يا أجمل الشهداء يا شقيق أمّي / باسل عبد العال




باسل عبد العال ( فلسطين ) – الأربعاء 16/10/2024 م …

إلى الروائي الشهيد نضال عبد العال:

كيف أكتبُ عنك؟ يا حبيبي الشهيد، أهربُ من صورتكَ، أهربُ من ظلّك في مخيّلتي، وألجأ إليك، وأنا الذي اعتدتُ أن ألجأ إليك، فأنت الشيء الوحيد الذي يجعلُني أحبُّ الموت، وأرى في الموت عناقاً آخر للحياة، يا حبيبي الشهيد، قم، والآن، قم، والآن.
في هذه اللحظة، لحظة الظهيرة وأنا أكتبُ، أشمُّ رائحة الحرب، حولنا، كلُّ ما يحدث، وما حدث الآن، في هذه اللحظة الزلزال، كسرَ قلبي عليك، وانكسرت ضلوعي، ولكن لم تنكسر رؤياي، لأنّكَ كتبت لي قبل الاستهداف الأخير على صفحة الرواية:» هذه رؤيتنا المشتركة»، وقبل الإستهداف الأخير، دار حواري الطويل معك حول: «ربط المتخيّل بالواقعي في سرد الرواية»، وأتذكرُ حين ختمت بقولك: « أنا أعتبر المخيم بالمفهوم الكبير هو معنى العودة إلى فلسطين، وأنا لا أعتبر المخيم هو الأزقة الضيقة فقط، بل المخيم هو معناهُ الكبير»، وتسحبني الذاكرة إلى أماكن كثيرة في رؤاك التي لا تعرف حدوداً، فلسفتكَ، فكرتكَ النبيلة، السلاسة والبساطة فيك، حنينُك الواسع، وهجك الشاسع كبساتين الجوري، وهي تطلُّ على شرفة البيت، بيتك، ما أجملك.
يا حبيبي الشهيد، يا شقيق أمّي، وملهمي في إنتاج الجمالِ السحريّ من تفاهة المزاج البشع ساعة الغضب المربك، الخارج من فكرة الموت إلى فكرة الفردوس الذي وعدنا الله بها، سبقتنا إلى هناك، إلى الضوء، حيث لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، لكنّني سأتبعُ خطّك في الرواية التي امتلأت بك، بكَ وحدكَ، أنت وحدكَ، جهاتكَ واسمكَ الذي يشبهكَ، وصفاتك التي تتبعكَ، لون عينيكَ البريء، ضحكتكَ الخارجة من نار الواقع إلى سحريّة الحنين الدافئ، وأنت وحدك مَن استطاع أن يخترقنا جميعاً، ما أجملك في صناعة الحبّ الجماعي، وأنت وحدك مَن هزّ الناس، وأعاد تعديل التفاصيل السيئة بي إلى مسراها الصحيح، عرفتُ بعد الاستهداف الأخير، استهدافك، عرفتُ معناك الكبير، عرفتُ كيف أرتّبُ ذاتي كي أشبهك، ما أجملك.
ما زال الحوار الذي بيننا لم ينته، ليس لأنّك الغائب عنهُ دوماً، بل لأنّك تخشى دعوتي عندك لنكمل التفاصيل، وكم كنت تخافُ عليَّ أكثر ممّا تخافُ على نفسك، أعرف دون أن تقولَ لي شيئاً عن الحوار، بأنّك تخشى عليَّ أكثر منّي، تخشى من قذيفةٍ طائشة قد تقطعُ صمت الحوار بموتٍ طارئ على شريط الكلام، قذيفةٍ طائشةٍ تقطعُ صمت الحوار عن آخر الروايات، كنت تفضّل أن تحمي الرواية، وتبقى وحدك، لأنّك تؤمنُ بالفكرة النبيلة، تحمي الرواية التي تعتبرها نحن، وبعد استشهادك سوف يبقى الحوار الذي بيننا، سوف يبقى هذه المرة بيني وبيني، ولا ينتهي بيني وبيني، حواري معك، سيبقى في القصيدة التي سوف تستعيدُك حاضراً فيها، يا ملهمي العفوي، أيّها الشهيد الحي، يا حبيبي الشهيد، لن أنساك ما دمتُ حيّا.
بيروت ثكلى هذا الصباح، الغارات لا تتوقف، والأسئلة هي الأسئلة عن الحرب والانتصار والمرحلة، لكنّ اللعنة على المسيّرات التي تسفك الدماء وتجعلُ الأمام إلى الوراء، لعلّك تسألني الآن: هل قرأت الرواية؟ نعم، وأعجبتني، لأنّ الدم والحبر فيها توأمان، نعم، أعجبتني الرواية، لأنّك صرخت فيها الصراخ الطويل في زواريب المخيم على الشارع العام: « يا عصام هل ما زلت تنتظر؟» نعم، أعجبتني الرواية، حتّى أصبتُ بالزلزال حين قتلوك على مرمى من العالم وبيروت والشرفة التي تطلُّ على الجسر المقطوع من الكولا إلى الضاحية الجنوبية، هناك على الطابق الخامس حيث ترجمة الرواية من الفكرة إلى العبرة، ومن الكتابة على الورق في بيتك في المخيم إلى ممارسة الفعل النضاليّ المقاوم، والقول بالفعل، والصدق المقدّس في زمن الكذب الشاذ والشعارات السراب، حتى أمست الكلمة في «مسلّة أديم» كالرصاصة في قلب القاتل، في الضفة وغزة وجنين، والبطل الأسطوري الذي يصل، ووصلت بكامل فكرك الواقعي، لأنّ فكرتك النبيلة، كانت الهدف الأسمى في حياتك، فأعطيتها دمك لتسقي ورد الجليل الذابل منذ غابت العذراء، استشهدت من أجل ورد الجليل، وستنا السدرة في الغابسية، وأكملت دربك المحفوف بالمخاطر كي تراها، حتى استشهدت واقفاً وبقيتَ واقفاً هكذا للأبد، كي تراها.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

تسعة عشر − عشرة =