كم كنت ساذجا و ( على البركة )! / سماك العبوشي

سماك العبوشي ( العراق ) – الأربعاء 6/11/2024 م …

حاولت طويلا أن أخادع نفسي، وأن أمنّيها، بمشهد وردي حتمي قادم لأمتنا العربية، وبإمكانية عودتها الى سابق (مجدها التليد)، والذي لطالما صدحت حناجرنا بترديد الأناشيد الوطنية الحماسية التي تشيد وتتغنى بذلك المجد وبحلمه الوردي الجميل، سواء تلك الأناشيد التي تعلمناها وحفظناها عن ظهر قلب في مدارسنا ونحن أطفال صغار، أو تلك التي سمعناها عبر محطاتنا الاذاعية في مرحلة الصبا والشباب وانتعاش فكرة إحياء القومية العربية، فاهتززنا لها عنفوانا وأملا ويقينا بأن زمان تردي أوضاعنا وخيبة أملنا تلك لن تطول أبدا، وأن عودة ألق المستقبل المزهر المشرق لمشهدنا وواقعنا العربي قادم لا محالة بإذن الله تعالى!!.




وتوالت النكبات والنكسات العربية، وكانت احدى أهم محطات الإحباط والتردي العربي قد تمثلت بخروج مصر من الاجماع العربي إثر توقيع (السادات) لاتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الغاصب عام 1979، ليعود الإحباط وترتفع مؤشراته مجددا من عدم إمكانية عودة (مجدنا التليد) لما تمثله مصر من قوة عربية كبيرة كانت لها جولات قتال وتصد للكيان الغاصب فتم تحييدها وتكبيلها ببنود علنية وأخرى سرية فخرجت بذلك عن نهج معاداة هذا الكيان الطارئ الدخيل!!.

وظننت أن الشأن العربي بعد كامب ديفيد وما تلاها من توقيع اتفاقية أوسلو مازال بخير، وأنه لن يستمر على انحداره وترديه أكثر مما حدث، وأنه لابد وأن يتم تصحيحه على يد الغيارى من أبناء شعبنا العربي، أو على الأقل يتم تحصين ما تبقى من أنظمة عربية ومنعها من الانزلاق والانجرار خلف أوهام مصر، فإذا بالطوق العازل للكيان الغاصب بدأ بالتآكل والانفراط والتضعضع يوما بعد يوم لنرى تطبيعا معه من بعض أقطار عربية، وترحيبا به ( سرا وعلنا) هنا وهناك!!

وجاءت الضربة القاصمة لأوهامي وتطلعاتي تلك بغد مشرق، إثر مواقف العهر والانحطاط لبعض أنظمتنا العربية، والتي جاءت كتداعيات لأحداث طوفان الأقصى المباركة، فرأينا ولمسنا هول وحجم تخاذل هذه الأنظمة العربية وعزوفها عن الوقوف لجانب أبناء غزة العزة والصمود رغم جرائم الإبادة الجماعية التي وقعت بحقهم، فأدركت حقيقة حجم الأمل المزيف والكبير الذي عشته منذ اتفاقية كامب ديفيد حتى ما بعد السابع من أكتوبر 2023 بفترة وجيزة لم تتعد أشهرا معدودة!!

لقد جاءت أحداث السابع من أكتوبر 2023 لترفع عن عينيّ (وعيني غيري ولاشك) ذاك الغطاء الذي أبعد عيوننا عن رؤية الحقيقة المرة، حقيقة شأننا العربي المتردي، فأدركت حينذاك حجم الوهم الذي تلبسني ردحا طويلا، كما وأيقنت للأسف الشديد بصعوبة ارتقاء شأننا العربي مرة أخرى في ظل ما نحن مبتلون به فعلا، هذا ما لم يتدخل رب العزة والجلال بمشيئته وإرادته وحكمته بتصحيح اعوجاج أوضاعنا العربية وترديها!!

إن ما نحن فيه اليوم من حالة الوهن والضعف والتشتت، لم يكن إلا وليد السادس عشر من مايو/ أيار 1916، حيث تم التصديق على أكثر الاتفاقات التي قلبت العالم العربي ولا تزال الشعوب العربية تجني ثمارها المرّة، وأعني بذلك اتفاقية “سايكس بيكو” سيئة الصيت التي قسمت العالم العربي إلى أقطار متنافرة متنازعة، يتقاسم أنظمتها ضيق الأفق السياسي وشهوات الحكم والسلطة، وكلنا يعلم حكاية سايكس بيكو، وكيف ورثت قوى الاستكبار العالمي آنذاك والمتمثلة بـ (بريطانيا وفرنسا) الإرث العربي للدولة العثمانية، بعدما جلس الدبلوماسي البريطاني السير مارك سايكس والدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو ووضعا خارطة الوطن العربي على الطاولة، وبدأ الطرفان بتقسيم الكعكة بينهما وهما يرتشفان أقداح الشمبانيا ابتهاجا وفرحا بغنيمة بلديهما وحصصهما بمباركة روسيا القيصرية!!

