من سياسة التذاكي إلى اللعب على الحبال… أردوغان إلى الهاوية؟ / د. ميادة ابراهيم رزوق




من «الربيع العربي» إلى زمن كورونا: إرهاصات وتداعيات.. بقلم: د ...

د. ميادة ابراهيم رزوق ( الأربعاء ) 29/7/2020 م …
وصل أردوغان إلى سدنة الحكم في تركيا بناء على مشروع صهيوامريكي التزم بأجندته دون أن يتخلى وبتذاكي عن تحقيق حلمه العثماني الذي كان حقيقة ضمن وفي تفاصيل الأجندة الصهيوامريكية، ودون العودة إلى وثائق قديمة تتحدث عن مشاريع تقسيم المنطقة وفقاً لمشروع برنارد لويس ووثيقة كيفونيم الصهيونية، أو مشروع الشرق الأوسط الجديد وفق كتاب شمعون بيريز الذي صدر عام 1993، نورد وثيقة أحدث يمكن من خلالها فك الكثير من شيفرة أحداث تورط النظام والجيش التركي كرأس حربة على عدة جبهات متفرقة، والكلام عن وثيقة أوباما السرية (psd-11)  أو الأمر الرئاسي الأميركي – 11، وتعد إحدى أهم الوثائق التي كشفت دعم الولايات المتحدة الأمريكية لجماعة الإخوان المسلمين في عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، ووفقاً لصحف دولية وأمريكية نشرت بعض تفاصيل هذه الوثيقة التي لاتزال سرية فإن إدارة أوباما دعمت تنظيم الإخوان منذ عام 2007، حيث بدأت بتغيير خططها لاختيار سفرائها في الدول العربية، وبالتركيز على شخصيات ذات خلفية تاريخية على صلة بحركات الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين، من بين أعضاء جهاز الأمن القومي، وليس من الدبلوماسيين المحترفين، وخاصة في مصر وسورية وليبيا وتونس والجزائر والعراق والمغرب والأردن، ووفق صحيفة “إيبوخ تايمز” الألمانية سهل الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما التعاون بين جماعة الإخوان المسلمين في مصر ومنظمة “بيل وهيلاري كلينتون” الخيرية، وكان الهدف الأساسي من الخطة الأمريكية مساعدة الإخوان للوصول إلى الحكم في تونس وليبيا وسورية ومصر، فأوكلت المهمة لتركيا كقاعدة متقدمة لحلف الناتو منذ بداية ما يسمى (الربيع العربي)، وفي هذا المقال لن نتحدث عن تفاصيل الدور التركي في الحرب على وفي سورية – وقد تناولناه في مقالات سابقة (العلاقات التركية ــ الإسرائيلية في إطار الإستراتيجية الأميركية نشر بتاريخ 1/7/2016) و (من مشروع العثمانية الجديدة إلى سياسية اللعب على الحبال نشر بتاريخ 26/2/2020)-، وعن دعمه مجموعات متطرفة في شمال لبنان بذرائع خيرية وانسانية، بل عن تقاطع الدور التركي بأطماعه في شمال افريقيا مع المهمة الموكلة له في تحقيق الفوضى والفتنة والتقسيم ضمن الأجندة الصهيوامريكية، و تقاطع أطماعه في إعادة أمجاد السلطنة العثمانية مع المشروع الأمريكي في تطويق إيران والصين وروسيا.
بالعودة إلى انغماس أردوغان بالحرب الدائرة  في ليبيا بين أطراف داخلية مدعومة من قوى خارجية تدور جميعها في الفلك الأمريكي، ولكل منها دوره سابقاً في إنجاز (الربيع العربي)، أما بالنسبة لأردوغان وبما يشابه دوره العسكري والأمني والاستخبارتي في سورية وسرقة النفط والغاز والمعامل والمصانع السورية، نقل أكثر من 11 ألف من الإرهابيين المرتزقة من الشمال السوري إلى ليبيا مع آليات ومعدات وتجهيزات عسكرية ودبابات وطائرات مسيرة وصواريخ لدعم حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، ورفض وعلى لسان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو يوم الإثنين 13تموز2020 وقف ابرام أي اتفاق لوقف اطلاق النار قبل انسحاب قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر من مدينة سرت وقاعدة الجفرة الجوية، وذلك لأهمية خط سرت والجفرة كبوابة للسيطرة على منطقة الهلال النفطي التي تضم حقول ومرافئ تصديره، حيث يعتبر هذا الهلال حوض نفطي يقع على ساحل البحر المتوسط ويمتد على طول 205كلم من طبرق شرقاً إلى السدرة غرباً، ويعتبر أغنى مناطق البلاد بالنفط، وتحتوي المنطقة الواقعة بين مدينتي سرت وبنغازي نسبة 80٪ من احتياطي ليبيا من النفط والغاز المقدر حجمه بأكثر من 45مليار برميل نفط وَ 52تريليون قدم مكعب من الغاز، ومن أكبر حقول النفط فيها السرير ومسلة والنافورة التي تنتج نحو 60٪ من النفط، كما تقع فيها أكبر مجمعات تكريره وموانئ تصديره إلى العالم، أما قاعدة الجفرة الجوية فهي من أكبر القواعد الجوية في البلاد وتقع على بعد 300كلم جنوب سرت، وتتميز القاعدة ببنيتها التحتية القوية التي تم تحديثها مؤخراً وبإمكانها استقبال أحدث الطائرات المقاتلة، ولا يفصلها عن مدينة سرت سوى طريق مفتوح لايتجاوز 300كلم وبالتالي استخدامها كقاعدة له للتوسع في المنطقة، وكل هذا الدور ليس إلا في إطار الإستراتيجية الصهيوامريكية في شمال افريقيا والتي لامجال للاسهاب في شرحها في هذا المقال إلا بعنوان عريض نهب الثروات وتقسيم المنطقة وتكبيل مصر واضعافها وتهديد أمنها القومي وبالتوافق مع مشروع سد النهضة الإثيوبي للامعان دون عودتها إلى منظومة الردع العربي، دون أن ننسى اضطرابات تونس الداخلية الأخيرة ودور حزب النهضة ذو الخلفية والأصول الإخوانيّة وفق تواصل مباشر مع النظام التركي وحكومة الوفاق في ليبيا.
