خطاب سياسيّ متعدِّد الوجوه / سعود قبيلات

 

 

سعود قبيلات ( الأردن ) الأربعاء 18/2/2015 م …

 

وجَّه حزب جبهة العمل الإسلاميّ (الذراع السياسيّ لـ«الإخوان المسلمين» – فرع الأردن) رسالة رقيقة تطفح بالمجاملة والتمجيد (لا نريد أنْ نقول أكثر) إلى الملك سلمان بن عبد العزيز، ملك السعوديَّة الجديد.

وممّا قاله الحزب في رسالته تلك:

«يطيب لنا أن نتقدم من مقامكم الكريم بخالص آيات التهنئة والمباركة بتوليكم مقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية الشقيقة، وحمل أمانة المسؤولية، وشرف الدفاع عن الأمة وقضاياها في ظل ظروف عصيبة تمر بها المنطقة عموماً.»

وتابعتْ الرسالةُ قائلةً:

«إننا إذ نتطلع في عهدكم الخيّر وأنتم تقودون دفة الحكم في بلدكم العزيز أن تعملوا على إعادة التوازن والتعامل مع قضايا الأمة المصيرية، انتصاراً للحق وأهله.»

وبعد ذلك، يعرض الحزب، أمام حامل «أمانة المسؤوليَّة» و«شرف الدفاع عن الأمّة وقضاياها»، القضايا التي يأمل منه أنْ ينصر فيها «الحقّ وأهله». وهذه القضايا هي:

1. قضيَّة «فلسطين الأرض المغتصبة».

وهذا مطلب منطقيّ ومفهوم؛ فتاريخ السعوديَّة وسياساتها وتحالفاتها الإقليميَّة والدوليَّة تشجِّع – كما هو معروف – على التوجّه إليها لمساندة القضيَّة الفلسطينيَّة.

2. قضيَّة العراق الذي «ما زال يا جلالة الملك جرحه نازفاً، حيث يطحن شعبه بين مطرقة الطائفية البغيضة وسندان التطرف الأعمى، وما زال شعبه يتعرض لمحنة طائفية، وتطرف شديد بعد فقدانه للأمن والاستقرار على أرضه ومقدراته.»

يمكن فهم هذا بسهولة، فـ«الإخوان» حركة سياسيَّة علمانيَّة ديمقراطيَّة تقدّميَّة وليست حركة تقوم على أسس مذهبيَّة طائفيَّة. وطارق الهاشميّ، رئيس فرع «الإخوان» العراقيّ، حين جاء إلى العراق في إثر الدبَّابات الأميركيَّة، وتبوَّأ هناك منصب نائب الرئيس بالنيابة عن «الطائفة السنيَّة» في نظام المحاصصة البريمريّ، كان يقصد محاربة الطائفيَّة وليس المساهمة في انعاشها وترسيخها. أمَّا محمَّد مرسي، الذي لم يكن قد دفَّأ كرسيَّ حسني مبارك في قصر الاتِّحاديَّة حين طار إلى الرياض في أوَّل زيارة له إلى الخارج بعد تولّيه رئاسة مصر، ودعا مِنْ هناك إلى تشكيل «حلفٍ سنّيّ» بقيادة السعوديَّة، فلم يكن قصده مِنْ ذلك سوى التصدِّي لـ«إسرائيل» وأميركا ومواجهة مؤامراتهما على الأمّة العربيَّة. والأمر نفسه ينطبق على خطابه الطائفيّ في مؤتمر دول عدم الانحياز في طهران.

3. قضيَّة سوريا حيث «تتواصل جرائم النظام تجاه الشعب هناك قتلاً واعتقالاً وتشريداً، الأمر الذي أوجد أزمة إنسانية غير مسبوقة حيث يتعرض أكثر من ثمانية ملايين لأجيء إلى الجوع والبرد والمرض. وهو اليوم أحوج ما يكون إلى من يدعم ثورته في مجابهة هذا الطغيان، وتحقيق مطالبه المشروعة بالحرية والكرامة وتخفيف آلامه ومصائبه.»

وهذا، طبعاً، باعتبار أنَّ «الإخوان المسلمين»، وتفريخاتهم، حمائم سلام لا تفعل شيئاً في سوريا سوى توزيع الورود على الناس ونشر رسائل المحبَّة والسلام بينهم. ومِنْ ناحية أخرى، فإنَّ «خادم الحرمين»، خصوصاً «في عهده الخيِّر»، هو خير مَنْ يمكن أنْ يتمّ التوجّه له لدعم «ثورات الشعوب» التي تهدف إلى «مجابهة الطغيان، وتحقيق المطالب المشروعة بالحريَّة والكرامة»؛ وذلك لما تتمتَّع به بلاده مِنْ فائض الحريَّة والديمقراطيَّة وتعاملٍ نموذجيٍّ مع حقوق الإنسان. وعلى أيَّة حال، مَنْ قال إنَّ حكومة «خادم الحرمين» قصَّرتْ في توفير ذلك «الدعم» الذي يطالب به «الإخوان» في رسالتهم هذه؟

4. قضيَّة اليمن «الذي يعيش حالة من الفوضى والعنف والرعب حيث تتحكم مليشيات طائفية بمقاليد الأمور هناك، وتعيث في الأرض فساداً وتخريباً.»

