المكسيك، انتخابات وخُطْوة صغيرة إلى الأمام / الطاهر المعز




الطاهر المعز ( تونس ) – الأربعاء 5/6/2024 م …  

تنتهي الولاية الرئاسية لأندريس مانويل لوبيز أوبرادور (أملو) في الأول من كانون الأول/ديسمبر عام 2024، ويحظر الدستور المكسيكي إعادة انتخاب الرئيس لدورة ثانية متواصلة، ودعم الرئيس كلوديا شينباوم التي أصبحت أول رئيسة (أنثى) للمكسيك، بعد فوزها على امرأة أخرى، هي السيناتورة زوتشيتل خالفيز، المرشحة اليمينية، خلال انتخابات يوم الثاني من حزيران/يونيو 2024، بمشاركة مائة مليون ناخب وتشمل انتخاب الرئيس وأعضاء الكونغرس والمجالس البلدية وتسعة حكام مناطق أو أقاليم أو ولايات…

تعرضت السيدة كلوديا شينباوم (61 عاما)، الرئيسة الجديدة للمكسيك، لحملة واسعة من التشهير والأكاذيب منذ بداية العام 2024، قبل عدة أشهر من الانتخابات، عندما ترشّحت باسم اليسار، ومنذ شباط/فبراير 2024، انطلقت آلاف الحسابات الآلية التي تتمثل مهمتها الوحيدة في تشويه المرشحة التي يدعمها الرئيس المنتهية ولايته، أندريس مانويل لوبيز أوبرادور (AMLO)، والتي تُشير جميع استطلاعات الرّأي إلى فوزها باللانتخابات الرئاسية ونشرت هذه الحملة ادّعاءات تُفيد ارتباط اليسار والمُرشحة كلوديا شينباوم بعصابات المخدّرات والعُنف، وفي المقابل تكيل هذه المنشورات المديح  وتنشر للمرشحة اليمينية زوتشيتل خالفيز

تمتعت عمدة مدينة مكسيكو السابقة (2018-2023) كلوديا شينباوم، مرشحة حركة التجديد الوطني (المعروف اختصارًا ب”مورينا”، وهو الحزب المحسوب على اليسار، والموجود في السلطة حاليا)، بتقدم مريح على منافستها الرئيسية، زوتشيتل خالفيز (مرشحة اليمين الموحد). وبالمثل، تبلغ شعبية الرئيس الحالي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور (المعروف باسم “أملو”) 60% تقريباً في جميع استطلاعات الرأي، في حين لم تتجاوز نوايا التصويت لصالح المرشح – السيناتور اليميني – زوتشيتل خالفيز، 30%.

ركزت كلوديا شينباوم، خلال حملتها الانتخابية، على إرث “أملو” ومشاكل البيئة والعنف ضد النساء لإطلاق حملتها الرئاسية، وجمعت من حركة التجديد الوطني (مورينا)، الحزب السياسي الذي أسسه الرئيس المنتهية ولايته أندريس مانويل لوبيز أوبرادور (المعروف باسم “أملو”)، في عام 2011، آلاف المواطنين الذين ملأوا أكبر ساحة في أمريكا الجنوبية، ساحة زوكالو وجميع الشوارع المجاورة، خلال التجمعات الانتخابية في مكسيكو سيتي حيث يذكر المواطنون محاسن السيدة شينباوم لما كانت رئيسة البلدية، حتى حزيران/يونيو 2023 ما أكْسَبَها شعبية قياسية بلغت 68% في العاصمة، مما سمح لليسار بالحفاظ على هذه المدينة التي قادها دون انقطاع منذ 1997، واحتل موضوع حقوق المرأة جزءا كبيرا من الحملة، لأن كلوديا شينباوم معروفة بجهودها لصالح حقوق المرأة، حيث يتم اغتيال 10 نساء كل يوم، في هذا البلد الذي يعاني من العنف وتهريب المخدرات، بحسب الأمم المتحدة، واغتيل ما لا يقل عن 25 مرشحا خلال الحملة الانتخابية، بحسب إحصاء وكالة فرانس برس السبت 1 حزيران/يونيو 2024، أي قبل 24 ساعة من فتح مراكز الاقتراع.

