دول الجنوب في عاصمتها هافانا.. وسفير كوبا يكشف للميادين نت حدثاً سياسياً ستشهده “الـ77 + الصين”

الأردن العربي – الثلاثاء 12/9/2023 م …




تحت شعار “تحديات التنمية الحالية: دور العلوم والتكنولوجيا والابتكار”، ستكون قمة “مجموعة الـ 77″، هذا العام، “ذات أهمية كبيرة في الجهود العالمية المشتركة، للتحرك نحو نهج موحَّد لبلدان الجنوب، فيما يتعلق بالتحديات الكبيرة التي تواجهها، على الصعيد الدولي”.

تتجه قمة مجموعة “الدول الـ77 + الصين”، والتي ستنعقد في العاصمة الكوبية هافانا، لتكون أحد أبرز المؤتمرات العالمية هذا العام، في تطور لافت لم تشهد قمم هذه المجموعة خلال الأعوام الماضية بهذا المستوى، إن من حيث التغطية الإعلامية، أو طبيعة الحضور والوزن السياسيَّين لهذا الاجتماع، الذي يتمحور حول التحديات الاقتصادية.

وتُعَدّ هذه الآلية العالمية للتشاور الأوسع والأكثر تنوعاً في العالم، بحيث أصبحت، بعد نحو 60 عاماً على تأسيسها، تضم نحو 140 دولةً عضواً، تمثل ثلثي أعضاء منظمة الأمم المتحدة، و80% من سكان العالم.

واليوم، أصبحت هذه المجموعة، بالنسبة إلى دول الجنوب، ومعها الصين، تمثّل خياراً بديلاً حقيقياً من التكتلات الدولية، التي لطالما مثّلت مصالح الدول الكبرى الأوروبية والولايات المتحدة، وأهملت مصالح القسم الأكبر من دول العالم وشعوبه، تحت عناوين متعددة.

فأيّ مصالح لدول الجنوب وشعوبها في تعاظم دور تكتّل “الدول الـ77 + الصين”؟ وهل تعبّر القمة في هافانا، ذات الطابعين الاقتصادي والتقني، والتي تجمع شعوباً ودولاً، متعددة في توجهاتها ومصالحها ومقارباتها للسياسات الداخلية والخارجية وللعمل المشترك، عن بداية تشكل هوية سياسية عابرة للاصطفافات التقليدية والأنماط السائدة في العلاقات الدولية؟

دول الجنوب: تداخل السياسة والاقتصاد

في مؤتمر القمة الأول للمجموعة، والذي عُقد في هافانا في نيسان/أبريل 2000، حذر قائد الثورة الكوبية، الراحل فيديل كاسترو، من استمرار وجود “فجوات في التنمية بحسب المناطق والدول”، ومن أنّ “الوصول إلى التكنولوجيا والمعرفة لا يزال متفاوتاً”. واليوم، بعد مرور أكثر من عقدين من الزمن، ازدادت هذه الفجوات في التنمية المتوازنة والقدرة على الوصول إلى المعرفة، على الرغم من الجهود الواسعة المبذولة، والتقدم الكبير في مجالات متعددة.

لكنّ المشكلة لا تكمن فقط في العمل الذي تقوم به دول الجنوب والدول النامية بشأن تطوير قدراتها التكنولوجية والعلمية والمعرفية، بل في القدرة على تقليص الفارق مع الدول الأوروبية والأميركية، أي الدول الاستعمارية الكبرى، والتي تستفيد من سياساتها السابقة والحالية وتبعاتها المستمرة إلى اليوم، من أجل المحافظة على تفوّق نوعي على سائر الدول.

من هنا، تدخل السياسة كحاضر أساسي في مختلف جوانب التعاون، التي انبثقت من  مجموعة “الدول الـ77 + الصين”، اقتصادياً وتجارياً، وتلك التي ستفرزها مقررات القمة المقبلة هذا الأسبوع في هافانا، لكنّ المؤكد هو أن التنوع في مجموعة الـ 77، بالإضافة إلى وجود الصين، التي تشكّل اليوم قطباً صاعداً على مستوى الاقتصاد والقدرات العسكرية والتكنولوجية والمعرفية، لا يمكن أن يشكلا نقطة ضعف، بل مصدر قوة للمجموعة وبرامجها المشتركة.

