بلاد العرب اوطاني يطاردها الالم ويحكمها الأمل فلا نرى الا جميلا: إما النصر وإما النصر! / الياس فاخوري




الياس فاخوري ( الأردن ) – السبت 4/1/2025 م …

نُقَدّم ال “م” على ال “ل” ليحكمنا “الأمل” رغم مطاردة “الالم”، ومن عمق المأساة وفي اشتداد المحن لا نري الا جميلا؛ الاحتلال الى زوال، ونحن امام احد خيارين لا ثالث لهما: فإما النصر وإما النصر!
 
نحن لا نيأس، ولا نستسلم او ننسحب، ولا نخسر ضرورات البقاء من فلاح (المجادلة – 22) وغلبة (المائدة – 56) وحماس وامل .. ونرى – حتى بالانجليزية – ال  “utility” في “futility” (المنفعة/الإفادة/الجدوى في الفشل/الخَيْبَة/العَبَثٌ) و”I’m possible” في “Impossible”.
 
ومع محمود درويش نتحرى السنا في الدمع لا ديمومة الظلم وهو يحكي من” إسرائيل” وفي قدميه مسامير.. وإكليل من الأشواك يحمله .. نجعل من التهديد فُرصاً كما علمتنا السيدة الحوراء (زينب) التي تحرّت الجمال في الكوارث والجائحات والفواجع كما فعل جبران الذي لم تُعمِه الاشواك عن الورود.
 
وهذه كلمة أزْمَة/شدة/ضائِقَة/عجز/مأزق/محنة/ورطة تُكتب بالصينية من مقطعين احدهما يمثل “الخطر” والآخر يمثل “الفرصة” كما تنبه لذلك الرئيس الأميركي John F.Kennedy .. كذلك فعل Albert Einstein الذي بشّر بولادة اليسر من رحم العسر، وهكذا ميَّز Sir Winston Churchill بين المتشائم والمتفائل .. ولم تُقعِد خطورة العواصف الصيادين على الشاطئ ولم تمنعهم من العمل في البحار كما أشار لذلك Vincent VanGogh ..
 
 
وهذا ايليا أبو ماضي يدعونا للتفاؤل والابتسام:
قالَ السَماءُ كَئيبَةٌ وَتَجَهَّما//
قُلتُ اِبتَسِم يَكفي التَجَهّمُ في السَما//
 
 
وهذه دمشقُ الشام، أولى عواصم الدنيا، اسمها “دمشقُ” والفِعل “دَمْشَقَ” حيث كان اهلُها يدمشقون (يرفعون بسرعة) أسوارها لصدّ الغزاة ومنعهم من دخول المدينة .. دمشق هي العصيّة تحرسها البوّابات السبع، وقاسيون وأهلها رجال الله في الميدان .. عمرهابضعةَ ألاف من السنين وما زالت فتيّةً لأنها تتنفس من خمائل الغوطة، ومن بردى، ومن الياسَمين، “ومن بِركِ الماء قلائدِ البيوت العتيقة”، ومن ميسلونَ ذاكرةِ سورية الحديثة، ومن الجامع الأمويّ، ومن صوت يوحنّا الصارخِ في البريّة، ومن بولس الخارج من كفن اليهوديّة إلى الخلاص تحت سقفها الأزرق .. 

هي عاصمة الأمويين. من رَحمها خرجت الأندلس لتباهيَ الإفرنج بدرّتيها: أشبيلية وغرناطة، وكم من حضارات انتحرت شنقاً على ابوابها كما قال مظفّر النواب .. وفي تاريخها، لم تُسقِط دمشق مجرد طائرات او صواريخ المعتدين .. أسقطت سوريا ثقافة “النعجة” عربيا وثقافة “الرامبو” اسرائيليا! سوريا: أنا أقاوم، اذن أنا موجودة! إنها سوريا المقاومة .. سوريا العربية العلمانية الموحدة .. مثوى ألف نبي .. فكرة خمسة عشر الها خرافيا .. أم لستة من أباطرة روما .. لؤلؤة العرب و جوهرتهم!

