هل يمكن الانتصار على “داعش”؟ / د.احمد فاخر

 

 

د.احمد فاخر ( الأردن ) الأربعاء 18/2/2015 م …

 

تحتل الحرب على “داعش” الأولوية القصوى في اهتمام العالم بعد القرار الدولي رقم (1270) الصادر عن مجلس الأمن الدولي، ويجري التعامل مع ظاهرة “داعش” كخطرٍ أمني وعسكري عالي المستوى؛ بل وأنتجت فكرة الحرب على “داعش” تحالفاً دولياً تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وتسعى من خلال هذا التحالف المشبوه إلى تحقيق جملة من الأهداف السياسية تهدف من خلالها إلى إعادة السيطرة على المنطقة وتشكيل تهديد جدي لسورية والعراق يهدد بتمزيقهما إلى كيانات صغيرة متنافرة ومتناحرة أملةً بتحقيق وتنفيذ الهدفين الرئيسيين الذين يقعان في صلب السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط ألا وهي ضمان أمن وسيطرة كيان العدو الصهيوني في المنطقة وضمان المصالح الجيوسياسية و الإستراتيجية للولايات المتحدة وحلف “الناتو” في تحقيق السيطرة الإمبريالية على العالم بشكل عام وعلى المنطقة بوجه الخصوص.

إن هذه الأهداف المشبوهة والتي تنساق إليها الرجعية العربية دعماً لهذه السياسات الاستعمارية هي في النهاية لن تخدم مصلحة شعوب المنطقة وسوف تعود عليها بالويلات والضرر الكبير.

لا يكفي النظر إلى “داعش” كتنظيم عسكري يجري التعامل معه بالقصف والإبادة فقط؛ إن “داعش” أساساً ظاهرة اجتماعية وسياسية لها جذورها العميقة في المجتمعات الإسلامية كافة وحتى يتم استئصالها لابد من تحليل هذه الظاهرة فكرياً وسياسياً واجتماعياً وأمنياً كذلك، لقد تكونت ثقافة “داعش” في الوجدان الإسلامي عبر فترة زمنية طويلة خلال الحرب الباردة وسيطرة البترودولار بعد انهيار الأنظمة الوطنية و الهزيمة النكراء عام 1967 وقد استغلت الإمبريالية فترة الحرب الباردة في إطلاق أشد الأفكار الدينية تطرفاً والاستعانة بهذا التطرف لمجابهة المعسكر الاشتراكي والأنظمة الوطنية في العالم العربي و الإسلامي؛ وقد تولت دول الخليج مهمة التأسيس المادي والفكري لهذه المنظومة الفكرية المتطرفة وصرفت مليارات الدولارات في سبيل تعزيز وترويج هذه الثقافة ذات الأصول الوهابية والمنغلقة على ذاتها والتي تعتبر نفسها في حرب مع العالم أجمع في سبيل ما يعتقدون أنه نشر للإسلام ورفع رايات “الجهاد” ولكنه في الحقيقة عبارة عن ترسيخ و تعزيز لفكرة الانغلاق على النفس واحتقار الآخر وإقصائه بشتى الطرق بل وحتى تدميره؛ ورسخت هذه البنية الثقافية عبر الضخ المتواصل من قبل شيوخ الفتنة وبرعاية مفكرين إمبرياليين وصهاينة مستغلة عوامل عدة أهمها انتكاسة حركة التحرر الوطني العربية و الإسلامية والهزائم العسكرية وانهيار التنمية الاقتصادية الذي لحق بدول العالمين العربي والإسلامي.

لقد كان لانهيار التجارب الاقتصادية أن أنتجت ملايين العاطلين عن العمل والفاقدين لفرص الحياة الكريمة والأمل في مستقبلٍ واعد يوفر حياة مستقرة وشعوراً بالكرامة والحرية والأمان المعيشي والاستقرار المادي والمعنوي.

إن فشل مشاريع التنمية قد أصاب بالدرجة الأولى سكان المناطق الريفية والفلاحية ما دفع بالملايين منهم إلى المدن المختلفة وأصاب هذه المدن بالانهيار الخدمي والاقتصادي”الضعيف أساساً” وعاش الملايين من سكان الريف على هوامش هذه المدن، يختزنون في عقولهم حقداً طبقياً هائلاً على سكان المدن باعتبارهم يستحوذون على مكتسبات التنمية كاملةً وذلك على حساب تدمير حياتهم في ريفهم ومناطقهم ,وأنتجت هذه الظروف الملايين من المهمشين, الذين لا أمل لديهم إلا التفكير والتعطش للأخذ بالثأر عن حياتهم القاسية وظروفهم الصعبة.