كلوديا شينباوم هي أول دكتورة في الهندسة الكهربائية في المكسيك وأول امرأة عضوة في أكاديمية العلوم، وهي كذلك سياسية مُحنّكة، وُلدت ونشأت في أُسْرة علمية ويسارية، وعملت مع الرئيس المنتهية ولايته لما كان رئيسًا لبلدية العاصمة مكسيكو، وورثت عنه شعبيته تحظى بشعبية، وتتبنى شعاره “الفقراء أولاً” والإهتمام بالسكان الأصليين التي يتعرضون للتمييز، ولما كانت الرئيسة الجديدة عضوة بالمجلس البلدي للعاصمة، بين سنتَيْ 2000 و 2005، كانت مسؤولة عن البيئة، التي تعتبر ذات أهمية استراتيجية في هذه المدينة التي يبلغ عدد سكانها 9 ملايين نسمة، ومن إنجازاتها إنشاء الطابق الثاني من “الطريق الدائري” لتخفيف الازدحام على أحد الطرق السريعة الحضرية التي تحيط بمدينة مكسيكو، والممرات الخاصة بوسائل النقل العمومي (الحافلات) وممرات للدراجات، ثم عادت إلى التدريس والبحث العلمي بالجامعة سنة 2006 فساهمت في عمل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، والتي حصلت على جائزة نوبل للسلام سنة 2007، وكان موضوع خبرتها: التخفيف من آثار تغير المناخ، وبعد سنوات شغلت منصب رئيسة بلدية تلالبان، في جنوب المكسيك، بين سنتَيْ 2015 و 2017، ثم عمدة العاصمة المكسيكية من 2018 إلى 2023، وأفضَت سياساتها بالعاصمة إلى معالجة أسباب العنف وانعدام الأمن، ما خَفّض من حدّته، وعلى ذكر العُنف، أعربت عن “فزعها من صور القصف والتّفجيرات والمجازر في غزة”…

 فازت في الانتخابات بنسبة فاقت 60% من الأصوات، متفوقة بفارق كبير على منافستها السيناتورة اليمينية زوتشيتل خالفيز، التي حصل على حوالي 26%، وفقًا للنتائج الرسمية الأولى للمعهد الانتخابي الوطني، وفازت حركة التجديد الوطني (مورينا) بـ«الأغلبية المؤهلة» في الكونجرس… وستواجه الرئيسة مشاكل عويصة لمكافحة أعمال العنف المرتبطة بتجارة المخدرات، وهي مشاكل مُتأصّلة في المكسيك وبعض دول أمريكا الجنوبية ( بفعل تدبير أمريكي خَفِي وأحيانا بشكل ظاهر) وهو من أكبر التّحدّيات التي تُواجه البلاد، وقد تستفيد الرئيسة من الفوز السّاحق والدّعم الكبير للمواطنين ومن الدّعم الشعبي الذي يتمتع به سلفها وداعمها أندريس مانويل لوبيز أوبرادور ( أملو من 2018 إلى 2024) لتتمكن مكافحة الجريمة المُنظّمة والعصابات والعنف ضد النّساء وضدّ النّقابيين وصغار الفلاحين، وقد يُساعدها حُصُول حركة التجديد الوطني اليسارية (مورينا) على الأغلبية المُؤهّلة في الكونغرس، وفقا للنتائج الجزئية الأولى التي أعلنها المعهد الانتخابي الوطني، لتتمكّن من الحصول على ثُلُثَيْ أصوات البرلمانيين وهي نسبة ضرورية للقيام بإصلاحات قانونية واقتصادية جوهرية، وهو ما لم يكن يتمتع به سَلَفُها، ومع ذلك تمكّن ( هو وحزبُه ) من إحراز بعض التقدم، وزيادة الحد الأدنى للأجور والحد من الفقر والنمو الاقتصادي (3,6% سنة 2023)، وتحديد الحد الأدنى للمعاشات التقاعدية للأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا، واتباع نهج جديد لمكافحة الاتجار بالمخدرات، ولتزمت الرئيسة الجديدة بمواصلة هذا الزخم، وسيتعين عليها أيضًا مواجهة مشكلة قتل النساء، والتي تمثل ما متوسطه عشر جرائم قتل للنساء يوميًا سنة 2023، وفقًا لأرقام الأمم المتحدة، وعنف تهريب المخدرات الذي يؤَرّق المواطنين، ولم تَسْلَم الحملة الإنتخابية من العُنف وتمثلت الإنتخابات في اختيار الرئيس والنّواب واختيار حكام تسع من الولايات الـ 32 وتعيين نواب محليين ورؤساء بلديات، وأعلن مصدر أمني بالحكومة إن شخصين قتلا أثناء التصويت في هجومين على مركزي اقتراع في ولاية بويبلا بوسط البلاد، وقُتل مرشح للانتخابات المحلية يوم الجمعة 31 أيار/مايو 2024، وقُتل مرشح آخر ليلاً قبل ساعات قليلة من افتتاح مراكز الاقتراع في غرب البلاد، وأحْصت وكالة الصحافة الفرنسية ( أ.ف.ب.01 حزيران/يونيو 2024) اغتيال ما لا يقل عن 25 مرشحا خلال الحملة الانتخابية.

