنا الشقيقة، التي دمّر بنيتها التحتية وهجّر شعبها العدوان المدروس المحبوك من الصهاينة والأمريكان، وأصدقائهم في المنطقة… أردوغان، ولنتذكر بمناسبة أردوغان المثل العامي (عدو جدك ما بودك)، يضاف إليهم عربان، تدفع ثمن الأسلحة والذخائر والمتفجرات التي يضُرب بها الشعب العربي في سورية وغير سورية، للأسف، ومنه يتموّل الداعشيون والنصرويون وغيرهم.!

ولتجنب الإطالة، وقبل الضلوع في أسباب الحرب على سورية برأينا تجدر الإشارة إلى ثلاثة مشروعات كبيرة في منطقة الشرق الأوسط.

(1) المشروع الصهيوني، وهو المشروع المدعوم من أمريكا وحلفائها، الذي يهدف إلى تقسيم الدول المحيطة بفلسطين (إسرائيل) إلى دويلات طائفية ومذهبية وأثنية متناحرة وضعيفة، وانهاك، بل وانهاء وجود الجيوش العربية القوية، التي خاضت حروبا مريرة مع (إسرائيل)، وباختصار يهدف هذا المشروع، إلى السيطرة على دويلات المنطقة وترويضها وتدجينها كليا، وفرض الهيمنة الإقتصادية الصهيونية عليها، وتحقيق دولة يهودية عبرية نقية، تهدف إلى طرد ما تبقى من السكان العرب الأصليين في فلسطين التاريخية، والضفة الغربية، وتحقيق الحلم الصهيوني في ابتلاع فلسطين كل فلسطين، والخلاص من الفلسطينيين في إقامة وطن بديل لهم يرتبط بالأردن بشكل أو بآخر، وهو ما اصطلح على تسميته مشروع الشرق الأوسط الجديد، والحرب على سورية هي جزء من هذا المشروع ومقدمة مهّمة لتحقيقه. (2)

(2) المشروع التركي – الأردوغاني، وهو مشروع لم يكن موجودا قبل مجيء (حزب العدالة والتنمية) إلى الحكم في تركيا، ويهدف هذا المشروع الذي يتناغم إلى حد كبير مع المشروع الصهيوني – الأمريكي، إلى أخذ حصة، أو أن يكون شريكا في مشروع الصهاينة، فتركيا حليف قوي لأمريكا، وهي جزء مهم من حلف الناتو، ولا تريد أن تسيطر (إسرائيل) على المنطقة لوحدها، بل تريد أن تكون شريكا أساسيا في المشروع ونتائجه الإقتصادية، ولها أيضا حسابات سياسية تتعلق بأمنها وحدودها مع العراق وسورية، ووجود الأكراد في المناطق الشمالية من هاتين الدولتين، كما أنها لا تنسى أنها كانت قيادة الدولة العثمانية أو (الخلافة العثمانية) وكانت هذه المنطقة عبارة عن ولايات تابعة لها، إلى أن قامت ثورة الأشراف العربية الكبرى التي انطلقت من الحجاز، وأنهت الوجود العثماني في منطقتنا، غير أن الحلفاء خانوا العهد مع شريف مكة الحسين بن علي بن عون رحمه الله، وقسموا المنطقة بمؤامرة سايكس – بيكو المشهورة على النحو الذي نراه اليوم، بل وأعطوا فلسطين التي كانت تحت الإنتداب البريطاني للصهاينة من خلال ما سمي (وعد بلفور)، وتشكل الدولة التركية الآن “المايسترو” أي الراعي الرسمي للإرهاب، وتجميع الإرهابيين من مختلف دول العالم مقدمة لإدخالهم إلى سورية عبر الحدود غير الشرعية.

