عبر الإسرائيليون ويهود العالم حماس وبحق بشأن العلاقات الرسمية الجديدة بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل. ولكن بمجرد افتتاح السفارات، وحجز الرحلات الجوية اليومية، وتحديد اجتماعات العمل، أحث زملائي الإسرائيليين على الاقتراب من الفرص التي تأتي من السلام بحذر بنفس قدر ابتهاجهم.

المجتمع الإماراتي لا يشبه أي شيء تعامل معه الإسرائيليون من قبل. فإذا كانت أمريكا بوتقة انصهار وإسرائيل سَلطة، فإن الإمارات هي محل بقالة حيث يبقى كل نوع طعام في الرواق الخاص به.

على عكس الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن الإمارات هي دولة أجانب، حيث يتم تحديد الفرص والمكانة إلى حد كبير من خلال جواز السفر الذي تحمله.

على رأس الهرم يأتي الإماراتيون أنفسهم، الذين يتم الاعتناء بهم ماليا من المهد إلى اللحد بطرق لا يستطيع الغربيون حتى تخيلها. على الرغم من أن الإماراتيين يشكلون 12٪ من السكان، إلا أنهم يشكلون ثلث واحد بالمائة فقط من القوى العاملة. يهيمن البريطانيون والأمريكيون والأوروبيون الآخرون على قمة قطاع الأعمال، ويشكل العرب الآخرون وبعض الهنود معظم الطبقة الوسطى، في حين يعمل الأجانب من جنوب آسيا والفلبينيون في مجال البناء والأعمال الوضيعة.

في هذا السياق، يتم إخفاء الإماراتيين إلى حد كبير عن مرأى المجتمع السائد. ستراهم في مباني المكاتب والمطاعم ومراكز التسوق والأماكن العامة الأخرى. لكن القواعد الاجتماعية غير المكتوبة في الإمارات تجعل من إجراء محادثة عشوائية معهم أمرا صعبا، إن لم يكن غير لائق بالمرة.

قد لا يحظى السياح ورجال الأعمال الإسرائيليون الذين سيتدفقون بحماس إلى الإمارات في السنوات المقبلة بفرصة لقاء إماراتي واحد ما لم يعرّفهم أحد رسميا على شخص كهذا. وهذا يعني أن قراءة التصورات الفعلية للإماراتيين عن إسرائيل يوميا وبناء علاقات ذات مغزى على الأرض مع شركائنا الجدد في السلام قد يكون أمرا صعبا. لكن هذا يعني أيضا أن الإماراتيين سيظلون بمثابة لغز لمعظم الإسرائيليين كما هو الحال بالنسبة لبقية الناس في الإمارات.

أتيحت لي الفرصة للعيش بين الإماراتيين في عام 2006، قبل عامين من هجرتي إلى إسرائيل، عندما التحقت في إطار برنامج تبادل طلابي لمدة فصل دراسي واحد في الجامعة الأمريكية في الشارقة (AUS)، وهي جامعة ناطقة باللغة الإنجليزية على الطراز الأمريكي في الشارقة، ثالث أكبر الإمارات السبع التي تتألف منها دولة الإمارات العربية المتحدة. إمارة ذات توجه إسلامي صارم بشكل خاص، السباحة على الشاطئ تتطلب تغطية الجسم بالكامل وشرب الكحول ممنوع منعا باتا.

كنت واحدا من ستة طلاب أمريكيين في إطار برنامج التبادل الطلابي في الجامعة الأمريكية واليهودي الوحيد. أما باقي الطلاب فكان 25٪ منهم إماراتيون و 10٪ سعوديون و 10٪ إيرانيون و 10٪ فلسطينيون.

في ذلك الوقت، كان عمري 20 عاما وكنت شديد الشغف بالسعي لتحقيق السلام بين إسرائيل وجيرانها. اخترت الدراسة في الإمارات لأنني كنت آمل أن يمنحني ذلك الفرصة للتواصل مع الشباب العربي المعتدل الذين يمكن لأمريكا وإسرائيل تعزيز رؤيته لشرق أوسط مسالم ومزدهر.

لفترة وجيزة فكرت في إبقاء هويتي اليهودية بالسر، بسبب خشيتي من ردود أفعال أقراني العرب مع انتهاء حرب لبنان الثانية. لكنني قررت عدم فعل ذلك بعد أن سألت نفسي كيف يمكنني بناء روابط دائمة مع الأشخاص الذين كذبت عليهم بشأن جوهر هويتي.

