هل الليبرالية الجديدة..هي السبب !؟ / د.زيد حمزة

 

د.زيد حمزة * ( الأردن ) الثلاثاء 22/11/2016 م …

*وزير أسبق …

الذين يعتقدون – عندنا – ألا فرق بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة ينطلقون من موقف الحزبين من القضية الفلسطينية وتأييدهما المطلق لدولة اسرائيل باعتبارها شريكاً حيوياً في استراتيجية أميركا لا في الشرق الاوسط وحده بل على مستوى العالم ايضا، أما مواطنو الولايات المتحدة أنفسهم فينحازون لهذا الحزب أو ذاك لاسباب عميقة الجذور تعود الى تاريخ كل منهما ونشأته وسلوكه في الحكم وسياسته ليس في مواجهة القضايا العالمية فحسب بل اساساً تجاه الشؤون الحياتية المحلية، الاقتصادية منها والاجتماعية، ولا يستطيع أحد الزعم في هذا المجال بأن الحزب الجمهوري هو حزب البيض الفوقيين فقط White supremacists وبانه منحاز الى اليمين في كل الأمور بما في ذلك معاداة الاشتراكية (بله الشيوعية معاذ الله !) والكره التوراتي للمرأة والضمني لليهود والانصياع لمفاهيم الكنيسة في تحريم الاجهاض ورفض زواج المثليين والنظرة الدونية للسود والملونين والاعتراض على استيعاب المهاجرين والاستمرار في اعتبار ((الهنود)) اصحاب البلاد الاصليين غير جديرين بالمواطنة الاميركية وضرورة مواصلة حجزهم في المعازل الخاصة كفئة غريبة تنهش صحة افرادها الامراض المتوارثة وتمزق نسيجهم الاجتماعي العادات السيئة التي أقحمها البيض على حياتهم كالادمان على المشروبات الروحية.. بهدف انقراضهم في نهاية المطاف! كما لا يستطيع احد الزعم بان الثاني – الحزب الديمقراطي – يتمتع باخلاق نبيلة نابعة من اسمه ويحمل أفكاراً تقدمية متحررةً ويتبنى خططا ومشاريع أقرب الى العدالة الاجتماعية وأنه دائما مع حقوق المرأة خاصة حقها في جسدها ومع المثليين والملونين والفقراء، حتى لقد اقتربت برامج الحزبين الرئيسيين من بعضها كثيرا وتماهت في بعض المراحل الى حد اختفاء الفروق بينهما لدرجة حيرّت اعضاءهما وانصارهما وحيرت كثيراً من الباحثين في العالم كله ! لكن الذين استوعبوا التفسير العلمي لحركة التاريخ وتطور المجتمعات من خلال فهم المادية الجدلية استطاعوا أن يدركوا مغزى العلاقة بين مجمل سياسات الدول الرأسمالية برئاسة الولايات المتحدة وهي رائدة الاستعمار الاستيطاني منذ خمسة قرون بدءًا بأبادة سكان اميركا الاصليين والاستيلاء على اراضيهم مروراً بتجارة العبيد كجريمة تاريخية مكتملة العناصر وليس انتهاء بالاستشراق ضد العرب والمسلمين من اجل نهب ثرواتهم وفي مقدمتها النفط ، وبين هيمنة المحافظين الجدد الذين تَحوّل اسمهم مع الوقت تمويهاً الى الليبراليين الجدد وهم يرسمون الطريق الاحتكارية للشركات الدولية الكبرى (الكوربوريتس متعددة الجنسيات وعابرة الحدود) ويساعدون في إطلاق العنان لاقتصاد السوق كي يتجاوز الضوابط والقيود الكينزية بالتجرؤ على خصخصة كل شيء حتى السجون التي أصبحت تدار على أسس تجارية من قبل الشركات وتُستنبط لها خصيصاً قوانين عقوبات لم تعرفها المجتمعات البشرية من قبل تهدف لتوفير أعداد كبيرة من السجناء ((النزلاء)) كي تحقق تلك الشركات المزيد من الربح ! ناهيك عن التسلل الانتهازي بعد الكوارث الطبيعية وأشهرها إعصار فلوريدا قبل بضعة أعوام الذي دمر مدارس الحكومة وذلك لبناء أخرى بديلة واستثمارها كمدارس خاصة قد لا يتمكن الطلاب الفقراء السابقون من الالتحاق بها، ويرعون اخيراً لا آخراً جهود المجمعّ الصناعي العسكري في الولايات المتحدة وهو يزج بالعالم في حروب أو أشباه حروب أو حروب بالوكالة دونما اكتراث بازهاق ارواح الملايين من الشعوب الاخرى وتدمير بلادهم مادامت تحقق انتعاش تجارة الأسلحة وتوابعها الأمنية والتجسسية !

ولعل هذا يذكرنا بنعومي كلاين وكتابها العظيم ( عقيدة الصدمة / صعود رأسماليه الكوارث ) The Shock Doctrine / Rise of Disaster Capitalism الذي صدر عام 2007 وعلقتُ عليه اكثر من مرة وقد نشرتْ لها الغارديان البريطانية مؤخراً (8 /11 /2016) ما يلقي الضوء على واقع هذه العلاقة المريبة بين الحزبين الاميركيين الكبيرين والتي ادت الى سقوط هيلاري كلينتون وصعود دونالد ترامب الى سدة الرئاسة باستغلال الحنين الى القومية الضيقة المتعصبة وفي تجاوز العقل والمنطق بمخاطبة مشاعر وآلام الكثيرين مباشرة كما فعل انصار خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي وكذلك فعلت الاحزاب الفاشية في المانيا وايطاليا واسبانيا في ثلاثينات القرن الماضي بالهجوم على الغرباء واللاجئين واليهود والمسلمين ، والحط من قيمة المرأة..

وبعد.. فان نعومي كلاين لا تتوقف عند وصف هذه الحالة التي اكتنفت صعود ترامب الى أعلى منصب سياسي في العالم وقبل ذلك بكثير بروز طبقة دافوس التي تشكلت من الترابط الوثيق بين اصحاب البنوك ومليارديرات التكنولوجيا، بل تعدت الوصف الى اقتراح الخروج من المأزق الاميركي والعالمي الذي يتسم بالكراهية والفزع ويوشك أن يلقي بالشعوب الى جحيم لا يمكن التكهن باهواله ، فدعت الى البدء بتشكيل أئتلاف عريض يضم كل الحريصين على مستقبل البشرية والناشطين في المنظمات والجماعات المؤمنة بحقوق الانسان والبيئة ، ما يحتاج لمقال آخر..

قد يعجبك ايضا