 

سوريا .. صاحبة عبقرية الأزل محكومة بالمقاومة والممانعة منذ الأزل .. قاومت الإغريق و الرومان و المماليك و العثمانيين و ما زالت تقاوم قوى الشر الصهيوأوروبيكية .. حرر صلاح الدين القدس و طاب موتا في دمشق .. وكان العرب قد حاربوا الصليبيين لأكثر من 100 عام حتى أخرجوهم من القدس وكل بلاد العرب حيث قاد صلاح الدين الأيوبي معركة حطين عام 1187 وكسر شوكة الصليبيين .. ولن يختلف مصير “إسرائيل” عن مصير الحملات الصليبية ..

 

دمر هولاكو بغداد و أسلم في دمشق .. قدم لها الحسين بن علي و يوحنا المعمدان و جعفر البرمكي رؤوسهم طلبا لرضاها .. و ما بين قبر زينب وقبر يزيد خمس فراسخ .. انها دمشق، لا تعبأ بكارهيها .. وتتفرغ للغرباء الذين ظنوا أنفسهم أسيادها ليستفيقوا عالقين تحت أظافرها!

سوريا هذه تجسد قصة الحب الأزلي بين الله والانسان في كنيسة “حنانيا” و شقيقتها الكبرى “المريمية” .. كما في “المسجد الأموي” و ماء “بردى” و ضريح “محي الدين ابن عربي” في سفح قاسيون .. و كان “ابن عربي” قد أوصى بدفنه في دمشق ليتمكن من رؤية الله بالعين المجردة ..

 
وهنا لا بد من التذكير بمكانة سوريا على الاصعدة القومية والتاريخية والجغرافية والاستراتيجية الامر الذي دفع بوزير الخارجية الأميركية الأسبق جون فوستر دالاس – مهندس السياسة الأميركية في الخمسينيات من القرن الماضي – ليعبّر  عن أهمية سوريا بقوله: “سوريا موقع حاكم في الشرق، إنها أكبر حاملة طائرات ثابتة على الأرض. إنها نقطة التوازن تماماً في الاستراتيجية العالمية، هذا الموقع لا يجازف به أحد، ولا يلعب به طرف، من امتلكها امتلك مفاتيح الشرق، وسيطر على البعض الذي يصل المشرق بأوروبا”.
 
كما سبق لبطرس الأكبر، قيصر روسيا في القرن السابع عشر، أن أشار في وصية شفهية له الى أهمية سوريا بالنسبة لروسيا لتؤكد ذلك، في القرن الثامن عشر، الامبراطورة كاترين الثانية بوصفها سوريا “مفتاح البيت الروسي”.
 
