متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الثاني والعشرون، بتاريخ الثالث من حزيران/يونيو 2023 م / الطاهر المعز





 الطاهر المعز ( تونس ) – السبت 3/6/2023 م …  

يحتوي العدد الثاني والعشرون من نشرة “مُتابعات” على تذكير ببعض وقائع يوم الثالث من حزيران، وفقرة عن وضع تونس الإقتصادي، من خلال بعض الأرقام عن الهجرة والمهاجرين التونسيين، وفقرة عن واحدة من تجارب الزراعة المُستدامة في الأراضي القاحلة بالأندلس، في جنوب إسبانيا، وفقرة عن المنافسة الدّولية على المعادن الثمينة ضمن التقسيم العالمي للعمل، وفقرة عن بعض خفايا إطالة أمد الحرب في أوكرانيا، وفقرة عن مكانة الصين كمنافس للولايات المتحدة في إطار النظام الرأسمالي العالمي 

من أحداث يوم الثّالث من حزيران

توفي الكاتب المسرحي والروائي والشاعر التركي الشيوعي ناظم حِكْمَتْ، يوم الثالث من حزيران سنة 1963  (وُلد يوم 21 تشرين الثاني/نوفمبر 1901)، وهو الذي عاش في المنفى لأنه عارض كمال أتاتورك فَسُجِنَ ونُفِيَ وحُرِم من جنسيته، ومن أقواله: “لا تَعِشْ على الأرض كَمُسْتَأْجِرِ بَيْتٍ أو زائر ريف وسَطَ الخُضْرَةِ، بل فَلْتَحْيى  الأرض كما لو كان العالم بيت أبيك… ثق في الحُبّ وفي الأرض وفي البحر  …” – “أجملُ البِحار هُو البحرُ الذِي لمْ نذهب إليهِ بعْد.. وأجملُ الأطفال هم الذين لمْ يكبرُوا بعْد.. وأجملُ الأيّام هِي تِلْك التِي فِي إنْتِظارنا”

في الثالث من حزيران/يونيو سنة 1974 تُوفّي “مصالي الحاج” (وُلِدَ يوم 16 أيار/مايو 1898)، أحد رموز حركة التحرر الوطني الجزائرية الذين رفعوا شعار الإستقلال الكامل لبلدان شمال إفريقيا، منذ العقد الثالث من القرن العشرين، وهو من أهم زعماء منظمة “نجم شمال إفريقيا” 

الثالث من حزيران/يونيو 1098، كانت الحملة الأولى لِحُرُوب الفَرَنْجَة (المُسمّاة “صليبية” ) في ذروتها (بدأت سنة 1095، بدعوة من البابا أوربان الثاني)، ويُصادف هذا اليوم احتلال مدينة انطاكية، وهي إحدى الإمارات شمال الشام، قبل احتلال القُدْس سنة 1099، ورفض قادة الدّولة الفاطمية ( الخليفة المُسْتَعْلِي والوزير الأَفْضَل) المُشاركة في الدّفاع عن فلسطين، فكان ذلك سببًا ومنطلقًا لنهاية الدّولة الفاطمية التي تأسست سنة 970 ( المهدية ورَقّادة والقاهرة) واضمحلت سنة 1171…   

بعض جوانب الوضع بتونس، من خلال بعض البيانات عن الهجرة والمهاجرين

أكّدت منظمة الأغذية والزراعة على خطوة الوضع الغذائي في تونس (ضمن وَضْعٍ دولي شامل)، ويتوقع رئيس “المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل” أن يتعرض أكثر 3,3 ملايين مواطن لتهديد أمنهم الغذائي، بفعل الإرتفاع المُشِطّ لأسعار السّلع الغذائية وانخفاض قيمة الدّخل الحقيقي للمواطنين… أما الحكومة فتتعلّلُ بالوضع الإقتصادي الصّعب، الذي رَفَعَ عجز الموازنة بنهاية سنة 2022 إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما بلغ حجم الدَّيْن العام 114,7 مليار دينار (36,8 مليار دولار ) بنهاية سنة 2022، أو ما يُعادل  79,4% من الناتج المحلي الإجمالي، ويمثل الدَّيْن الدّاخلي 42,1% والدّيْن الخارجي 57,9% من الحجم الإجمالي للدُّيُون العمومية، وفق وزارة المالية التي أعلنت كذلك نمو الإقتصاد التونسي بنسبة 2,1% خلال الربع الأول من سنة 2023، وهي نسبة ضعيفة لا تُؤَمِّنُ توفير الوظائف، فيما بلغت نسبة التضخم 10,1% بنهاية شهر نيسان/ابريل 2023…