 

ما أُفُق الفَوزو الإنتخابي؟

يتعين على كلوديا شينباوم مواجهة العديد من التحديات الجديدة خلال فترة ولايتها التي تستمر ست سنوات حتى العام 2030، منها معالجة نقص الكهرباء والمياه وديون شركة النّفط وخروج بعض الشركات من البلاد والحد من الفقر، ووقف انهيار العملة المحلية (البيزو) وخفض مستويات البطالة وتوسيع الرعاية الإجتماعية، ومكافحة “الثقافة” المُعادية للنساء في ثاني بلد يضم أكبر عدد من السكان الكاثوليك في العالم، ومعالجة عنف عصابات الجريمة المُنظّمة، حيث قُتل أكثر من 185 ألف شخص – خلال ولاية لوبيز أوبرادور، بمساهمة قوى الأمن التي ينخرها الفساد الذي يُؤَدِّي إلى الإفلات من العقاب، ويتعين عليها أن توازن بين وعودها بزيادة سياسات الرعاية الاجتماعية الشعبية ومعالجة العجز الضخم في الميزانية وضُعْف النمو، وإدارة المفاوضات المتوترة مع الولايات المتحدة بشأن مسائل الحُدُود والهجرة والمخدّرات والسلاح، كما يُتَوَقَّعُ أن تُواجه الرئيسة المكسيكية والأغلبية البرلمانية مشكلة التّهرب الضريبي وتهريب الأموال – إضافة إلى الجريمة المنظّمة – وتمويل مشاريع البنية التحتية الرئيسية، في ظل انتقادات المعارضة التي تدّعي إن تكلفة معاشات التقاعد وخدمة الدين العام والتحويلات الحكومية الفيدرالية لدعم الولايات المكسيكية شكّلت أكثر من نصف ميزانية البلاد البالغة 9,07 تريليون بيزو (535 مليار دولار) سنة 2024، ما يُشكّل ضُغُوطًا على المالية العامة، يمكن معالجتها بفرض الضرائب على أصحاب الدّخل الأعلى والعقارات والسيارات الفخمة، وأرباح الشركات والمُضاربات المالية، ومواصلة بعض الإجراءات التي مكّنت حكومة لوبيز أوبرادور من زيادة الإيرادات الضريبية بنسبة 48% بين سنتَيْ 2018 و 2023، من خلال قمع التهرب الضريبي وإجبار الشركات الكبرى على تسوية نزاعات ضريبية تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، ولا يزال تحصيل الضرائب في المكسيك ضعيفًا ولا يصل إلى 17% من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2022، في حين يبلغ متوسط تحصيل الضرائب 34% بدول منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية ( المكسيك عضو بهذه المنظمة) ويبلغ متوسط تحصيل الضرائب بدول أمريكا الجنوبية والوسطى وبحر الكاريبي 21,5% ما يجعل المكسيك جَنّة التّهرّب الضريبي بالمنطقة…

