من بريك – 4 الى بريكس – 5 الى بريكس – 11 الى بريكس + (plus) تعاد صياغة العلاقات الدولية نحو اضمحلال الاحادية القطبية انسجاماً مع الثقافة الصينية كما استشهد بها الرئيس الصيني (President Xi Jinping)، ولعلها ثقافة هي الى العالمية اقرب / الياس فاخوري




الياس فاخوري ( الأردن ) – السبت 9/9/2023 م … 

(==) حيثما وردت كلمة ” ديانا ” في مقالات الكاتب، فهي تعني تحديدا زوجته الراحلة الكبيرة والمفكرة القومية ، شهيدة الكلمة الحرة والموقف الوطني ” ديانا فاخوري “… والصورة أعلاه لهما معا …

* لا تقوى الجبال على تعطيل تدفق فيض النهر العظيم فالتغيير سنّة الكون، وزهرة واحدة لا تصنع ربيعاً بمفردها!

 انتكاسات وهزائم تترى وتتوالى.. وانتصارات ومقاومة تتكاثر وتتراكم ..

تحت هذا العنوان، بتاريخ Nov 4, 2018، كتبت “ديانا فاخوري” علَى صفحات “مدارات عربية” و”الاردن العربي”: 
 
“.. ما تعانيه دول المحور الصهيوامريكي من تخبط يؤكد تراجعها امام دول المحور الروسي الإيراني السوري العراقي .. انه التراجع التدريجي للجيوبوليتيك الأميركي في المنطقة: يريدون إيقافه فخسارة إدلب، مثلا، تشكل انكشافا عسكريا لاحتلال أراض سورية شرق الفرات (الأميركيون والأوروبيون) وشمال سوريا (الأتراك) .. مهزومون لا يريدون الاستسلام فيتوسلون حصار ايران ويعرقلون إتمام السيادة السورية، ومنتصرون من حقهم حصاد النتائج .. ولعلهم جميعا باتوا يدركون أنّ مشروع الرئيس الأسد للتعاون والتشبيك تحول من مجرد رؤية استراتيجية الى أمر واقع .. تذكرون هذا المشروع الذي اقترحه الرئيس بشار الأسد في مطلع العقد الأول من القرن الحالي (أبيض، أحمر، خليج، قزوين، أسود – منظومة البحار الخمس) استثمارا لموقع سوريا الجغرافي، ووضعها في مركز شبكة الطاقة والنقل الإقليمية.. مشروع يضم روسيا وايران وتركيا ومصر والسعودية والعراق وسوريا والجزائر واليمن تكاملا مع اوروبا المتوسطية .. أرادها منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل تعمل بالتفاوض لحل النزاعات وبالتعاون للتنمية والتقدم الاقتصادي ولضمان أمن الطاقة والملاحة .. مشروع يقوم على شراكة استراتيجية في الشرق الجديد!

وهكذا يمكننا فهم المعنى التاريخي للمعارك والحروب والانتفاضات بوصفها تراكمات كمية تؤدي الى تغيير كيفي ينطوي على ازالة العدوان برمته لا مجرد اثاره .. وهذا ما بات يدركه المحور الصهيوامريكي متيقنا ان انتكاساته المتراكمة ليست مسألة “نحس” او سوء حظ وحسب، بل مسار سيصل ذروته وتبدأ عملية التطور النوعي فتزول اسرائيل وتعود فلسطين بكليتها من البحر الى النهر ومن الناقورة الى ام الرشراش، وتعود للأمة كرامتها .. من دمشق فبغداد الى اليمن فالقدس .. ومن “الكم” الى “الكيف” ..  من التراكمات الكمية الى التغييرات الكيفية!  والانتصارات الاستراتيجية مافتئت تتراكم على أيدي الجيش العربي السوري ورجال الله في الميدان .. اما مشروع الشر الصهيوامريكي فما فتئ يتهاوى – من هزيمة الى سقوط لتجدد قوانين المادية الجدلية والمادية التاريخية صدقيتها وتؤكد مصداقيتها بانتصارات ما فتئت تتوالى من سوريا فالعراق الى اليمن ففلسطين ..  وترقبوا المشاركة الواسعة في الفعاليات المساندة وتزاحم استثماراتها المتنافسة والمتباينة وارتداداتها المتضاربة كأننا في مزاد سريالي، سري/ علني، او لعبة شطرنج لا “يكش” لها او بها ملك (بالفعل المبني للمجهول)!”