تعيش البلاد حالة جفاف ( كما بلدان المغرب العربي) خطيرة، وقدَّرَ المصرف الإفريقي للتنمية (أحد فروع البنك العالمي، وكان مقره بتونس) الخسائر الناجمة عن التغييرات البيئية بنحو خمسة مليارات دولارا، وقَدَّرَ حاجة حكومة تونس إلى تمويلات بقيمة 75 مليار دينارً أو ما يُعادل 24،4 مليار دولار للفترة الممتدّة من 2020 إلى 2030، “للاستجابة بشكل ملائم لتحديات التغيرات المناخية” (تقرير بعنوان الآفاق الإقتصادية لإفريقيا لسنة 2023)، لكن خزينة الحكومة فارغة، وتُعاني منذ سنوات من أزمة سُيُولة، ولجأت إلى صندوق النقد الدّولي سنوات 2012 و 2016 و2022 وتم الإتفاق مبدئيًّا بين حكومة تونس وصندوق النقد الدّولي على قَرْض بقيمة 1,9 مليار دولارا (طلبت الحكومة التونسية أربعة مليارات دولارا) خلال الرّبع الأخير من سنة 2022، لكن لم يتم صرف القسط الأول من القرض، بنهاية أيار/مايو 2023، بسبب اشتراط صندوق النقد الدّولي تطبيق شروطه المجحفة مُسبقًا، وهو ما تفعله الحكومة، لكن بنسَقٍ يعتبره الصندوق بطيئًا، وتتدبر الحكومة أمرها لمعالجة شح العملات الأجنبية (أزمة سُيُولة نقدية) بما توفّر لديها من إيرادات السياحة ومن تحويلات العاملين بالخارج وبعض القروض الصغيرة، لتسديد ثمن بعض الواردات وأقساط القُروض ودعم الميزانية.

بلغت إيرادات السياحة في تونس، بنهاية مارس 2023 نحو مليار دينار تونسي ( 329,6 مليون دولار) وفقا لبيانات صادرة عن المصرف المركزي التونسي، يوم الجمعة 26 أيار/مايو 2023، وهي إيرادات ضعيفة جدًّا ولا ترقى إلى مستوى الدّعاية والتضحيات والخسائر البيئية والثقافية والحضارية التي تتكبدها البلاد جَرّاء السياحة، فضلاً عن حرمان المواطنين من الشواطئ ومن إنتاج البحر والأرض، بينما بلغت تحويلات التونسيين العاملين بالخارج خلال الربع الأول من سنة 2023 إلى نحو 1,9 مليار دينار مقابل 1,7 مليار دينار في الربع الأول من سنة 2022 التي بلغت إيراداتها الإجمالية 9468,4 مليون دينارا، بنهاية كانون الأول/ديسمبر 2022، ونحو 8617,8 مليون دينارًا بنهاية سنة 2021، واحتلّت تحويلات العمال المهاجرين مركز الصدارة في توفير العملة الأجنبية للاقتصاد التونسي ، حيث وَفَّرَت 20% من احتياطي العملات الأجنبية، ومكّنت من تغطية الدين الخارجي خلال الأشهر السبعة الأولى من سنة 2022، والبالغ نحو ثلاثة مليارات دولارا، وتناهز ضِعْفَ عائدات قطاع السياحة خلال نفس الفترة من سنة 2022، وفق بيانات المصرف المركزي التي أظهرت أن تحويلات التونسيين المقيمين في الدول العربية لا تتجاوز 10,3% من حجمها الإجمالي، ومعظمها من السعودية (4,2% ) وتُعَدُّ قارّة أوروبا مصدَرًا لنحو 68,9% من هذه التحويلات، أي من فرنسا (44,2%) وألمانيا (16,9%) وإيطاليا (13,5%).

ارتفع عدد التونسيين المُقِيمين بالخارج (هجرة نظامية رسمية) من 1,2 مليون سنة 2011 إلى 1,7 مليون شخصًا سنة 2021، أو أكثر من 12% من مجموع التونسيين والتونسيات (حوالي 12,3 مليون نسمة)، وتعتمد حوالي 2% من الأسر التونسية بشكل شبه كُلِّي على تحويلات أبنائها المُهاجرين و 14% من الأسر التونسية بصفة جُزْئِية.

تُوَجَّهُ تحويلات العاملين بالخارج، إلى أُسَر فقيرة في معظمها، لتُنْفِقَها في مجالات التعليم والصحة والاستهلاك والإنفاق العقاري، ونادرًا ما تُخَصَّصُ نسبة صغيرة للاستثمار في قطاعات ذات القيمة المضافة العالية، رغم المحاولات العديدة للتونسيين المقيمين بالخارج لإنشاء مشاريع وأعمال تجارية في تونس، بسبب غياب المُحَفِّزات، وقدّر ديوان التونسيين بالخارج (وزارة الخارجية) عدد المشاريع التي أنشأها المُهاجرون التونسيون سنة 2021 بحوالي 2723 مشروعًا بقيمة 73 مليون دولارا، معظمها ( 66% ) في قطاع الخَدَمات و 29,5 % من المشاريع في قطاع الزراعة و 4,5% من المشاريع في قطاع الصّناعة.

