على ضفاف نهر الأردن …حزن على حزن / اسعد العزوني

 

 

أسعد العزوني ( الأردن ) الخميس 19/2/2015 م

 

رائعة  السيدة  فيروز ، ملكة الذوق والفن والجمال ، وكل أحرفها روائع، تضمنت كلمات ذات مغزى  عن نهر الأردن جاء فيها :وستغسل يا نهر الأردن وجهي بمياه قدسية .. وستمحو يا نهر الأردن آثار القدم الهمجية.

معروف أن نهر الأردن  لا يندرج ضمن الحواجز الحدودية ، ويجب ألا ينظر إليه كذلك ، حتى لا نخلط المقدس  بالنجس، وهو نهر جامع  ومقدس ، يستمد قدسيته من القدس التي شهدت الإسراء والمعراج كون الأقصى هو أقرب نقطةتربط السماء بالأرض ، وكذلك إستمد قدسيته من قربه من المغطس ، حيث قام يوحنا المعمدان بتعميد السيد المسيح عليه وعلى أمه الطاهرة البتول مريم العذراء أفضل الصلاة والسلام.

ولقداسة  نهر الأردن ،فإن ملهمتنا فيروز غنت حتى للجسر الخشبي  الذي يسبح ثابتا فوقه ويصل الضفتين الفلسطينية بالأردنية، وصلا وتواصلا ومحبة ،وقالت صادحة :يا جسرا خشبيا يسبح فوق النهر.. ضحك الفجر وحيا ، وصحت قمم الزهر ..لونك فرح.

هذا هو نهر الأردن المقدس -الذي شهد معركة اليرموك ،وهو الآن حزين جدا لأه لم يشهد منذ مدة  مواجهات بين الحق  والباطل – باعث الخير والأمل في النفوس ، وصاحب المكرمات  بإستمرار جريان وتدفق مائه المقدس ، قبل أن تنعق الغربان في منطقتنا ،علما أن هذهالمنطقة شهدت  غزوات  همجية  كثيرة ، كان هدفها التواجد على شواطيء البحر الأبيض المتوسط، لكن غربان هذه المرحلة وهم يهود بحر الخزر ، الذين تحالفوا مع النازي هتلر، الذي  منحهم  هوالآخر فلسطين وطنا قوميا   بعد بلفور، لكنهم لا يذكرون ذلك ، لأنهم يريدونه أن يبقى  البقرة الحلوب بالنسبة إليهم.

هؤلاء الغربان الذين أسهمنا بتوفير الأمن والأمان لهم  بفرقتنا وتقصيرنا ، ومنحناهم فرصة السيطرة والهيمنة على المنطقة الممتدة من شاطيء البحر المتوسط  الشرقي إلى الشاطيء الغربي لبحر قزوين، قلبوا كل المفاهيم وغيروا  كل مقومات المنطقة ، وفي مقدمتها  واقع نهر الأردن.

هذا النهر الذي كان جامحا في الأزمنة الغابرة ، تحول هذه الأيام إلى قناة  خجولة ملوثة ، لأن  هؤلاء الغربان قاموا  بتجفيفه من خلال سرقة مياههم عبر ناقل إلى صحراء النقب ، وهذا يقودنا إلى  القول أن العملية الأولى لحركة فتح الفدائية الفلسطينية ، التي مثلت إنطلاقة الحركة في الفاتح من كانون ثاني 1965 ، كانت دفاعا عن مصالح الأردن  ،حيث  إستهدفت نفق عيلبون ،ذلك الناقل لمياه نهر الأردن إلى صحراء النقب.

على ضفاف نهر الأردن ، وعلى بعد لا يتجاوز بضع سنتيمترات فقط ، وقفت  بالأمس على شاطيء النهر الخجول ، الذي بعث هذا الشتاء فيه الروح إلى حد ما ،  وقد ساقتني الأقدار إلى هناك  ، كي يعانق حزني حزنه ، ونتبادل الهموم ، ويشكو كل منا  للآخر ، من سوء الحال الذي وصلنا إليه ، ويقيني أننا فهمنا بعضنا ،  رغم الصمت الظاهري ، الذي كان يغلف ويعزل  النحيب الداخلي الذي لو إستمع إليه قبيل الجن والإنس ،  لقرر الجمع الإنتحار قهرا وكمدا.

في الجهة القريبة –الملاصقة – المقابلة ، كان العلم الإسرائيلي باللونين الأبيض والأزرق ، يرفرف شامخا على  مبنى “قصر اليهود “، محميا  ومشفوعا له  بعجزنا وتقصيرنا  وسوء أفعالنا .

سرحت بعيدا  وتفتحت ذاكرتي عن كل المآسي  إلى عمق التاريخ ، حيث السيد المسيح وزهرة المدائن جارة نهر الأردن ، مرورا بتأسيس “مستعمرة ” إسرائيل ، وتهجير العرب اليهود على وجه الخصوص من بلدانهم الأصلية ، إلىفلسطين  ، ومسرحية  حزيران عام 1967 وكيفية  سقوط الضفة الفلسطينية ، ووصول إسرائيل علانية ورسميا إلى شواطيء نهر الأردن . إنتهى بي المطاف إلى  داعش – الخوارج الجدد- المستأجرين  من قبل  الصهيونية ومن لف لفيفها  ، رغم  تحشيد أمريكا لتحالف ضم 60 دولة ، بهدف تنشيط أسواق الغرب وإنحسار  دائرة البطالة هناك ، وقتل  الشباب العربي والمسلم  ،وتدمير مقدراتنا ليرسو عليهم عطاء إعادة الإعمار ، فيما نحن  رضينا بنصيب المفجوع  بنفسه .

وتجلى  عسر الفهم في  أننا صادقنا إسرائيل وتحالفنا معها  ،وبتنا نتسابق على من يكسب ودها  وينسق معها أمنيا  ويطبع معها  إقتصاديا ، ويا لفرحة  العواصم التي يزورها  الصهاينة بدون تأشيرات ، بينما يحرم  علينا زيارة  بعضنا البعض   بدون تأشيرة  تمنح للنخبة فقط ، ومن يحصل عليها ويسافر يكون تحت التغطية الأمنية ، خشية ان يكون جاسوسا لبلده ، أما الإسرائيلي فمعزز مكرم.

عند المساء غادرت نهر الأردن ، ولكن حزني ما يزال يعانق حزنه ، وكنت أردد  رائعة السيدة فيروز: وستغسل يا نهر الأردن وجهي بمياه قدسية …وستمحو يا نهر الأردن آثار القدم الهمجية.

 

 

 

قد يعجبك ايضا