السفير الكوبي في لبنان: القمة ستشهد حدثاً على المستوى السياسي العالمي

وتحت شعار “تحديات التنمية الحالية: دور العلوم والتكنولوجيا والابتكار”، ستكون قمة مجموعة الـ 77، هذا العام “ذات أهمية كبيرة في الجهود العالمية المشتركة، للتحرك نحو نهج موحد لبلدان الجنوب، فيما يتعلق بالتحديات الكبيرة، التي تواجه دولنا على الصعيد الدولي”، كما يؤكد السفير الكوبي في لبنان، خورخي ليون كروز، في مقابلة مع الميادين نت.

ويكشف السفير أنّه “بسبب طبيعة جدول الأعمال، والإعلان الذي من المقرر أن يتمّ التوقيع عليه، نتيجة لذلك، وهو حدث سياسي، على المستوى الدولي، ستكون هذه القمة ذات أهمية كبيرة”.

وتأمل الرئاسة الكوبية لـمجموعة “الـدول الـ77 + الصين”، بحسب كروز، أن تساهم القمة في تعزيز صوت المجموعة في الوضع الدولي الراهن، وفي عمليات المفاوضات الحكومية الدولية ذات الصلة.

حضور سياسي واسع وعالي المستوى

ومن ضمن الشخصيات الأساسية والرؤساء، الذين أكّدوا حضورهم في المؤتمر هذا العام، حتى الآن، رئيس جمهورية موزمبيق، فلسطين، أنغولا، بوروندي، كولومبيا، لاوس، العراق، هندوراس، بوليفيا، الأرجنتين، ورؤساء وزراء سانت فنسنت وجزر غرينادين وجيبوتي، ووزير خارجية غامبيا،كما ستشارك المكسيك كدولة ضيفة في قمة مجموعة الـ 77، ممثلة بوفد دبلوماسي.

وسيشارك هذا العام، حضورياً، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرتش، بالإضافة إلى الأمين العام للاتحاد الدولي للاتصالات، والأمين العام لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، “أونكتاد”، وممثل عن الأمين العام لمنظمة الـ”يونسكو”.

وسبق أن تمّت مناقشة مشروع إعلان بين أعضاء المجموعة، في إطار الاستعدادات للقمة، سيتمّ تقديمه إلى رؤساء الوفود للموافقة عليه، بينما أكّد كروز المساواة التامة بين أعضاء المجموعة، وأنّه “لا توجد في مضمون مشروع الإعلان فكرة واحدة توحي بأفضلية أحد أعضاء المجموعة على البقية”، وأنّ “مشروع الإعلان هو ملخص لعملية مفاوضات موسّعة وافقت فيها 134 دولة، تمثل 80% من سكان العالم”.

وسيشتمل الإعلان المرتقب توقيعه على “المرتكزات الأساسية لتعزيز التعاون بين الشمال والجنوب، وأسس تعزيز التعاون والتبادل فيما بين بلدان الجنوب في مجالات العلوم والتكنولوجيا والابتكار”.

القمة ستناقش الوضع السياسي العالمي الراهن

ويؤكد السفير كروز للميادين نت أنّ “القمة ستناقش أهمّ القضايا السياسية الدولية الراهنة”، مبيّناً أنّ “هذا الحدث سيكون مناسبة لإصدار تصريحات سياسية مهمّة، ولعرض الإجراءات التي تتخذها مجموعة الـ 77 والصين بشأن الوضع الدولي برمّته، وهو الوضع المعقد والصعب والمعاكس لبلدان الجنوب”.

وسيسمح جدول أعمال القمة لرؤساء الدول ولرؤساء الحكومات بـ”التعبير عن الرؤية الخاصة لكلّ دولة فيما يتعلق بالمشاكل الحالية”، بحسب كروز، الذي أشار إلى أنّ”كوبا ترى أنّ تنمية النظام الدولي للجنوب تعتمد، إلى حدّ كبير، على استخدام المعرفة والعلم، وتطوير التكنولوجيا والوصول إليها، وتعزيز الابتكار”.