(3) المشروع الإيراني، وهو مشروع مناقض للمشروعين السابقين، لأسباب كثيرة، أولها أيديولوجي، فالجمهورية الإسلامية الإيرانية، وفي أول يوم لنجاح ثورتها قامت بإنزال العلم الصهيوني عن سفارة (إسرائيل) ورفعت بدلا عنه العلم الفلسطيني، وهي لأسباب أيديولوجية وسياسية وإقتصادية تهدف إلى بناء علاقات طيبة مع دول الجوار العربية، بإعتبار هذه البلدان دولا إسلامية ترتبط بها بعلاقات تاريخية، ولا تريد لإسرائيل أن تتمدد لتصل إلى حدودها سواء بالبعد الجغرافي أو البعد السياسي، وأعني بالبعد السياسي أن لا تكون هناك دويلة أو دويلات عميلة لإسرائيل على حدودها، لتناقض الأيديولوجيا والمصالح أيضا، ولكن ما يعوق المشروع الإيراني، هو الوجود الأمريكي الضخم في الخليج العربي ووجود قواعد عسكرية أمريكية ربما تكون من أكبر قواعد أمريكا في العالم، الذي يمنع هذه الدول من تمتين علاقاتها بإيران، وربما يكون لإيران أطماع في وجود نفوذ لها في المنطقة كما يدعي منظرو المشروع الصهيو- أمريكي ولكن بحث ذلك الآن هو من قبيل الغباء السياسي، فبدل أن نعظّم العلاقة مع دولة جارة وصديقة يسعى هؤلاء المنظرون إلى مهاجمة إيران، للتغطية على المشروع الصهيوني، الذي يهدف ومن دون شك إلى ابتلاع الأرض وتهجير وتشريد سكانها والاستيلاء على المنطقة، فعدو عدوي هو صديقي وحليفي أيضا، وخلال كتابة هذه السطور تتجلى الدبلوماسيـــة الأردنيـــة التي يقودها جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين في إرسال رسالة مع زيارة لوزير خارجيتنا ناصر جودة إلى إيران، الأمر الذي يؤكد حرص جلالته فتح جسور التعاون مع إيران وغير إيران لمواجهة خطر الإرهاب الذي لا حدود له، ويتوج شعار جلالته (إرفع رأسك أنت أردني)، نعم معك وبك نرفع رؤوسنا دائما، ونرى في هذا المجال ضرورة التعاون مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في هذه المرحلة، مع المحافظة على خصوصيتنا وثوابتنا الوطنية والقومية.وبالعودة إلى أسباب الحرب على سورية، نجد أنها تتلخص في عدة أسباب:

أولها تحقيق جزء من المخطط الصهيوني، وهو المشروع الذي أشرنا إليه سابقا، وذلك بعد تدمير العراق، وبنيته التحتية، وجيشه القوي، وإحلال نظام المحاصصة الطائفي – الإثني مكان النظام القومي القوي، وبعد السيطرة على نفط العراق لأعوام طوال مقبلة، وثاني هذه الأسباب، تدمير جيش سورية القوي وإنهاكه بحرب داخلية طويلة الأمد كما رأينا، وتدمير البنية التحتية لسورية والإقتصاد السوري، الذي كان يعتمد كليا على الإنتاج الذاتي، ولم يكن على سورية أي ديون خارجية للبنك الدولي أو غيره، والأهم أيضا هو تقسيم سورية إلى ولايات أو دويلات أو كانتونات طائفية واثنية متناحرة ومتقاتلة وذات اقتصاد ضعيف تابع، وتعتمد على مساعدات الدول الكبرى، ومن شأنها أيضا تقوية المشروع الأمريكي – الصهيوني في حال تحققها لا سمح الله، والسبب الذي لا يقل أهمية عن كل ما ذكر، هو قطع الإمدادات عن حزب الله اللبناني، الذي ربما يكون الشوكة الكبيرة بل والأكبر في حلق (إسرائيل)، الذي إضطرها بعملياته البطولية والاستشهادية إلى الانسحاب من الجنوب اللبناني المحتل عام 2000 ، بعد أن أذاق الصهاينة الأمرّين من خلال تلك العمليات، فإنهاء النظام القومي في سورية، وتقسيمها، أو ترك سورية على الأقل للفوضى لا سمح الله كما يحصل في ليبيا وغيرها، يعطي للصهاينة وحلفائهم في لبنان قوة أكبر في محاولة حصار حزب الله ومقاومتة وإضعافه، نتيجة وقف الدعم السوري – الإيراني له من خلال سورية وحدودها مع لبنان.!

أما اليوم، فقد ثبت أن المشروع الصهيوني – الأمريكي المتناغم مع المشروع الأردوغاني التركي في سورية، وبالرغم من كل ما حصل من دمار وخراب وإنهاك للجيش السوري يواجه هذا المشروع تراجعا، أمام الصمود السوري الأسطوري في وجه هذه المؤامرات، وقد صنعت له أمريكا وإسرائيل وبعض العربان الأغنياء دواعش ونصرة… ليست لها حدود. نخلص من كل ما تقدم وفي ظل تراجع المشروع العربي النهضوي، إلى ضرورة إجراء تحالفات ولو مرحلية للخلاص من هذه العصابات الظلامية والإرهابية التكفيرية، وضرورة تمتين العلاقة بين الدول العربية الأردن – سورية – العراق – لبنان ولا مانع من التحالف مع إيران في هذه المرحلة لمصلحة هذه الدول وهو ما يمكّن هذه الدول من سحق هذه العصابات بسرعة، والقضاء على المشروع الصهيوني، والعودة الى الهُوية العربية الجامعة، ونبذ الهُويات الفرعية الجهوية منها والطائفية والاثنية.

*محام ورئيس مجلس نواب سابق

 

قد يعجبك ايضا