من وعد بلفور إلى يهودية دولة / ابراهيم ابو عتيلة

 

ابراهيم ابو عتيلة ( الأردن ) الخميس 3/11/2016 م …


تعود بدايات الفكر الصهيوني إلى القرن السابع عشر في إنجلترا عندما نادت الأوساط البروتستانتية المتطرفة  بالعقيدة الاسترجاعية التي تعني ضرورة عودة اليهود إلى فلسطين كشرط لتحقيق الخلاص وعودة المسيح حيث صاحب ذلك عدم وجود رؤية واضحة لدى الأوربيين لوضع الأقليات ولليهود بشكل خاص على اعتبار كونهم قتلة السيد  المسيح ، ولقد تبنت الأوساط الاستعمارية العلمانية في إنجلترا  أفكار البروتستانت المتطرفين وأضافت عليها القشور العلمانية وبلورتها في منتصف القرن التاسع عشر على أيدي مفكرين معادين لليهود واليهودية .  

وخلال القرن التاسع عشر تأزمت حالة المجتمعات اليهودية في أوروبا وتعرضت تلك المجتمعات لاضطهاد مكثف من قبل العديد من الحكومات الأوروبية وخاصة في شرقي أوروبا (المنطقة التي سكن فيها أغلبية اليهود في ذلك الحين) ، في ذات الوقت تنامت الإيديولوجيات القومية الأروربية والتي بلغت ذروتها عند “ربيع الشعوب عام 1848 ومع بروز الحركات القومية تلك وما رافقها من حركة مناهضة لأتباع الديانة اليهودية في اوروبا عقب الثورة الصناعية أو ما اصطلح على تسميته باللاسامية وعلى اعتبار أن اليهود عنصر لايمكن ادماجه في المجتمعات الاوروبية مما أدى إلى ظهور أصوات من اليهود تنادي بكونهم أمة وقومية بحد ذاتها وليسوا فقط يهوداً مختلفين في ديانتهم عن الآخرين ومن حقهم وجود كيان خاص بهم ، ومن بين من نادى بذلك ودعا إليه ثيودور هرتسل زعيم الحركة الصهيونية التي نجحت بإحداث انقلاب في الفهم تجاه اليهودية متجاوزةً الإطار الديني لتصبح ديناً وقومية في ذات الوقت.

ومن هنا ، التقت الحركتان الصهيوينة واللاسامية إلى حد كبير بالأهداف على الرغم من التناقض الكبير بالدوافع حيث التقتا على ضرورة إيجاد حل للتجمعات اليهودية في العالم من خلال خلق فكرة جمع اليهود من مختلف أنحاء العالم في بلد واحد ليكون موقعاً للدولة اليهودية ، ولقد فضلت الحركة الصهيونية بأن تكون البلد هي “إيرتس يسرائيل” (أي فلسطين) لاعتبارها وطن اليهود الأزلي ووافقهم في ذلك اللاساميون الذي يسعوا إلى تجميع اليهود في أي بقعة من العالم – عدا اوروبا-  ولقد ساعدهم في ذلك توسع بريطانيا في الشرق الأوسط وضمت جزءاً منها إلى الإمبراطورية البريطانية فيما أقامت عدد من الحكومات الأوروبية مندوبيات وقنصليات في فلسطين التي كانت خاضعة للسلطة العثمانية معترةً  فلسطين بلاداً ترتبط بالشعب اليهودي ، كما بدا واضحاً من خطاب نابليون بونابرت في أبريل 1799 عندما حاصر جيشه مدينة عكا.

لقد كان للمفكرين اللاساميين في اوروبا الفضل في بلورة وإنضاج فكرة ايجاد كيان لليهود يتجمعون فيه حيث استبقوا في ذلك زعماء الصهاينة واتفقوا في رؤيتهم لحل المسألة اليهودية لا يختلف في شيء عن طرح مشاهير قادة الفكرة الصهيونية ، ففي العام 1878 عرض المجري جوزيه إيشتوسي، وهو من مشاهير المعادين لليهود، مشروع قرار على برلمان بلاده يدعو فيه إلى تأييد ودعم إقامة دولة يهودية في فلسطين ، كما عرض مقترحه هذا على مؤتمر برلين المنعقد في تلك الفترة، بهدف دفعه إلى حيّز التنفيذ، وكسب إلى جانبه الكثيرين مؤكداً في اقتراحه على قدرة الأمة اليهودية على إقامة دولة نموذجية ، وذات الأمر فعله ثيودور هرتسل الذي اعتبر اللاسامية أمراً لا يمكن تغييره أو الخلاص منه ففي عام 1896 نشر كتاباً بعنوان: دولة اليهود، محاولة لإيجاد حل عصري للمسألة اليهودية ، توافق فيه مع الدعوة التي كان قد سبقه اليها قبل عقدين من الزمن جوزيه إيشتوسي وذلك بتجميع اليهود في بلد واحد ليكون موقعاً للدولة اليهودية تحت مسمى أرض اسرائيل وأضفى بمقترحه طابعاً قومياً واعتبره بمثابة حركة تحرر قومي.

