8، 36، 156 – هل تنتفض الارض فيهتز ما تحت امريكا و”الغرب الجماعي” بكليته!؟ / الياس فاخوري




الياس فاخوري * ( الأردن ) – الأحد 2/7/2023 م ...
* حيثما وردت كلمة ” ديانا ” في مقالات الكاتب، فهي تعني تحديدا زوجته الراحلة الكبيرة والمفكرة القومية ، شهيدة الكلمة الحرة والموقف الوطني ” ديانا فاخوري “… والصورة أعلاه لهما معا …

 8، 36، 156 – هي عدد الآيات، وعدد الكلمات، وعدد الحروف التي تشكل هزة عنيفة لبعض العقول وللقلوب الغافلة. هزة يشترك فيها الموضوع والمشهد والإيقاع اللفظي. انها صيحة قوية مزلزلة للأرض ومن عليها فما ان يستفيقوا حتى يواجههم الحساب والوزن والجزاء في بضع فقرات قصار:

“إِذَا زُلۡزِلَتِ ٱلۡأَرۡضُ زِلۡزَالَهَا  وَأَخۡرَجَتِ ٱلۡأَرۡضُ أَثۡقَالَهَا  وَقَالَ ٱلۡإِنسَٰنُ مَا لَهَا  يَوۡمَئِذٖ تُحَدِّثُ أَخۡبَارَهَا  بِأَنَّ رَبَّكَ أَوۡحَىٰ لَهَا  يَوۡمَئِذٖ يَصۡدُرُ ٱلنَّاسُ أَشۡتَاتٗا لِّيُرَوۡاْ أَعۡمَٰلَهُمۡ  فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا يَرَهُۥ  وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّٗا يَرَهُۥ 

نعم، ترتعش الأرض الثابتة وترتجف، وتزلزل، وتنفض ما في جوفها .. وتخرج ما يثقلها من أجساد ومعادن وغيرها تخففاً مما حملته طويلاً! انه مشهد يهز ما تحت أقدام المستمعين لهذه السورة .. رغم ثبات كل شيء في الواقع، يُخيل إليهم أنهم يترنحون ويتأرجحون، والأرض من تحتهم تهتز وتمور .. مشهد يخلع القلوب من كل ما يربطها بهذه الأرض، وتحسبه ثابتا باقيا .. انه الإيحاء الأول لمثل هذه المشاهد التي يصورها القرآن الكريم، ويودع فيها حركة تكاد تنتقل إلى الأعصاب بمجرد سماع العبارة القرآنية الفريدة! 

 

ويزيد هذا الأثر وضوحا بتصوير الإنسان حيال المشهد المعروض، ورسم انفعالاته وهو يشهده: تراه مشدوهاً مأخوذاً، والإيقاع يلهث فزعاً ورعباً، ودهشةً وعجباً، واضطراباً وموراً.. إنها عقوبة هائلة رهيبة .. مجرد أن يروا أعمالهم، وأن يواجٓهوا بما كان منهم .. ووراء رؤيتها الحساب الدقيق الذي لا يدع ذرة من خير أو من شر لا يزنها او يجازي عليها!
  
كم تحدثنا (ديانا فاخوري وانا) عن “تلك الامريكا التي تقتل البريق الذي في العيون” وقد أفردنا عدة مقالات لهذا الموضوع ( منها بتاريخ May 18, 2023 وMarch 11, 2022 وFebruary 13, 2019). كم كررت وأعادت التكرار أنها “الويلات المحتدة الأمريكية” .. أنها الطاعون والطاعون هي .. انها البلاء والبلاء هي وقد استحقت عن جدارة لقب:
 
 Thief/Killer-in-Chief و CRS: Chief Rogue State
  ولن تعود لأمريكا عظمتها MAGA: Make America Great Again 
وتم في هذه المقالات تقديم عينة من مئات المؤامرات والأساليب القذرة التي حاكتها بحق شعوب ودول العالم على مدى قرنين من الزمن!”
 
