الانتخابات في الأردن … هل يراد بها التفاخر أم صناعة التغيير؟ / د. منصور محمد الهزايمة

د. منصور محمد الهزايمة ( الأردن ) – الثلاثاء 4/8/2020 م …




في بادرة مقدّرة أعلن جلالة الملك عبد الله الثاني عن الالتزام بالاستحقاق الدستوري في إجراء الانتخابات النيابية في المملكة هذا العام، متجاوزا بذلك اعتبارات جائحة كورونا العالمية، وبالتالي ذهبت إشاعات التمديد للمجلس الحالي أدراج الرياح.

بعد هذا الإعلان بقليل أقر مجلس مفوضي هيئة الانتخاب المستقلة موعدا محددا هو يوم العاشر من تشرين2 (نوفمبر) لإجراء الانتخابات النيابية، وكما هو معلوم، فإن انتهاء فترة الأربع سنوات للمجلس الحالي تقع في السابع والعشرين من شهر أيلول (سبتمبر)، لكن يبقى كل شيء مرهون بالدستور وسلطات الملك الدستورية.

إن الإصرار على إجراء الانتخابات رغم الظروف التي تحيط بالعالم من جراء جائحة كورونا، يمر من باب الايجابية محليا وعالميا، حيث إن هذا الاستحقاق الدستوري في هذه الظروف يحتاج من الجهد ما يجعل معظم مؤسسات الدولة تقف على قدم وساق، وتعمل بجد من أجل انجاز هذه العملية، وقد تتعاظم هذه الجهود نسبة لما تتطلبه من إجراءات استثنائية احترازية خاصة بالفيروس لإتمام هذا الاستحقاق الدستوري.

تمثل الانتخابات لدى الشعوب المتحضرة أداة  التغيير التي تصنع اللحظات التاريخية، وإنهاء الحالة الطاغية عند تنامي الفساد، أو زيادة التوتر، كما تضخ الدماء الجديدة في الإدارة العامة، وكذلك السياسية، وفي تداول السلطة، فالانتخابات بإجراءاتها الواضحة السلسة، وصناديقها غير المثقوبة، تمثل الحالة الأكثر إنتاجا في صناعة التغيير، لذلك نجد أن المسئول يشعر دائما  بحاجته إلى صوت المواطن دائما، وإلاّ سيلقى الفشل فورا في المستقبل القريب، أمّا بديل الانتخابات في المجتمعات التي لا تعتقد بها فهو العنف المتمثل بالانقلابات أو الثورات التي تستبدل مستبدين بأخرين، وفاسدين بأفسد منهم.

والانتخابات الرصينة تحتاج إلى وعي أكيد بقيمتها من أركان الدولة، وكافة مؤسساتها، وكذلك هيئات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، فكلما توطدت الثقة بصحة إجراءاتها، وصحّت نتائجها، زاد الإقبال على المشاركة بها، وأفرزت ممثلين حقيقيين للشعب، وإن كانت البيئة العامة صحيحة، فهذا يفترض أن يخفض منسوب التوتر في شتى الاتجاهات.

نجد غالبا أن المشاركة في الانتخابات لا تصل إلى النسبة المستهدفة، وربما يعود ذلك إلى عدم الثقة بما تفرزه، حيث كان سابقا يبدو الحديث عن فسادها من باب التخرصات، حول ما يشاع عن التزوير الذي يغشاها، لكنّ الصدمة كانت عندما خرج علينا مسئولون انتخابيون بالتصريح بأن دورات انتخابية بأكملها قد تعرضت للتزييف، وهذا يعطي البعض المبرر بعدم جدية السلطات في إجراء انتخابات شفافة، يُبنى على نتائجها، بقدر ما تريدها لافتة أمام الخارج شكلا  لا أكثر، تقابل بردة فعل شعبية بالعزوف عن المشاركة، من منظور أن حليمة لن تغير عادتها القديمة.

إن من يحرص على إجراء الانتخابات، ويؤمن بقيمة دورها في التغيير، مطالب بأن يُقدم على الانتخابات وقد سدّ أبواب التوتر في المجتمع، وأن يكون حريصا على عدم استثارة فئات المجتمع المختلفة، أو دفعها لاعتزال المشاركة، أو يترك لها الفرصة أو المبرر للتعامل مع الانتخابات بأن العبث والتزوير هو قرينها القدري.

إن الانتخابات في الدول المتقدمة قد توازي في نتائجها ما يشبه البركان، أو الثورات السلمية التي تحقق الغايات المرتجاة في التغيير والتطوير، دون إراقة الدماء، أو استثمار النفاق السياسي والاجتماعي، أو تعظيم التحالف بين المرفهين والفاسدين مع أهل السلطة، بينما ما زالت لدى الشعوب التي لم تصل فيها الانتخابات إلى تلافيف بنيتها الفكرية، مجرد مظاهر شكلية، حيث القناعة تطل من منظور لا يفل الحديد إلاّ الحديد، فالسلطة تُشهر سيف الأمن والأمان، والمعارضون لها يؤمنون أن التغيير يحتاج لسيف مثله، فتبقى السلطة تتزحزح على قرن الثور، وهكذا كلما جاءت سلطة بهذه الطريقة لعنت أختها.

لكن ما يعاب على الانتخابات لا يقع دائما على عاتق السلطة في كل ما ينتج من مفاسد، بل أن الهيئة الناخبة أيضا بدورها تتحمل كثيرا مما يؤخذ عليها، عندما تتجه للانتخابات بعقلية ثابتة لا تتبدل، فطالما صرخنا في وجه الفساد، لكننا بأنفسنا ننتج الفاسدين، حيث يُعاد انتخابهم بنفس العقلية العشائرية والمناطقية والجهوية؛ أي أننا نكرر أنفسنا أبدا، فنصنع نفس المقدمات، وننتظر غير النتائج…فهل يُعقل ذلك؟

 

 

قد يعجبك ايضا