 وفي عام 1897 نجح هرتسل في عقد أول مؤتمر للحركة الصهيونية في مدينة بازل في سويسرا دعا فيه لإقامة دولة يهودية على “أرض اسرائيل”   ورأى هرتسل في نجاحه بعقد المؤتمر بداية لتحقيق أفكاره  ولقد أيده في ذلك الكثير من غير اليهود واللاساميين لرغبتهم في تخليص اوروبا من اليهود ساعدهم في ذلك سقوط فلسطين تحت هيمنة الاستعمار البريطاني مما شكل رافعة قوية لتجسيد الفكرة على أرض الواقع ، ومن هنا برز دور الشخصية الثالثة ، التي تبنت هذه الفكرة حين أصدر جيمس بلفور وزير خارجية بريطانيا في الثاني من نوفمبر 1917، تصريحه المشهور بوعد بلفور برسالته إلى اللورد روتشيلد والتي جاء فيها  : يسرني جدا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود الصهيونية , وقد عرض على الوزارة وأقرته  (( إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين , وستبذل جهدها لتسهل تحقيق هذه الغاية على أن يفهم جليا أن لن يؤتى بعمل من شأنه أن يضير الحقوق التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين ولا الحقوق او الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى , أكون ممتنا لكم لو أبلغتم هذا التصريح إلى الإتحاد الفيدرالي الصهيوني )) ومن الجدير بالذكر أن نص تصريح بلفور كان قد عرض على الرئيس الأمريكي ولسون , ووافق على محتواه قبل نشره كما وافقت عليه فرنسا وإيطاليا رسميا سنة 1918 , ثم تبعها الرئيس الأمريكي ولسون رسميا وعلنيا سنة 1919 , وكذلك اليابان . وفي سنة 1920 وافق عليه مؤتمر سان ريمو الذي عقده الحلفاء لوضع الخريطة السياسية الجديدة لما بعد الحرب , وضمّنه قراره بإنتداب بريطانيا نفسها على فلسطين وفي سنة 1922 ، ولعل القول الموجز في هذا الوعد ” بأنه وعد مما لا يملك لمن لا يستحق ” يختصر كل النواحي القانونية فيه .

ومع سقوط فلسطين تحت الهيمنة لبريطانية عزمها على تنفيذ وعدها بدأت موجات الهجرة اليهودية تزداد كثافة، وازداد عدد اليهود في فلسطين زيادة كبيرة خلال الفترة 1917 -1948 فقفز عدد اليهود خلال تلك الفترة من (55 ) ألفاً إلى (550) ألفاً فيما تضاعف عدد المستوطنات مترافقاً مع نمو وتطور للقوة العسكرية اليهودية ونشوء تنظيمات ارهابية (هاغاناه، إتسل، ليحي) فضلاً عن الفيلق اليهودي العامل ضمن القوات البريطانية وبلغ مجموع قواتها نحو 60 ألفاً ، ولقد صرح زعيم الصهاينة حينذاك “حاييم وايزمان” بأن فلسطين يهودية كما هي بريطانيا بريطانية مشدداً على إقامة دولة يهودية في فلسطين، ولم يكن غريباً، الاستياء العام الذي ساد أوساط الحركة الصهيونية بمختلف تياراتها جرّاء إقرار بريطانيا ترسيم الحدود في العام 1922 بين فلسطين وشرق الأردن معترفة بذلك بإمارة شرق الأردن مدعين بأن الوطن القومي اليهودي يضم فلسطين والأردن معاً، علماً أن شرق الأردن الذي يضاهي مساحته ثلاثة أضعاف مساحة فلسطين كان خالياً تماماً من السكان اليهود. 