الرغبة في التأقلم

في أول ليلة لي في الشارقة، تجولت في محيط المبنى الذي سكنت فيه وأنا أراقب جميع الرجال الملتحين في أردية بيضاء متطابقة بطول الكاحل. كانت لدي رغبة شديدة في التأقلم غير مدرك تماما للعادات الاجتماعية في بيتي الجديد، فتوجهت إلى رجل إماراتي طويل يرتدي ملابس تقليدية كان يقضي الوقت مع بعض أصدقائه وسألته أين يمكنني الحصول على رداء مثل الثوب الذي يرتديه.

نظر إلي للحظة وكأنني أتحدث الصينية، كما لو أنه لم يسبق وأن طلب أجنبي أن يلبس مثله. وسرعان ما برزت ابتسامة على وجهه، وأسرع بي هو وتسعة من أصدقائه إلى غرفته بحماس شديد. في غرفة النوم، لاحظت سريعا وجود ساعة باهظة الثمن موضوعة على خزانة الملابس ومفاتيح سيارة مرسيدس. اتضح على الفور أن معرفتهم باللغة الإنجليزية أساسية تماما وأنهم لن يشرعوا على الأرجح في مناقشة مسائل دينية أو سياسية محتدمة.

في تلك الليلة، أعطاني هؤلاء الأصدقاء الجدد “الكندورة” الخاصة بي، وهو الرداء الأبيض الذي يرتديه الرجال الإماراتيون، وعلموني التحية بالأنف كدليل على المحبة، وهتفوا بسعادة في كل مرة أخبرتهم أنني أحب الإمارات. على الرغم من أنهم يعيشون في بلد محاط بالأجانب، فقد تصرفوا كما لو كنت أول أجنبي تربطهم به علاقة حقيقية.

لقد كونت صداقات مع عشرات الإماراتيين في ذلك الفصل الدراسي من جميع أنحاء الإمارات، بالإضافة إلى أصدقائهم وعائلاتهم. عاملوني جميعا أفضل معاملة. كثيرا ما كانوا يصحبونني إلى ساحات الرماية، ويرافقوني لمشاهدة الأفلام وتناول الطعام، ويسمحون لي بالسباق في سيارات الدفع الرباعي الخاصة بهم في الكثبان الرملية القريبة. أولئك الذين أقاموا في الشارقة ودبي المجاورة كانوا يأخذونني لركوب جمالهم الأليفة والاستمتاع بوجبات فخمة من خمس أطباق أعدها العديد من خدم المنازل الأجانب من جنوب شرق آسيا.

كنت أتساءل أحيانا عما إذا كنت عبئا لأنني في كل مرة أزور فيها منزلا إماراتيا، كانت النساء في العائلة يختفين تماما عن الأنظار. في ثقافتهم، في المنزل، يجب ألا ينظر الرجال من غير الأقارب إلى النساء.

أصر أصدقائي الإماراتيون على ارتدائي الكندورة الخاصة بي عند الخروج معهم، خاصة عند ذهابنا إلى المركز التجاري. بخروجهم مع شخص مثلي، بعيناي الخضراوين والخاتم الموضوع في الحاجب والإنجليزية باللكنة الأمريكية، حظوا باهتمام أكثر من المعتاد وكانوا سعداء بذلك. بالكاد كان بإمكانهم كتم ضحكاتهم عندما كنا نتجول في “مول الإمارات”، أحد أكبر مراكز التسوق في العالم، ونرى أصحاب متاجر السيخ الهنود يحدقون في وجهي بهدوء، واقتراب النساء الإماراتيات منا لإلقاء نظرة أخرى، وقيام السياح الأوروبيون بالتقاط صور لي من بعيد.

اهتموا بخلاص روحي

هؤلاء الإماراتيين اهتموا لأمري حقا وانا اهتممت لأمرهم. كانوا يقولون إنني أخ لهم وعاملوني على هذا الأساس. حتى أن الكثير منهم عرفّني على الأصدقاء والغرباء من خلال إعطائي أسماء عائلاتهم.

ولقد اهتموا بروحي أيضا. الإماراتيون بشكل عام شعب متدين للغاية عندما يتعلق الأمر بالإسلام. حتى التذمر من شخص لا يعجبك هو أمر غير مقبول إذا كان اسمه محمد.