 
نعم، هي تحولات جيوستراتيجية و جيوسياسية واقتصادية تمهد لاضمحلال الاحادية القطبية التي بدأت بالتشكل بعد الحرب العالمية الثانية لتهيمن الولايات المتحدة الأمريكية على العالم اثر سقوط الاتحاد السوفيتي منذ عقود ثلاثة. واليوم تعود روسيا الاتحادية ومعها الصين بقوة إلى الساحة الدولية لتجذبا إليهما البرازيل والهند قبل انضمام جنوب أفريقيا لتليها ستّ دول جديدة هي السعودية والإمارات ومصر والأرجنتين وإثيوبيا وإيران!
 
تضم المجموعة المؤسِسَة لدول بريكس البرازيل والصين والهند وروسيا لتلحق بهم جنوب أفريقيا فتمثل المجموعة 40 ٪‏ من سكّان العالم (حوالي 3،2 مليار إنسان) و29،5 ٪‏ من مساحة العالم. اما إجمالي اقتصادها فيوازي 26 ٪‏ من الاقتصاد العالمي (27،7 تريليون دولار). أما بيانات البنك الدولي لعام 2022 فتشير الى ان مجموع الناتج المحلي الإجمالي لدول بريكس قد بلغ 25.9 تريليون دولار (25.6% من الناتج الإجمالي العالمي) .. كما حققت دول بريكس ما نسبته 17% من التجارة العالمية. اما نسبتها من سكان العالم فقد وصلت ل40.8%، وبلغت نسبة مساهمتها العالمية في إنتاج الحبوب 30% .. ويحتلّ اقتصاد الصين المركز الثاني الأكبر عالمياً بعد الولايات المتحدة الأميركية، وتتصدّر الصين دول العالم بحصة تصديرية تبلغ 15% من إجمالي الصادرات العالمية، وتحتلّ روسيا المركز الثاني عالمياً في تصدير الوقود، وتعتبر بريكس سوقاً عالمية هائلة من حيث قوة العمل والإنتاج والاستهلاك.
 
ومن نافل القول ان انضمام ستّ دول إلى مجموعة بريكس سيسهم في زيادة حجم ووزن المنظومة فيرتفع عدد السكّان إلى 3،7 مليار إنسان (46 ٪‏ من سكّان العالم). كما يرتفع الحجم الاقتصادي الى 30،7 تريليون دولار (29،3 ٪‏ من الإنتاج الإجمالي العالمي). وتمثل المجموعة الموسعة (وهي تضمّ 4 دول من غرب آسيا) 43،1 ٪‏ من الإنتاج النفطي العالمي .. ولا يخفى ما لكل ذلك من انعكاسات نوعية جيوستراتيجياً وجيوسياسياً وجيواقتصادياً.
 
فانضمام 4 دول من غرب آسيا (مصر، والسعودية، والإمارات، وإيران)، واثيوبيا يعني خروج البحر الأحمر والخليج والمحيط الهندي عن سيطرة منظومة جي 7 الغربية الامر الذي يعيدنا لنظرية الرئيس الاسد حول منظومة البحار الخمسة التي طالما حدثتنا عنها “ديانا فاخوري” كما يُبين النص المقتبس أعلاه. فهل غدت الممرّات البحرية من المحيط الهندي والخليج إلى أوروبا عبر مضيق هرمز وباب المندب ضمن مجموعة سياسية اقتصادية متماسكة قادرة على التصدي للتعديات الغربية والأميركية!؟ 
 