نجح لوبيز أوبرادور، الرئيس الحالي (حتى تشرين الأول/اكتوبر 2024) طوال فترة ولايته، في مضاعفة الحد الأدنى للأجور والحد من الفقر، وأشرف على تعزيز البيزو وانخفاض مستويات البطالة – وهي النجاحات التي أكسبته شعبية كبيرة، ولكنه لم يتمكن من اتخاذ تدابير لإصلاح السلطة القضائية، وقانون الانتخابات، ومعاشات التقاعد، وتوسيع سياسات الرعاية الإجتماعية، واللوائح التنظيمية البيئية، بسبب افتقاده أغلبية ثُلُثَيْ نواب الكونغرس، وهو ما يتوفّر لخليفته كلوديا شينباوم، لكن المهمة ستكون صعبة بسبب مناورات خصومها من البرجوازية المحلية التي اعتادت ارتكاب المخالفات والتّهرب الضريبي مع الإفلات من العقاب،  ومباشرة بعد تأكيد انتخاب كلوديا شينباوم – المحسوبة على اليسار – رئيسة وإعلان النتائج الأولية للإنتخابات البرلمانية التي تُشير إلى حصول ائتلاف حركة التجديد الوطني (المعروف اختصارًا ب”مورينا”، بثُلُثَيْ أعضاء الكونغرس، ما يُمكّن الرئيسة الجديدة من الحصول على أصوات تساعدها على القيام بإصلاحات دستورية، عَمَدت القوى الرأسمالية والرجعية التي تدعمها الولايات المتحدة على المُضلاربة بالعُملة المحلّية المكسيكية ( بيزو) وأسهم الشركات، فانخفضت قيمتها، قبل مرور أربعة وعشرين ساعة على إعلان النتائج الأولية فتراجعت قيمة الأسهم المكسيكية بنحو 6% وخسر البيزو ما يصل إلى 4% مقابل الدولار “وسط مخاوف من حصول الائتلاف الحاكم على أغلبية عظمى في الكونغرس، لأن الأسواق تخشى أن يؤدي ذلك إلى تغيير دستوري وتقليص الضوابط والتوازنات” وفق تعبير وكالة رويترز بتاريخ 03 حزيران/يونيو 2024…

كان شعار الرئيس لوبيز أوبرادور: “من أجل خير الجميع، الفقراء أولاً!” لقد وعدت كلوديا شينباوم بالاستمرار وبتعميق التدابير الاجتماعية لصالح الفئات الشعبية، ولكنها، مثل سلفها، تواجه صعوبة في إصلاح النظام القضائي لكي يتم انتخاب قضاة محكمة العدل العليا من قبل الشعب، ولا تُزَعْزِعُ مجمل هذه التدابير (التي بدأها سلفها أندريس مانويل لوبيز أوبرادور “أملو”) أسس الليبرالية الجديدة ( النيوليبرالية)، ولكنها سمحت بزيادة الأجور المنخفضة وخلقت ديناميكية نقابية غير معهودة في البلاد، كما وعدت الرئيسة الجديدة “كلوديا شينباوم” بمواصلة الدفاع عن استقلال المكسيك في مواجهة الولايات المتحدة، وتأميم مناجم الليثيوم لدفع التحول في مجال الطاقة، وتوفير الكهرباء والطاقة لجميع السكان، وبأسعار معقولة، مع تحقيق الفصل بين استهلاك الطاقة والنمو الاقتصادي، لتكون الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي غير مشروطة بالزيادة السريعة في استهلاك الطاقة، كما وعدت الرئيسة الجديدة بزيادة الاستثمارات في البنية التحتية: الموانئ والمطارات والسكك الحديدية، وبدعم التعليم العام والصحة والسكن والعمل، وتعزيز الحقوق من خلال تعزيز الديمقراطية التشاركية…

تُشكل قُوة نفوذ الكنيسة في دول أمريكا الجنوبية وتحالفها مع رأس المال والفئات الأشدّ رجعية من البرجوازية المحلية (المُتعاملة مع الإمبريالية الأمريكية) وهيمنتها على الإعلام والتعليم حاجزًا يُعرقل الإصلاحات الجوهرية، فضلا عن الحُدُود التي تفرضها الدّيمقراطية المَبْنِيّة على الإنتخابات، لأن الحملات الإنتخابية تتطلب استثمارات كبيرة لا طاقة للفقراء وأحزابهم ومنظماتهم بها، ويعسر على الرئيسة الجديدة إصلاح القضاء وجهاز الشرطة ومجابهة الرأسمالية المحلية العميلة للإمبريالية الأمريكية، خلال فترة رئاسية واحدة، فضلا عن العراقيل القانونية والدّستورية…  (دولار أمريكي واحد = حوالي 17 بيزوس مكسيكية )

قد يعجبك ايضا