لم تتوقف أحلام أردوغان على منطقة الشرق الأوسط بل امتدت لتشمل كل أرض أو شبر كان تحت هيمنة السلطنة العثمانية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى بما فيها منطقة القوقاز وآسيا الوسطى من خلال تدريب وتسليح الجيش الاذربيجاني بدور تركي تصعيدي في الأزمة والمناوشات الأخيرة بين أرمينيا واذربيجان، والتي اندلعت بعد أيام قليلة من المناورات البحرية التي شاركت فيها قوات اوكرانية ورومانية وجورجية وتركية وأمريكية في البحر الأسود ضمن خطوة استفزازية لروسيا، أو بكلمات أخرى، إن وقوف النظام التركي مع أذربيجان هو تحدٍّ شبه صريح لكل من إيران وروسيا وحتى الصين، حيث يوجد تحالف استراتيجي وعلاقات وطيدة دبلوماسية استخباراتية أمنية وعسكرية دفاعية واقتصادية بين (إسرائيل) وأذربيجان، بالإضافة إلى وجود قاعدة تجسس جديدة للموساد الصهيوني ضد إيران خارج العاصمة باكو وفق صحيفة تايمز البريطانية، وقاعدتين استخباريتين امريكيتين في العاصمة باكو إحداها في الجنوب لأجل مراقبة إيران، والأخرى في الشمال بهدف مراقبة روسيا، وفي الوقت الذي تعتبر أذربيجان خاصرة إيران الضعيفة بحكم الجغرافيا والتاريخ، وثلث سكان ايران من الاذريين ويبلغ عددهم 20مليون نسمة يتحدثون اللغة التركية (لغة مشتركة مع سكان أذربيجان)، وتربطهم عادات وتقاليد مشتركة تفصل بينهما الحدود، أي أنه يمكن تحريك ورقة الاذريين في إيران بما فيهم المعارضة الإيرانية المنحدرة من أصول اذرية في حال تنامي تصعيد الوضع الحالي بتعاون (أمريكي – إسرائيلي – تركي) بتدعيم قوة أذربيجان أحد أهم أوراق اضعاف النفوذ الإيراني الاقتصادي والعسكري والأمني والسياسي في تلك المنطقة، واستخدامها كورقة ضغط على إيران لتهديدها عسكرياً وأمنياً، بالإضافة إلى تقييد الدور الروسي في القوقاز، عبر إيجاد دول معادية على حدودها وانشغالها بها، ومحاولة افقادها أهميتها في نقل النفط عبر دول منطقة القوقاز، وكذلك التأثير على الموقف الروسي تجاه دعم بعض الدول كـ إيران وسورية مع وضع حدود للتوسع الإيراني-الصيني في المنطقة وفق الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية المشتركة التي تتم مناقشتها مؤخراً ربطاً مع خط تشابهار الإيراني، وخط شمال جنوب الذي يصل اوراسيا بدول المحيط الهندي، ومشروع الحزام والطريق الصيني.
وفي الخلاصة: مجموعة من التساؤلات يمكن أن نطرحها عن سياسة أردوغان بين التذاكي واللعب على الحبال… بين دوره في الأجندة الصهيوامريكية وأحلامه العثمانية، والضغط على روسيا وإيران لتحصيل أوراق تفاوض في سورية وليبيا، ماذا يستفيد أردوغان من هذا التحدي؟ هل تخدم تركيا؟ تركيا التي رفعت شعار صفر مشاكل عام 2002 لتنتقل بفضل سياسات اردوغان العبثية عام 2020 إلى عزلة دولية شبه كاملة، مع استمرار معاداة الدول الأوروبية التي لايزال يستخدم ورقة اللاجئين لابتزازها، ومجددا بتحويل متحف آيا صوفيا وأثره في التراث العالمي إلى مسجد في محاولة لاستجلاب دعم المحافظين في الداخل التركي والتنظيمات الإسلامية في المنطقة العربية، تركيا التي وصل تعداد السياح إليها 5ملايين سائح روسي سنوياً، وحجم التبادل التجاري الروسي-التركي أكثر من 100مليار دولار سنوياً، هل تلجأ إلى ليّ الذراع الروسي خدمة للاقتصاد التركي الذي زادت جائحة كورونا عجزه وتضعضعه.
أردوغان الذي اتبع أبشع السياسات الدكتاتورية بالسيطرة على 95٪ من الإعلام الحكومي والخاص واعتقال وتعذيب المعارضين والمناوئين له، هل بهذه الاستراتيجية الداخلية والخارجية يرّصد نقاطا للانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها عام 2023 في الوقت الذي يعاني حزبه “حزب العدالة والتنمية” من تراجع شعبيته وانقسامات وانشقاقات داخلية.
ختاماً برأينا معركة إدلب ستجر سلسلة من هزائم أردوغان تبدأ في سورية وتمر بفرملته عن قرصنة النفط والغاز في المنطقة الاقتصادية القبرصية الخالصة شرق المتوسط، وتنتهي بجر ذيول الخيبة في ليبيا نحو سياسة تركية جديدة إزاء المنطقة قد لايكون أردوغان في تفاصيلها.

قد يعجبك ايضا