محمود درويش لم يعتذر، وقال لاَخره: لا تعتذر الا لأمِّك!  .. اما أنا فاعتذرتُ! واليوم أكرر الاعتذار عن خطيئة كولومبوس المميتة حين ضل طريقه الی الهند لينتهي باكتشاف امريكا سيما وان الرحلة تمت بتمويل عربي .. نعم كان التمويل عربيا حيث غطتها ايزابيلا بالجواهر التي تركها العرب في غرناطة ل”ينعم” العالم ب“الويلات المحتدة الامريكية” .. فأمريكا هي الطاعون، والطاعون أمريكا!

 

وكنا قد تطرقنا مراراً للتداعيات العسكرية والاقتصادية والسياسية للحرب الروسية ـ الأطلسية في الساحة لأوكرانية واشرنا الى تبلور موازين قوى ومعادلات جديدة تحكم العالم رغم مواصلة هيمنة الدولار الأميركي سيما بعد تراجع حصته في احتياطات النقد الأجنبي العالمية – وفقاً لدراسات صندوق النقد الدولي – من 71% عام 1999 إلى 59% عام 2022 .. كما أعدنا التذكير بتأثير العقوبات الغربية على روسيا وسلبية انعكاسات ذلك على الاقتصاد العالمي، بشكل عام والاقتصاد الأوروبي بشكل خاص.
 ورغم (درس) تجميد الأصول الروسية في أوروبا وأميركا مع بداية الحرب الأوكرانية وما رافق ذلك من شكوك طالت الأسواق الدولية، مازالت العديد من الدول تتمسك بالدولار كعملة احتياطية، حيث يستخدم 70% من سكان العالم الدولار في معاملاتهم اليومية، وتمتلك البنوك المركزية 80% من احتياطاتها من العملات الأجنبية بالدولار الأميركي، ولا تزال نصف المعاملات التجارية العالمية والقروض والدين العالمي بالعالم تجري بالدولار، بالإضافة إلى أسواق العملات الأجنبية حيث يشكل 90% من مجموع العملات.
وتجنباً للإسهاب في هذه النقطة، أحيلكم لمقالي بتاريخ June 3, 2023 بعنوان:

من منظمة التجارة العالمية والدولار إلى مجموعة بريكس (5 + 13) والعملة الوطنية .. ومن هيروشيما في اليابان الى شيآن (تشانغان) في الصين!

وكذلك لمقالي بتاريخ June 10, 2023 ..
 
ورغم جرس الانذار الروسي، فما زالت العديد من الدول تستثمر بسندات الخزانة الأميركية (اليابان: 1.3 تريليون دولار، الصين: 1 تريليون دولار، المملكة المتحدة: 608 مليار دولار) وفق الإحصاءات المتوفرة حتى بداية عام 2022 ..  غير ان العديد من الدول شرعت تسارع لاستبدال الدولار بالذهب في احتياطاتها من النقد الأجنبي، وها هو البنك المركزي الاحتياطي الهندي يسمح للبنوك المركزية في 18 دولة بما فيها تنزانيا وكينيا وأوغندا بتسوية المدفوعات بالروبية، كجزء من جهد أوسع للحدّ من الاعتماد على الدولار، وتعمل البنوك المركزية في دول من الصين إلى الهند والبرازيل على استبدال الدولار بالذهب بكميات كبيرة وبسرعة قياسية، فقد أبرمت الصين اتفاقيات ثنائية مع 41 دولة بقيمة تتجاوز 500 مليار دولار حتى تاريخه، بحيث يُصار لتسعير الصادرات الصينية بالإيوان، مما ساهم بمضاعفة حصة العملة الصينية في تمويل التجارة الدولية منذ بداية الحرب الأوكرانية من أقل من 2% في شباط 2002 إلى 4.5% في شباط 2023، وبما يقترب من نصيب العملة الأوروبية الموحدة “اليورو” التي تسهم بـ 6% من تمويل التجارة الدولية.
 