وماذا عن الممر الشمالي الجنوبي الذي يربط روسيا بالمحيط الهندي عبر إيران وأفغانستان وباكستان، وماذا عن الممر الشرقي الغربي الذي أتت به مبادرة الطريق الواحد الصينية بعد أن يتمّ تنفيذ شبكة سكك الحديد التي توصل البحر الأصفر بالبحر المتوسط!؟ وهكذا تفقد امريكا والغرب السيطرة على الممرّات البرّية والبحرية كما كان الحال خلال القرنين الماضيين خاصة وان روسيا تسيطر على الممر القطبي الشمالي وما يحتويه من احتياطات نفط وغاز ومعادن. 
 
 
اذن  ترون كيف تتحكم مجموعة بريكس – 11 بمصادر الطاقة ومعها الاقتصاد العيني عداك عن جزءٍ كبير من المعادن الثمينة والنادرة  الُميسِّرة للصناعات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي (AI).  اما الإنتاج الزراعي فأصبح بين أيديهم مما يُفقد الغرب وأمريكا ورقتهم الابتزازية الكبرى تهديداً بالتجويع .. وجاءت جائحة كورونا بالأزمة الاقتصادية العالمية لتثبت بوضوح أن الاقتصادات المنتجة فعليا وليس افتراضياً هي الاقتصادات القوية الصامدة ..  ثم جاءت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا لتبرز متانة الاقتصاد الروسي الذي تخطى العقوبات الاقتصادية المتوحشة.
وماذا عن التجارة العالمية مع توسع بريكس – 11 الى بريكس + (plus)، وماذا عن هيمنة الدولار؟ فهل ينجح  بنك بريكس باحتياط نقدي يقارب ال 100 مليار دولار في منافسة البنك الدولي ليتصدر معالم العالم متعدد الأقطاب؟
 
وهل تنتقل التجارة العالمية للتوجه لدول الجنوب بدلاً من تجارة الجنوب نحو الشمال ليتعزز بذلك التبادل التجاري خارج هيمنة الدولار متوسِّلاً ترتيبات مالية بعيداً عن الدولار وخاصة في السلع الاستراتيجية كالنفط والغاز والمعادن؟
اما “النبل والضرورة” فسمة بريكس – 11 كما يتبين من توجُّه المجموعة لإعادة تأهيل ميثاق الأمم المتحدة بعيداً عن تحريف الميثاق ونسف قواعد القانون الدولي دُون معاداة امريكا والغرب احتراماً للسيادة والخصوصيات لتُبنى العلاقات بين الدول على قاعدة رابح – رابح .. وهذا موقف مصري صريح وواضح برفض سياسات الهيمنة الغربية على الاقتصاد العالمي، والتي عرقلت كلّ مشاريع التنمية خلال العقود الأخيرة “نظراً للشروط التي يفرضها صندوق النقد الدولي على الدول النامية الراغبة في التنمية وفقاً للروشتة التي يقدّمها”.
 
وهنا لا بد من الإشارة الى التداعيات المنتظرة في ضوء ما حدث من انقلابات عسكرية خلال السنوات الثلاث الماضية: مالي (2021)، بوركينا فاسو (2022)، والنيجر (يوليو/ تموز 2023)، والغابون (أغسطس/ آب 2023)، فهل تتكرّر في دول أخرى  تشهد ظاهرة حكم الطغاة، والفساد، والاستبداد، والديكتاتورية؟ وماذا عن نيجيريا، وتوغو، والكاميرون، والدول المحيطة بحزام دول الساحل التي شهدت الانقلابات العسكرية؟
 
وماذا بعد فشل الحرب الكونية التي شنّت على المنطقة عامة وعلى محور المقاومة من الباب السوري على نحو خاص؟ وهل انقلبت أميركا التي تقود هذه الحرب الى استراتيجية “إطالة أمد الصراع” بالحرب الناعمة المكثفة والمركبة من “الفوضى الخلاقة”، و”قانون قيصر” ثم قانون “كابتغون 1” وحضّرت لقانون “كابتغون 2”  لمنع العودة الى الحياة الطبيعية في سورية وإدخال لبنان في الفوضى والانهيار خاصة باعتماد “خطة بومبيو” ذات المراحل الخمس التي طالما تحدّثت “ديانا فاخوري” عنها وعن مخاطرها الاقتصادية والمالية.
 