كل هذا الحقد يرتكز على مخزون ثقافي قامت ببنائه الحركة الوهابية عبر مؤسسات دينية وخيرية أنشأتها لتنفيذ مخططاتها انتظارا لليوم الموعود، بهذا لا نرى في فكرة “داعش” إلا تطبيقاً لفكر الوهابية المتعصب والمنغلق والذي يستوحي أفكاره وعلاقته بالآخر من الفكر التلمودي التاريخي والذي لا يمت للإسلام بِصِلةَ.

أما على الصعيد الاجتماعي يستند ويتكون تنظيم “داعش” على مزيج مختلط من مجموعات كبيرة ومتنوعة من المهمشين والمطلوبين جنائياً وأرباب السوابق بالإضافة إلى مجموعات من المثقفين أصحاب التحصيل العلمي العالي والذين مروا بتجارب سياسية فاشلة أو تجارب قاسية مع سلطات بلادهم الأمنية والسياسية، أو إحساسهم بالظلم الاجتماعي والوظيفي نتيجة للفساد المستشري في المجتمعات العربية أو تعرضهم لصدمات ثقافية نتيجة احتكاكهم الخاطئ بالغرب إضافة لإحياء التحالفات القبلية والعشائرية من فتره ما قبل الدولة الحديثة.

كل هذه التفصيلات تجعلنا نصل إلى نتيجة مفادها أن هزيمة تنظيم “داعش” أمنياً وعسكرياً لا يعني نهاية هذا التنظيم وستبقى هناك بؤر من الممكن أن تنفجر في حالة اشتداد المشاكل الاجتماعية والسياسية؛ فلا بد من العمل على إزالة أسباب ظهور هذا الفكر ومعالجة التربة الخصبة التي ينمو فيها وذلك عن طريق إزالة كافة الأسباب الموجبة لوجوده وتجفيف منابعه؛ إن التنمية بمختلف جوانبها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لكافة المجتمعات العربية هي السبيل الأنجع للقضاء على هذه البؤر المتطرفة ويجب التركيز أساساً على تغيير البنية الثقافية للمجتمعات هذه البنية التي رسخت بفضل أموال الوهابية، مستغلة عجز الدوائر السياسية الحاكمة وقصر نظرها وفسادها وعنفها، فلا بد من القضاء على المخزون الفكري الوهابي في مناهج التربية والتعليم والمؤسسات الدينية والجوامع وإحلال ثقافة التسامح والحوار والانتماء الوطني بعيداً عن الانغلاق والتعصب الديني والطائفي، وهذا كله لا يمكن تحقيقه إلا بإعلان صريح لعلمانية الدولة وإطلاق مساحات من الحرية والديموقراطية في هذه المجتمعات وحل مسائل التنمية الاقتصادية ورفع مستوى المعيشة، وإقرار الحقوق المشروعة للمواطنين في العلم والعمل والطبابة والسكن والقضاء على مؤسسات الفساد التي نخرت هذه المجتمعات العربية طوال فترة ما بعد الاستقلال.

يبقى في النهاية ضرورة القول أن هذه الحرب التي يشنها حلف شمال الأطلسي”الناتو” مع دوائر الرجعية العربية وبقيادة أمريكية ليست هي سبيل الخلاص إنما هي الطريق التي يمكن أن يؤدي إلى تصاعد موجة التعاطف مع هذا التنظيم في مواجهة الغرب القادم لتدمير دولنا تحت حجج محاربة الإرهاب والذين هم أنفسهم أسسوا وأطلقوا هذا الإرهاب واستغلوه لتنفيذ مآربهم ومخططاتهم السوداء ضد شعوب المنطقة ودولها، وكما يستغلون الحرب ضده من أجل العودة إلى المنطقة وتمزيقها وإعادة بناء نفوذهم وتحقيق سيطرتهم، فالحرب على “داعش” لا تعني لحلف المقاومة ولشعوبنا أن ننضوي تحت لواء حلف الأطلسي فلدى شعوبنا ما يكفي من إرث المقاومة في القدرة للتصدي لمشروع “داعش” والمشروع التدمير الغربي المخطط لهذه المنطقة.

 

قد يعجبك ايضا