ولكن علينا ان نذكر ان الدولار مازال يحظى ب 84% من تمويل التجارة العالمية، ولا يزال الاقتصاد الأميركي اكبر اقتصاد في العالم، بناتج محلي يتجاوز 23 تريليون دولار، يليه الاقتصاد الصيني بـ 17 تريليون دولار، فالهندي بـ 3 تريليون .. كما تواصل امريكا تصدرها التصنيع العسكري وصادراته المسعرة بالدولار بنسبة 49%!
ماذا عن أوروبا
 
 يتفوق اليوم الناتج القومي الإجمالي الأميركي على نظيره الأوروبي (بما في ذلك البريطاني) بحوالي 7 تريليون دولار في حين انه كان يقل عنه بـ 1.5 تريليون دولار قبل 15 عاماً ..اما متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في امريكا فيكاد يبلغ ضعفه في أوروبا (70,000 دولار مقابل,38.400 دولار) التي تكاد نسبة التضخم فيها ان تكون ضعفها في أمريكا (7% مقابل 4%). ويعود الفضل في ذلك لإرتفاع أسعار الطاقة، والحرب الروسية الأطلسية بدفع امريكي حيث بلغت فاتورة الطاقة في أوروبا 800 مليار يورو العام الماضي. كما أدى هذا الارتفاع لزيادة الوفيات في أوروبا في شتاء السنة الماضية بنسبة 2.2%  (اكثر من ضحايا وباء كورونا)!
 
وبعد الم تقف امريكا وقفة المتفرج على اوروبا تنتحر إبّان الحرب العالمية الثانية!؟ وهل تحركت إلّا في ربع الساعة الأخير، بعد ان تيقنت بأنّ كلّ المتقاتلين (حلفائها قبل الأعداء) قد خرجوا مفعمين بالويلات والخراب والافلاس لتفرض هي هيمنتها الأحادية على العالم!؟ الا ترون تكراراً للمشهد لإنقاذ ما تبقى لامريكا من هيمنة!؟
لكأنهم ما زالوا يتجاهلون فكرة وربما حقيقة “الغروب الامريكي”التي حذرهم منها هنري كيسنجر بقوله: “اياكم والغرق في تلك الزاوية الضيقة التي تدعى أوكرانيا، دون الوعي بالتفاعلات الاستراتيجية التي تحدث على امتداد العالم، والتي قد تقلب المشهد الدولي رأساً على عقب” .. وهل حقاً ان القطيعة مع أميركا هي القطيعة مع الأزمنة والعودة الى العصر الحجري كما قال روبرت كيغان (Robert Kagan)!؟

وماذا عما جاء في مقالي المشار اليه أعلاه عن الهحرة من منظمة التجارة العالمية والدولار إلى مجموعة بريكس (5 + 13) والعملة الوطنية .. ومن هيروشيما في اليابان الى شيآن (تشانغان) في الصين!؟ فهل تُعاد امريكا الى مبدأ مونرو (1823 )، بسياسة الأبواب المقفلة سيما وان دولاً بحجم السعودية مالياً وسياسياً تتجه للالتحاق بمجموعة “بريكس”!؟ من حقهم في السعودية وبلدان الخليج ان يناقشوا جدوى عقود من الارتباط الاستراتيجي الذي ربما سهّل لهم الاقتصاد الريعي ليبعدهم عن الصناعة والتكنولوجيا التي اعتمدها نمور جنوب شرق آسيا، مثلاً! وماذا عن اتفاق بكين بين السعودية وإيران؟

ثم كيف للهند بديموغرافيتها والتكنولوجيا ان تبقى حبيسة السياسات الأميركية التي ما فتئت تدفعها للعداء مع الصين  التي ربما يفتح التعاون معها أبواب ونوافذ معالجة العديد من الفجوات الاقتصادية والاجتماعية حيث نرى الفقر يضغط بقوة على الايقاع السياسي، والفكري الايديولوجي للبلاد!؟ اما في باكستان، فماذا أثمرت عقود التبعية لواشنطن غير الكوارث والعثرات الاقتصادية، والتصدعات السياسية، والانقلابات العسكرية بادارة وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية!؟

