مقال هام … «إسرائيل» أيقظت آلهتها / عماد جبّور

 

عماد جبّور ( سورية ) الإثنين 16/3/2015 م …

في جبل الأولمب خلقت أساطير اللعب بالنار والماء ووزعت الأرض ما بين الظلام الدائم والنور المطلق وما بين الخير والشر، وبقي الانسان حائرًا أمام لعب الآلهة بمصير البشر. هذه الأساطير كانت ستظل حبيسة العامل الفلسفي لولا تضخّم مقدرة الشر بما يفوق التصور والخيال ليصبح هناك بشر بمقدرة الآلهة وبشر بمقدرة الضعف والاستعباد.

في الحقيقة منذ سنوات طويلة كنت أعتبر نظرية شيمون بيريز بكتابه (الشرق الأوسط الجديد) مجرد خيال غير قابل للتحقيق، لأنه امتدادٌ لأسطورة شعب الله المختار وما تلاه من بناء الهيكل وارماجيدون. شيمون بيريز هو من تبنى نظرية وصل البحرين المتوسط والميت، وهو من اقترح وصل مياه النيل بصحراء سيناء وحتى صحراء النقب، وهو من اقترح استخدام المال العربي والأيدي العاملة العربية الرخيصة لبناء دولة امبراطورية تصبح قطبا يتحكم بمركز الكون.

الآن، ماذا تحقق من نبوءة بيريز؟؟ في العمق، بيريز لم يخلق هذه الافكار بل ابتدعها مهندسون يهود وقاموا بدراستها منذ القرن الثامن عشر ليتبناها هرتزل ومن بعده بن غوريون. هذه الأفكار هي البنية الحقيقية لـ”إسرائيل” لأنها تثبت مواقع العقل اليهودي على خريطة التوراة بمشاريع استراتيجية ترسم حدود شعب الله المختار. فمن جنوب السودان الى سهول تركيا، ترى المشاريع المائية والزراعية التي تسيطر عليها “إسرائيل” بالمال والسلاح (القواعد الأمريكية) وشركاتها (أقلها شركة آرامكو، واوكسن موبيل، وهلبرتون)، تسيطر على منابع الطاقة من الخليج العربي لتصل الى آخر دولار يصب في بنوك آل روكفلر وروتشيلد.

لن نخرج كثيرًا خارج منطقتنا ولكن نستطيع القول إنّ كل ما يجري من مشاريع قادمة هي في العمق حالة استثمار استراتيجية (أستطيع أن اطلق عليها لعبة القرن بكامله)، الهدف منها هو إخراج أوروبا من ثوبها الحالي المتهالك ماليًا وصناعيًا بيد الصين، التي استطاعت أن تغزو الاقتصاد الأمريكي لتصل الى سندات خزينته، وأن تخترق الاقتصاد الأوروبي لتخترق بنوكه المركزية والاتحادية لتضعها تحت بند الإفلاس، وخاصةً بعد أن أصبح نصف الشركات الصناعية العملاقة في جوف تنين لا يرحم، والذي يستمد طاقته من دب روسي مجروح يسعى بتحالفه معه الى قلب الطاولة لإعادة الزمن الى الوراء ولو بالقوة.

أمام هذين العدوين، لم يكن لليهود أي اختراق حتى ولو كانوا متواجدين بالفناء الخلفي لروسيا سواء في أوروبا الشرقية أو حتى شرق آسيا. وأمام حالة التطويق هذه الممتدة حتى أمريكا اللاتينية، أخرج اليهود ملفاتهم من الأدراج ووضعوها علنًا على الطاولة وبدأوا بخوض حرب اقتصادية بدأت بضرب مركز القرار المالي العالمي في وول ستريت في 11 ايلول، واتبعوها بحروب مسيطر عليها في بحر قزوين واوروبا الشرقية واتبعوها بثورة الربيع العربي للسيطرة على أنظمة الحكم بالتحالف مع الاسلام السياسي المهيئ لتوفير ملايين المقاتلين تحت عنوان العقيدة المقدسة. وبالمقابل، خاضت حرب المعابر وخطوط النفط مع روسيا ووصلت الى حد ضرب عمق القرار المالي النفطي الروسي الذي يعتبر عصب الطاقة الصينية، وترافق مع هذا الواقع تحضيرات كانت تجري عبر عشرات السنين لنقل المنطقة الى حالة التحالف بدلًا من العداء وخاصةً في الدائرة الآسيوية والافريقية، حيث قامت بانقلاب حقيقي في تركيا أوصل الإخوان الى الحكم ليكونوا خزان إسلامي موالٍ للفكر التصالحي مع “إسرائيل” منطلقًا من الشراكة الاقتصادية من أجل السيطرة على الدول الاسلامية النفطية أيضًا المتاخمة للفناء الخلفي الروسي والصيني، وشجعت وصولهم الى الحكم في مصر وتونس وليبيا وحتى سورية.

ولكن مع تعثر المشروع في سورية وسقوطه في مصر، تمّ تحريك حالة الاستبدال الاحتياطية (المؤسسات العسكرية الموالية)، والتي تم دعمها لتصبح نواة المواجهة الآنية للمحور الممتد من موسكو وبكين والبريكس مجتمعًا مع سورية ضمنًا. هذه النواة التي أصبح عدوها الآن الخط الممتد من طهران الى بغداد فدمشق، دخلت في حالة التطبيع والقبول العلني بالوجود الإسرائيلي، هذا الأمر نستطيع القول هو حروب الخمسين سنة القادمة وخاصةً أنّ المشاريع المطروحة لتثبيت الوجود اليهودي تعتمد على إخلال التوازن بإمدادات الطاقه والسيطرة على معابرها وعلى أسواقها.

في المقال المقبل سندرس قناتي البحرين وقناة السويس البديلة ومدى تأثيرهما في هذه المواجهة.

قد يعجبك ايضا