اليوم التالي لكم اهل الميدان – مقاومين، حسينيين، مستمرين! / الياس فاخوري




الياس فاخوري ( الأردن ) – الثلاثاء 1/10/2024 م …
جاء بيان “السبت Sept 28 – بيان الارتقاء والصعود”، فحضرني قول الفيلسوف ثيودور أدورنو: “بعد أوشفيتز/أوشفيتس، كتابة الشعر عمل بربري” .. لكن “مؤتة الجنوب” (جنوب الاردن هذه المرة) عاتبتني، فتذكرت قول الشاعر الفرنسي إيف بونفوا: “بعد أوشفيتز/أوشفيتس، كان على الشعر أن يكون أكثر ضرورة من السابق، أن يكون شرطاً لا غنى عنه”!
 
من زيد الى جعفر الى عبد الله ف، و … حتى آلت الراية لخالد بن الوليد، وكان سيفاً من سيوف الله!
 
ففي مؤتة التقى الفريقان، وبدأ القتال المرير، ثلاثة آلاف من العرب والمسلمين يواجهون هجمات مائتي ألف مقاتل من الرومان. “أخذ الراية زيد بن حارثة وجعل يقاتل بضراوة بالغة، فلم يزل يقاتل حتى شاط في رماح القوم، وخر صريعاً. وحينئذ أخذ الراية جعفر بن أبي طالب، وطفق يقاتل قتالاً منقطع النظير، حتى إذا أرهقه القتال اقتحم عن فرسه الشقراء فعقرها، ثم قاتل حتى قطعت يمينه، فأخذ الراية بشماله، ولم يزل بها حتى قطعت شماله، فاحتضنها بعضديه، فلم يزل رافعاً إياها حتى قتل. يقال إن رومياً ضربه ضربةً قطعته نصفين، وأثابه الله بجناحيه جناحين في الجنة يطير بهما حيث يشاء، ولذلك سمي بجعفر الطيار، وبجعفر ذي الجناحين” .. “ووجدنا ما في جسده بضعاً وتسعين من طعنة ورمية وضربة، ليس منها شيء في دبره، يعني ظهره” .. “ولما قتل جعفر بعد أن قاتل بمثل هذه الضراوة والبسالة، أخذ الراية عبد الله بن رواحة، وتقدم بها وهو على فرسه، فقاتل حتى قُتل طالباً من نفسه الأقبال على الجنة .. واستمر القتال حتى آلت الراية لخالد بن الوليد، وكان سيفاً من سيوف الله، وكانت هذه المعركة بداية اللقاء الدامي مع الرومان تمهيداً للفتوح المعروفة!
 
 
وهنا لا بد من العودة ل “أبو القاسم محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي” كما جاء في كتابات ديانا فاخوري غير مرة:
 
نعم، لكف الأردني العربي، عهد الله بقيادة فرسانه .. نعم، جعل الله إمرة فرسانه بيد القيادة العربية الاردنية .. وفي البدء، اردنيا عربيا كان العشق الهاشمي للثقافة والشعر بشهادة محمد ابن الحنفية (أبو القاسم محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي)، الاخ غير الشقيق للإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، وقد وافاه الأخير الى وادي العيص حيث كان يسكن في جنوب الأردن .. كان الحسين في طريقه إلى كربلاء وحاول اخوه محمد ان يثنيه عن ذلك فقال: “يا أخي كف عن ذهابك إلى مذبحك، ( … )، وابق معي هنا يؤنس أهل الاردن وحشتك ويهبّون لحماية عرضك ويقفون في صفك”، وأضاف ببصيرة مرتقب، مستسلم لعزيمة الحسين تملأه الثقة بانتصار الدم على السيف: “يا ابن الزهراء، إذ أنت لا بد ذاهبٌ لتحقيق مرادك، فأترك العترة معي، فهؤلاء أهل الأردن، إن بايعوك ما نكثوا وإن عاهدوك ما خذلوا” .. وختم ببيت الشعر التالي:
“إذا قيل خيل الله يوماً ألا اركبي// 
وددت بكفِ الأردني انسيابها”!
يُنسب هذا البيت أيضاً لكثير عزة وان تغير بعض عجزه في قصيدته “خليليّ إنْ أمُّ الحكيم تحمَّلتْ “:
“إذا قيل خيل الله يوماً ألا اركبي// 
رضيت بكفِ الأردني انسحالها”!
 
