واشنطن ما بين العثمنة والتنظيمات الراديكالية وإشاعة الفوضى الدولية / المهندس ميشيل كلاغاصي

أمريكا عاجزة عن فك الشيفرة السورية – الإيرانية / المهندس ميشيل ...

المهندس ميشيل كلاغاصي ( سورية ) – الإثنين 3/8/2020 م …

لسنوات وعقود وقرون لا يزال سكان الأرض ينتظرون السلام, ويدفعون لأجله من مالهم وحياتهم وأحلامهم, سلامٌ لن يتحقق أبدا ً، في ظل شهوات وأطماع المهيمنين على العالم، دولا ً كانوا أم تنظيمات خفية أو مرئية، يتعاقبون على قيادة العالم ويدفعون مراكبه نحو جحيم الحروب والماّسي، ويعتمدون القوة والهيمنة اسلوبا ًواستراتيجية ً للوصول إلى غاياتهم وأهدافهم .. ومع كل أفولٍ لإحدى امبراطوريات الشر، ترثها أخرى ويستمر المشهد دون توقف، و”تزدهر” الفوضى ويبتعد السلام…ويبقى المتغير الوحيد هو على مستوى ذهنية الربح والخسارة ، فقد باتوا يقاتلون بغير أجسادهم وبغير أموالهم، وبما يعرف بحروب الوكالة والأدوات، ووصلوا حد استخدام أحلام “عبيدهم” وعقائدهم وتاريخهم فضلا ًعن دمائهم على أنها معاركهم.




وإذا كنت منطقة البحر الأبيض المتوسط قد شهدت عبر التاريخ عشرات الجولات والمعارك والحروب، إلا أنها لا تزال تكرر نفسها، وتأتي اليوم مشاهدها الجيو-سياسية المستجدة لتزيد درجة تعقيد الصراع الدولي وأعداد الدول المتداخلة فيه، وترفع إحتمالية نشوب الحروب المباشرة بين الدول، والتي لا تزال تكتفي-حتى اللحظة- بالإشتباك في بعض الجبهات الساخنة في سوريا وليبيا وغير مكان.

ويمكن قراءة الإنقسام الكبير وتباين مواقف هذه الدول، من خلال توتر العلاقات اليونانية – التركية، ومراقبة خلط أوراق الصراع بين دول شرق وغرب المتوسط من خلال  الملف الليبي، وسط خشية بعض الدول العربية من تمدد المشروع الأردوغاني– العثماني نحوهم، والرفض المصري للتدخل العسكري التركي، وتوقيع إتفاقيات البحث والتنقيب وتحركات سفن المسح التركية في المناطق الإقتصادية البحتة لبعض الدول، ما استدعى دعوات من بعض القادة الأوروبيين لفرض العقوبات على تركيا والوقوف صراحة ً إلى جانب اليونانيين والقبارصة، وإلى دعوات معاكسة لإعادة العلاقات معها، ويتفاقم الإنقسام في ظل تحركاتها العسكرية البرية خارج حدودها شمالا ً في كاراباخ وجنوبا ً في سوريا والعراق، وعلى خلفية قرارها الأخير حيال اّيا صوفيا. 

فالإعلان التركي عن إطلاق خطة البحث الزلزالي عن النفط في البحر المتوسط عبر سفينة الأبحاث Oruc Reis ودعم تحركها نحو جنوب جزر رودس وكارباثوس وكاستيلوريزو اليونانية ببعض القطع الحربية .. أثار غضب اليونان ودفع خارجيتها لمطالبة حكومة أنقرة بالوقف الفوري للخطة، فيما دعا رئيس وزرائها إلى فرض العقوبات على الإتحاد الأوروبي إذا لم تتراجع أنقرة….ناهيك عن وضع القوات اليونانية المسلحة في حالة تأهب قصوى .. الأمر الذي قابله الأتراك بتراجع وتقهقر وبتعليق الخطة كبادرة ودليل على حسن النوايا تجاه اليونان وسط المحادثات الجارية بينهما حاليا ً.

في حين اعتبر الرئيس الفرنسي، أن الخطة التركية هي “إنتهاك للسيادة”، وبأنها قضية أوروبية و”يجب أن تدافع أوروبا عن سيادتها” وكتب في منشور على الفيسبوك باللغة اليونانية “يجب عدم تهديد المساحة البحرية لدولة عضو في الإتحاد الأوروبي”.