بالنسبة لهم، الإسلام هو الحقيقة. بغض النظر عن مدى تسامحهم مع الديانات والثقافات الأخرى ظاهريا، فسيظل الإسلام دائما هو العقيدة التي يجب تشجيع الآخرين على الانضمام إليها. خلال شهر رمضان، حصلت على نسخة من القرآن وكتاب صلوات إسلامية. مع علمهم أنني كنت أدرس القرآن، لم يستطع أصدقائي الإماراتيون توقع سيناريو لا أدخل فيه الإسلام عند انتهائي من قراءته.

حتى أن أحد الإماراتيين أعلن على موقع “CNN بالعربية” وأنا أقف إلى جانبه أثناء إجراء مقابلة معنا أنني على وشك التحول إلى الإسلام. عندما أدرك أخيرا أنني لن أصبح مسلما، نظر إلي كما لو كان على وشك البكاء لأنه شعر بقلق حقيقي بشأن خلاصي.

لم ينزعج أي من الإماراتيين الذين كنت صديقا لهم من كوني يهوديا أو مؤيدا لإسرائيل. كانوا يسألونني بين الحين والآخر أسئلة حول إسرائيل والصهيونية. أحد الأصدقاء من العائلة المالكة في الشارقة أعرب عن رغبته في أن يصبح سفيرا لدولة الإمارات لدى إسرائيل عندما وضعت أغنية “Jerusalem” لألفا بلوندي في سيارته. آمل حقا أنه مرشح للمنصب.

هذه المواقف كانت في تناقض حاد مع مواقف باقي أعضاء الهيئة الطلابية في الجامعة الأمريكية في الشارقة، الذين ربما كانوا أكثر أمركة على السطح، لكنهم تعلموا معتقدات معادية للسامية ومعادية لإسرائيل. بالنسبة لمعظم الطلاب في الجامعة، الذين نشأوا أيضا في الإمارات في الغالب، أصبحت مرتبطا بشكل غير قابل للفصل بسياسات إسرائيل وسياستها الداخلية، على الرغم من افتقاري للجنسية الإسرائيلية في ذلك الوقت. كان يتم إقحامي باستمرار في دور الممثل الرئيسي لأمريكا وإسرائيل واليهود مجتمعين معا. واعتقد الكثيرون أنني جاسوس.

لكن بالنسبة للإماراتيين، الذين لم تخض دولتهم يوما حربا مع إسرائيل أو كانت لديها ثقافة عميقة الجذور في معاداة السامية، كنت مايكل فقط. بالإضافة إلى لقب أو لقبين فخريين إماراتيين.

الجانب المظلم

جعلني ذلك أشعر بالأمان والأمن وبأنني موضع ترحيب في وجودهم.

كانت المشكلة عندما لم أكن معهم، لأنني لم أشعر بالأمان التام. خلال أسبوعي الثالث في الشارقة، تلقيت مكالمة هاتفية من رقم مجهول. أمرني صوت أجش بالذهاب إلى غرفة معزولة بالقرب من المكاتب الإدارية للجامعة.

في انتظاري كان هناك رجل ملتح قوي البنية يرتدي بدلة ويجلس خلف مكتب كبير. لم يكن إماراتيا. قال لي إنه كان يعمل مع إدارة المباحث الجنائية، وهي ما يعادل الشرطة السرية في الإمارات. اتهمني بكوني مثير للمتاعب وقال إنه يتلقى بلاغات بأنني أتسبب في التحريض والاستفزاز وأقوم بإظهار علامات معارضة سياسية، وحذرني من أنه لدى الجدران في الإمارات عيون وآذان تراقبني وتسمعني للتأكد من أنني لا أنوي القيام بشيء مريب.

بعد أيام، فقدت الاتصال بالإنترنت من غرفة النوم الخاصة بي. عندما تواصلت مع المسؤول عن المبنى الفلسطيني بشأن المشكلة، قال بصراحة إن أجهزة الأمن طلبت منه أن يولي اهتماما خاصا بي. سألني من أين أتيت، ومن أين أتيت حقا. عندما قلت إنني من الولايات المتحدة، سألني مرة أخرى بالعبرية. لم أتمكن أبدا من استعادة الاتصال بالإنترنت في غرفتي.

في نهاية الفترة التي أمضيتها في الإمارات، عند عودتي من رحلة إلى لبنان وسوريا، اكتشفت أنه قد تم اختطاف طالب سعودي من أصل هندي وتعرضه للضرب من قبل إدارة المباحث الجنائية، الذين كانوا على اقتناع بأنه كان يخطط معي لإدخال إسرائيليين إلى البلاد. عرضوا عليه صورا لي في الحرم الجامعي واستجوبوه حول هويتي الحقيقية.