ومن هذه البيئة العربية الاردنية، انطلق البطل الشهيد ماهر الجازي ..
 
من معارك القدس وباب الواد واللطرون الى معبر الكرامة مروراً بمعركة الكرامة خرج عريس اتحاد الساحات، ووحدة الجبهات ماهر الجازي ليرتقي شهيداً ويصافح جده الشيخ المجاهد هارون سحيمان الجازي، رفيق الشهيد عبدالقادر الحسيني، وجده البطل الفريق الركن مشهور حديثة الجازي، الذي هزم الجيش الإسرائيلي واذلّه في معركة الكرامة!
 
وهذا البطل الأردني الرئيس (النقيب) محمد الحنيطي (خريج مدرسة السلط الثانوية فالجيش العربي الأردني) يتحدى قائد الجيش، حينها، كلوب باشا:
 
[يا “محمد بيك” أنت أردني مالك والفلسطينيين؟]
فرد الشهيد البطل بكل ثقة:
[يا باشا أنتم من رسمتم حدود هذه البلاد، قبلكم ما كانت فلسطين ولا الأردن ولا لبنان ولا سوريا. قبلكم كنا نشتري من أسواق دمشق ونشتي على ساحل المتوسط… يا باشا دفاعي عن “حيفا” هو دفاعي عن قريتي “أبوعلندا” وعن السلط وعمان والكرك واربد. خذ رتبك (والقى بالنجوم والاوسمة عن كتفه وصدره بوجه الباشا الانجليزي)، فرتب الثوار أعلى وأشرف] .. ولكم هاجم العصابات الصهيونية ليرتقى شهيداً يوم 17.4.1948 اثناء عودته من بيروت باتجاه حيفا مروراً بصيدها وعكا وكان قد عاد بسيارتي شحن من السلاح والذخائر والألغام والمتفجرات ..
 
 
مقاومون، مستمرون، حسينيون يؤمنون ان الجنة اقرب من الذلة والاستسلام!
 
” الا وإنّ الدعي بن الدعي ـ قدْ ركز بين اثنتين، بين السلة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحُجور طابت وحجور طهرت، وأُنوف حمية، ونفوس أبية، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإنّي زاحف بهذه الأسرة على قلّة العدد وخذلان الناصر”!
 
جعلوا المقاومة عملاً علميّاً وفعلاً هادفاً، لا عملاً انفعالياً عاطفيّاً .. يأبى الله لنا الذلة، وكذلك تفعل الانوف الحمية والنفوس الابية!
 
وقبل، وبعد، هل فشلت الدعوة بموت صاحبها صلى الله عليه وسلم!؟
 الم ينهض ابو بكر قائلاً: ان كنتم تعبدون محمد فان محمدا قد مات وان كنتم تعبدون الله فان الله حي لا يموت!
 
 
اما الهجوم السِيبراني على لبنان فقد خرج – كالمئات غيره – من كهف “يهوه”، وربما خدمةً لترامب وقد داهمها الوهم!
 
ويقول خبراء في الأمن السيبراني وأمن المعلومات “إن جيش الاحتلال وأجهزة استخباراته بمعونة المخابرات الأميركية ومخابرات غربية وعربية وشركات المعلوماتية الكبرى مثل مايكروسوفت وشركات التواصل الاجتماعي مثل ميتا قد تعاونت خلال عقد كامل لتطوير برامج وتطبيقات تعقّب ومتابعة تحت عنوان مكافحة الإرهاب ووضع حزب الله نموذجاً للعمل وتمّ تجميع كل المعلومات الشخصية والعائلية والعادات الاستهلاكية لقادته وكوادره بالاستفادة من الحياة العلنية التي انخرط فيها العديد من هؤلاء في ظروف عدم الشعور بالخطر وما ينتجه من استرخاء، وكانت الحصيلة الإمساك بمفاتيح تتبع هائلة من حركة الأولاد والأقارب والأصدقاء لكل من القادة والكوادر واتخاذهم دليلاً وطريقاً للوصول إلى سواهم ولا تزال هذه الخريطة الرقميّة تضخ المزيد من المعلومات عبر السيطرة الكلية على استخدام شبكات الإنترنت”.
 
