الرؤيا الآن…

أجل، الرؤيا الآن. هؤلاء أهلنا الذين عاشوا، للحظات، نهاية العالم. ألا تكفينا هيروشيما الأخلاقية، وهيروشيما السياسية، وهيروشيما الاقتصادية، وهيروشيما المالية، وحتى هيروشيما السوسيولوجية؟

ماذا بعد لكي نعي أن ثقافة هولاكو، وثقافة يهوذا، وثقافة دراكولا، هي التي تحكمنا، وهي التي تتولى برمجتنا واعادة انتاجنا كما عيدان الثقاب: بالروح، بالدم، نفديك يا… مولانا القاتل!

كلهم قتلة. قتلونا بالعتمة، وقتلونا بالعوز، وقتلونا باللامبالاة، وقتلونا بالأزمنة الفارغة، وبالسياسات الفارغة. قتلونا حين جعلوا منا طوابير الماعز أمام… صناديق الاقتراع.

ما حدث في بيروت كان منتظراً. الآن، المسؤولون عن العنابر هم الضحايا. كفانا هذه الكوميديا (التراجيديا). الذين سقطوا انما سقطوا بفساد السلطة، وباستهتار السلطة. أنت، أنت، يا سعادة المدير العام، ويا معالي الوزير، هل تكفي المراسلات، وبخطى السلحفاة، لدرء ذلك النوع الرهيب من الخطر؟

الطبقة السياسية، بقضها وقضيضها، ينبغي أن ترحل. تلك الدجاجة العرجاء التي تدعى حكومة حسان دياب ينبغي أن ترحل. ما بعد ليلة الأمونيوم غير ما قبلها. نحن حزانى، نحن غاضبون، نحن ثائرون، حتى ولو كنا في منازلنا، في قبورنا، ولم ننزل الى الشارع الذي حولوه، أيضاً، الى كرنفال لطالما جعلنا نتساءل أهذه ثورة الكافيار أم… ثورة الفلافل.

حتى ونحن نبحث تحت الأنقاض عن أهلنا، حتى ونحن نكفكف دماءنا بايدينا، كان هناك من يستخدم الفجيعة التي قتلاها، وجرحاها، من كل الطوائف، ومن كل القبائل، لكي يتقيأ الكراهية، والتفاهة، والزبائنية، تماماً كما تتقيأ الذئاب.

باحث لبناني في معهد كارنيغي، المعهد الذي يفترض أن يكون، بالحد الأدنى، متزناً، ومتوازناً، ربط بين الانفجار والحكم الذي يصدر الجمعة عن محكمة لاهاي. ثم اكتشف أن العنبر رقم 12 (وكان يقتضي أن يكون العنبر رقم 13)، كان يحتوي على متفجرات لحزب الله، قبل أن يرى، على امتداد تلك الليلة، أن انفجار المرفأ حلقة من مسلسل الحرائق والانفجارات التي هزت ايران في الآونة

الأخيرة…

حتى الاسرائيليون لم يتفوهوا بمثل هذا الكلام. كيف يمكن، يا صاحب الدماغ الفذ، تبرئة يهوذا اللبناني (وثمة أكثر من يهوذا) من تلك الهيروشيما التي حولت اللؤلؤة الى أرض يباب؟

لا ندافع هنا عن حزب الله، وله الكثيرون الذين يدافعون عنه، ولا تعنينا ايران لا من قريب ولا من بعيد. ولكن معيب أن نمشي بأسناننا فوق جثث موتانا. معيب على معهد كارنيغي أن يكون لديه باحث بتلك الضحالة، وبتلك الببغائية، وبذلك الارتجال. لو كانت لديه ذرة من كرامة لكان استقال وعمل سائق فان على طريق مدينته.

ليلة الأمونيوم، أو ليلة الموت الكبير، أو ليلة الفضيحة الكبرى. تذكرون كيف أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله هدد اسرائيل بالقنبلة النووية (تفجير مستودعات الأمونيوم في حيفا). حكومة بنيامين نتنياهو سارعت الى نقل المستودعات الى أمكنة نائية.

كما لو أننا لسنا دولة الاحتمالات، وكما لو أن الموساد لم يضع العنبر رقم 12 في بنك الأهداف. تركنا آلاف الأطنان من الأمونيوم وسط المدينة لكي نقتل أهلنا، ونقتل منازلنا، ولكي نقتل رهاننا على رغيف الخبز.

امتناننا للدول التي أظهرت استعدادها لمساعدتنا، أو التي باشرت، فعلاً، بمساعدتنا على التعاطي مع التداعيات الهائلة للكارثة. مواقف بعض الدول العربية كان مخزياً. لكأنها صناعة العار. لسنا ايفانكا ترامب بالكعب العالي، ولسنا الليدي غاغا بالرقصات المجنونة.

نحن لبنانيون، ونعرف كيف نعيد بناء مدينتنا. تماماً كما قال كونراد اديناور لبني قومه «دعوا هذه الدموع تتحول الى زنابق من أجل ألمانيا».

ولسوف نحوّل دموعنا الى زنابق من أجل لبنان..