وبعد الحرب العالمية الثانية وإثارة وتضخيم موضوع المجازر النازية التي لحقت باليهود ” الهوليكوست ” واستغلال الصهاينة لذلك برزت الظروف التي سهلت من تحقيق إقامة الدولة اليهودية فلقد قامت بريطانيا بجلب اعداد كبيرة من اليهود إلى فلسطين بطريقة غير شرعية وبما يتعارض وسياسة الكتاب الأبيض الصادر عن بريطانيا عام 1939 الذي تضمن التزام بريطانيا بدعم قيام دولة فلسطينية بعد عشر سنوات وبدلا من ذلك اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة في التاسع والعشرين من تشرين الثاني 1947 قراراً بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية مع بقاء القدس تحت الوصاية الدولية ، وبلغت مساحة الدولة اليهودية تبعاً للقرار أكثر من نصف مساحة فلسطين فيما اليهود أقل من ثلث السكان في حين حصل العرب الذين يشكلون ما يزيد على ثلثي السكان على نسبة تقل عن النصف متجاوزين كون العرب أهل البلاد الأصليين أما اليهود ففي غالبيتهم مهاجرين غير شرعيين.

لقد كان من الطبيعي أن يرفض العرب الفلسطينيين قرار التقسيم، ليس لكونه ظالماً وغير منصف فحسب ، بل لكونهم يرفضون من حيث المبدأ تقسيم وطنهم ، فيما وافق الصهاينة على القرار وتسبب ذلك في اندلاع اشتباكات كانت نتيجتها لمصلحة الصهاينة المدعومين من بريطانيا والمسلحين بأفضل الأسلحة ، ولقد نتج عن ذلك إعلان قيام ” دولة اسرائيل ” في الخامس عشر من أيار العام 1948 ولقد صاحب ذلك تفريغ فلسطين من معظم سكانها العرب ، وعندما توقفت الاشتبكات وبعد أن تم إعلان الهدنة كان الصهاينة قد سيطروا على 78% من مساحة فلسطين فيما لم يتبق للشعب الفلسطيني من وطنه سوى 22% لتسقط هي الأخرى تحت الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 ولا زالت تلك النسبة الهزيلة رهن المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي التي أدخل الصهاينة إليها مطالبهم بشرط الاعتراف بيهودية الدولة .

ومن الجدير بالذكر بأنه وعند صدور قرار التقسيم عام 1947 لم يكن قادة الصهاينة قد اعتمدوا اسماً رسمياً للدولة التي يسعون لإقامتها وفي 14/5/1948 أي قبل يوم من انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين أعلن بن غوريون رئيس الوكالة اليهودية، قيام ” دولة إسرائيل” وفقاً لقرار الأمم المتحدة (29/11/1947) بعد أن تمت الموافقة على إسم الدولة من قبل الحكومة الصهيونية المؤقتة وبعد ان تم تداول اربعة أسماء كانت مقترحة وهي ( يهودا ، صهيون ، أرض إسرائيل ، دولة عابر) .

وبعد مضي نحو عامين على قيامها، أقدمت ” إسرائيل ” ، بصفتها دولة اليهود حيثما وجدوا ، على إصدار قانون العودة تاريخ (5/7/1950) اعطت بموجبه الحق لكل يهود العالم العودة إلى ” إسرائيل ”  واكتساب جنسيتها ، فكان هذا القانون وقانون الجنسية للعام 1952 والتعديلات التي أحدثت عليه لاحقاً يربط المواطنة في الكيان الصهيوني بالانتماء اليهودي ، وعدم تحقق هذا الإنتماء حق المواطنة الكاملة كما هو الحال بالنسبة لأكثر من خمس سكان الكيان من العرب وعليهم أن يخرجوا من إطار ” اسرائيل” رغم حملهم جنسيتها مما عرضهم لمختلف أنواع التمييز فضلاً عن أعمال السطو على أراضيهم، التي صودرت لأغراض أمنية ولكي تقام عليها مستوطنات لصالح اليهود العائدين .