 وماذا عن الصراع الذي تخوضه الولايات المتحدة مع روسيا في الشرق الأوروبي، ومع الصين في الشرق الآسيوي؟ فهل يدفعها ذلك لضبط الأوضاع، ولو بصورة آنية، في الشرق الأوسط رغم الضغط الصهيوني على ادارة جو بايدن للحيلولة دون تنفيذ اتفاق بكين بين الرياض وطهران، مثلاً؟  
 
ولكن ماذا عن تعيين الرئيس جو بايدن مؤخراً لفيكتوريا نولاند في منصب نائب وزير الخارجية، وتعيين إليوت أبرامز، المدان بالحنث باليمين والمدافع عن جلادي أميركا الوسطى في عهد رونالد ريغان، في لجنته الاستشارية للدبلوماسية العامة؟ وماذا عن تعيين بيل كريستول رئيساً للموظفين، وهو عضو جماعة الضغط المتشدّدة للحرب على العراق، والذي دفع مليوني دولار ثمناً للإعلانات التلفزيونية التي تحثّ الجمهوريين على مواصلة المسار في أوكرانيا؟ هل يؤشر دلك لارتداد بايدن إلى السياسات المدمرة التي انتهجتها مؤسسة السياسة الخارجية، وإيمانها “بالهيمنة الأميركية المفيدة” سيما ان أنّ قادة فريقه للسياسة الخارجية، وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، هما من المحاربين القدامى المتورطين في إخفاقات الماضي، ف’ـبلينكن المتشدّد كان متحمّساً لحرب العراق، وكان سوليفان، الخبير الاستراتيجي المفضل لدى هيلاري كلينتون، فعّالاً في الكارثة الليبية”!؟
 

وماذا عن  قمة العشرين في نيودلهي اليوم وغداً .. وهل تتمكن واشنطن من تحويلها الى منبر لمحاصرة موسكو في ملف الحرب الأوكرانية ام تصبح احدى علامات التغيير الذي يعيشه العالم وتتغير فيه الموازين والتوازنات؟ لنذكر ان 7 من دول المجموعة هم أعضاء في منظومة بريكس – 11، و3 دول (إندونيسيا والمكسيك وتركيا) تجاهر بحيادها في حرب أوكرانيا!

اما “وول ستريت جورنال” فتصر: “عبثاً يحاولون أن يخلعوا مخالب النسر” .. فهل غدا غروب الأمبراطورية الأميركية غروباً للقضاء والقدر!؟

 
ولكن قدرهم أن يروا حتى مجموعة دول “عدم الانحياز” تنحاز إلى بريكس كجزء منها أو ربما كمؤسسة “شقيقة” .. وربما تضمّ مستقبلاً أو تتكامل مع منظمة شنغهاي أو الوحدة الاقتصادية الأوراسية أو مبادرة الحزام الواحد الطريق الواحد، الى جانب دول عدم الانحياز ودع امريكا والغرب في غيهم وغطرستهم يعمهون .. اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (البقرة – 15)
اما انت يا ديانا فإليك يأتي مشيًا على قدميه: التاريخُ والحاضرُ ونسائمُ البحرِ وأخبارُ البطولات، وأصداءُ عويلِ الصهاينة تحت نيران الشهيد!
 
الدائم هو الله، ودائم هو الأردن العربي، ودائمة هي فلسطين ..
 
نصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون ..
 
الياس فاخوري
كاتب عربي أردني

قد يعجبك ايضا