يوماً بعد يوم، تدًكّنا مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام وحتى وسائط الإعلان بقنابل متتالية وصواريخ متوالية مثل:

حروب، معارك، صراعات، عدوان، اعتداء، هجوم، غارات، دمار، تدمير، كوارث، شغب، مجازر، مذابح، قتل، تقتيل، حرق، نهب، تصفية، تطهير، تَحْطِيم، حطام، تَخْرِيب، خراب، تَشْوِيه، تَكْسِير، تَلَف، هدم، تَهْديم، هلاك، إهلاك، دم، إِمَاتَة، إِبَادَة، إفناء، نُزُولٌ، سُقُوط، اِنْحِلاَل، إِنْخِفاضٌ، تَقْويض، خَسْفَ، دَكّ، هُبُوط، اضمحلال، خلل، تحلل، تفكك، اخفاق، تدهور، بلبلة، قلاقل، فوضى، فتنة، هيجان، تزعزع، غليان، جزع، إِسْتئْصَال، إِعْطاب،إِفْساد، انهيار، اضطراب  – والقائمة تطول … وعليه سأكتفي بعنوانين اخباريين ظهرا متتابعين بأكثر من صحيفة وموقع:

– فرنسا: الدين العام يتجاوز عتبة الـ 3 تريليون يورو.. وديون مُتفاقمة واحتجاجات مُستمرّة وشُكوكٌ اقتصادية تلوح في الأفق.. هل تُواجه البلاد الانهيار؟

– السلطة الفلسطينية تنهار ولحظة إعلان الإفلاس اقتربت والرئيس عباس مصدوم.. خفايا وأسرار تتكشف لأول مرة ولغز في استقالات الموظفين الجماعية.. مصير مجهول ورام الله تستنجد قبل الغرق.. فهل اقتربت لحظة الانهيار؟

 
فهل نتدحرج، كما اشارت “ديانا فاخوري” اكثر من مرة، نياماً الى هرمجدون (Armageddon) بذات ليلةٍ!؟ نحن اليوم في عالم مضطرب تتداخل فِيْهِ الجبهات وتتشابك وتتبدّل مع كلّ تحوّل على مسرح عمليات الحرب الأطلسية ضدّ الشرق بشكل عام، وروسيا بشكل خاص — وروسيا اليوم في حالة حرب ليس مع أوكرانيا وجيشها فقط، بل مع “الغرب الجماعي” بكليته! فهل نقف مشدوهين  بانتظار ان ترتعش الارض” وترتجف، او لعها تنتفض؟ وهل نكرر: 8، 36، 156؟ انها  عدد الآيات، وعدد الكلمات، وعدد الحروف التي تشكل هزة عنيفة لبعض العقول وللقلوب الغافلة. هزة يشترك فيها الموضوع والمشهد والإيقاع اللفظي. هي صيحة قوية مزلزلة للأرض ومن عليها فما ان يستفيقوا حتى يواجههم الحساب الذي لا يدع ذرة من خير أو من شر الا ويزنها ويجازي عليها!
اما انت، يا موت، فقد هزمتك “ديانا” وانتصرت روحا نقيّا كالسَّنا لتشيــر إلـى الدنيـا بوجـهٍ ضـاحكٍ — تملأ الندى بشاسةً وهدىً، وتجعل الدمع سنابل ..

الدائم هو الله، ودائم هو الأردن العربي، ودائمة هي فلسطين .. وها هم الأردنيون  و“حسّان”  بصحبة “ذو الفقار”، و”سيف القدس” المسلول، و”ثأر الاحرار”، و”كتائب أحرار الجليل” و”كتيبة الرضوان”، و“قسماً قادرون وسنعبر”، و”جنينغراد” ف”جنيبلسغراد”، وفلسطين بحطّينها، ووحدة الساحات، ووحدة الجبهات .. ها هم العرب الاردنيون وها هي أيام سوريا والاردن وفلسطين، والمقاومة تهز العالمين! 

نصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون ..

*الياس فاخوري
كاتب عربي أردني

قد يعجبك ايضا