وهكذا كانت سوريا دائماً محط استقطاب وبالتالي مواجهة مع قوى الاستعمار والامبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة التي دبّرت أول انقلاب عسكري في سوريا عام 1949، بقيادة حسني الزعيم الذي مرّر، أثناء حكمه الذي دام لبضعة أشهر، عدة مشاريع للغرب كخطوط أنابيب التابلاين، مثلاً.
اما في بلاد العرب (اوطاني)، ومنذ عام  1893  ف 1897 الى 1907 ف 1948 وحتى يومنا هذا، وساعة السابع من اكتوبر (بدء طوفان الأقصى)، تؤكد ألّا خيار إلّا المقاومة في مواجهة آلة القتل الجاثمة علينا. دقّت ساعة السابع من أكتوبر/تشرين الاول 2023 استمراراً تراكمياً لانتصار تموز 2006 حيث تختزل “غزة” اللحظة الضرورية وتعيد تأهيل التاريخ ليكون تاريخ الانسانية .. نعم، من معركة الكرامة في آذار 1968 الى معركة الغوطة في آذار 2018، الى الانتصارات الاستراتيجية للجيش العربي السوري في الجنوب مرورا بالانتفاضة الفلسطينية الاولى عام 1987 (انتفاضة الحجارة)، فتحرير لبنان من الاحتلال الاسرائيلي عام 2000، فالانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2001، وتحرير غزة عام 2005، ثم حرب تموز عام 2006 الى”حسان” بصحبة “ذو الفقار”، و“سيف القدس المسلول”، و”ثأر الاحرار”، و”كتائب أحرار الجليل” و”كتيبة الرضوان”، و“قسماً قادرون وسنعبر”، و”جنينغراد” ف”جنيبلسغراد”، وفلسطين بحطّينها وعين جَالُوت، ووحدة الساحات، ووحدة الجبهات بعريسها بطل معبر الكرامة ماهر الجازي ومحمد الحنيطي من قبل .. نعم،  بعصا السنوار ورصاصات ماهر وعامر وحسام، اليوم التالي لكم اهل الميدان – مقاومين، حسينيين، مستمرين! ا — ”يميناً، بعد هذا اليوم لن نبكي”، وباسم الله نقرأ “الصف – 13″، وَالبشارة للْمُؤْمِنِينَ: “نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ” ..
 
 
والله لا يخلع سوريا أبدآ، وقد أودعها الشمس والأبدية .. عاشر الله الشام وعرفها و خبرها، ولذا فالله لا يخلع الشام أبداً .. وبشهادة ايليا أ بو ماضي “الله غناها فجن لها الورى” .. محكومة بالمقاومة، وما زالت تقاوم قوى الشر الصهيوأوروبيكية، وكان ديفيد شيلد – نائب مدير الاستخبارات في البنتاغون – قد أحصى وجود أكثر من 1200 فصيل مسلح من مختلف الولاءات  والأهواء على الارض السورية!.. و لعل هذا ما يمثل جوهر وجودها التاريخي و علة كونها الاستراتيجي، وبهذا يشهد احمد شوقي:
لولا دمشق لما كانت طليطلة// .. ولا زهت ببني العباس بغدان//
يا فتية الشام شكرا لا انقضاء له// .. لو أن إحسانكم يجزيه شكران//

وستطل شمس غرناطةَ علينا// ..  بعد يأس وتزغرد ميسلون//، كما بشّرنا نزار قباني مضيفاً:

نحنُ عكا ونحنُ كرمل حيفا// ..  وجبال الجليل واللطرونُ//                      

كل ليمونة ستنجب طفلاً// ..  ومحالٌ أن ينتهي الليمونُ//

 

فاخلع نعليك وكل لبوس القدم وانزع عقالك وكل غطاء الرأس – انها بلاد الشام!

تحيا سوريا، لتحيا فلسطين والأمة .. انها سوريا العلمانية القومية الموحدة والجولان في وسطها – لا على حدودها – وحبل السرة يضمها جميعا بما في ذلك الرقة ودير الزور والحسكة والاسكندرون بعد عودته .. وها هي الشمس تشرق لتستمتع برؤية سوريا تحنو علی فلسطين محررة والهلال الخصيب موحدا!

 

سوريا “اليوم” أقوى، وفلسطين اليوم اقرب .. وها هي فلسطين تهز العالمين بطوفان الأقصى وسيف القدس !

اما انت، يا ديانا، يا رفيقة الفلاح والغلبة وصاحبة الأمل والتفاؤل والحماس، فقد:

سَقاكَ الغَيثُ إِنَّكَ كُنتَ غَيثاً//
وَيُسراً حينَ يُلتَمَسُ اليَسارُ//
الدائم هو الله، ودائمة هي سوريا، ودائم هو الأردن العربي، ودائمة هي فلسطين ..
نصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون ..
 
الياس فاخوري
كاتب عربي أردني

 

 

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

سبعة عشر − خمسة عشر =