ومنذ إعلان دولة الكيان الصهيوني على 78% من أرض فلسطين التاريخية والأحداث تتوالى ، الصهاينة يحققون المزيد من أهدافهم فيما العرب يخفقون ، وبعد هزيمة 1967 واحتلال ” اسرائيل ” لما تبقى من أرض فلسطين بالا ضافة إلى سيناء والجولان وبعد إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1964 واعتبارها بقرار عربي سنة 1974 ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني،  وبعد حالات مد وانحسار في النضال الفلسطيني وبعد الانتفاضة الفلسطينية الاولى التي ركبها من ركب وصولاً إلى معاهدة اوسلو سنة 1993 وما نتج عنها من إنشاء لسلطة حكم ذاتي في الأراضي المحتلة 1967 وتضمنها اعتراف متبادل بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية ، وبعد أن قامت السلطة بإلغاء أو التنازل عن حق العودة وإلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني بغرض الوصول إلى دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة من خلال المفاوضات مع الجانب الاسرائيلي ، وبالرغم من مرور أكثر من ثلاث وعشرين عاماً على تلك المفاوضات ، إلا أن الدولة ما زالت وهماً في عقول المفاوضين ، فلقد  توسع الاستيطان الصهيوني ويكاد أن يبتلع القدس و60 % من أراضي الضفة الغربية ، ومع اللهاث وراء المفاوضات من قبل السلطة الفلسطينية مع ما يقابله من موقف متعصب فوقي متزمت من الجانب الصهيوني يشترط العودة للمفاوضات بقبول شرط  الاعتراف بيهودية الكيان الصهيوني أو بما يسمى ” يهودية الدولة ” حيث أصبح هذا الشرط وكأنه أصل القضية وأساس المفاوضات ، فشرط مثل هذا سيحقق للصهاينة ما يسعون إليه من نسف كامل لحق العودة وإغلاق ملفه بشكل نهائي ، ولم يكن هذا الشرط جديداً يشترطه بنيامين نيتنياهو فلقد سبقه في ذللك العديد من زعماء الصهاينة حيث طالب به أرئيل شارون سنة 2003 وأيده بذلك وبقوة الرئيس الأمريكي جورج بوش كما أكده ايهود أولمرت سنة 2007 بمساندة واضحة من باراك اوباما في خطابه أمام الكونغرس عام 2008 وخطابه امام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2010 ، فيما يؤكد بنيامين نيتنياهو على هذا الشرط كاساس لاستمرار عملية السلام العبثية … 

ولعله من الطبيعي أن يكون الرد الفلسطيني على هذا الشرط بالرفض القاطع ، فهل معنى ذلك وضع عقبات أمام المفاوضات بغية نسفها وتهرّباً من استحقاقاتها ؟ وما هي الأهداف والأخطار التي يكتنفها هذا الشرط ؟ ألم ترد عبارة الدولة اليهودية في قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 1947؟ وهل يحق لصاحب القرار الفلسطيني المشكوك بشرعيته وصلاحياته الاعتراف بيهودية الدولة، وفق تعريف ومفهوم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مع ما بها من محاذير تتجاوز حدود أي دولة فلسطينية مستقبلية إن تحققت ؟

أن ما يطالب رئيس “الحكومة الإسرائيلية” من مطالبة بالاعتراف بيهودية الدولة كشرط للتقدّم بعملية السلام يظهر بوضوح ما يرمي إليه وذلك من خلال الاطلاع على تصريحاته وخطبه ومقابلاته وتركيزه على يهودية الدولة وإضفاء الطابع القومي ليس فقط على دولة الأمر الواقع الحالية وإنما على الدولة – المشروع – كفكرة أيضاً والتي تتجاوز وفقاً للفهم الصهيوني حدود فلسطين لتصل إلى حدود إسرائيل الكبرى مستقبلاً، حيث  يتساءل نيتنياهو بغباء واضح إن كانت القيادة الفلسطينية مستعدة لتقول لشعبها بإنها على استعداد للاعتراف بيهودية “إسرائيل” مع إدراكه بأن المطلب الفلسطيني الذي ترفعه سلطة أوسلو ينادي بإنهاء الاحتلال الصهيوني بشكليه العسكري ووربما الاستيطاني ؟ من الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 بما في ذلك القدس الشرقية ، لكي يكون بالإمكان إقامة دولة فلسطينية على مساحة 22% فقط من مساحة فلسطين التاريخية بعد أن أسقطت سلطة اوسلو حق عودة للاجئين الفلسطينينن الذي تكفله الشرعية الدولية على اعتبار انه حق شرعي جماعي وشخصي لا يمكن تفويضه ولا يحق لأحد ان يتنازل عنه .