الآن، فقط، أصبح اليمن يعيش حالة من الفوضى والرعب وتتحكّم به ميليشيات طائفيَّة «تعيث في الأرض فساداً وتخريباً»! أمَّا عندما كانت عصابات «الإصلاح» (فرع «الإخوان» في اليمن)، وحلفاؤها مِنْ آل الأحمر، يتحكّمون بالحياة السياسيَّة والاقتصاديَّة ويقتلون الناس غيلةً وغدراً لمجرّد اختلافهم معهم بالرأي، فقد كانت الأمور – آنذاك – «عال العال» و«قمره وربيع»!

5. «أما في أرض الكنانة – مصر (يا دهوتي!)، فهناك عشرات الآلاف من أبناءها (الصحيح: أبنائها) من العلماء وأساتذة الجامعات وخيرة الأجيال تطحنهم الابتلاءات والفتن، ويدفع بهم الى المعتقلات والسجون ظلماً وزوراً، وعلى رأس هؤلاء الرئيس الشرعي المنتخب الدكتور محمد مرسي («الشرعيّ المنتخب»، بالذات، هي ما سيجعل العاهل السعوديّ يتحمَّس فينتصر لمرسي)، حيث تم (الصحيح: تمَّت) الإطاحة به وباختيار الشعب (مِنْ غير المتوقّع، بالطبع، أنْ يكون البيان قد قصد ما يُفهم هنا مِنْ أنَّ الإطاحة بمرسي تمَّتْ باختيار الشعب) في انتخابات نزيهة شهد لها القاصي والداني. لتعود مصر بعد الانقلاب العسكري إلى العصور الوسطى الغابرة المتخلفة، حيث أوجد الانقلاب حالة من فقدان الأمن والأمان ومؤامرة كبرى على الاستقرار والعيش الكريم، واستخفافاً بالبشر وحقوقهم المشروعة.»

«العصور الوسطى الغابرة المتخلِّفة»! هذا كلام طريف؛ لكنَّه يفتقر إلى النباهة والفطنة، فمن الممكن أنْ يفهم الملك السعوديّ منه نوعاً من الإشارة المبطَّنة إلى حال السلطة والحياة الاجتماعيَّة في بلاده. ومِنْ ناحية أخرى فإنَّ هذا الكلام يذكِّر بنمط السلطة الذي يحلم «الإخوان» بإقامته في شتَّى بقاع العالمين، العربيّ والإسلاميّ.

تجدر الإشارة، هنا، إلى أنَّ «الإخوان» كانوا قد عابوا على نظام الرئيس السيسيّ أنَّه تلقَّى دعماً من السعوديَّة! ولكن، ها هم – مِنْ دون أنْ يرفّ لهم جفن – يتملَّقون السعوديَّة ويشحذون دعمها!

6. ما دام الحساب مفتوحاً، فيمكن توسيع الدائرة لتشمل قضايا غير عربيَّة أيضاً: «ويعلم جلالتكم ما يتعرض له المسلمون في بورما وإفريقيا الوسطى ودول أخرى حيث يحرقون (مثلما تفعل «داعش» وشقيقاتها، يعني) وتمزق أجسادهم وهم أحياء وينكل بهم ويعذبون ثم لا يجدون على الحق نصيراً.»

ترجمة هذا هي: ثمَّة مقاوَلات عديدة سانحة في أماكن مختلفة من العالم؛ فلِمَ لا نعود وإيَّاكم إلى سالف عهدنا في أيَّامه الذهبيَّة، حين كنّا نحن نحشد الناس للقتال في أفغانستان ويوغسلافيا (وأخيراً في سوريَّة)، بالوكالة عن الأميركيين، وبإشراف السي. آي. أيه، وكنتم أنتم تقدِّمون لنا الدعم الماليّ السخيّ وترعوننا سياسيّاً وتحدبون علينا وتروِّجون لنا في وسائل إعلامكم؟

وهنا كلمة السرّ في هذه الرسالة كلّها.

وفي الختام، تقول الرسالة: «إننا يا جلالة الملك في جبهة العمل الإسلامي بالأردن، ونحن جزء لا يتجزأ من الأمة العربية والإسلامية نتطلع إلى من يرفع الظلم الذي لحق بكثير من أقطار المسلمين على وجه الخصوص حيث كانت مملكتكم الزاهرة وعلى الدوام ملاذاً ونصيراً لكل المظلومين.

وفقكم الله لما يحب ويرضى، وسدد على طريق الحق خطاكم، وأجرى على أيديكم الخير والبركة.»

وهذا، في الحقيقة، يؤكِّد صدقيَّة (وجديَّة) مطالبة «الإخوان المسلمين» بالديمقراطيَّة في مصر وسوريا وسواهما؛ فهذه الدول ليست مثل السعوديَّة ممالك «زاهرة وعلى الدوام ملاذاً ونصيراً لكلّ المظلومين» («المظلومين» مِنْ أمثال «مجاهدي الحريَّة» – بحسب وصف رونالد ريغان – الذين خبرناهم في أفغانستان، ثمَّ في يوغسلافيا، ثمَّ في سوريَّة).

 

قد يعجبك ايضا