وأضاف السفير الكوبي أنّ بلاده “تروّج رؤية مبنية على المعرفة والأوساط الأكاديمية والعلم، فيما يتعلق بالمشاكل الأكثر إلحاحاً بالنسبة إلى البشرية، بما في ذلك المشاكل السياسية الدولية، التي تحدّد حاضر الكوكب ومستقبله”، مؤكداً أنّ “من الضروري تهيئة الظروف للوصول إلى التكنولوجيا والابتكار واستخدامهما”.

وشدّد كروز، في حديثه إلى الميادين نت، على أنّ “من الضروري، في الوقت نفسه، رسم مسارات للتنسيق السياسي فيما يتعلق بالتعاون فيما بين بلدان الجنوب، والتعاون بين الشمال والجنوب”، ولا سيما أن القمة ستُعَدّ “منتدىً رئيساً للتشاور في الفترة التي تسبق قمة أهداف التنمية المستدامة، والتي ستُعقد لاحقاً هذا الشهر، وقمة المستقبل في عام 2024”.

أهداف القمة: تقويم أبرز تحديات دول الجنوب ومعالجتها

وسيكون من أبرز أهداف قمة هافانا “تقويم التحديات والقضايا الرئيسة، والتي تكمن في قلب تنمية دول الجنوب، والمساهمة الضرورية في العلوم والتكنولوجيا والابتكار في التنمية المستدامة”.

ويجب أن تساهم القمة، بحسب السفير الكوبي، في “معالجة التحديات الرئيسة الناجمة عن النظام الاقتصادي الدولي الحالي، من خلال الدعوة إلى إصلاح شامل للبنية المالية الدولية، واتّباع نهج أكثر شمولاً وتنسيقاً للإدارة المالية العالمية”.

مواجهة سياسة العقوبات 

وستساهم القمة، المقرر عقدها في 15 و16 من الشهر الجاري، في “رفض فرض القوانين والأنظمة التي يتجاوز تأثيرها الحدود الإقليمية للدول”، كما سترفض “جميع أشكال التدابير الاقتصادية القسرية الأخرى، بما في ذلك العقوبات أحادية الجانب ضدّ البلدان النامية”، وستؤكد “الحاجة الملحّة إلى إزالتها على الفور”.

وأكّد السفير الكوبي، في حديثه إلى الميادين نت، أهمية “التضامن والتعاون الدوليَّين”، مؤكداً أنهما “من القضايا الحاسمة، والتي سنعمل بشأنها، معاً، سواءٌ في مؤتمر قمة هافانا، أو بعد ذلك، في سياق عمل مجموعة الـ 77 والصين”، مشيراً إلى أن “من الضروري أن تظلّ مجموعة الـ 77 والصين محاوراً جاداً ونشطاً وصلباً واستباقياً في الدفاع عن حقوقنا”.

وستمثّل القمة، هذا العام، “فرصة في العمل معاً من أجل الوحدة والعمل الحاسم لدول الجنوب، وهو أمر ضروري لمواجهة التحديات المشتركة، إذ تُعَدّ القمة فرصة في تجديد الرؤى وتحديد نقاط الالتقاء والمبادرات، والتي تساهم في التكامل بين دول الجنوب، في ظل الظروف الصعبة للغاية، والتي يعيشها العالم”، أضاف كروز.

النظام الاقتصادي الدولي الجديد ومعالجة الهيكل المالي الحالي

وتأتي هذه القمة على مستوى “77 دولة + الصين”، مكمّلة لقمة مجموعة دول البريكس الأخيرة، بالإضافة إلى التكتلات الدولية والتحالفات المتعددة، والتي تسعى للتخلص من مبدأ المركزية الأوروبية، والمركزية الأميركية والغربية، في السياسة الدولية.

وبحسب السفير الكوبي، فإنّ “الرئاسة الكوبية ملتزمة توفير الاستمرارية للمطالب التاريخية للمجموعة، ولا سيما فيما يتعلق بالنظام الاقتصادي الدولي الجديد، وإصلاح الهيكل المالي العالمي، ورفض التدابير القسرية الانفرادية، وحالات عدم الاستقرار الاقتصادي”.