إن مَصْدَرَ الأرقام المذكورة هبي البيانات الرّسمية للهجرة القانونية وللتحويلات التي تمر عبر القنوات الرسمية، غير أن إرسال الأموال إلى تونس، أو غيرها، يتطلب تسديدَ رُسُوم مرتفعة جدًّا، قد تصل إلى 10% من إجمالي المبلغ المُرْسَل إلى الأهل بتونس، وقدّر البنك العالمي متوسط نسبة هذه الرُّسُوم بنحو 8,7% من قيمة المبلغ، ولذلك يُفَضِّلُ كثيرون إرسال الأموال عبر القنوات غير الرسمية التي تستوعب ما لا يقل عن 50% من التحويلات الإجمالية للبلدان الأصلية للمهاجرين وفق تقديرات البنك العالمي،

لا تحتسب المعطيات الرسمية سوى التحويلات التي تمر عبر القنوات الرسمية. ويمكن أن تمثل التحويلات المالية غير الرسمية وفقا للبنك الدولي 50% أو أكثر من إجمالي التحويلات لبلد ما، ومع ذلك وعلى مدار العقد الماضي، تجاوزت التحويلات التي تلقتها تونس  المداخيل الإجمالية للسياحة وللإستثمارات الأجنبية المباشرة، مما يجعلها أحد المصادر الرئيسية للعملة بتونس، وبلغت 4,7% من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2021، وهي أكبر حجما وقيمةً وأكثر استقرارا من عائدات السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر…

استغلّت أوروبا الصّعوبات الإقتصادية لتونس (وبلدان أخرى عديدة) لاستنزاف الكفاءات، كالأطباء والمهندسين الذين أنفق الشعب التونسي المال لتعليمهم، ومن جهة أخرى يفرض الإتحاد الأوروبي على بلدان الضّفّة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسّط مُقاربَةً أَمْنِيّة لمسألة الهجرة، من خلال عَسْكَرَةَ الحُدُود وتكثيف حملات تفتيش واعتقال وترحيل المهاجرين غير النظاميين الذين يعبرون البلاد، قبل التّوجُّهِ بَحْرًا إلى أوروبا، رغم مخاطر الغرق والموت، وبذلك تتحول تونس إلى منطقة حدودية متقدمة، وتُنَفِّذُ أجهزتها الأمنية المَهام التي يتوجّب على السلطات الأوروبية القيام بها في الضّفّة الشمالية للبحر الأبيض المتوسّط… 

الزراعة المُستدامة في المناطق القاحلة

الأندلس هي المنطقة الأقل رُطوبَةً وأمطارًا بإسبانيا، خصثوصًا في هضبة غواديكس (Guadix ) فهي منطقة جافة ، مُهَدَّدَة بالتّصَحُّر،  حيث تقوم إحدى الجمعيات بتجربة التقنيات الزراعية التي تحترم التربة وتوفر المياه، تحت عنوان “الزراعة المتجددة”، وحققت التجربة نتائج إيجابية في مزارع اللوز في مقاطعة ألميريا بجنوب إسبانيا، حيث تساعد الجمعية المنتجين على الانتقال إلى الزراعة المتجددة، لرعاية الأرض، وقد تم الاستشهاد بالمبادرة كمثال للممارسات الجيدة من قبل الأمم المتحدة في تقريرها الأخير عن التصحر في العالم، وتعتمد التجربة على الزراعة العضوية، عبر تغطية التربة للمحافظة على بعض الرطوبة، وتنويع الإنتاج لِتُشكل النباتات مزيجًا من المحاصيل وعلف الحيوانات…

أما اختيار شجرة اللوز فيعود لكونها شجرة تأقلمت تاريخيا مع مناخ المنطقة، وتقاوم الظروف الصعبة والقاسية، لكن تغير المناخ يهدد المنطقة، كما يهدد الاستخدام غير السليم للأراضي (إرهاق الأرض بكثرة الحرث، وممارسة الزراعة الأحادية والافتقار إلى التنوع البيولوجي) بحصول كارثة لا علاج لها…

جَرّبت الجمعية (قبل تعميم التجربة) زَرْعَ أشجار اللّوز في قطعة أرض جرداء مائلة (مُنحَدَر)، ولما هطلت أمطار خفيفة في فصل الربيع، نبتَتْ الأعشاب القصيرة مع أزهار أرجوانية صغيرة على شكل جرس وقرون من جميع الأنواع، وهي في الواقع مزيج من البقوليات المختارة بعناية لخصائصها المحددة، فهي تخصب الأرض وتحمي التربة من التعرية، “فالبقوليات تمتص النيتروجين من الهواء وتخزنه بين جذورها، لِيُغَذِّي هذا النيتروجين الأرض وأشجار اللوز، لأن الزراعة المتجددة تعتمد على جمع وتوفير المياه والرطوبة “… عندما تنزل الأمطار على تربة جرداء، لا تتسرب المياه إلى باطن الأرض، بل تتبَخّر، ولذا، للاحتفاظ بالمياه ، وجب الحرث عكس اتجاه المنحدر، وإلا فإن مياه الأمطار تتدفق من التلال لتتجه نحو الأسفل بسرعة، ولذا وجب الحرث على عمق صغير لكي تمتص التربة النباتية ما يصل إلى ضعف سرعة الأرض العارية، لتنبت تقوم عدة أنواع من النباتات التي تقوم بدور تخصيب الأرض وحماية التربة من التعرية وتجعل الرطوبة أكثر نفاذاً، وقد تُمثّل هذه الطريقة مستقبل الزراعة، خصوصًا إذا تمكن المزارعون من التحكم في الغطاء النباتي والتحكم في نمو النباتات البقولية حتى لا تستهلك الكثير من الماء أو العناصر المُغَذِّيَة الأخرى التي تحتاجها أشجار اللوز، ومعرفة موعد قطفها لتبقى احتياطيات النيتروجين في الأرض وتُغَذِّيَ أشجار اللوز.