ويدور في ذهني الآن هذا التساؤل:

أيعقل أن قوى الاستكبار العالمي آنذاك قد اكتفت بتقسيم الكعكة بينهما دون أن تفطن لاتخاذ احتياطات مستقبلية لاحتمال استفاقة شعبنا العربي لواقعهم المؤلم فيعملون حثيثا على تغييره من خلال توحيد جهودهم وكلمتهم!!.

والجواب المنطقي والعقلاني يقول لا، والف لا!!

لقد فطنت قوى الاستكبار العالمي لهذا الاحتمال فقامت بتنصيب أنظمة وحكومات مرتبطة بها مرتهنة لها ولسياساتها وإملاءاتها، هذا كما وعملت جاهدة على إبقاء حالة التشرذم والانقسام بالصف العربي عقودا طويلة، كما وقامت بزراعة كيان غاصب بين أحضان أمتنا العربية لتكون أسفينا معرقلا معطلا لأي جهد للانعتاق من طوق تلك القوى المهيمنة، ولتكون عامل تعويق معطل لطاقاتنا وجهودنا، فسيطرت بذلك على مقدراتنا وأمسكت بزمام أمورنا، فعانينا ما عانيناه جراء تنصيبهم أنظمة حكم عربية جبرية وصل الحال بها الآن لمرحلة قبول الكيان الغاصب والتطبيع معه، بل ومحاربة أبناء جلدتهم في فلسطين وإجهاض مقاومتهم للاحتلال!!

ختام مقالي ومربط فرسه:

جملة من الحقائق والمعطيات أفرزتها عملية طوفان الأقصى لعل أهمها:

أن التاريخ سيسجل بفخر واعتزاز عملية طوفان الأقصى كأكبر عملية فلسطينية (بعد نكبة 1948) قد ألحقت هزيمة استراتيجية بالكيان على مدى عقود، واستمرار شعبنا الفلسطيني المرابط على أرضه بالصمود طيلة عام ونيف برغم حجم الجرائم التي نالته، إذا ما قارناها بمعارك جرت بين أنظمة العرب والكيان الغاصب واستمرت لأيام معدودة وانتهت لصالح العدو!!

إن عملية طوفان الأقصى – على قلة مواردها وإمكاناتها – قد حطمت الغرور والكبرياء الصهيوني الفارغ بقوته العسكرية وبمخابراته وأجهزته التجسسية!!.

لقد حملت عملية طوفان الأقصى رسالة للأنظمة العربية بضرورة وحتمية تجاوز الخلافات والفرقة وتوحيد الصف لتجاوز مخاطر مخططات العدو الإسرائيلي التي اتضحت أبعادها من خلال الإصرار الإسرائيلي على مواصلة وتوسيع مديات الحرب خارج أرض فلسطين التاريخية!!.

كما وأن عملية طوفان الأقصى جاءت لتحمل رسالة واضحة للمطبعين العرب تحديدا، وللذين يفكرون بالتطبيع مستقبلا، ظنا منهم أنهم بتطبيعهم ذاك سيكونون بمأمن من أطماعها وغدرها، واضعين نصب أعينهم سعي الكيان الغاصب لتحقيق وتنفيذ خرطة “إسرائيل الكبرى”!!  

أن العدو الإسرائيلي لا يحقق انتصاراته إلا بسبب ضعف وهوان وخذلان الأنظمة العربية، وأن مصيرنا العربي قاتم وأسود، في ظل هذا التناحر والتنافر وقلة وعي أنظمتنا العربية بحجم ما يخطط له في مطابخ قوى الاستكبار العالمي!!

اليوم تذبح غزة، وغدا لبنان، وبعدها سوريا والأردن والعراق وبلاد الحرمين الشريفين ومصر، إلى آخر قائمة خارطة “إسرائيل الكبرى”، وصولا حيث تطأ القدم الصهيونية، ولن يشفع لأنظمة عربية قامت بالتطبيع أو بمهادنة الاحتلال والسكوت عن جرائمها من هذا المخطط الشيطاني الخطير مستقبلا !!

فهل أنتم مدركون لهذا المآل والمصير المشؤوم!؟

اللهم إني قد بلغت … اللهم فاشهد.

 

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

3 + أربعة =