وأكّد أنّ الأولوية ستكون لمواجهة “تركيز الثروة أو نمو الفقر، بما في ذلك الفقر المدقع، والثقل المتزايد للديون الخارجية، وأحوال النظام المالي الدولي، ولا سيما في بلدان الجنوب”.

الإجراءات المتوقع اتخاذها بناءً على القمة

ويُعَدّ قرار استئناف عمل اتحاد العلوم والتكنولوجيا والابتكار من أجل الجنوب (COSTIS) من أهمّ ما يمكن أن ينبثق من قمة هافانا، على مستوى الأهداف المرتبطة بالتطور، تكنولوجياً وتقنياً، بحيث يفترض أن يضع أعضاء المجموعة تقويمهم واستراتيجياتهم التي يرونها ملائمة لضمان أدائه الفعال.

ويُفترَض أن يتمّ عقد اجتماعات منتظمة للوزراء والسلطات العليا المعنية بالعلم والتكنولوجيا والابتكار، من أجل تقويم دور العلم والتكنولوجيا والابتكار في جداول أعمال التنمية المعتمدة في الأمم المتحدة، ولتعزيز التعاون فيما بين بلدان الجنوب في هذه المجالات.

وبالإضافة إلى ذلك، كشف كروز أنه سيتمّ “الطلب إلى رئيس الجمعية العامة أن يدعو، في سياق الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى عقد اجتماع رفيع المستوى بشأن العلم والتكنولوجيا والابتكار، من أجل أغراض التنمية، مع التركيز، بصورة خاصة، على الإجراءات التي يتعين اتخاذها لتلبية احتياجات الدول النامية”.

وسيتمّ، بالإضافة إلى كلّ ذلك، إعلان يوم الـ16 من أيلول/سبتمبر، من كل عام، يوماً للعلوم والتكنولوجيا والابتكار في الجنوب، بحسب السفير الكوبي كروز، الذي أكّد أنّ “تحقيق المطالب التاريخية لمجموعة “الـ77 + الصين” يعني بناء عالم أكثر عدلاً، ويفضل التضامن والتعاون الدوليين”.

تكتل سياسي عابر للاصطفافات السائدة

في وقت لا تعتمد مجموعة “الدول الـ77 + الصين” هيكلاً تنظيمياً صارماً، أو بيروقراطية بروتوكولية، ويَرْئِسها سنوياً رئيس دولة عضو مسؤول عن تنظيم الاجتماعات والقيام بالتنسيق، داخلياً وخارجياً، ورعاية عملية صنع القرار، تعمل المجموعة على خلق تجربة جديدة في العلاقات الدولية، تهدف إلى تغليب الأهداف المشتركة على الاختلافات، وتغليب المصالح على المشاكل.

وتهدف هذه المجموعة إلى تعزيز الموقف المشترك للبلدان النامية بشأن مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، كالصحة والتعليم والبطالة وإدارة الكوارث، بالإضافة إلى التنمية والاقتصاد، مع الاعتناء بالتنوع بين أعضائها، ثقافياً وجغرافياً واقتصادياً، ودعم التعددية مبدأً توجيهياً لاستراتيجيات التعاون فيما بين بلدان الجنوب.

واليوم، تقود كوبا، التي تولت رئاسة مجموعة “الدول الـ77″، في 12 كانون الثاني/يناير 2023، المنظمة خلال فترة محورية من السياسة العالمية، يسيطر فيها الكباش بين أقطاب القوة العالمية، والذي تقوده الولايات المتحدة وتتبعها أوروبا وحلفاؤها، في وجه الاتحاد الروسي عسكرياً، والصين اقتصادياً وسياسياً، ودول، كإيران وكوريا الشمالية، في مختلف المستويات.

ولطالما دافعت أكبر جزيرة في البحر الكاريبي عن التعاون بين بلدان الجنوب، وخصوصاً في مجالات التعليم والرعاية الصحية والتعاون الدولي، وحققت بدورها تقدماً مهماً في مجالي الصحة والطب، على الرغم من العقوبات الأميركية. وسيستضيف هذا الحدث الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل، الذي سبق أن عبّر عن مدى إيمانه بأهمية هذا العمل المشترك في تحقيق الرفاهية والأمن في مختلف المجالات لدول الجنوب وشعوبها.

قد يعجبك ايضا