 
كيدوا كيدكم – فما ايامكم الا عدد، وما جمعكم الا بدد .. الم تصلبوا المسيح قبل “الارتقاء والصعود” الاخير وكنتم قد تسببتم “بقتل جَمِيعَ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ وَفِي كُلِّ تُخُومِهَا مِنِ ابْنِ سَنَتَيْنِ فَمَا دُونُ” (إنجيل متى 2: 16)!؟
 
فمن كهف “يهوه” الى كهوف تورا بورا، مازالوا يسعون لتقديمنا قرباناً للغاز والنفط .. وإذا كانت مذبحة “دير ياسين” عام 1948م تمثل عنواناً لنزف الدماء، فقد صارت “غزة” و”الضفة” و”لبنان” اليوم رموزاً لشلالات الدم .. كان موعد فلسطين مع أول مذبحة يوم 6-3- 1937م في سوق حيفا حيث استشهد 18 مدنياً وأصيب 38 على يد عصابة “الإتسل”، وكان موعد لبنان مع أول مذبحة في عام 1948م وهي مجزرة “مسجد صلحا” بالجنوب .. وفي السجل المتخم بالمذابح الصهيونية في فلسطين ولبنان ومصر تطول القائمة التي تحوي حوالي 300 مجزرة بدءاً بالعام 1937م ومروراً بمجازر ومذابح الشيخ، ابو شوشة، الطنطورة، قبية، قلقيليه، كفر قاسم، خان يونس، المسجد الأقصى، المسجد الإبراهيمي، مخيم جنين، قانا الاولى، قانا الثانية، وقرية “مروحين” وصور وبنت جبيل ومارون الراس وصريفا وصبرا وشاتيلا، مذبحة الأسري المصريين في حرب 1967م، ومذبحة مدرسة بحر البقر .. وها هي وتيرة المذابح تتسارع يومياً على أرض فلسطين من جنين وطول كرم، والخليل ونابلس إلى غزة .. هذا ولم تُشر الوقائع والبيانات المسجلة إلى أن مجزرة واحدة قد وقعت بطريق الخطأ، بل تؤكد التدبير لكل منها مع سبق الإصرار والترصد.. وليست هناك مجزرة واحدة وقعت بحق مقاومين أو مقاتلين، بل كانت كلها بحق مدنيين أبرياء وعلى حين غرة منهم؛ في الأسواق، والعيادات، وفي الأحياء والبيوت – وبعضهم نيام..
 
هذا تاريخ اسرائيل والحركة الصهيونية يتماهى مع مسار حرب الإبادة الأخيرة ومع جرائم الإرهاب الجماعي في لبنان .. ومع ذلك، ما زلنا نسمع تنبيهات حول أنّ العدوّ الاسرائيلي تجاوز كل الخطوط الحمر وخرق كل السقوف!  اوليست هذه طبيعة إسرائيل ومَاهِيَّتها منذ ثلاثينيّات القرن الماضي، أي قبل النكبة!؟ اولم يسمَّمَوا آبارَنا في فلسطين!؟ أولم يبتدعوا البراميل المتفجّرة في احتلال يافا وتوسيع تل أبيب!؟ الم يفخّخوا السيارات وعربات الإسعاف والطرود ويفجّروا الفنادق والمنازل قبل النكبة!؟ هل وفّر العدو الاسرائيلي جريمة حرب في خططه الاحتلاليّة!؟ هل احترمت اسرائيل يوماً ميثاقاً أو اتفاقيّةً أو عهداً أو وعداً!؟ هل يفهم هذا العدو غير لغة القوة، وهل يتراجع الا ذليلاً تحت ضربات المقاومة!؟
 
 
امريكا و”اسرائيلها” تُهدي كل طفل لعبةً للموت عنقودية .. و30 كيلوغراماً من المتفجرات لكل مواطن في غزة وعلى ألمدى العربي!
 
نعم خرج المغول من القبور .. وتحولت غزة الى ناجازاكي القرن وهيروشيماه لنستعيد ذاك النوع من البربرية، ونتٓذٓكّر إحراق جثث الهنود الحمر .. كانت – امريكا و”اسرائيلها – وأَضْحَت، وأَصْبَحَت، وأَمْسَت، وبَاتَت، وصَارَت، ومَا زَالَت، وما بَرِحَت، وما انْفَكَّت، وما فَتِئَت، وظلَّت على الأسوار (أسوار غزة، والقدس، وكل فلسطين .. لبنان ومصر وكل العرب) تُهدي كل طفل لعبةً للموت عنقودية .. و30 كيلوغراماً من المتفجرات لكل مواطن! ورغم ذلك، وفي غزة وفلسطين، تتدحرج الرؤوس الاسبارطية – كما تدحرجت في بيروت ولبنان عام 2006 – لتبدو “اسرائيل” محبطة على حافة الهاوية وكانها تقاتل، على نحوٍ دونكيشوتي، طائر العنقاء وتحارب أشباحاً تخرج من باطن الأرض ورمالها المتحركة. نعم، نحن على عتبة السنة الاولى بتوقيت ساعة السابع من أكتوبر/تشرين الاول 2023 وأسطورة المقاومة تتحقق في الميدان على أرض المعركه وأسطورة “إسرائيل” تتحطم وتُستبدل بالتلفيق والتدليس والتزييف والتمويه .. وهنا يبذل “النتن ميلكوفسكي” جل جهدة بابتذال الإيهام ان “الارتقاء والصعود” الاخير، والهجوم السيبراني على لبنان تارة، والدخول الى رفح تارة اخرى، هو الانتصار ليسخر منه وعد الله؛ “فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ” (الروم – 60)! ويعلم الجمع ممن ضم مجلسه ان “اسرائيل” تحت الركام والى زوال كما نقشت ذلك ديانا فاخوري .. فهل دقت ساعة السابع من أكتوبر/تشرين الاول لتعلن “هذه بداية النهاية” كما تنبأ “فرانز فانون” في “معذبو الأرض” .. ولم يكن “فرانز فانون” نبياً للمعذبين فقط، بل كان نبي المناضلين – رجال الله في الميدان وهم من اسقط السقوطُ، وبيروت كما فلسطين بقدسها، بغزتها وعزتها تعلو فكرةً، ويداً .. لبناناً، ويمناً، وشاما ..  ”يميناً، بعد هذا اليوم لن نبكي”، وباسم الله نقرأ “الصف – 13″، وَالبشارة للْمُؤْمِنِينَ: “نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ” ..
 
قتلتهم الروح المقاومة في فلسطين ولبنان واتحاد الساحات وجبهات الاسناد بايمانها وصرختها ان الجنة اقرب الى غزة وكل فلسطين من سيناء ومن الاردن ومن لبنان واي مكان! وهنا لا بد من الاعتراف بقوة عقيدة المقاومة الدينيّة وفعاليتها مقارنةً بالعديد من عقائد المقاومة القوميّة واليسارية، وربما مواكبةً لبعضها وعلى نحوٍ تراكمي قوامه الفداء والاستعداد للبذل والتضحية لنصل الى التغيير الكيفي بانتصار الدم على السيف .. و”إنا فتحنا لك فتحا مبينا” (الفتح – 1) .. “وينصرك الله نصرا عزيزا” (الفتح – 3)!
 
واذ يطالعنا “ماهر الجازي” و”محمد الحنيطي” ووجه “ديانا” والذين “صعدوا” والسماء ببسمة لكأنها بسمة انبياء، نستذكر سميح القاسم:
“هنا سِفرُ تكوينهم ينتهي
هنا .. سفر تكويننا .. في ابتداء!”
 
الدائم هو الله، ودائم هو الأردن العربي، ودائمة هي فلسطين ..
نصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون ..
 
الياس فاخوري
كاتب عربي أردني
 

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

13 + أربعة عشر =