في بعض الأحيان ، تهطل الأمطار الغزيرة في فترة قصيرة فتجرف الطبقة السطحية للتربة العارية، حيث تتشكل البرك الكبيرة في قطع الأرض العارية، أسْفَلَ المنحدرات، حاملة الطبقة السطحية للتربة وهي الطبقة الأكثر خصوبة، ووجب المحافظة على هذه التربة التي تتحول تدريجيًا إلى تربة خصبة، بفضل المعادن التي حملتها المياه من أعلى إلى أسْفَل…

  تلتزم الزراعة المتجددة باحترام قواعد معينة لتصبح مستدامة، ولكن يجب أن تكون مربحة أو قادرة على إعالة المزارعين وذويهم، ما يُحتّم خلق شبكة من التعاونيات أو الهياكل التجارية التي تبيع الفاكهة أو الخضار أو المنتجات المصنعة بدون وسائط، بعيدًا عن شبكات المُضارَبَة والإحتكار، بأسعار مدروسة تناسب المُنتج والمُستهلك، ولكي تكون الزراعة المتجدّدة مُستَدَامة، وتجميع الموارد المادية واستخدامها بالتداول والإشتراك في صيانتها وتجديدها، واندماج النشاط الزراعي للفلاحة المُستدامة ضمن النسيج الاقتصادي والاجتماعي الذي يُثَبِّتُ السكان في هذه المناطق التي هجرها السكان، وخصوصًا الشباب، بسبب الفقر. 

حرب من أجل السيطرة على المعادن

احتدت المنافسة بين شركات التنقيب عن المعادن، خلال انعقاد مؤتمر “إندابا”، أكبر مؤتمر للاستثمار في التعدين في إفريقيا، الذي عقد في شباط/فبراير 2023، في كيب تاون بجنوب إفريقيا “لدراسة أساليب تحديث استخراج وتصنيع حوالي خمسين معدنا مهما ضروريا لتقليل انبعاثات الكربون وإيجاد وظائف خضراء”، وضَمّ الوفد الأمريكي الضّخم مسؤولين من البيت الأبيض ووزارات الخارجية والتجارة والطاقة، ما يعكس الأهمية التي توليها الولايات المتحدة للسيطرة على هذا القطاع الذي استحوذت الصين وروسيا على حصة كبيرة منه، فقد احتدّت المنافسة التجارية العالمة من أجل الهيمنة على أسواق المعادن، خاصة الاستراتيجية منها، حيث تتركز الاحتياطات في عدد محدود من البلدان، منها قارة إفريقيا التي تضم نحو 30% من الموارد المعدنية العالمية، وعلى سبيل المثال، تُعَدّ الكونغو أكبر منتج  للكوبالت الذي يستخدم في صناعة البطاريات، بنحو 70% من الإنتاج العالمي، وتُسيطر الشركات الصينية على 15 من أصل 19 منجما للكوبالت في الكونغو، وتنحصر القدرة على استخراج هذه المعادن وتصنيعها في عدد أقل من البلدان، ما يزيد من خطر احتمال تحول المنافسة إلى حرب تجارية، بعد العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي على روسيا…

سبق أن فرضت الصين والهند والأرجنتين وروسيا وفيتنام وكازاخستان قيودًا سنة 2020 على تصدير المعادن النّادرة، وفرضت الولايات وفرضت المتحدة، في تشرين الأول/أكتوبر 2022، حضر التعاون مع الصين في مجال التكنولوجيا، ومنع الشركات الأمريكية من التعاون مع شركات صينية لإنتاج أشباه الموصلات المتطورة، وفرضت الصّين بدورها (ردًّا على القرار الأمريكي) في كانون الثاني/يناير 2023،  المزيد من قيود تصدير رقائق الألواح الشمسية والبولي سيلكون اللازم لتصنيعها.

قدّرت دراسة نشرتها جامعة “غلاسكو” ضرورة زيادة الإنتاج بنحو 40 ضعفا من الليثيوم، و25 ضعفا من الغرافيت ونحو 20 ضعفا من النيكل والكوبالت، لتلبية حاجة شركات “الطاقة النظيفة” بالولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي وروسيا، بحلول سنة2040، ما يُحَوّل الطلب على المعادن النادرة إلى صراع قد يكون لصالح الصين التي تقوم بتكرير نحو 70% من النيكل و40% في المائة من النحاس و60% في المائة من الليثيوم و73% من الكوبالت في العالم، ما يجعل الشركات الصينية أكبر منافس لشركات أمريكا الشمالية وأوروبا وأستراليا في مجال التعدين، وأدّت سياسات العقوبات الأمريكية ضد الصين وروسيا إلى تقارب شركاتهما، ليُؤَدِّيَ تعاونهما في مجال التعدين وتجاوز الشركات “الغربية”، وتعمل الولايات المتحدة على فَرْضِ تشكيل جبهة بزعامتها، تضم حلفاء غربيين لتأمين احتياجاتهم من المعادن، بعضوية أستراليا وكندا وفنلندا وفرنسا وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية والسويد وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، بهدف إقصاء روسيا والصّين وعَسْكَرة قطاع استخراج وتصنيع وتجارة المعادن، وكان الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن قد عقد مؤتمرًا في كانون الأول/ديسمبر 2022، بواشنطن، بحضور أكثر من 40 من القادة الأفارقة “لبحث قضايا التعاون”، وتركّز الإهتمام الأمريكي على قطاع المعادن، ووقعت الولايات المتحدة مذكرة تفاهم مع الكونغو وزامبيا في كانون الثاني/يناير 2023، بشأن استغلال مناجم النّحاس، غير أن الإستثمارات الأمريكية قليلة وبطيئة في إفريقيا، خلافًا للإستثمارات والمشاريع الصينية والرّوسية…

تُشير مجمل الدّراسات إلى ضرورة توسيع سلاسل التوريد من خلال ضخ مزيد من الاستثمارات، وتشير توقعات الطلب العالمي إلى زيادة قد تصل إلى 42 ضعفا على بعض المعادن المهمة والضرورية لتحقيق الأهداف الحد من الانبعاثات الغازية، ما جعل أجواء الحرب الباردة، بل الفاترة تهيمن على سوق المعادن، في غياب سيطرة المُنتجين على استخراج وتصنيع وتسويق إنتاجها، لكن لا تزال أسواق المعادن أضعف من أسواق المحروقات (النفط والغاز الطبيعي)، التي تجاوز حجم صادراتها تريليونَيْ دولار سنة 2020، بينما لم يتجاوز حجم صادرات الكوبالت، خمسة مليارات دولار، وصادرات النيكل 30 مليار دولار، خلال نفس السنة (2020) ولا تزال شركات الطاقة الخمسة الكُبرى تتحكم بالأسواق العالمية…

لماذا تريد الولايات المتحدة إطالة أمد الحرب في أوكرانيا؟

تريد القوى الغربية ولا سيما واشنطن والشركات الكبرى والمُجَمَّع الصناعي العسكري إطالة أمد الحرب لاستنزاف روسيا، وكذلك للسيطرة على اقتصاد أوكرانيا والبلدان المُجاورة لتشديد الحصار على روسيا، بالإضافة إلى الأهداف الآنية والإقتصادية المُباشرة، حيث يتم تقديم المساعدة المقدمة لأوكرانيا منذ بداية الحرب على أنها “تبرعات” لكنها في الواقع عبارة عن قروض يتعين على أوكرانيا سدادها والوفاء بالشروط التي يفرضها المقرضون: الإجراءات النيوليبرالية الإضافية وخصخصة المؤسسات العامة والاستيلاء على الموارد الطبيعية والأراضي الصالحة للزراعة إلخ، ويتم تشجيع الحكومة الأوكرانية (وهي مدرسة فساد وسرقة وعمالة للولايات المتحدة وللإتحاد الأوروبي) على الاستدانة لتغطية النفقات المُتزايدة للحرب، لكن المواطنين سوف يتحمّلون أعباء هذه الديون عندما يحل أجل سدادها، في غضون خمس أو عشر سنوات.

تلقت أوكرانيا سنة 2022، ما لا يقل عن 31,1 مليار دولار من التبرعات والقروض الأجنبية (بالإضافة إلى المساعدات العسكرية والمبالغ غير المُعْلَنَة)، بمتوسط 3,1 مليار دولار شهريًا منذ بداية الحرب، كما تلقّت خلال الأشهر الأربعة الأولى من سنة 2023، نحو 22,9 مليار دولار، لا تشمل “المساعدات” العسكرية، ويتم إنفاق جزء هام من المساعدة المالية على شراء خدمات وإنتاج شركات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتُساهم هذه “المساعدات” في ارتفاع حَجْم الدين الخارجي لأوكرانيا الذي وصل في كانون الأول/ديسمبر 2022 إلى أكثر من 132 مليار دولار، أو حوالي 75% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما يمثل الدين المحلي أكثر من 25% من الناتج المحلي الإجمالي الأوكراني، ونظرًا لثقل الحمْل ورغبة الدّول الإمبريالية في إطالة أمد الحرب، أعلنت الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، في تموز/يوليو 2022 ثم في آذار/مارس 2023، تعليق سداد الديون الأوكرانية حتى العام 2027، لولا يشمل هذا التّأجيل سداد ديون صندوق النقد الدولي والدائنين من القطاع الخاص، كما يستمر احتساب الفائدة الواجب دفعها وستتم إضافتها إلى الدّيْن الأصلي الذي يجب سداده بالكامل، وبذلك ترتفع قيمة الفائدة على الدّيون الأوكرانية خلال فترة التعليق، بما لا يقل عن خمسين مليار دولار، وبخصوص صندوق النقد الدولي والبنك العالمي فإنهما يُطبِّقان مبدأ السداد الكامل للدُّيُون حتى لو وافق دائنون آخرون على تخفيض الديون، ويطبق صندوق النقد الدولي معدل فائدة حقيقي يتراوح بين 4,5% و 8% حسب الحالة، بالإضافة إلى الشروط التي يفرضها والتي تضر بحياة ومصالح وظروف عيش السكان.

تُشكّل الدُّيُون، ولو تم تقديمها في قالب مُساعدات مالية مزعومة، فَخًّا أو هدية مسمومة يُسدّد الشعب ثمنها المُرتفع في صورة خصخصة المؤسسات العمومية وبيع الأراضي الخصبة للشركات الإحتكارية العالمية، وخفض الرواتب وقيمة الدّخل الحقيقي للمواطنين وإلغاء دعم السلع والخدمات الأساسية وإلغاء مكتسبات العاملين والنساء ومجمل المكتسبات الإجتماعية من سكن ورعاية صحية وتقاعد الخ فضلا عن استخدام الدّيون من قبل المؤسسات المالية والدائنين لنهب الثروات وإملاء البرامج والخطط النيوليبرالية طيلة العُقُود القادمة

يُسْتَخْدَمُ الدَّيْن كوسيلة للضغط من قِبَل الدائنين لفرض النموذج الليبرالي الجديد والمعادي للشعب، حيث يطالب كُلّ الدائنين دائمًا بخصخصة الشركات والموارد الطبيعية والأراضي الصالحة للزراعة وما إلى ذلك، من أجل الاستيلاء على جزء من ثروة البلدان المَدِينَة، ما يُبَرِّرُ المُطالبة والنضال من أجل شطب ديون دول “الجنوب” ( أو الأطْراف ) لما تسببه من مضايقات وأضرار لحياة السكان، ونهب لثروات البلدان. 

هل تُشكّل الصين بديلاً للسياسات الأمريكية؟

نشأ صندوق النقد الدولي كأداة استعمارية، بنهاية الحرب العالمية الثانية (سنة 1944)، مع مجموعة من الآليات منها البنك العالمي والأمم المتحدة وما أصبح يُعْرَفُ بمنظمة التجارة العالمية، وغيرها من أدوات الهيمنة التي تُلائم مرحلة نهاية عصر الإستعمار التقليدي العسكري المباشر والتي تتطلب ابتكار آليات استعمارية جديدة، أساسُها الهيمنة الإقتصادية، من خلال الدُّيُون التي تُرافقها شُرُوط تُقَوّض السيادة الوطنية وتُلْغِي مُقومات الإستقلال. 

لماذا تلجأُ دُول المُحيط إلى الدّيُون؟ لأن الإستعمار ينهب ولا يستثمر إلاَّ بالحدّ الأدنى الضروري ويُدَمِّرُ ويُخَرِّبُ ولا يبني، ويترك البلاد خرابًا عند رحيل جُيُوشه، وتلجأ معظم الدّول حديثة الإستقلال إلى الدّيُون لإعادة تعمير البلاد وإنشاء البُنية التّحتية والطرقات والسكك الحديدية والمدارس والمُستشفيات وغيرها، لكن شُرُوطَ الدّائنين تتضمّن رقابة صارمة على طريقة استخدام مبالغ الدُّيُون، وتشترط تسديد المبالغ على أقساط، تتخللها عمليات تقويم لدرجة تطبيق الشروط، ومنها الخصخصة وعدم استخدام القروض في المشاريع المنتجة، فضلاً عن الفوائد المرتفعة التي يتم إدماجها ضمن مبلغ القرض الأصلي، لتتضاعف الدّيون بعد حوالي عشرين أو خمسة وعشرين سنة، ما يخلق دَوّامةً لا خُرُوج منها سوى بتغيير نمط التنمية، وإعادة التفاوض حول إلغاء الدّيون أو تغيير قواعدها وشروطها التي أدّى تطبيقها إلى إلغاء القطاع العام وزيادة الضرائب ونسبة الفقر وانخفاض قيمة العملات المحلية…  

في ظل هذه الأوضاع، وفي ظل الحَظْر والعُقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على مجموعة من الدّول (كوبا وفنزويلا وإيران وروسيا وكوريا الشمالية وسوريا…) تشكّل أي بادرة تنمية مُستقلة عن الإمبريالية وعن الدّولار وعن دُيُون صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي، خطوة نحو إضعاف الإمبريالية الأمريكية المُهَيْمِنَة، ومن بين هذه المبادرات، اتفاقيات التبادل التجاري باستخدام العملات المَحَلِّية، ما يُخفّض حصّة الدّولار (كأحد أدوات الهيمنة الأمريكية) من الاقتصاد العالمي ومن احتياطي العملات بالمصارف المركزية.

حاولت الولايات المتحدة منذ 2012 (فترة رئاسة باراك أوباما، بدعم من عشيرة آل كلينتون) محاصرة المَمَرّات المائية التي تستخدمها الصين لعبور نحو 40% من حجم تجارتها مع العالم، لتبدأ، سنة 2013، تنفيذ مباردة الحزام والطريق (أو طريق الحرير الجديدة) للإلتفاف على محاولات الخنق والحصار الأمريكية، واغتنمت الصين – أكبر منافس للولايات المتحدة – فرصة الضّيق الذي تسبّبت به الهمجية والعجرفة الأمريكية لتعزيز الصف المُناهض للمخططات الأمريكية، منها عسكَرَة العلاقات الدّولية والسياسة الخارجية الأمريكية، ولِفَرْض شروط الصين على روسيا في مجال الطاقة والتجارة البينية، وهي الشروط التي رفضتها روسيا سابقًا طيلة عشر سنوات، ولزيادة عدد الإتفاقيات التجارية باستخدام العُملات المحلية التي تستفيد منها العملة الصينية (اليُوان) بدرجة أولى، مع دول مجموعة “بريكس” (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا التي تُمَثِّلُ 41% من سكان العالم و31,5% من الناتج الإجمالي العالمي) والسعودية والإمارات وإيران وإندونيسيا، وتعززت عملية الابتعاد عن استخدام الدولار في التجارة الدولية، خلال سنة 2022 وبداية سنة 2023، لتشمل حوالي ستين دولة، من بينها دول حليفة تحكمها أنظمة عميلة للولايات المتحدة، وأدّى توقيع اتفاقيات بيع المحروقات باليوان الصّيني إلى تقويض إحدى ركائز ما يُسمّى “بِتْرُو دولار” أي بيع النفط حَصْرِيًّا بالدّولار من قِبَل آل سعود وشُيُوخ النفط بالخليج، كما تقلَّصَ نفوذ الولايات المتحدة في جنوب القارة الأمريكية، بتغيير اتجاه أنظمة الحكم في بلدان عديدة منها كولومبيا وبوليفيا والمكسيك، فضلا عن الأرجنتين والبرازيل التي تتباحث بشأن اعتماد عملة موحدة ( سور ) في تجارتهما البَيْنِيّة وتقليل الإعتماد على الدولار…

أدّت الغطرسة الأمريكية، خُصُوصًا خلال العِقْدَيْن الماضيَيْن، إلى حيطة جميع الدّول، ومحاولات ابتعاد العديد منها عن استخدام الدّولار في المبادلات التجارية والتحويلات المالية الدّولية، وخَفْض حجم احتياطيات الدّولار بمجمل المصارف المركزية في العالم، من 73% سنة 2001 إلى 58% بنهاية سنة 2023، وفق تقديرات وكالة بلومبرغ الأمريكية، لترتفع حصة اليُوان الصيني واليُورو الأوروبي…

استخدمت الولايات المتحدة الدّولار كسلعة دولية تُباع وتُشترى وكوسيلة ضغط على جميع الدّول، فضلاً عن سيطرة الولايات المتحدة على نظام التحويلات المالية الدّولية (سويفت) وعلى الشبكة الإلكترونية للإتصالات ولتبادل المعلومات، لتجعل منها أدوات جيوسياسية تُمكّنها من إحكام قبضتها على العالم، كسلاح “ناعم” مُكَمِّل للترسانة العسكرية وللأساطيل التي تجوب القارات الخمس وللقواعد العسكرية الأمريكية ( أكثر من 800 قاعدة) المنتشرة في أنحاء العالم، كما تستخدم الولايات المتحدة أدوات أخرى للهيمنة، منها العسكري، كحلف شمال الأطلسي، ومنها الإقتصادي كمجموعة السّبع التي اجتمعت مؤخّرًا بمدينة “هيروشيما” ( اليابان) التي دمرها السلاح النووي الأمريكي بنهاية الحرب العالمية الثانية يوم السادس من آب/أغسطس 1945، بالتوازي مع قمة نظمتها الصين  يومي 18و19 أيار/مايو 2023، بمدينة شيان الصينية، مع قادة دول آسيا الوسطى ( أوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان وكازاخستان وقرغيزستان ) وهي دُوَلٌ مُتجاوِرَة، وللصين حدود مشتركة مع ثلاث منها (كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، وتتطلّع الصين إلى الإنتاج الوفير لمحروقات هذه الدّول ( النفط والغاز ) وإلى استخدام أراضي آسيا الوسطى كبوابة أساسية لمبادرة الحزام والطريق نحو أوروبا ومناطق أخرى من آسيا وإفريقيا، ولذلك كانت “كازاخستان” مُنطلقًا دشّن لمشروع “الحزام والطريق” الذي دشّنه الرئيس الصيني سنة 2013، وأعلن الرئيس الصيني، خلال قمة أيار 2023، استثمار 3,7 مليار دولارا في هذه الدّول (ادّعى إنها “مُساعدة”) واقترح “تعزيز التعاون المشترك في مجالات التجارة والصناعة والطاقة والنقل والزراعة والصحة والتكنولوجيا والأمن…” وعند مراجعة خلفيات الإهتمام الصيني بهذه المنطقة، الواردة في وسائل الإعلام الرسمية الصينية، نكتشف بعض الأهداف الأخرى ومن ضمنها التعاون الأمني والعسكري (بذريعة مكافحة الإرهاب والتّطرّف) والتصدّي للتدخّل الأمريكي عبر “الثورات المُلَوّنة”، وأشار الرئيس الصيني في خطابه إلى أهمية التعامل بالعملات الوطنية والتخلي التدريجي عن الدولار…

أسفرت القمة عن قرارات عَمَلِيّة لبناء خط أنابيب الغاز الطبيعي بين الصين وآسيا الوسطى للغاز الطبيعي وبناء طرقات وسكة حديد تربط مدينة “كشغر” الصينية بقيرغيزستان وأوزبكستان ثم تركمنستان وأذربيجان وجورجيا وتركيا، ووقعت الصين اتفاقيات ثنائية شملت التجارة والبنية التحتية والتكنولوجيا والإعلام والزراعة والصحة والمياه والمعادن الثمينة التي تحتاجها الصين، مثل اليورانيوم المُتوفّر في كازاخستان ( ثاني أكبر احتياطي عالمي) والنفط حيث يُقدّر احتياطي أوزبكستان بنحو 800 مليار متر مكعب، والغاز الذي تمتلك كازاخستان احتياطيًّا قُدِّرَ بنحو 3,8 تريليون متر مكعب، وكذلك تركمنستان، رابع أكبر احتياطي غاز طبيعي عالمي، والتي تربطها خطوط أنابيب نفط وغاز مع الصين، وتناولت الصين الجانب الأمني من خلال “محاربة الإرهاب والتطرف والنّزعات الإنفصالية”، وتهدف تأمين حدودها من جهة إقليم شينجيانغ حيث يُشكّل الويغور (أقلية مُسلمة دخل المئات من عناصرها إلى سوريا عبر تركيا، بتمويل قطري وإشراف تركي أمريكي) معظم السكان على جانبَيْ الحدود مع آسيا الوسطى، وخصوصًا طاجيكستان، كما أكّد الرئيس الصّيني على التعاون الإستراتيجي في “المسائل المتعلقة بالسيادة والاستقلال والكرامة الوطنية والتنمية طويلة الأجل… ونبذ التدخلات الخارجية”… 

 شَكّل اختيار الولايات المتحدة لمدينة هيروشيما واليابان كمكان لانعقاد مؤتمر مجموعة السّبْع، رسالة تفيد أن الولايات المتحدة تراقب عن كثب علاقات الصين وروسيا مع دول آسيا الوسطى – التي تبعد آلاف الكيلومترات عن أمريكا الشمالية –  فالولايات المتحدة تعتبر العالم كله فضاء للمصالح الإستراتيجية الأمريكية، كما تعتبر أي اعتراض من أي بلد في أي مكان من العالم “تهديدًا للأمن القومي الأمريكي”، وتبدأ الحُرُوب العدوانية الأمريكية عمومًا بإثارة قضايا “الدّفاع عن قِيَم الحرية والديمقراطية وحقوق المُثُلِيِّين والمرأة  والمساواة بين الجنسين والإصلاحات الداخلية والمؤسسية وحق تقرير المصير للأقليات الأثنية والدّينية ” وما إلى ذلك من شعارات الدّعاية الإعلامية الإمبريالية التي سبقت ورافقت تدمير وتفتيت يوغسلافيا والصومال والعراق وسوريا وليبيا وأفغانستان والسّودان واليمن، ونهب ثروات بلدان آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية…  

هل تُمثّل الصين قوة تقدّمية، مناهضة للإمبريالية؟

من حق الصّين الدّفاع عن مصالحها في تايوان وهونغ كونغ وشينجيانغ، فهي مناطق صينية، كما على حدودها في آسيا الوُسطى والجنوبية، وفي مناطق أخرى من العالم، لكن لا يَتَوهَّمَنَّ أحدٌ أن للصين مبادئ أو مواقف تقدّمية، حيث ينصبُّ هَمّ النظام الصِّيني على قيادة الإقتصاد الرأسمالي العالمي، تحت غطاء “عالم متعدّد الأقطاب” بدل القطب الأمريكي الواحد، فالصين دولة رأسمالية تطورت بفعل نهب ثروات بعض البلدان الفقيرة، وبفعل تجارة السلع الرخيصة والرديئة التي كانت تُباع في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية خلال العقد الأخير من القرن العشرين والعقد الأول من القرن الواحد والعشرين، مع تَجَنُّب منافسة الشركات الإحتكارية “الغربية”، ليتمكن النظام الصيني من مراكمة رأس المال والإستثمار في البحث والتطوير والإبتكار التكنولوجي الذي تمكّن (بالتزامن مع أزمة 2008/2009) من منافسة التكنولوجيا الأمريكية والأوروبية في مجالات الطاقات المتجددة والإتصالات والنّقل والتكنولوجيات الحديثة كلوحات الطاقة الشمسية والحواسيب والهواتف المحمولة وبطاريات السيارات الكهربائية…

لا يتردّد النظام الصّيني في تطوير العلاقات السياسية والإقتصادية مع الكيان الصهيوني ومع أي نظام دكتاتوري وقَمْعِي، لذا فإن صُعُودَها قد يُرْهِق الإمبريالية الأمريكية، وهي الأشدّ خطورةً على حرية واستقلال الشُّعُوب، ولكنه لن يُغَيِّر واقع علاقات الهيمنة التي يفرضها منطق رأس المال ولا من واقع استغلال عرق الكادحين بهدف تضخيم الأرباح، وما على البلدان العربية أو الإفريقية أو غيرها سوى تكثيف التعاون فيما بينها ودعم الشّعُوب المُضْطَهَدَة وانتهاج نمط تنمية يعتمد على تمويل الزراعة والصناعات التحويلية وخلق الوظائف والقضاء على البطالة والفَقْر، والإستثمار في الرعاية الصحية والتعليم والنقل العمومي والمساكن الشعبية الخ.  

 

قد يعجبك ايضا