في حين جاء الموقف الإيطالي عن طريق المخضرمة ناتالي توسي ( مستشارة موغريني وفوريل, ومديرة المعهد الإيطالي للشؤون الدولية، وعضو مجلس الطاقة الإيطالي العامل في قبرص وليبيا ) ورأت أن: “الإتحاد الأوروبي لم يتحرك  لتطبيق العقوبات على أنقرة ومن غير المرجح أن يقوم بذلك مستقبلا ً”، وأنه على أثينا ونيقوسيا وباريس معاملة تركيا “كشريك وليس كخصم”… وهذا يؤكد استعداد إيطاليا لغض الطرف عن وجود تركيا وحكومة الإخوان المسلمين في العاصمة الليبية، كما يؤكد الدعم الإيطالي لمنع الإتحاد الأوروبي من فرض العقوبات على تركيا.

في حين حذرت المستشارة ميركل الرئيس التركي من أن “اليونانيين لا يمزحون” وسيردون على أي انتهاك لمساحتهم البحرية، وأنه بتصرفاته يحرج ألمانيا أمام الإدعاءات الأوروبية بأنها حليف وفي لتركيا…

ناهيك عن الموقف روسيا الدقيق والمبدئي حيال دعم الشرعية الدولية والإستقرار العالمي، الأمر الذي يفرض عليها نوعا ً من العلاقات والمصالح المتداخلة مع الجميع , مع مراعاة حرصها  للحفاظ على مصالحها ومكانتها في البحر المتوسط، وسط غياب سياسة موحدة لدول الناتو تجاهها والصراع معها، بما يدفعها لإتباع سياساتٍ بعيدة المدى تشمل حزمة نوعية للعلاقات التي تربطها مع تركيا وإيطاليا وألمانيا.

في هذا المشهد الدولي المصغر، يتساءل البعض عن ضخامة وأهمية الدور التركي، وعن قوة وقدرة الرئيس أردوغان للعب أدوارٍ مختلفة ومتناقضة تحت مظلة الناتو والهيمنة الأمريكية والعلاقات الأوروبية، والمغامرات التركية المبنية على المقامرة في غالبيتها …

فمن المعروف أنه منذ وصول أردوغان إلى المشهد السياسي التركي وصعوده إلى السلطة، وخلال العقد الأول ، لم يكن ليخفي هدفه الوحيد بدخول بلاده إلى الاتحاد الأوروبي، فيما تحول في عقده الثاني وعبر تدخله السافر في شؤون الدول المجاورة سياسيا ً وعسكريا ً وعبر قيادته للتنظيمات الإرهابية التكفيرية، نحو العثمانية الجديدة بضوء أمريكي أخضر، بعدما احتاجت واشنطن إلى “الأحلام” التركية البائدة لإطالة أمد بقاء قواتها في سوريا والعراق وعلى مقربة من الحدود الإيرانية، ولمنافسة روسيا في سوريا والبحر الأبيض المتوسط ( بعد دخول أردوغان إلى ليبيا ) وإحكام قبضتها على المواقف الأوروبية التي تبحث في قرارة نفسها طريقها الخاص.

وبات من الصعوبة بمكان التنبؤ بالمسار المستقبلي للتطورات وبما قد يفعله أو لا يفعله أردوغان، سواء هادن اليونان أم عاداها، وسواء حاول الانفصال عن الناتو بتشجيع روسي أم من خلال مصالح تركيا وضرورات أمنها القومي، يبقى الشيء الوحيد والمؤكد أنه بات متورطا ً بسياسة مقلقة وعدائية مناهضة لعديد الدول في محيطه الحيوي والإقليمي والعالمي، وسط الأوضاع التركية الداخلية غير المستقرة والإنهيارات الكبرى وإنسحاب عيد الشخصيات المؤثرة داخل حزب العدالة والتنمية، ووسط الأوضاع الإقتصادية الصعبة والتراجع الكبير لليرة التركية أمام الدولار، دون أن ننسى “الغيمة السوداء” التي يفرضها إنتشار فيروس كورونا المستجد على تركيا وخصومها، ولعلنا نختم بما هو مؤكد حيال تمسك تركيا – أردوغان بالعلاقات مع الكيان الإسرائيلي كنوع من الشيفرة لعدم غرق تركيا في مستنقع مغامراتها، وجحيم الضوء الأخضر الأمريكي.

هكذا تدفع امبراطورية الهيمنة والشر الأمريكي العالم لمواجهة الفوضى ونحو التصعيد العسكري , تارة ً عبر تأييد العثمنة وأخرى بالإعتماد على الميليشيات الإنفصالية، وبإثارة المشاكل الدولية بين حلفائها فضلا ً عن خصومها وأعدائها والدفع بهم نحو الحروب، لتمرير إنتخاباتها ولإستعادة شيئا ً من استقرارها الداخلي المهزوز ومصيرها الغامض، وسط تصدرها لائحة الدول الأكثر إصابة بفيروس كورونا المستجد، غير اّبهةٍ بمصير الدول والشعوب أو حتى بإحلال السلام .

قد يعجبك ايضا