قد يكون أصدقائي الإماراتيون عاملوني كأنني أحد أفراد العائلة المالكة، لكن الأشخاص الذين يديرون العمليات اليومية في الإمارات، بما في ذلك الأجهزة الأمنية، ليسوا إماراتيين. كثير منهم يأتون من العراق وسوريا ولبنان ومصر والسودان والأراضي الفلسطينية، وهم يفعلون الأشياء على طريقتهم.

بفضل ثروة الإمارات وتطورها التكنولوجي، كانت لديها القدرة حتى في ذلك الوقت على تقييد المعلومات، وخنق حرية التعبير، وفرض النظام بطرق لا يمكن للأنظمة الاستبدادية الفقيرة أن تحلم بها.

يعرف غير الإماراتيين أن هناك احتمال بأنهم مراقبون أو يتم تسجيلهم في جميع الأوقات وهم عرضة لفقدان حقوق إقامتهم في الدولة إذا ارتكبوا أدنى خطأ. ومن المفارقات أن الإمارات تميل إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة فيما يتعلق بالمخالفات بحق المسلمين مقارنة بغير المسلمين. قيل لي باستمرار أنه إذا عثرت الشرطة على شخص غربي يتجول في شوارع الشارقة وهو في حالة سكر، فقد يتم سجنه لليلة واحدة، لكن على الأرجح أن يتم توصيله إلى المنزل. طالب سوداني كنت أعرفه، حكم عليه بالجلد خمسين جلدة على ظهره. في الإمارات، ينبغي على المسلمين أن يكونوا أكثر حنكة.

تثير الاختلافات المتأصلة بشأن المكانة بين الإماراتيين وغير الإماراتيين الذين يعيشون بشكل دائم في الدولة استياء كبيرا. بعد أن حصلت على شرف معاملتي كشبه إماراتي، دعوت أصدقاء آخرين لي للانضمام إلي في رحلاتي مع الإماراتيين. ولكن باستثناء عدد قليل من العرب من دول الخليج الأخرى، لم يقبل أي طالب آخر دعوتي. رفض معظمهم صراحة التعامل مع الإماراتيين ما لم يضطروا إلى ذلك. في بعض المناسبات، كان الأصدقاء ينهضون من مقاعدهم ويتبادلون الطاولات عندما يأتي إماراتي لإلقاء التحية عليّ فقط لإبراز عدم رغبتهم في إهدار وقتهم معه.

كان العديد من هؤلاء الأصدقاء يشعرون بالخوف لأنهم معرضين لضغوط شديدة للعثور على وظائف مستقرة بمجرد تخرجهم من الجامعة. لقد ولدوا ونشأوا في الإمارات، ولكن إذا لم يتمكنوا من العثور على عمل في غضون ثلاثة أشهر من التخرج، فسيتم ترحيلهم إلى بلد لم يعيشوا فيه من قبل. التواجد في محيط الإماراتيين يذكرهم بالمكانة التي لا يمكنهم الحصول عليها أبدا.

معظم غير الإماراتيين الذين تعرفت عليهم جاءوا من خلفيات اجتماعية مميزة. لكن حتى بالنسبة لهم كان التفاوت في الامتياز بين الإماراتيين وغير الإماراتيين شيء يصعب عليهم تجاوزه لتكوين أي نوع من الصداقة، ناهيك عن عامل بناء باكستاني أو خادمة منزل إندونيسية.

وكما قال لي أحد أصدقائي الفلسطينيين، “الإمارات هي مكان غريب. معظم العرب هنا يفضلون أن يكونوا أصدقاء مع يهودي على أن يكونوا أصدقاء مع بعضهم البعض”.

تجربة إقامتي في الإمارات حدثت قبل فترة طويلة، ولكن بالاستناد على رحلات قمت بها لاحقا إلى هناك ومحادثات مع أصدقاء مقيمين هناك، فإن هذه المشاكل لا تزال قائمة.

يعتبر اعتراف الإمارات بإسرائيل خطوة هامة­ إلى الأمام للمنطقة ومن المرجح أن تحقق ازدهارا واستقرارا كبيرين في السنوات القادمة. ولكن بما أن الإسرائيليين يسعون وبحق إلى التمتع بثمار السلام، ينبغي علينا أن نقدّر ما هو صحيح وما هو غير صحيح عند الحديث عن الإمارات العربية المتحدة لأننا نبني علاقات مع الناس الذين يعيشون هناك.