إن ما يسعى إليه بنيامين نتنياهو في المطالبة بإشهار يهودية الدولة وإضفاء الطابع القومي عليها يفسره قوله بأن يهودية الدولة تعنى “زخوت عام يسرائيل عال إيرتس يسرائيل” أي، حق شعب إسرائيل على أرض إسرائيل ، فما هي أرض إسرائيل ؟ وهل سبق لقبائل بني إسرائيل أن سكنتها، أو هي مجرّد وعد أسطوري ؟ هل كان من المألوف في تلك الأزمنة الغابرة، أن تقوم الآلهة ( يهوه، كموش، ملكولم ) بمنح أتباعها ومريديها أراض ومناطق؟ إن مفهوم أرض إسرائيل الذي تبنته الحركة الصهيونية مفهوم توراتي كان ولا يزال مدار جدل بين مختلف التيارات الصهيونية من حيث حدود تلك الأرض ولقد حال ذلك دون الاتفاق على تعيين حدود نهائية ثابتة ” لدولة اسرائيل” الذي تعمل على تحقيقه التي تتضمن أحد ثلاثة مفاهيم :

1. الأول يكتفي بحدود الخريطة الفلسطينية، كما تبلورت عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، حيث يقف إلى جانب ذلك بشكل عام، التيار العمالي.

2. الثاني يرى إن حدود أرض إسرائيل هي حدود الإثني عشر سبطاً أي أنه يضيف إلى فلسطين، مناطق من سوريا ولبنان وكامل شرق الأردن. ( للنهر ضفّتان، هذه لنا، وتلك لنا وهو شعار رفعه رئيس التيار التصحيحي في الحركة الصهيونية، الأب الروحي لحزب الليكود الذي يقوده نتنياهو).

3. الثالث ينطلق في منظوره، من الحدود التوراتية، وينقسم إلى فريقين، فريق يرى أن الحدود التوراتية تمتد من نهر مصر (وادي العريش في سيناء) وحتى الفرات. وآخر يرى أنها تمتد من نهر النيل وحتى الفرات.

ويقف إلى جانب الفهمين الثاني والثالث، التيارات اليمينية والدينية.

وتبرز من خلال ذلك علامة استفهام كبيرة حول أرض إسرائيل واسعة الأرجاء وفيما إذا كان من حق “صاحب القرار الفلسطيني” الاعتراف بالحق الذي يريده صاحب القرار الإسرائيلي غير واضح الحدود؟، وإذا ما استثنينا عامل الرغبة في المماطلة والتسويف في المفاوضات، وصولاً إلى عرقلتها أو نسفها، تهرباً مما قد تتمخّض عنه من استحقاقات يخشاها الطرف الإسرائيلي، نجد أن نتنياهو يرمي من وراء ذلك تحقيق أهداف متعددة وهي الأخطار المتأتية عن الاعتراف بيهودية الدولة، ومنها:
1. نسف حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة الذي كفلته الأمم المتحدة وفق القرار 194، والسعي لإفراغه من مضمونه.

2. مس مكانة المواطنين العرب في ” إسرائيل “، سواء عن طريق الطرد، أو عبر التبادل السكاني، من حيث كونهم مواطنين في دولة ، تخرجهم من إطارها بتعريفها لذاتها كـدولة اليهود . 

3. الاعتراف بالفكرة و بالرواية الصهيونية لموضوع الصراع العربي الإسرائيلي.


وعليه فلا يمكن للطرف الفلسطيني تلبية ما يطالب به رئيس الحكومة الإسرائيلية كون الحق الذي يطالب به نتنياهو قد يشمل الأراضي الفلسطينية جميعها
كما أن مفهوم أرض إسرائيل الذي تبنته الحركة الصهيونية مفهوم توراتي ما يزال مدار جدل بين مختلف التيارات الصهيونية وقد يشمل بالاضافة لفلسطين مناطق تابعة لخمس دول عربية علاوة على المخاطر الأخرى آنفة الذكر . 

وأخيرا … وحيث رسخ القول بأن وعد بلفور هو وعد ممن لا يملك لمن لا يستحق ويستوجب الأمر مقاضاة ومحاسبة من أطلقه فإن شعار يهودية الدولة ما هي إلا دعوة وفكرة تحمل في طياتها الفشل الذريع لأنها تخالف مسار التاريخ ومنطقه ، فمنطق التاريخ يقضي بأن هذه الدولة ماهي إلا جسم غريب في المنطقة التي لا بد وأن تشهد  ولادة عصر جديد مهما اشتد الظلام وازدادت النوائب . 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا